الاقتصاد الاسلامي بين فكر الإمام علي بن ابي طالب (ع) و فكر السيد الشهيد الصدر
العنوان: الاقتصاد الاسلامي بين فكر الإمام علي بن ابي طالب (ع) و فكر السيد الشهيد الصدر(قدس سره)
الكاتب/الكتّاب:
أ . م . د . سحر ناجي فاضل المشهدي - وزارة التربية / الكلية التربوية المفتوحة / مركز النجف الاشرف
-
-
-
الملخّص
يتناول بحثنا الحالي الالفاظ التي تدل على معنى الاقتصاد و التي جاءت في فكر الامام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) و فكر السيد الشهيد الصدر من بعده ، فقد عالجها الامام ببيان خطبه في نهج البلاغة و التي درستها وفقا لما جاء به النهج ، و التي شملت ( التجارة و الزراعة و الصناعة ) و لكثرتها فقد تناولت الجانب الاول منها و هو ( التجارة ) فدرستها لغة و اصطلاحاً و كانت تحت محور الالفاظ الاقتصادية التي عالجت الاستثمار و الاستهلاك و المنافسة و الاحتكار عند بعض التجار و قد حرمها الامام و عالجها بفكره الثاقب ؛ أما السيد الشهيد الصدر ( قد ) فق درسها في كتابيه ( اقتصادنا ) و من بعده السيد محمد الصدر بكتابه الاسلام يقود الحياة فأشارا الى فكر الامام و فكر القرآن الكريم ؛ إلاّ أنّ دراستنا كانت تنظيريا لما يحمله تخصصنا من دراسة لغوية دلالية ؛ إلاّ إنّه فصّل الى أن المعنى الدلالي للاقتصاد حمل معنى مجازيا في الحياة اليومية مما يدلّ على أثر البيئة الاجتماعية في تناول الاقتصاد . نسأل اللّه ( سبحانه و تعالى ) أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم إنّه نعم المولى و نعم النصير .
Abstract:
Our current research deals with the words that indicate the meaning of economics and that came in the thought of Imam Ali bin Abi Talib (peace be upon him) and the thought of the martyr Sayyid al-Sadr after him. It included (trade, agriculture, and industry), and due to its abundance, I dealt with the first aspect of it, which is (trade), so I studied it linguistically and idiomatically. ; As for the martyr Sayyid al-Sadr (may), he studied it in his two books (Our Economy), and after him, Sayyid Muhammad al-Sadr in his book Islam Leads Life, they referred to the thought of the Imam and the thought of the Holy Qur’an. However, our study was theoretical because of the linguistic semantic study of our specialization. However, he detailed that the semantic meaning of economics carried a figurative meaning in daily life, which indicates the impact of the social environment in dealing with the economy. We ask God (Glory be to Him the Most High) to make this work of ours purely for His Noble Face, for He is the best Lord and the best helper.
البحث الكامل
الإقتصاد الإسلامي :
مقدمة :
الإقتصاديون الذّين شغلوا وظائف الدُّولة اعتمدوا كثيراً على نهج البلاغة ، إذ وجدوا فيه كثيراً من الألفاظ التي تغني الإقتصاد برمته عن النظريات الإقتصادية ، وبالأخْصّ كتاب الامام علي بن أبي طالب ” عليه السلام ” الى الصحابي مالك الأشتر ( رضوان الله عليه ) ، إذ جمع بين طياته الوظائف الحكومية للدَّولة في الإقتصاد من ( جباية الخَراج ، إستصلاح الأراضي ، وعمران البلاد ) ـ وهذا ماسنراه في بحثنا هذا ـ ، ولم يقتصر الإمام ( عليه السلام ) على ذلك ؛ بل قدّم لنا إقتصاداً أخلاقياً واقعياً ، ينظر الى العامل النفسي والذَّاتي للعاملين عليه من ( مساواة في الأخذ ( فيأخذ من الغني لإشباع الفقير )، وإعفاء من الضَّريبة للمستحقين ، و تعامل بالرِّفق واللّينِ ، وعدم التجاوز إذا ماأبوا العَطاء ([1])
و بناءً على ذلك يتحقق مبدأ التكافل العام ؛ لأن هذه الطريقة لاتعني إستعمالُ القوةِ في جبايةِ المَّال من الأغنياء لكفالة الفقير ؛ وإنما أُشبع الفقير لسدِّ احتياجاته ، من أجل تحقيق هذا المبدأ جاء الإقتصاد الإسلامي ؛ ليحقق رضا الله والتقرب منه (2).
و كان الإمام ( عليه السلام ) أول اشتراكي في العالم ، فقال لمّا عوتب على تصييره الناس أسوة في العَطاء من غيرِ تفضيلٍ إلى السَّابقات والشَّرف مردداً : ” أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ ! وَاللهِ لاَ أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَميرٌ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً ! لَوْ كَانَ الْمَالُ لي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللهِ لَهُمْ ” . ثمّ قال (عليه السلام ) : ” أَلاَ وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهَ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ ، وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الاخِرَةِ ، وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللهِ ، وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلاَّ حَرَمَهُ اللهُ شُكْرَهُمْ وَكَانَ لِغَيْرِهِ وَدُّهُمْ “(3) .
فالمَّالُ هو مال اللهِ ، والناسُ عِيالٌ عليه ، إلاّ ما اكتُسِبَ من كَدِّ اليمين ، وعَرق الجبين ، أو ورثه أحد عن أهله ، وفي هذا المعنى يتحدث عباس محمود العقّاد قائلاً : ” لم يعرف أحد من الخلفاء أزهد منه في لذة دنيا أو سبب دولة ، وكان هو أمير المؤمنين يأكلُ الشَّعير وتطحنه إمرأته بيديها ، فيقول : لا أحبُّ أن يدخلَ بطني ما لا أعلم ” (4)
فالإمام ( عليه السلام ) في هذا مستنير بموقف الإسلام الذي يرفض الاستغلال والمستغلين ، وينصفُ الفقراءَ ، فيجعلهم شركاء للأغنياء في الأموالِ .
قال تعالى : ” إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ( 5) .
وفسَّرها الإمام ( عليه السلام ) بقوله : ” فمَا جَاعَ فقيرٌ إلاَّ بِمَا مُتِّع بهِ غَنِي “([2])
والمعنى منه : الغني الذي منع الحق عن أهله هو نفسه مَنْ سلبَ لقمة الجائع ، واغتصبَ مأوى من لا مأوى له ، وهو السبب المُوجب لكلِّ جريمةٍ في شرقِ الأرضِ وغربها و يحدثُ بسبب البؤس و العوز ، ومن هنا جاء عذاب الذين يكنزون الأموال أن تكوى بها جباههم ” (2) .
أوصى الإمام ( عليه السلام ) بأن يعمل الإنسان في ماله ، فيجعل فيه وصية بعد موته ، وقال طه حسين : ” كان الطامعون يجدون عنده ـ معاوية ـ مايريدون ، وكان الزاهدون يجدون عند علي مايحبون ” (3)
ويرى د . محمد عمارة : ” إنَّ قرار علي في العدول عن تمييز الناس في العطاء والعودة الى نظام المساواة من أخطر قراراته الثورية لأنه كان يعني إنقلاباً إجتماعياً بكلِّ ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات … كما كان ردة فعل الاغنياء ــــ وفي مقدمتهم ملأ قريش وأبناؤهم ــ ضدَّ علي وقراره هو بداية الثورة المضادة ضد حكمه ” (4) .
فكانت سياسته العادلة لها تأثيرها في جانبها السياسي ، وهذه السياسة الإقتصادية موضع نقد من قبل بعض الباحثين ، فقال أحدهم : ” كان على علي أن يشتري من يستطيع شراءهم وكان عليه أن يستخدم السلطة التي حصل عليها لتوزيع بعض المكاسب والمغانم على ذوي النفوذ الذين بإمكانهم أن يدعموه في صراعه ضد معاوية . وبعد أن تستقر له الأمور وبعد فراغه من تصفيتهم ، يستطيع سحب الإمتيازات والمكاسب التي منحها إليهم أثناء حاجته له ” (5) .
والإقتصاد على ثلاثة أنواع : ( الإقتصاد الرأسمالي ( ملكيته خاصة ) ، الإقتصاد الإشتراكي( ملكيته عامة ) ، والإقتصاد الإسلامي ( ملكيته مزدوجة ) : فمن يملك حُريةُ التصرف بمالهِ يملكُ ( الحرية الإقتصادية ) ، وهذا ما أكده الإمام ( عليه السلام ) ، فأعطى الحقَّ في التصَّرف بالمَّال ضمن الإطار الشامل ، ويتميزُ الإقتصادُ الإسلامي في هيكله العام بثلاثةِ أركانٍ تميزه عن المذاهب الإقتصادية الأخرى : مبدأ الملكية المزدوجة ، الحرية الإقتصادية في نطاق محدود ، العدالة الاجتماعية ) (6) .
إنَّ مايهمنا في بحثنا هذا الإقتصاد الإسلامي ؛ لكونه مستمداً من الشريعة الإسلامية التي سار على ضوئها الإمام ( عليه السلام ) ، وذلك واضح في الألفاظ الإقتصادية في نهج البلاغة من تحريمه للرِّبا أو التملك الخاص ، وأخذ الغنيمة * ، ويتفق الإقتصاد الإسلامي مع كلِّ المذاهب الإجتماعية الأخرى في ضرورة الإهتمام بالإنتاج ، وتحسينه ، وتمكينُ الإنسان الخليفة على الأرض من السَّيطرةِ على المزيد من نِعَم البلاد وخيراتِها؛ لكنَّه يختلف عن المذاهب الآخر في كونه يطرحُ تنمية الإنتاج فيسعى الى تحقيقها إجتماعياً ويضعها في إطارها الحضاري وفقا للأهداف العامة لخلافة الإنسان على الأرض ، وهذا يختلف عن المذاهب الإجتماعية المادِّية في التقويم والمنهج ، فالنظام الرأسمالي يسعى الى تجميع الثروة بينما الإسلام يسعى الى إيجاد وسيلة الرَّخاء ، والرَفاه ، وتمكين العدالة الإجتماعية ([3] ) ؛ ونتيجة لتوزيع الثّروة والإنتاج كان للمجتمعاتِ الرأسماليةِ حالاتُ التضَخم المُصطَنع ؛ لأنَّ الإنتاجَ يتحركُ وفقاً لمبدأي العَرض والطلب ، والطلبُ لايكونُ للمستهلكِ الحقيقي بل طلب المُشتري ، وهو أحدُ الوسطاء الذين يتفنن المُجتمع الرأسمالي في صُنعِهم ؛ نتيجة لذَّلك يتراكمُ الإنتاجُ وتحدثُ الأزمات ، ويضطرُّ الرأسماليون الى الحفاظِ على النسبة المتساوية بين العَرض والطلبِ ، أمَّا الإقتصادُ الإسلامي : فلا وجود لهذا الخَلل فيه ؛ لأنَّه يسعى الى نبذِ أدوارِ هؤلاءِ الوسطاء ، ويوازنُ بين العَرض والطلب ، فينجو المنتج والمستهلك ، او القائم بأمرِ الدَّولة من حلول الأزمات أو المشاكل الإقتصادية ، فيعملُ على خلقِ علاقة بينهما ( المُنتِج والمُستَهلِك ) ، وهذا مافعله الإمام ( عليه السلام ) ، ففرضَ على الدَّولة مراقبةُ العملية الإقتصاديةِ ، ولاسيَّما موقفه الرَّافض للغشِّ ، فراقبَ الأسواق ، وتجولَ بين البَّاعةِ وأوصاهم بتقوى الله في المعاملات ومقولته : ” وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً : بِمَوَازِينِ عَدْل ، وَأَسْعَار لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ “ (2) فيها جانب من المراقبة الاقتصادية تلك و القَصْد:” استقامةُ الطريقةِ ، وقَصَد يَقْصِدُ قَصْداً فهو قاصد.والقَصْدُ في المعيشةِ:ألاّ تُسرِفَ ولاتُقَتِّر”(3) فـ” القاف والصاد والدال أصولٌ ثلاثة ، يدلُّ أحدها على إتيانِ شيء وأمِّه ، والآخر على اكتنازٍ في الشيء . فالأصل : قَضَدته قَصْداً ومَقْصَداً . ومن الباب : أقْصَدَه السَّهمُ ، إذا أصابه فقُتِل مَكانه ، وكأنّه قيلَ ذلك لأنّه لم يَحِد عنه ” (4) .
و تشير معاني الإقتصاد الى كونه حالة تتوسط بين الإفراط والتقتير. ويفرِّق أبو هلال العسكري ( ت 395 هـ ) بين القناعة والإقتصاد بقوله : ” القصد هو ترك الإسراف والتقتير جميعاً ، والقناعة الاقتصار على القليل والتقتير ، ألا ترى أنه لايقال : هو قنوع إلا إذا استعمل دون مايحتاج إليه ، ومقتصد لمن لا يتجاوز الحاجة ، ولايقصر دونها ، وترك الإقتصاد مع الغنى ذم ، وترك القناعة معه ليس بذم ، وذلك أن نقيض الإقتصاد الإسراف ، وقيل الإقتصاد من أعمال الجوارح ، لأنه نقيض الإسراف ، وهو من أعمال الجوارح ، والقناعة من أعمال القلوب ” (5)
فيما قسِّم الرّاغب الاصفهاني ( ت 502 هـ ) الإقتصاد على ضربين : أحدهما : محمودٌ على الإطلاقِ وذلك فيما له طَرفان إفراطٌ وتفريط كالجُّودِ فإنّه بين الإسرافِ والبُخلِ وكالشّجاعة فإنّها بين التهور والجُبْنِ ، ونحو ذلك ، وانقصد الرّمح : انكسر وتقصد تكّسر وناقة قصيد مكتنزة ممتلئة باللحم ، والثاني : يُكَّنى به عما يتردد بين محمود ومذموم كالواقع بين العدل والجور والقريب والبعيد وعلى ذلك قوله : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖفَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (6) وإلى هذا النحو من الإقتصاد أشار بقوله ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا “ (1) ومن المجازِ أن يقال : قَصَد في معيشته واقتصدَ . وقصدَ في الأمرِ: إذا لم يُجاوز فيه الحدّ ورضي بالتوسُّط ، وسَهم ٌ قاصِدٌ وسِهام قواصدُ : مستوية نحو الرمِيَّة (2) .
وعلى هذا قوله تعالى : ” وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (3) .
الاقتصاد ( لغة و اصطلاحا ) :
و أصل ” ق ص د ” ومواقعها في كلام العرب الاعتزام والتوجه والنُّهود والنهوض نحو الشيء ، على اعتدال كان ذلك او جور ، هذا اصله في الحقيقة ، وان كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل ، ويقال : القنا قِصَدٌ ؛ ورمح قَصِدٌ ( [4] )
والإقتصاد خلق محمود يتولد من خلقين عدل وحكمة ، فبالعدل في المنع والبذل وبالحكمة يضع كل واحد منهما موضعه الذي يليق به فيتولد من بينهما الإقتصاد وهو وسط بين طرفين مذمومين كقوله تعالى : ” وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا “(5) فهو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وله طرفان هما ضدان له تقصير ومجاوزة ، فالمقتصد اخذ بالوسط وعدل عن الطرفين . والدين كله بين هذين الطرفين ، وقد تكرر لفظ الإقتصاد أربعاً وثلاثين مرةً في النَّهْج ، ودّلَّ على معنيين :
- المعنى الحقيقي : ويدلٌّ على معنى الإصابةِ والإعتماد والأمُّ ، فقد جاءَ الفعل الماضي منه المبني للمجهول في قوله في وصف الصَّادقين و المُحَافظين : ” وَقَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُول اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) الْكَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ : فَكَلاَمٌ خَاصٌّ ، وَكَلاَمٌ عَامٌّ ، فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اللهُ بِهِ ، وَلاَ مَا عَنَى بِهِ رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ ، وَيُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَة بِمَعْنَاهُ ، وَمَا قُصِدَ بِهِ ، وَمَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ ” (6) ، فالعلة المقتضية لصدور الكلام منه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وكذا الحال والمقام الذي صدر فيه (7) ، ومنه قول الإمام ( عليه السلام ) في فضل الإسلام : ” فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِي الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا ، وَثَبَّتَ لَهَا آسَاسَهَا ، وَيَنَابِيعُ غَزُرَتْ عُيُونُهَا ، وَمَصَابِيحُ شَبَّتْ نِيرَانُهَا ، وَمَنَارٌ اقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا ، وَأَعلاَمٌ قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا، وَمَنَاهِلُ رَوِيَ بِهَا وُرَّادُهَا” (8) .
فالغرض هنا تشبيهه الإسلام والدِّين بالبيت ، فأثبات الدعائم على طريقة الإستعارة المكنية التخييلية ، وهذا لايتنافى مع كون الإسلام دعائم للعبودية . وهنالك رأي آخر أنَّ المراد بالدَعائم التي يأتي تفصيلها منه في باب المختار من حكمه او العبادات الخمس ( الصَّلاة ، الزَّكاة ، الصَّوم ، الحَج ، والوِلاية ) ، فمعنى : ينابيع غزرت عيونها : تشبيه بليغ ، لأنَّ الإسلامَ بما تضمنه من أحكامٍ بمنزلةِ ينابيع ، ووجه الشبَّه بينهما أنَّ الينابيعَ منبع مادةُ حياةُ الأبدانِ ، والأحكام الإسلامية منشأ مادة حياةِ الأرواح ، ووصف المشبه به إشارة الى ملاحظة ذلك الوصف والمصابيح تشبيه بليغ ، أيضا فالإسلامُ بطاعاتهِ كالمَصابيح المتوقدة النيران في غايةِ الإضاءةِ ، ووجهُ الشَّبه أنَّ المصابيحَ التي وصفها ذلك كأنها ترفع الظلام المحسوس وإضافة السُّفار الى ضمير المنار من التوسع .
والأعلام التي قصد بها فجاجها أي مثل أعلام قصد بنصب تلك الاعلام إهداء المسافرين في تلك الفجاج ([5]) . وجاء المصدرفي قوله : ” طَعْناً فِي عُيُونِكُم ، وَحَزّاً فِي حُلُوقِكُمْ ، وَدَقّاً لِمَناخِرِكُمْ ، وَقَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ “ (2) ، فقصدوا قصداً لمحالّ قتلكم تحريضاً على القتل (3) . وجاء الفعل المزيد منه على زنة ( أفْعَلَ) وذلك في قوله تنفيراً من الدنيا : ” وَسِنَادٌ مَائِلٌ، حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا ، وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا ، قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا ، وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا ، وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا “(4) .فأقصدت بأسهمها : قتلت مكانها من غير تأخير
- المعنى المجازي : ويعني الإقتصاد في الإنفاق وعدم الإسراف ، وجاءَ الفعلُ المزيد منه على زنَّة ( افتعل ) قال (عليه السلام ) : ” مَا عَالَ امرؤٌ اقْتَصَدَ ” (5) . ومعنى :عال : افتقر، فقد عللَ في الحكم اذا جاز فيه ، وعلل اذا كثرعوله ، وان مال ، وأراد : ماكثر عول من اقتصد في معيشته .(6) قال الإمام ( عليه السلام ) لهمَّام * في صفة المتقين : ” فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ : مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ ، وَمَلْبَسُهُمُ الإقتصاد ، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ . عَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ ، وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ ” (7). فلباسهم متواضعُ ليسَ بالثمينِ جداً كلباسِ المترفين ، ولابالحقيرِجدا كلباس المبتذلين ، فهو متوسط بين الإفراطِ والفريطِ . وقال ( عليه السلام ) : ” كُنْ سَمَحاً وَلاَ تَكُنْ مُبَذِّراً، وَكُنْ مُقَدِّراً وَلاَ تَكُنْ مُقَتِّراً “ (8). وقالَ : ” فدَعْ الإسراف مُقتَصِداً : وهو حال لضميرفعل الأمر ( دَعْ ) فدعا زياد الى تركِ الإسرافِ والالتزام بفضيلة الإقتصاد ، وهو واسطة الأمور، فجاء بالحال مقتصدًا الى أن زياد يجب عليه الإعراض عن الإسراف (9) .
والناظر في نهج البلاغة يجد أن أغلب ( الألفاظ الإقتصادية ) قد تأخذ معانٍ مجازية ومن ذلك ألفاظ ( التـِّجارة ، الزِراعة ، والصِّناعة ) ، فالتِّجارة ـ مثلاً ـ أطلقت على سبيل المجاز، فلايرادُ بها الزِّيادة على رأس المَّال لايراد بها المعاملات السوقية ـ ؛ إنَّما المقصود بها الرِّبح الآخروي ، وعدم خُسرانِ الأعمارِ، و الإثابة على العمل الصَّالح . جاء هذا المعنى في قوله ( عليه السلام ) في صفة المتقين قائلاً : ” صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً ، تِجَارَةٌ مَرْبِحَةٌ ، يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُم ” ([6]) ، وهي معنى ذهني ليس من شأنها الربح ، وانما التاجر هو من يربح ؛ لكنَّ الإمام ( عليه السلام ) أسند الربح ؛ لكونها مربحة بكون قصر المدة على المكاره وطول مدة الراحة (2) . وكذلكَ ( فكرةُ البيعِ والشِّراء ) باقيةٌ مستقاةٌ من المعنى القرآني ؛ لكنَّ الإمام ( عليه السلام ) أضافَ على المعنى المُستَقى الموقفُ الفني الغني ، فشرعَ في التزهيد من الدُّنيا ، فوَظَّف فكرةُ البيعِ والشِّراء القرآنية في عرضِ قلة مابقي من الدُّنيا ، ثمَّ وصفَ هذه القلةِ المتبقية بالفَناء ، و قابلهُ بصَّفقة رابحة وهي الكَثرة الباقية ؛ لذا كانت تجارةُ الأخيارِ رابحةٌ حَقاً . وجاءَ بلفظةِ ( بَيْعَةٌ ) دالاً بها على معنى الطَّاعة والولاء ؛ وذلك في قوله واصفاً لحالِ طَلحَة والزُّبير:” فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلاَدِهَا، تَقُولُونَ : الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ ! قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا، وَنَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا ” (3) .
فقد استعملَ الإمام ( عليه السلام ) صورةٌ حسيةٌ واقعية بتشبيهٍ تمثيلي ؛ فصوَّر حالَه عندما امتنعَ عن الخلافةِ ، وشبههَّم بنوقٍ حديثةُ الوِلادة ، فالإمام رفضَ وامتنعَ ؛ لكنهم بَسَطوا وجاذبوا يده إصراراً على مبايعته . ولنا أن نسألُ : لمَّ خَصَّ الإمام ( عليه السلام ) هذا الحيوان بالذِّكر ؟ يبدو أن الإمام ( عليه السلام ) خصَّها بها ؛ لكونِّها تُقبلُ في شوقٍ ولهفةٍ وحنان وسرعة على أولادها ؛ فتحضنها لتحميها وترضعها ، وهو معنى جديد، فالعرب تعرف حنين الإبل ومنه قولهم : ” ماحنَّتْ النيب في نجدٍ ” أي مدةُ حنينِ النَّيب في نجدٍ .
ولفظا ( الرِّبح والخَسَّارة ) وردا ؛ لِيبينَ أنَّ الرِّبحَ والخسارةَ هما : الرِّبحُ والخسَّارة الآخروي ، وليس الدنيوي ؛ فالرِّبحُ : الزِّيادةُ الحاصلةُ على رأسِ المَّالِ ، وعلى العكس منها ( الخَسارة ) النقصان الحاصل على رأسِ المَّالِ فقال ” وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكْمْ [ فِي دُنْيَاكُمْ،] وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ ، وَمَا أخْسرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الاْمَانُ مِنَ النَّارِ!”(4).
ولفظ الرَّهْنُ الأصل فيه ( الحَبْس ) جاء في كلام الإمام ( عليه السلام ) متصلاً بضمير الغائب ،قصدَ فيه الذي يشيرُ الى المَّال الذي انغلقَ بهِ ، وهو من بابِ الاستعارةِ التمثيليةِ على زنة ( فٌعُول ) ، فقد قال في عصيانِ الخَالقِ : ” وَيَتَمَتَّعُونَ بِهَا ، فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَيْرِهِ ، وَالْعِبءُ عَلَى ظَهْرِهِ. وَالْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا “ (5) . فكنَّى عن تعذرِ الخلاص ، لمستحقِ الرَّهنِ ، وغلقَ الرَّهنُ : صارَ مُلكَه بعد أن عجزَ عن إفتكاكِ المَرهونِ . فصارتْ الأموالَ لغيرهِ ، ولم يبقَ له تصَّرف ، فأشْبِهَتْ الرَّهن الذي غُلقَ على صاحبهِ ، وصارَ مُستَحقِا لغيرهِ ، وهو ( المُرتَهَن ) (6) .
فسياسةُ الإمامِ ( عليه السلام ) الإقتصادية تهدفُ الى ربطِ الحاضرِ بالماضي ، وتعدُّ العِدَّة في الظروف الإستثنائيةِ في المستقبلِ ، فالهدفُ من جلبِ الخَراج ؛ وضعُ العِدَّة لنوائبِ المستقبلِ ، فإن لم تحتاط الدَّولة سيتبقى لها فائضاً من إعتمادها المَّالي فستضايقها الأزمات ([7] ) . وأوصَّى الدَّولة ، أو مَن يقوم بأمرها الى أن تسعى الى عدمِ استنزاف رؤوس الأموالِ ، والإهتمام بمستصلحيِّ الأرضِ والمزارعين ؛ فهم ذخرٌ للدَّولةِ ، وعَنى بأمر الخَراج ، وعدَّه أساس الخَراج ركناً للإصلاح ، وهدفه توزيع وإنفاق الأموال بين المجتمع الإسلامي فأوصى عماله بإستجلاب الخَراج ، اما إن شكوا ثقلاً منه ، كـ( العِلة أو إنقطاعِ المياه ) وصايته بالتخفيفِ عليِّهم ، فقدَّم ( نظرية الخَراج المُعدَّل ) مِقدارُ الخَراجِ المفروض على الأراضي الخَراجية يعتمدُ على تكاليفِ الإنتاجِ ، والظروفُ المُحيطة بالزِّراعةِ والمُزارِعِ ؛ أي أنَّ نسبةَ الخَراجِ المُستَخرجة تبقى ثابتة طالمَّا كانتْ تلكَ الظروف والتكاليف ثابتة ، وتغيرُّها مع تغيرهِما ، في زيادةِ التكاليفِ المُنتِجة (2) .
والزَّكاة في معناها الحقيقي تعني النَّماء ، تطورَ معناها عند مجيء الإسلامِ ، وصارتْ تعني الفريضة المَّالية العِبادية المُتعارفة ، فأصبحَ فيها إنتقال مجازي عن معناها الحقيقي ، إذ تُؤخَذ من أموال المسلمين الأغنياء الموسرين التي وصلت الى قدر محدد ، ونمت خلال السنة بشروط معينة منها ( البلوغ والعقل والحرية ) من الأموال والأنعام والغلات والنقدين (3) .
بدأ الإمام ( عليه السلام ) حين مجيئه الى الكوفة بتخصيص جزء من برنامجه اليومي بتفقد شؤون المسلمين ، ففيها يختلط أهل الكتاب بالمسلمين ، ونهر الفرات الذي عُدَّ مكسباً للكثير من الأفراد ، فتحَتَم عليه أن يتحرك بإتجاه السُّوق ليرشد الناس الى الأحكام الشرعية ، وضبط المعاملات الجارية على الميزان الشرعي (4) . ناهياً عن الإحتكار ، الإدِّخار ، الرِّبا ، الغَلاء ، والأسعار المجحفة ، وداعياً الى جباية واردات الدولة من ( جزيةٍ ، خَراجٍ ، خُمسٍ ، زكاةٍ ، غنائمٍ ، وفيءٍ ) ؛ لكنَّ جبايتها وِفقاً لِأخلاقياتِ الشريعة السَمْحة ـ (5) ، و( السُّوق ) موضع إجتماع الناس نهاراً ، فأشرفَ بنفسهِ على أمورِ البَيعِ والشِّراءِ، فنلاحظُ أنَّ الإمامَ ( عليه السلام ) جاءَ بمفردتي ( البيعُ والشِّراء ) ؛ لِينقلَ المعنى الحقيقي الى المعنى المجازي ؛ ففي البيعِ قلبَ التشبيهُ القرآني في تصَّرفهِ حين جعلَ الدُّنيا تُباعُ بالآخرةِ ، ولم تردْ في القران لفظةُ بيع الآخرةِ بالدُّنيا ، وانما استفادها الإمام ( عليه السلام ) في لفظة ( يَشرُوُن ) التي تردُّ كثيرًا في هذا المعنى . والأصلُ في الزِّراعةِ تنميةُ الشَّيءِ وهو اسمٌ لِمَا نبتَ . (6)، استعملهُ الإمامُ ( عليه السلام ) للأعمالِ سَواء أكانتْ خيراً أم شراً ، فشَبَّه العملُ بالزَّرعِ (7) .
فقد كنَّى الإمام ( عليه السلام ) عن الخلافة بالماء الآجن فأشار بصفات مشتركة ( التغير والتحول ) في الطعم والمنظر، ومنه قوله : ” زَرَعُوا الفُجُورَ ، وَسَقَوْهُ الغُرُورَ ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ ” ([8]) .
فجعلَ عملَ الفجورِ زَرْعاً ، والألفاظ التي تتعلقُ بالأعمالِ الزراعيةِ جميعها جاءَتْ لتدلَّ على المعنى المجازي ؛ فلفظ ( الحَرْث ) منه قوله ( عليه السلام ) : ” إِنَّ المَالَ وَالبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا ، والعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الاْخِرَةِ ، وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا اللهُ لاِقْوَام ، فَاحْذَرُوا مِنَ اللهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ “(2)، فجعلَ حرثَ الدُّنيا ( مادي ) وهو المَّال والبَنُون ، وقابَلهُ بحَرثِ الآخرةِ ( المجازي ) وهو العملُ الصَّالح ، ولفظ الغَرْس ، والسَّقي ، والحَصَّاد ، ومن الألفاظ الزِّراعية التي استعملها الإمام ( عليه السلام ) إستعمالا مجازيا لفظتا ( العَظْلم والعَلْقم ) ، أمَّا ( العَظلَم ) فهو على زنة ( فِعْلَل ) وهو عِصَارةُ شَجَّر أخْضَر(3) وهي صبغة معروفة أراد بها الإمام ( عليه السَّلامُ ) بيانُ تلونُ وُجوه أبناء أخيه عقيل بن أبي طالبٍ ( عليه السلام ) لِشدَة فَقرِهم ، وفيه درسٌ تربويٌ للزُّهد كحياةِ الأنبياءِ والصالحينِ في قوله : ” وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أمْلَقَ حَتَّى اسْتماحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ، وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ [ الشُّعُورِ، غُبْرَ ] الاْلْوَانِ ، مِنْ فَقْرِهِمْ ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ ” (4).
وأمَّا ( العَلْقَم ) : على زنة ( فَعْلَل ) فهو الحَنظل ، وهو شجر شديد المرورة (5) . فقد استعاره الإمام ( عليه السلام ) لكلِّ أمرٍ مكروهٍ للحربٍ أو الظلم أو كظمِ الغيظِ أو الإنتقام ، منها قوله في وصف العرب قبل البعثة : ” وَأَغْضَيْتُ عَلَى القَذَى، وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا، وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الكَظَمِ ،وَعَلىْ أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ العَلْقَمِ “(6) وقوله في ذكر الملاحم : ” حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاق، بَادِياً نَوَاجِذُهَا، ممْلُوءَةً أَخْلاَفُهَا، حُلْواً رَضَاعُهَا، عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا ” (7) .
ومَن ألفاظ الصناعة ( الرَّحى ) ؛ جاءنا الإمام ( عليه السلام ) بالمعنى الحقيقي ( المادي) لها ؛ كقوله في وصفه إكراهه لأمر الخلافة وصبره عليها ثم مبايعة الناس : ” أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا “ (8) . إذ شبّه الإمام ( عليه السلام ) نفسه بقطب الرَّحى ، وهو تشبيه بليغ ، المراد منه بيان موضع الخلافة ، فكما أنَّ القطب مركز الرَّحى ، كموضع الإمام ( عليه السلام ) من الخلافة ، وفيه جمع ثلاثة من أنواع التشبيه ( المعقول بالمعقول ، والمحسوس بالمحسوس ، والمعقول بالمحسوس ) ـ (9)، ( فالمعقول بالمعقول : تشبيه محله بمحل قطب الرحا في التنظيم في الخلافة والولاية والهداية والتبليغ ) ، و ( المحسوس بالمحسوس : تشبيه نفسه بالقطب ) ، و( المعقول بالمحسوس : تشبيه الخلافة بالرحى ) (10) .
المبحث الاول : الاقتصاد في فكر الامام علي بن أبي طالب ( عليه السّلام )
أول الفاظ الاقتصاد فيه ( التِّجَـارَة ) و تكرر لفظ التجارة في سبعة عشر موضعا من نهج البلاغة([9]) و يُستَعار لفظ التِّجارة لمعنى الاكتساب والرَّاحة في مقابل الصَبر ، ويرشح بلفظ الرِّبح ، فقوله ( عليه السلام ) : ” لاتجارةَ كالعَملِ الصَّالحِ ولاربحَ كالثّـَّوابِ ” (2) . هي تجارةٌ حقة لا تكسد ، وكونها مُربِحة بوصفِ قصرالمدة على المكاره ، وطول مدة الرّاحة ، فالتّجارة هنا إنزاحت عن المعنى المركزي الى معنى مجازي لايراد بها المعاملات السُّوقية ؛ بل الفائدة ، وعدم الخُسران ، أي : الإثابة ، وتحقيق صالح الأعمال .
وقال الفراهيدي ( ت 176هـ) : ” التًجْـرُ والتِّجار جماعة التاجر، وقد تجر تجارة وأرْضٌ مَتْجَرة : يُتْجَرُ اليها ” (3) . وقال سيبويه ( ت 180هـ ) : ” وقالوا التجارة ، والخياطة ، والقصابة ، وإنَّما أرادوا أن يخبروا بالصنعة التي يليها بمنزلة الوكالة وكذلك السعاية ، وانما أخبر بولايته كأنه جملة الأمر الذي يقوم به ” (4) فيما عرَّف أصول حروفها أحمد بن فارس ( ت 395 هـ) قائلا : ” التاء والجيم والراء ، التجارة معروفة ويقال تاجر وتَجْرٌ كما يقال صاحب وصحب “ (5) . وعرفها الرَّاغب بقوله : ” هي تقليب المَّال بالبيع والشِّراء ، وذلك طلبا للرِّبح ” (6) ، وذهب الزمخشري ( ت 538 هـ ) الى أنًها حرفة التاجر لانه يبيع ويشتري السلع لغرض الربح والكسب (7)
و من المجاز قولهم : خسرت تجارته وربحت ، وتجارة خاسرة ورابحة ([10] ) قال ابن الاثير (ت 606هـ) :” وهو يفتعل من التٍجارة ؛ لأنَّه يشترى بعمله الثواب ، ولايكون من الاجر على هذه الرواية ، لان الهمزة لاتدغم في التاء ؛ وانما يقال فيه يأتجر” (2) وعرَّفها القرطبي ( ت671هـ ) قائلا : ” التجارة نوعان تقلب المال في الحضر ، من غير نقاة ولاسفر . وهذا تربص واحتكار “ (3).
و ابن منظور ( ت 711 هـ) وصفها على زنة ( فِعَالة ) صيغة مصدرية لاحظ العلماء دلالتها على الحرفة والصنعة ، والتجارة : هي طلب الربح من خلال شراء السلع والامتعة وبيعها أي هي عملية تبادل الاموال بالسلع (4) . وقال الطريحي ( ت 1085 هـ ) : ” التجارة بالكسر هي انتقال شيء مملوك من شخص الى اخر بعوض مقدر ” (5) ؛ أما التهانوي ( ت 1191 هـ ) فوصفها بمبادلة مال بمال مثل ثمن وجب بالشراء أو باستحقاق المبيع بعد التسليم للمشتري ، وهي التصرف في رأس المال طلبا للربح (6).
وقد وردت في كلام الإمام ( عليه السلام ) للدّلالة على نوعين من أنواع التّجارة :
- المعنى الحقيقي : هي عملية البيع والشِّراء المعروفة . فجاءت في كلام الإمام ( عليه السلام ) مفردة (أتَّجَرَ ) ، فجاء على زنة ( أفْتعَلَ ) الدالة على الكَسْب والاجتهاد والعمل في التّجارة ، وذلك في قوله (عليه السلام ) : ” مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا. “(7) . و التِّجارة والتَّجر بمعنى واحد ، لأنّ مسائل الرِّبا مشتبهة بمسائل البَيع ، ولايفرق بينهما إلاّ الفقيه ، حتى العظماء من الفقهاء اشتبه عليهم الأمر (8) ، وجاء اسم الفاعل من ( تَجِر ) معَّرفا ب( ال )إذ ورد قوله : ” وَلِكُلِّ أَمْر عَاقِبَةٌ ، سَوْفَ يَأْتيِكَ مَا قُدِّرَ لَكَ ، التَّاجِرُ مُخَاطِرٌ “(9) .
و خصّ الإمام ( عليه السلام ) هنا التّاجر بالذِّكر ، ولم يجعل الصيغة منّكرة لتدلّ على العموم ؛ لأنّه يتعجل بإخراج الثّمن ولايعلم أيعود أم لا ؟ والكلام له باطن فيبين مزج الاعمال الصالحة بالسيئة فهو مخاطر لايأمن أن يكون بعض تلك السيئات تحبط أعماله الصالحة ، ولايأمن أن يكون بعض أعماله الصالحة يكفر تلك السيئات (10) ؛ لذا نجد الإمام ( عليه السلام ) قد عرَّف هذه الصيغة بـ( ال ) ، والتعريف يدلُّ على التقييد ، إذ خصّ مجموعة معينة من التجار ، وجاءَ الجمع منه على زنة ( فٌعًال ) جمع كثرة من اسم الفاعل ( تاجر ) معرًفا بـ( ال ) ، وهذا الوزن دلً على التكثير والمبالغة في التجارة ، إذ لم يطلق هذا الجمع على من تاجروا بتجارة واحدة ؛ بل لمن كًثُر منهم ذلك ، فصّارت التِّجارة حرفة لهم ، لأنّ هذا الجمع يُطلَق لتكثير القيام بالفعل لا لتكثير العدد ([11])
وقال في خطابه إلى الصحابي مالك الأشْتَر ( عليهما السلام ) : ” وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إلاَّ بِبَعْض ، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض : فَمِنْهَا جُنُودُ اللهِ ، مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الاْنْصَافِ وَالرِّفْقِ ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ ” (2) ، فقسَّم الرَّعية على طبقاتٍ منهم : الجنود ، والكتَّاب ، والقُضَاة ، والعُمَّال ، وأربابُ الجِّزية من أهلِ الذِّمة ، وأربابُ الخّراج من المسلمين ، ومنهم التّجار ، ومنهم أرباب الصِّناعات ، وذوو الحَاجة والمسكنة ، والخَراج الذي يُصرَف للجُندِ والقُضاة والعُمَّال والكُّتاب ولابدَّ لهؤلاءِ جميعاً من التّجار ؛ لأنّ البيع والشراء لاغناءَ عنه (3) .
وقال : ” وَلاَ قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلاَّ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ ، فِيَما يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ ، وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ ، وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ ممّا لاَ يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ ” (4)، ويعني بـ( ولا قوام لهم جميعاً ) أي : ( الجنود والقضاة والرعية )، ثم استوصى بهم قائلاً ( يامالك ) : ” ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ ، وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً: الْمُقِيمِ مِنْهُمْ ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ ، وَجُلاَّبُهَا مِنَ الْمَباعِدِ وَالْمَطَارِحِ ، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ … ” (5) ، فأوصَّى بهم ؛ لأنَّهم دعامة من دعائم الإقتصادِ ، وجاءَ المصدرُ على زنة ( فِعَالة ) وهذه الصِّيغة تدلُّ على حرفةِ وصنعة التِّجارة ، وقد جاءتْ مُنَّكرة لتكونَ عامةً شاملةً ، وردت في الآية التي استشهد بها : ” رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ “(6) ، فأدرَكوا أنّ الدُّنيا إلى زوالٍ ، وأنّ الآخرة لِمَن قدمتْ يداه من الخيرِ ، فسَعَوا سَعيه لاتلهيهم عنه تجارة ولا بيع (7) .
- المعنى المجازي : لا يُرَاد بها التعاملات التجارية في السوق كـ( الرِّبح والخَسارة ) ؛ بل المراد بها الرّبح المجازي المتحصل بالثواب ، والأعمال الصالحة سواء أكانت الدنيوية منها او الأخروية . فجاء الفعل الماضي المزيد ( تَاجَرَ ) وتدلُّ صيغته على المتجارة الحادثة والمستمرة للدلالة الفعلية ، وقد وردت مرة واحدة في قول الإمام ( عليه السلام ) : ” إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجرِوا اللهَ بِالصَّدَقَةِ ” (8) .
والمراد : تصّدَقوا ، فانَّ اللهَ يخلق لكم أضعافاً من ذلك بما يزيل عنكم الإملاق ([12]) . فالإنسان طوّاع لشهوته فهو عبد الدنيا وتاجر الغرور لامحالة ، ولمّا كانت المنايا تطالبه بالرَّحيل عن هذه الدار كان غريما له يقتضيه ما لابد له من ادائه (2) . فتجارتهُ لها غرورٍ ، وغفلةٍ عن المكاسب الحقيقية الباقية ، واستعارَ لفظ ( التَّاجر) بوظيفة بذله لماله وأعماله في شر الدنيا على وهم انها هي المطالب الحقة المربحة (3).
وجاء اسم المكان على زنة ( مَفْعل ) مُعَرَّفا بـ ( ال ) ، وهو مَتْجِر وردَ ليدلَ على مكانِ فعلِ التِّجارة : وهو مكانُ لخزنِ البضائعِ ، يُقال : أرْضٌ مُتْجَرَة : يتجر منها ، وقد وردَ في النَّهْج في أربعة مواضعٍ منها قوله ( عليه السلام ) في ذكرِ الحَجِ : ” يُحْرِزُونَ الاْرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ ، وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ “(4)، فـ( الأرباحُ ) هنا هي الثواب ، فقيامهم بالعبادةِ في هذه المواقفِ الشريفةِ تجارةٌ للآخرةِ ولامحالةَ هي مشتملة على المنفعةِ والرِّبح فلا ينبغي أن يفوتَها العاقلُ (5) .
ومنها حديثه عن جَور الزَّمان إذ قسَّمَ الناسُ على خمسةِ أصنافٍ ذكر المسيئين منهم قائلاً : ” فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَاف مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الفَسَادَ في الاْرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ ، وَكَلاَلَةُ حَدِّه… وَلَبِئْسَ المَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً ، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللهِ عِوَضا ” (6) .
و قد ذمَّ الإمامُ ( عليه السلام ) هنا الدُّنيا ، وإن كانَتْ مَتجَر خيرٍ فهو يمدحها ، كما في قوله في حديثه عن ( الدُّنيا ) ” إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْق لِمَنْ صَدَقَهَا ، وَدَارُ عَافِيَة لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا ، وَدَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا ، وَدَارُ مَوْعِظَة لِمَنْ اتَّعَظَ بِهَا ، مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللهِ، وَمُصَلَّى مَلاَئِكَةِ اللهِ، وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللهِ ، وَمَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللهِ، اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ ، وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّة ” (7).
ومن مدحِه لها قال الإمام ( عليه السَّلام ) في وصفِ ( المتقين والدُّنيا ) : ” ثُمَّ انْقَلَبُوا عَنْهَا بِالزَّادِ الْمُبَلِّغِ ، وَالْمَتْجَرِ الرَّابِحِ ” (8) وجاءَ الجمعُ من مادة ( أتجَرَ ) مجموعاً جمع تكسير ؛ ليدلّ على الكَثرة على زنة ( فٌعًال ) مُنكَّراً مرة واحدة في النَّهْج ، وذلك في قوله في خطب الملاحمِ ، إذ تحدثَ عن فتنةِ بني أميةٍ قائلاً : ” مَا لي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلاَ أَرْوَاح ، وَأَرْوَاحاً بِلاَ أَشْبَاح ، وَنُسَّاكاً بِلاَ صَلاَح ، وَتُجَّاراً بِلاَ أَرْبَاح ” (9)
وكلامه ( عليه السلام ) منفياً هنا بـ( لا ) النافية للجنس ؛ لِيدلَّ على قساوةِ هؤلاء ، وخلوهِم من كلِّ خلقٍ يَمُتُّ للإنسانيةِ بشيءٍ.ومنها قوله : ( عليه السلام ) : ” إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الاْحْرَارِ “ ([13]) فقد قسَّم ( عليه السلام ) العِباد على ثلاثةِ أقسامٍ ، قسمٌ للرَّغبة في الحصولِ على منفعةٍ ، وهذه عبادة تشبه حالةُ التَّاجر الذي يبتغي الرِّبح في تجارةٍ ، وآخرون يعبدونَ خوفاً ، ولو لم يخافوا لَمَا عبدوه ، وحالتهم هذهِ كحالةِ العبد الذي يخافُ من سيِّدهِ فيطيعه ، أمَّا العبادة الحقيقية فهي العبادةُ المبنية على كونِ الله ( سبحانه وتعالى ) يستحقُ العبادةِ سواءٌ أنعمَ أم لم يـُنعِم .
وفي قوله ( عليه السلام ) في وصفه للمتقين : “صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً ، تِجَارَةٌ مَرْبِحَةٌ ، يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُم ” (2) و من ألفاظ التجارة التي ترددت في خطبه نجد ألفاظا للبيع و الشراء و منها لفظا ( ادِّخار و احتكار ) فالإدِّخار أعمُّ من الإحتكار ، وإتفق الفقهاء على تحريم للإحتكار ؛ لِمَا فيه من الأضرار بالناس ، وأباح الشرع تَدَّخل وليُّ الأمرِ لمنعِ الإحتكارِ الذي يَضرُّ بالناس ، فتحذيرُ الإمام ( عليه السلام ) للإحتكارِ نابع من الجانب العملي فهو إذ يحذِّر ولاته ، وأركان دولته من هذا المَرض فيوصي بعهدهِ المعروف إلى الصحابي الأشتر النخعي ( رضوان الله عليه ) قائلاً : ” وَاعْلَمْ ـ مَعَ ذلِكَ ـ أَنَّ فِي كَثِير مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً ، وَشُحّاً قَبِيحاً ، وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَذلِكَ بَابُ مَضَرَّة لِلْعَامَّةِ ، وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلاَةِ ، فَامْنَعْ مِنَ الاْحْتِكَارِ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) مَنَعَ مِنْهُ ، … “ (3) .
بدأ الإمام ( عليه السلام ) كلامه بالمديح والثناء على التُّجار ، ثم استأنفَ كلامه بفعل الأمر ( اعْلَم ) وبعدها اعتراضاً بـ( مع ذلك ) ، وجاءَ بأوصافٍ تُعَدُّ بابَ مضرةٍ وعيبٍ على الوِلاةِ ( الضيقُ الفاحشُ ، الشحُّ القبيحُ ، إحتكارُ المنافعِ ، تحكمُ البياعاتِ )
وذلك في كلامه إلى عامله الصحابي مالك الاشتر ( رضوان الله عليه ) قائلا له : ” وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً : بِمَوَازِينِ عَدْل ، وَأَسْعَار لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ “ (4) ، والمُبْتَاع :هو المشتري و المصدر من (باع ) ” وليكن البيع بيعا سمحا “ فيه تسهيل بالثمن ( بموازين عدل ) لاينتقص من باع ، ولايتزيد من اشترى ( وأسْعَار لاتُجْحَف بالفِريقين من البائع والمبتاع ) لاسلطان مطلقا للانسان حتى على نفسه وماله ، ” فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه فنكل به ، وعاقبه ” الاحتكار ذنب كبير .
و يتضح لنا أنّ الأصل في فكرة البيع والشراء باقية مستقاة من المعنى القرآني ؛ لكنَّ الإمام ( عليه السلام ) أضاف على هذا المعنى الموقف الفني للعَرض ، فهو حين يشرع في التزهيد من الدُّنيا يوظف ( فكرة البيع والشراء ) القرآنية في عرض قلة مابقي من الدنيا ووصف هذه القلة بالغَناء ، ومن ثم المقابلة بالصَّفقة الرَّابحة وهي ( التجارة ) ؛ لذا جاءت التِّجارة رابحة حقا ، وهي تجارة الأخيار ، و لم يغب عن فكر امامنا ايرادات الدولة المختلفة فنجد ( الجزية ، و الخراج ، و الزكاة و العُشور و الخُمُس ) في خطبه و بلاغته و حكمه فقد حرص الإمام ( عليه السلام ) على أخذها، وإن كانت على شكل أمتعة وعروض ، كما فعل الرسول من قبله إذ أخذ الجزية متمثلة بالمنتوجات من الإبر والمُسال والحِبال ، ولم تؤخذ من المسكين ، ولا الأعمى ، ولا الذمي الذي يتصَّدق عليه ، ولا مُقعَد إذا لم يكن له مردود من المَّال. وفي هذا يقول ( عليه السلام ) :” وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ ، … وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ”([14])
و تُعَد فريضة مالية ، تُفرَض جبرا على الرؤوس ممن يدخل في ذمة المسلمين من أهل الكتاب وما في حكمهم ، مقابل توفير الحماية والأمن لهم ، وتؤخذ مع بقائهم على دينهم ، وتسقط بالدخول في الإسلام ، وتفرض على الرِّجال الأحرار العقلاء ، يعفى منها الصبيان والنساء والشيوخ والمرضى والمؤمنون ” (2) . والفرق بين الجِّزية والخَراج هو ان : ” الجزية بمنزلة مال الخراج ” (3) .
قال الماوردي : الجِزْيَة والخَراج حقان أوصى الله تعالى المسلمين اليهما من المشركين يجتمعان من ثلاثة أوجه ، ويفترقان من ثلاثة أوجه ، فأوجه إجتماعهما ، فكلُّ واحدٍ منهما مأخوذ من مشرك صغارا له ، ويُصْرَفان في أهل الفيء ، ويوجبان مع حلول الحَوْل ، وأفتراقهما بينهما فالجِزيَة نَصٌ ، والخَراج إجتهاد ، وأقلُّ الجِزية مُقَدَّر بالشَرع وأكثرها بالإجتهاد والخَراج قليله وكثيره مُقَدر بالإجتهاد ، والجِزيَة تؤخذ مع بقاء الكفر وتسقط بالدخول في الإسلام ، أمَّا الخَراج فيؤخذ مع الكفر والإسلام (4)
و قد إشتق العربُ الجِزيَة من الجَزَاء ، وجمعها جِزَىٍ . والجِزيَةُ في الإسلام هي ما يؤخذ من أهل الذِّمة . أي المَّال الذي يعقد الكتابي عليه الذِمة . وهي فِعْلَة من الجَزاء كأنما جزت عن قتله ، وهي ضريبة مادِية قليلة فهي مقابل ضريبة الدَّم التي يدفعها المسلم لحماية أهل الذمة الذين أرتضوا أن يعيشوا في كنف المسلمين (5) ، وتؤخذ من غير المسلمين في الدَّولة الإسلامية (5) .
و يُعَدُّ الخراج أحد واردات الدولة الإسلامية وهو ” الضَريبة التي كانت تُدفَع لخزينة الدَولة عن الأراضي التي احتلها المسلمون حتى لو أسلم صاحبها . ويَختَلفُ مقدار الخَراج بحسب نوعية الأرض وطريقة ريعها وإستغلالها ونوعية المحصول . وكانت هذه الضَّريبة عادةً تُفرَض على محاصيل الحبوبِ والأشجار المُثمِرة . وكانت تُدفَعُ سَنَويا بعدَ المَوسِم “([15])
و قد استعمل الإمام ( عليه السلام ) لفظ الخراج للدَّلالة على ( خَراجِ الأرضِ ) ، قائلاً في كتابه السابق إلى الصحابي الأشتر النَخَعَي ( عليهما السلام ) : ” وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ ” (2) و قد فصَّل الإمام ( عليه السلام ) هنا الناس إلى طبقات : وذكر أرباب الخَراج من المسلمين ، وخصً بصرف الخراج الجُنْد والقُضَاة والعُمَّال والكُتَّاب ؛ لما يحكمونه من المَعاقد (3) و أوصى الإمام ( عليه السلام ) العاملين على جباية الخَراج والصَدَّقات بآداب عامة تتضح في قوله : ” إنطلقْ الى تقوى اللهِ وحده لاشريكَ له ، ولاتروعَنَّ مُسلِماً ، ولاتجتازَنَّ عليه كارِهاً ، ولاتأخذَنَّ منه أكثر من حقِّ اللهِ في مالهِ ، فإذا قدمْتَ على الحَيِّ فانزْل بمائِهم من غير أن تخالطَ أبياتهم ، ثم أمضِ إليِّهم بالسَّكينةِ و الوقارِ حتى تقومَ بينهم فتسلمْ عليهم ، ولاتخدجْ بالتحيةِ لهم ، ثم تقول ، عبادُ الله أرسلني إليكم وليُّ الله وخليفته لآخذَ منكم حقُّ الله في اموالكم ، فهل لله في أموالكم حق فتؤدوه الى وليه . فان قال قائل ، لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه ، فلا تخيفه ، او توعده ، او تعسفه ، أو ترهقه فخذْ ما أعطاك من ذهبٍ أو فضةٍ فاذا كان له ماشية او ابل فلا تدخلها إلا بإذنه “ (4)
فوصف الإسلام حق الله مافرضه الشرع للمجتمع من ضرائب وهي لبيت المال تُوزع على الرَّعية بالعدل ، فخاطب عامله آمرا له بالإنطلاق على بركة الله حتى يحسن في التصرف مع أهل الخَراج ، وألاَّيسيء إليهم بالترويع والتهديد والتخويف ، أو بالتسلط عليهم وإكراههم على دفع حقوق الله والإعتداء بأخذ الأكثر من المقرر ، ثم ً فصَّل ذلك قائلا : بأن عليه ألاّ يسكن في بيوتهم ؛ بل ينزل في مائِهم ( خارج بيوتهم ) للسلامة له من أية إشاعة أو قول يُساء إليه ، إذ أنَّ السَّكَن بين البيوت يُعَرِّضه إلى التعرف على الأمور والأسرار التي لا يرغب سُكان الحَيِّأن يفشوها الى الغرباء ، فذلك مِمَّا يُعَزِّز مكانة المسؤولين ( الجُبَاة ) ويجعل لهم هيبة في عيون الناس والخليفة ، ومثال على ذلك رفض الإمام ( عليه السلام ) التصَّرف الذي قام به عثمان بنُ حنيف وهو عامله على البصرة إذ دُعي من قبل أهالي البصرة على وليمة فقبلها ، ومما لاشكَ فيه أنَّ هنالكَ أموراً ترتبت على قبول هذه الدَّعوة ([16]) فالخَرْجُ والخَراج : ” مايخرج من المَّال في السَّنة بقدرٍ معلومٍ ” (2) .
و أوصى الإمام ( عليه السلام ) العاملين على جباية الخَراج والصَدَّقات بآداب عامة تتضح في قوله : ” إنطلقْ الى تقوى اللهِ وحده لاشريكَ له ، ولاتروعَنَّ مُسلِماً ، ولاتجتازَنَّ عليه كارِهاً ، ولاتأخذَنَّ منه أكثر من حقِّ اللهِ في مالهِ ، فإذا قدمْتَ على الحَيِّ فانزْل بمائِهم من غير أن تخالطَ أبياتهم ، ثم أمضِ إليِّهم بالسَّكينةِ و الوقارِ حتى تقومَ بينهم فتسلمْ عليهم ، ولاتخدجْ بالتحيةِ لهم ، ثم تقول ، عبادُ الله أرسلني إليكم وليُّ الله وخليفته لآخذَ منكم حقُّ الله في اموالكم ، فهل لله في أموالكم حق فتؤدوه الى وليه . فان قال قائل ، لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه ، فلا تخيفه ، او توعده ، او تعسفه ، أو ترهقه فخذْ ما أعطاك من ذهبٍ أو فضةٍ فاذا كان له ماشية او ابل فلا تدخلها إلا بإذنه “ (3) فوصف الإسلام حق الله مافرضه الشرع للمجتمع من ضرائب وهي لبيت المال تُوزع على الرَّعية بالعدل ، فخاطب عامله آمرا له بالإنطلاق على بركة الله حتى يحسن في التصرف مع أهل الخَراج ، وألاَّيسيء إليهم بالترويع والتهديد والتخويف ، أو بالتسلط عليهم وإكراههم على دفع حقوق الله والإعتداء بأخذ الأكثر من المقرر ، ثم ً فصَّل ذلك قائلا : بأن عليه ألاّ يسكن في بيوتهم ؛ بل ينزل في مائِهم ( خارج بيوتهم ) للسلامة له من أية إشاعة أو قول يُساء إليه ، إذ أنَّ السَّكَن بين البيوت يُعَرِّضه إلى التعرف على الأمور والأسرار التي لا يرغب سُكان الحَيِّأن يفشوها الى الغرباء ، فذلك مِمَّا يُعَزِّز مكانة المسؤولين ( الجُبَاة ) ويجعل لهم هيبة في عيون الناس والخليفة ، ومثال على ذلك رفض الإمام ( عليه السلام ) التصَّرف الذي قام به عثمان بنُ حنيف وهو عامله على البصرة ؛ إذ دُعي من قبل أهالي البصرة على وليمة فقبلها ، ومما لاشكَ فيه أنَّ هنالكَ أموراً ترتبت على قبول هذه الدَّعوة (4) .
مما تقدم نجد أن الامام علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) ينظر إلى الاقتصاد المعنى المجازي فنظرته للاقتصاد نظرة استمدت من الشريعة الاسلامية و لغة القرآن الكريم ، و أهل البيت .
المبحث الثاني : الاقتصاد في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس الله سره الشريف ) :
يعدُّ السيد الشهيد الصدر ( قد ) من أعلام الفكر الاسلامي و مفكريه ، اذ جمع بين الفقه و الفكر الاسلامي فنظّر و وازن و أعطى بنظراته الثاقبة نظريات حديثة لو طبقت في الحكم الاسلامي لأنقذته من كثير من المشاكل الراهنة و لاسيما المشاكل الاقتصادية . و من أشهر كتب السيد هو كتاب ( اقتصادنا ) الذي نال شهرة واسعة و برهن بوجود نظام اقتصادي متكامل في الاسلام يقول د . حسن حنفي : ” من اهم المحاولات التي وجدت في الفكر الاقتصادي الاسلامي قبل ما يسمى البنوك اللاربوية و البنوك الاسلامية ” ([17]) و حين نطلع على كتابه نجد عنوانه يذكر معه ( دراسة موضوعية تتناول بالنقد و البحث المذاهب الاقتصادية للماركسية و الرأسمالية و الاسلام في أسسها الفكرية و تفاصيلها ، و فيه يقول المكاتب المسيحي شبلي الملاط ” تتسم كتابات محمد باقر الصدر في الاقتصاد و الحقل المصرفي بأهمية بارزة ، فقبالة خلفية كلاسيكية لم يكن فيها وجود لعلم الاقتصاد ” (2) و يبدو ان الدكتور الحنفي قد قرأ كتاب السيد الموسوم ( البنك اللاربوي في الاسلام ) فقد رسم بفكره الاقتصادي الثاقب تشييد بنوك بدون فوائد او ربح (3) .
نجد لدى السيد الشهيد محمد باقر الصدر أفكارا و رؤى علمية دقيقة في دراسته للاقتصاد ، اذ درسه بمختلف أشكاله و على الرغم من تنوع المذاهب بين ( الرأسمالية و الاشتراكية و الماركسية ) فهي تتعارض مع المذهب الاسلامي الذي ينظر الى المجتمع .
تنقسم المذاهب الاجتماعية التي عرفتها الانسانية على أربعة مذاهب :
- النظام الديمقراطي الرأسمالي
- النظام الاشتراكي
- النظام الشيوعي
- النظام الاسلامي
و وفقاً منظور السيد الشهيد الصدر فان المذهب الرابع و هو الاسلامي يصف ديننا القائم على الاساس الالهي ـ اي أن الوحي هو من ألقاها الى الانسان ـ فليس فكرا تجريبيا بالعكس من المذاهب الثلاثة الاولى التي هي من صنع البشر و اضعها الانسان (4) . فالنظام الرأسمالي ينظر الى الجانب النفعي من حياته المادية و لم يبنَ على أساس فلسفة مادية للحياة و المجتمع ، و النظامان الآخران ( الاشتراكي و الشيوعي ) يتفقان في إن النزعة الجماعية هي التي ستسود في النهاية .
أما النظام الاسلامي فيختلف عن بقية الانظمة لأن ميزته الاساسية تتمثل في ارتكازها على فهم معنوي للحياة فالفرد و المجتمع كلاهما سواء ، ففرق بين ( العلم و النظرية ) و متى ما أستطعنا التفريق بينهما استطعنا ان نفهم طبيعة الاقتصاد الاسلامي . فعلم الاقتصاد يبحث في الانتاج و التوزيع ، أما المذهب فيبحث في الانتاج و التوزيع معاً ([18]) .
إن فكرة السيد الشهيد الصدر تكمن في الاجابة عن السؤال الآتي : ماهو النظام الاصلح للانسانية و تسعد به في حياتها الاجتماعية ؟ و قد فضّل الاقتصاد الاسلامي على بقية أنواع الاقتصاد ؛ لأن غايته الاولى و الاساسية هي النظر الى جوهر الانسان و معدنه فالانسان يأخذ منحى روحي اقتصادي على العكس من الفكر الاقتصادي الغربي الذي يرى أن الانسان آلة منتجة مثمرة فقط لاروح و لاحياة فيها فقيام الاقتصاد الاسلامي على العطاء لأن الاسلام نظرته جوهرية للانسان كروح حتى إن كان عطاءه بشق تمرة ، فالانسان كنهر يجري في المجتمع نجده كالمجتمع الذي رسمه افلاطون قائم على مبادئ أخلاقية سامية و انسانية و هذا ما أكده السيد الصدر معتمدا على مصادر التشريع الاسلامي .
ففكره ينتمي الى آراء العلماء و المجتمعات الاسلامية قائمة على اوامر إلهية و من بعده السنة النبوية ، ثم أهل البيت ( سلام اللّه عليهم أجمعين ) إذ الكمال المادي مرتبط بكمال معنوي يأخذ كل نواحي الانسان فهو مركب من عقل و روح و جسد . اذن الاقتصاد الاسلامي في فكر السيد الشهيد الصدر لم يغفل عن الجانب الروحي ؛ لأنه ترابط تكاملي بين الروح و العقل و لارتباط مركبات الانسان مع بعضها بعضاً ؛ لذلك أوصانا الاسلام بـالتغذية الجيدة فبها يمكن بناء الجسد بصورة صحيحة و بذلك يبنى العقل و يفكر تفكيرا سليما و نلاحظ التلازم بينهما تلازما تاما . فالنظام الفكري أساسه الاسلام اذ بمقدوره أن يقدم للمجتمعات نظريات متكاملة لنظام اقتصادي اجتماعي متكامل .
إن الاشلام لم يعطِ للأفراد حرية التمتع بملكية خاصة لرؤوس الاموال و لم يعطِ له حرية التمتع بإحياء المصادر الطبيعية فلا تنتقل ملكيتها الى القطاع الخاص ، و إنّما منحهم رأس المال لاستثمار مشترك ، و حرم الربا فصياغة الاقتصاد الاسلامي بصيغ تشريعية تحقيقه و تدخل كل تلك الصلاحيات ضمن الحاكم الشرعي فيجتهد و يقدِّر ، قال تعالى : ” ما أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” (2) إنّ لمصادر الثروة كلها لله ( سبحانه و تعالى ) و اي اكتساب ينتفع به لا يقوم إلاّ على أساس الجهد و العمل المشترك . و تسعى الدول جاهدة الى وضع الاقتصاد في صورة النقد الطبيعي ، و ذلك يكون عن طريق تحويل دور النظام المصرفي وسيلة لإثراء الأمة بأجمعها و تجمع أمواله المتفرقة في سبيل واحد لإسهام و مشاركة عدد كبير من المواطنين في سبيل الإّخار و تجميعها .
و من بين تلك المشاريع انفاقها على التعليم مجانا و الخدمات الصحية فتوفر لكل فرد خدمة تعليمية و صحية بدون مقابل ، فكمية العرض و الطلب التي يمارسها التّجار لاحتكارها . إنَّ الاسلام يقيم علاقات ثابتة بقيم انسانية ربانية تعبر عن مصطلح الخلافة فيتحقق العدل و المساواة بما يخدم الكرامة الانسانية . فالرأسمالية في الدول الغربية نظمت الحياة الاقتصادية و التي نبذها الفكر الاسلامي مما يعني ان على الاسلام ان ينظر نظرة اخرى تجعل الاقتصاد متزنا و فق نظام معين ، قد أوضح السيد الصدر هذا المبدأ بأنه فرق بين ( المذهب و العلم الاقتصادي ) فالمذهب يرى طريقة مثلى لتنظيمه محققا للعدالة الانسانية أما العلم فيطرح طرق متعددة داخل المجتمعات نفسها فيدرس النتائج و الآثار .
و قد أوضح هذا الفرق من خلال تأكيده على أن الاسلام في فكره الاقتصادي هو مذهب و ليس علماً ، لأن دراسة الدين لاتحدد وظيفته كأقتصاد او علم او فلك ، و انما هو اسلام لينظم في ضوءها الحياة الاقتصادية ([19]) . كثير من الباحثين أثار تساؤلا ( هل هنالك اقتصاد في الاسلام ؟ ) و الجواب عنه يكون بأن للاسلام مذهب اقتصادي و عن طريقه نستطيع ايجاد طريقة تنظم الحياة الاقتصادية فهو ليس علما لنبحث فيه تجارب و أدلة و براهين ، فعلم الاقتصاد يكشف ما سيقع من ظواهر اجتماعية و طبيعية ، و المذهب الاسلامي يحدد الحياة الاقتصادية و فقا للعدالة و تحقق المساواة فالعلم اذن يكتشف و المذهب يقوم (2) .
يقول ريكاردو ان اجور العمال ان زادت عن الحد الادنى من معيشتهم زاد عددهم لتحسن اوضاعهم المعيشية و اقبالهم على الانجاب و الزواج لان عملهم في سوق حرة يتبع للعرض و الطلب و هو مااصطلح على وسمع بـ( القانون الحديدي للاجور ) . أما المذهب الاقتصادي حين يتناول أجور العمال فلا يحدد ما سيقع في السوق الحرة ؛ وإنّما يحاول دراسة و معالجة ما سيقع و على أساسه ينظم الاجور ؛ لتحقيق العدالة ؛ أما علم الاقتصاد فيسعى الى تنمية و زيادة هذا الانتاج. و هناك من يعارض فيقول : كيف يكون للاسلام اقتصاد و لم نجد فيه بحوثاً كالبحوث التي نجدها عند علماء الاقتصاد كآدم سمث و ريكاردو؟
و الاجابة عن هذا السؤال ـ كما ذكرنا سابقاً بأنّه مذهباص و ليس علماً فلا نتحدث عن عرض و طلب فأساسه تنظيم الحياة الاقتصادية و النظام الاجتماعي في سلوك الفرد لايقتصر على الفرد نفسه بل مع مجتمعه ، فالنظام الرأسمالي ينظم الحياة الاقتصادية مع وجود الحرية و سلوك الرأسمالي مع العامل و المرابي مع زبائنه فيقرضهم بفائدة كل ذلك وفق تنظيم اجتماعي مخطط ([20]) .
نجد قيادة النبي محمد ( صلّى اللّه عليه و آله ) للمجتمع الاسلامي تعالج بفكره الاسلامي مشاكل الاقتصاد و لابدّ أن يكون هناك نظام اقتصادي متكامل لهذه المعالجة وهذا ما استمده نبينا من الشريعة الاسلامية السمحة فنجده يحث على روح التعاون يوطد العلاقة بين الانسان و أخيه في المالات كافتها و ينظم الانتاج و التوزيع ، احياء الاراضي و استثمارها و إحياء المعادن تنظيم أمور بيت المال للمسلمين . لقد حرم الاسلام الربا و نهى عن استثمار الرأسمال الربوي ، فجاء امتلاك الاراضي بإحياءها و اعطاء المجال لذوي العمل و الخبرة فالطابع فردي و غرضه الاصلاح و تنمية الخير ، اذن الاتجاه الاخلاقي واضح في تفاصيل الاقتصاد الاسلامي على عكس المذاهب الاخرى التي بغيتها تحقيق الارباح .
و أزاء ذلك نجد ( الزكاة ) تقف مع الصلاة و الصيام في اطارها العبادي للتعبير عن النظام الاقتصادي ، و هي خاصة بولي الامر فليست مجرد فريضة عبادية ؛ بل هي تحقيق للعدالة الالهية و هو تنظيم اجتماعي الهي ، و هذه الافكار جعلت الاقتصاد محط نقد و سخرية من قبل النظريات و المذاهب الاخرى .
الخاتمة :
بعد ان اكتملت رحلتنا الموجزة . أقف لأوجز أهم َّ ماتجلى من دراستي لهذه الألفاظ .
- تبين كثرة الألفاظ الإقتصادية في ( نهج البلاغة ) ، فبلغ مجموع الألفاظ الدالة على الإقتصاد ( 1687) لفظ مع اشتقاقاته الصَّرفية المختلفة، وهذا يدلُّ على عناية الإمام ( عليه السلام ) بالحياة الإقتصادية في خطبه ، وكتبه ، ووصاياه ، إذ نجده يوازن بين فئات الشعب كافة ؛ تحقيقا لمبدأ العدالة الإجتماعية .
وإحتلت ألفاظ التجارة مكان الصدارة بين هذه الألفاظ ، كان أغلبها ( ألفاظ البيع والشراء ، ألفاظ المال والعملات و َّألفاظ إيرادات الدولة .
- ضرب الإمام ( عليه السَّلام ) المثل في زهد الأنبياء فقدَّم درساً تربوياً في معناه ، إذ ذكر حياة الأنبياء ، ومنهم ( إبراهيم ، إسماعيل ، نوح ، موسى ، عيسى ، وحياة الأولياء والصالحين ، ومنهم أخوه عقيل بن أبي طالب ، ووصاياه لولديه الحسن والحسين ( سلام اللّه عليهم أجمعين ) .
- نجد أن إستعمال الإمام لهذه الألفاظ طرأ عليها تطور دلالي ، فلم يكن قصده منها معانيها الحقيقية فقط ؛ بل أن أغلبها إنصرف ليكتسب دلالات أخرى ، فأعطى لهذه الألفاظ مدلولات جديدة ، كـ( التِّجارة ) إذ لم يكن المقصود الوحيد بها عملية البيع والشراء ؛ إنما جاءت لتحقيق المعنى المتحصل في الأعمال الصالحة فالرِّبح لم يكن مخصوصا بالربح المادي والزيادة بالأموال ؛ بل جاء لتحقيق الربح المعنوي، وهو الثواب والجزاء والظفر بالجنة ، وألفاظ البيع والشراء المعروفة من ( بضاعة ، البيع ( البيعة ) ، خسارة ، الربا، الربح ، الرهن ، السلعة ، السوق ، الشراء ، الصفقة ، الغلاء ، الغنى ، القرض ) ، وألفاظ المال والعملات ومنها لفظ ( النقد ) إذ كان يطلق على فحص النقود للتفريق بين جيدها والمزيف منها ، وفي عهد الامام عملة نقدية
- قدَّم الإمام ( عليه السَّلام ) نظرية اقتصادية شاملة فجعلها منهجا يسير عليه الانسان بأدائه للحقوق والواجبات المفروضة عليه فيقدم ( الجزية ويستحصل الخراج بآداب عامة يفرضها على الجباة ، وتحصيل الخمس والزكاة ، ويفرض الضرائب ، وتوزيع الغنائم والفيء ) وماهذه الإيرادات إلا عوائد ، وإعانات مالية تعود الى بيت المال ( وهو مايقوم مقام وزارة المالية حاليا )؛ لغرض إعطائها لمستحقيها ، وتأكيده هذا بناءُ على ماجاء به القران العزيز وسنة الرسول الكريم( صلى الله عليه وآله وسلّم ) و هذا مانجده في فكر السيد الشهيد الصدر ( قدس سره ) فقد استنبط الفكر الاسلامي لبناء مجتمع اقتصادي انساني متكامل و لم يغفل دور الفرد أزاء المجتمع لتحقيق التوازن الاجتماعي بين طبقات المجتمع .
- سلك السيد الشهيد الصدر في كتابيه ( اقتصادنا و المدرسة الاسلامية ) النظرة نفسها التي نادى بها أمير المؤمنين ( ع ) و من قبله رسولنا الكريم ( ص ) فرسموا مشروعا متكاملا نهضوي يبرهن على أن الاسلام قادر على تحقيق توازن المجتمعات و هو توصية من توصيات البحث بأن على قادتنا و مفكرينا العودة الى المنهج الاسلامي لاستيعاب و دراسة الاقتصاد و انقاذه من هذا العجز المالي الذي أطال بمجتمعاتنا العربية و هو مشروع اصلاحي كبير نادى به أئمتنا من قبل .
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين.
[1]) ظ : الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة : هاشم حسين : 96
2) ظ : اقتصادنا : محمد باقر الصدر : 334
3) نهج البلاغة : خ 126 ، 130
4) عبقرية الامام ( عليه السلام ) : عباس محمود العقاد : 2 / 26
5) الذاريات / 15 ـ 19
[2] ( نهج البلاغة : الحكم القصار : 328 ، 402
2) ظ : ملامح من عبقرية الامام ( عليه السلام ) : مهدي محبوبة : 83
3) الفتنة الكبرى : 59
4) الفكر الاجتماعي لعلي بن أبي طالب : 22
5) المثالية و السلطة : حسنين كروم : 8
6) ظ : اقتصادنا : 322
- ظ : الاسلام يقود الحياة : محمد صادق الصدر : 93 .
- نهج البلاغة : ك 53 ، 32 .
- العين ( مادة قصد ) : 3 / 393 .
- مقاييس اللغة : احمد بن فارس : 5 / 95 .
- ظ : الفروق اللغوية : 300 .
- ظ : المفردات في غريب القرآن : 2 / 523 . علماً أن الآية الواردة هي سورة فاطر / 32 .
- الفرقان / 67 .
- ظ : أساس البلاغة : الزمخشري : 2 / 81 .
- لقمان / 19 .
- ظ : لسان العرب ( مادة قصد ) : 5 / 3642 .
- الإسراء / 29 .
- نهج البلاغة : خ 210 ، 239 .
- ظ : منهاج البراعة : الخوئي : 14 / 32 .
- نهج البلاغة : خ 198 ، 231 .
- ظ : منهاج البراعة : 12 / 261 .
- نهج البلاغة : خ 192 ، 209 .
- منهاج البراعة : 11 / 244 .
- نهج البلاغة : خ 83 ، 71 .
- الحكم القصار 140 ، 374 .
- ظ : الديباج الوضي : يحيى بن حمزة : 5 / 2837 .* همام بن شريح بن يزيد بن مرة ينتهي نسبه الى سعد العشيرة ، رجل عابد سئل الامام عن صفات المتقين ، وقيل ( صفات الشيعة ) ، فتحفظ الامام بادئ الامر ثم شرحها ؛ لأنه كان يعلم أنه من أهل الموعظة والنصح ، وشعوره مرهف، فصعق على أثر هذه الخطبة صعقة فارق على أثرها الحياة الدنيا.
- خ 193 ، 220 . وفي هذه الخطبة صفات المتقين التي تتضمن أخلاق فردية زاجتماعية وهي صفات الشيعة .
- نهج البلاغة : الحكم القصار 33 ، 359 .
- ظ : منهاج البراعة : 18 / 290 .
- نهج البلاغة : خ 193 ، 221 .
- ظ : منهاج البراعة : 1 / 443 .
- نهج البلاغة : خ 137 ، 138 ، والعُوذ المطافيل : الإبل حديثة النتاج .
- الحكم القصار : 37 ، 360 .
- خ 109 ، 113 .
- ظ : في ظلال نهج البلاغة : محمد جواد مغنية : 2 / 462 و ظ : شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد : 7 / 164
- ظ : في ظلال نهج البلاغة : 2 / 462 ، وظ : شرح نهج البلاغة : ابن ابي الحديد : 7 / 164 .
- ظ : اوضاع الكوفة الإقتصادية في عهد الإمام ( عليه السلام ) علي : هاشم حسين ناصر : 55 ـ 56 و ظ : السياسة المالية في عهد الإمام ( عليه السلام ) : رضا صاحب أبوحمد : 101 ـ 104 .
- ظ : التطور الدلالي بين لغة القرآن ولغة الشعر الجاهلي : عودة خليل ابو عودة : 211 .
- ظ : الإمام علي ( عليه السلام ) في أسواق الكوفة : رسول كاظم عبد السادة : 12 .
- على نحو ماسنرى في الفصل الأول ـ المبحث الثالث ـ : 68 .
- ظ : مقاييس اللغة : 3 / 50 .
- نهج البلاغة : خ 5 ، 18 .
- نهج البلاغة : خ 2 ، 13 .
- خ 23 ، 28 .
- ظ : العين ( مادة عظلم ) : 2 / 342 .
- نهج البلاغة : خ 224 ، 254 .
- ظ : لسان العرب ( مادة علقم ) : 4 / 3077 .
- نهج البلاغة : خ 26 ، 3 .
- خ 138 ، 139 .
- خ3 ، 14 . وقطب الرَّحا : مسمارها الذي تدور عليه ، وتسمى هذه الخطبة بالشقشقية .
- على نحو ماأشرنا إليـه في الفصل الثالت : 189 ومابعدها .
- ظ : التأويل البياني عند شارحي نهج البلاغة حتى نهاية القرن السابع للهجرة : بحث ورد في مجلة كلية الآداب / جامعة الكوفة ، أ . د . حاكم حبيب الكريطي ومحمد مهدي حسين : 62 ومابعدها .
- ظ : المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة : 582 .
- نهج البلاغة : الحكم القصار : 113 ، 369 .
- العين ( مادة تجر ) : 6 / 91 .
- الكتاب : 4 / 11 .
- مقاييس اللغة : 1/ 341 .
- ظ : المفردات في غريب القران : 94 .
- ظ : أساس البلاغة : 1 / 246 .
- ظ : الكشاف : 1 / 188 .
- النهاية في غريب الحديث والأثر : 104 .
- الجامع لاحكام القران : 5 / 151 .
- ظ : لسان العرب ( مادة تجر) : 1 / 420 .
- مجمع البحرين : الطريحي : 3 / 144 .
- ظ : كشاف اصطلاحات الفنون : 381 .
- نهج البلاغة : الحكم القصار : 447 ، 417 .
- ظ : شرح نهج البلاغة : ابن ابي الحديد : 20 / 86 .
- نهج البلاغة : ك 31 ، 300 .
- ظ : شرح نهج البلاغة : ابن ابي الحديد : 16 / 81 .
- ظ : معاني الابنية في العربية : فاضل صالح السامرائي : 130 .
- نهج البلاغة : ك 53 ، 324 .
- ظ : شرح نهج البلاغة : ابن ابي الحديد : 17 / 40 .
- نهج البلاغة : ك 53 ، 324 .
- المصدر نفسه .
- النور / 37 و نهج البلاغة : خ 222 ، 251 .
- ظ : في ظلال نهج البلاغة : 4 / 460 .
- نهج البلاغة : الحكم القصار : 258 ، 387
- ظ : شرح نهج البلاغة : ابن ابي الحديد : ك 11 ، 43 .
- ظ : شرح نهج البلاغة : البحراني : 5 / 5 .
- نهج البلاغة : خ 1 ، 12 .
- ظ : منهاج البراعة : 2 / 201 .
- ظ : الديباج الوضي : 1 / 382 .
- نهج البلاغة : الحكم القصار : 131 ، 373 .
- ك 27 ، 285 .
- خ 108 ، 110 .
- الحكم القصار : 237 ، 385 .
- نهج البلاغة : خ 193 ، 221 .
- ظ : الديباج الوضي : 4 / 1579 .
- معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء : نزيه حماد : 30 .
- نهج البلاغة : ك 53 ، 332
[14] ( نهج البلاغة : ك 53 ، 324
2) النظم الاسلامية : حسن الحكيم : 134
3) كتاب الخراج : ابو يوسف : 68
4) ظ : الجزية وأحكامها : الطكلانتري : 1 / 18 ـ 20 ، وظ : الاحكام السلطانية : 153
5) ظ : التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي و لغة القرآن : 384
[15] ( المرجع في الحضارة العربية الاسلامية : ابراهيم سلمان وعبد التواب شرف الدين : 128 .
2) نهج البلاغة : ك 53 ، 324
3) ظ : شرح نهج البلاغة : ابن ابي الحديد : 17 / 56 ـ 57
4) نهج البلاغة : ك 60 ، 339 .
- ظ : منهاج البراعة : 20 / 310
- ظ : العين ( مادة خرج ) : 4 / 158
- نهج البلاغة : ك 60 ، 339
- ظ : منهاج البراعة : 20 / 310 .
[17]) كتاب المنهاج ( 6 ) : 451
2) تجديد الفقه الاسلامي : محمد باقر الصدر بين النجف و شيعة العالم : 147
3) ظ : المدرسة الاسلامية : 18
4) ظ : المصدر نفسه : 51 .
[18]) ظ : الاقتصاد الاسلامي : 57 .
2) الحشر / 7
[19] ( ظ : المدرسة الاسلامية : 140
2) ظ : المصدر نفسه : 155
[20]) ظ : المدرسة الاسلامية : 180
المصادر
- خير مانبتدأ به القران الكريم .
- أساس البلاغة : ابو القاسم جار الله محمود بن عمر بن احمد الزمخشري ( ت 538 هـ ) تحقيق : محمد باسل عيون السود ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، 1998
- الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية : د . مجيد عبد الحميد ناجي ، ط 1 ، بيروت ، 1984
- الاسلام والاقتصاد : احمد الشرباصي ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، القاهرة ، 1981
- الإسلام والإقتصاد ( دراسة في المنظور الإسلامي لأبرز القضايا الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة ) : عبد الهادي علي النجار، المجلس الوطني للثقافة والفنون ، الكويت ، 1978 .
- الإسلام يقود الحياة : محمد باقر الصدر ، وزارة الارشاد الاسلامي، ط 2 ، 1403 ، طهران
- إسلوب علي بن ابي طالب في خطبه الحربية : د . علي أحمد عمران ، ايران ، مشهد المقدسة ، 2011
- اقتصادنا : دراسة موضوعية تتناول بالنقد والبحث المذاهب الاقتصادية للماركسية والرأسمالية والاسلام في اسسها الفكرية وتفاصيلها ، السيد : محمد باقر الصدر ( ت 1402هـ ط 1 ، العارف للمطبوعات ، لبنان ، 1433 هـ ، 2012م .
- التحرير والتنوير : للامام الشيخ : محمد الطاهر بن عاشور ، الدار التونسية للنشر ـ تونس ، 1984
- التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القران الكريم : عودة خليل ابو عودة ، ط 1 ، الاردن ، الزرقاء ، مكتبة المنار ، 1985
- التعريفات : لعلي بن محمد بن علي المعروفبالشريف الجرجاني ( ت 816 هـ ) تح : محمد صدبق المنشاوي : دار الفضيلة ، 2004 هـ .
- الديباج الوضي في الكشف عن اسرار كلام الوصي ” شرح نهج البلاغة ” : لابي الحسين يحيى بن حمزة بن علي الحسيني ( ت 749 هـ ” ، تحقيق : خالد بن قاسم بن محمد المتوكل ، ط 1 ، 2003 السياسة المالية في عهد الامام علي : رضا صاحب ابوحمد ، ط 1 ، مركز الامير لاحياء التراث الاسلامي ، 2006 ,
- شرح نهج البلاغة : كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني ( ت 679 هـ ) ، ط1، دار الثقلين ، بيروت ـ لبنان ، 1999 .
- شرح نهج البلاغة : محمد عبدة ، تحقيق : فاتن محمد خليل ، مؤسسة التاريخ العربي ، بيرون ـ لبنان ، ( د . ت )
- شرح نهج البلاغة ـ شرح عصري جامع ـ : للشيخ : ناصر مكارم الشيرازي ، إعداد : عبد الحميد الحمراني ، ط 1 ، دار جواد الأئمة ، بيروت ـ لبنان ، 2011
- الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين زين العابدين: شرح محمد جواد مغنية ، ايران ، قم .
- عبقرية الامام علي : عباس محمود العقاد ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، ط 1 ، 1974
- علم الاقتصاد في نهج البلاغة : هاشم حسين ناصر المحنك ، ط 1 ، دار انباء للطباعة والنشر ، 1991 .
- الفتنة الكبرى علي وبنوه : طه حسين ، ط 13 ، دار المعارف ، القاهرة ، 2003
- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ، تحقيق : محمد ابراهيم سليم ، دار العلم والثقافة ، نصر ـ القاهرة ، د . ت .
- الفكر الإجتماعي لعلي بن أبي طالب : محمد عمارة ، ط 1 ، دار الثقافة ، القاهرة ، 1977
- الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة : محسن باقر الموسوي ، ط 1 ، دار الهادي ، بيروت ـ لبنان ، 2002
- في ظلال نهج البلاغة ـ محاولة لفهم جديد ـ محمد جواد مغنية ، تحقيق : سامي الغريري ، دار الكتاب الاسلامي ، 2005
- كشاف إصطلاحات الفنون : محمد علي التهانوي ، تحقيق : علي دحروج ، ط 1، مكتبة لبنان ، بيروت ـ لبنان ، 1996 .
- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، الزمخشري ، ط 1، دار الفكر ، 1983
- لسان العرب : لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري ، تح : عبد الله علي الكبير و محمد احمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي ، دار صادر ، بيروتـ لبنان ( د . ت )
- مجمع البحرين : فخر الدين الطريحي ( ت 1085 هـ) تحقيق : أحمد الحسيني ، ط 1، دار الكتب العلمية ، النجف ، 1386 هـ .
- المحكم والمحيط الأعظم :لأبي الحسن علي بن اسماعيل بن سيده المرسي ( ت 458 هـ) تحقيق : عبد الحميد هنداوي ، ط 1 ، دار الكتب العلمية ،بيروت ـ لبنان ، 2000
- المدرسة الاسلامية : محمد باقر الصدر ،
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي : تأليف : احمد بن محمد بن علي المقري الفيومي ( ت 770 هـ ) ، تحقيق : عبد العظيم الشناوي : ط 2 ، دار المعارف ، د ت
- المعجم الاقتصادي الاسلامي : د . احمد الشرباصي ، دار الجيل ، 1981
- معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء : د . نزيه حماد ، ط 1 ، 2008 .
- معجم العين : لابي عبد الرحمن الخليل بن احمد الفراهيدي ( ت 100 175 هـ ) ، تحقيق : د مهدي المخزومي و د . ابراهيم السامرائي ، د . ت .
- معجم العين ” مرتبا على حروف المعجم ” للخليل بن احمد الفراهيدي ، تحقيق : عبد الحميد هنداوي ،دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ، ط 1 ، 2003 .
- المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة : دار التعارف ، بيروت ـ لبنان ، ط 1 ، 1990
- معجم مقاييس اللغة : احمد بن فرس بن زكريا ، تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، دار الكتب العلمية ، د ، ت
- المفردات في غريب القران : لابي القاسم الحسين بن محمد المعروف ب( الراغب الاصفهاني ) ، ، نزار مصطفى الباز ، د . ت
- مقاييس اللغة :لأبي الحسين أحمد بن فارس (395 هـ ) ، تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، دار الفكر ، د .ت
- ملامح من عبقرية الامام : مهدي محبوبة ، تقديم : هاشم محمد الباججي ، العتبة العلوية المقدسة ، 2012
- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ، لميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي ، تحقيق : علي عاشور ، ط 1 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان ، 2003
- منهاج الصالحين : لأبي القاسم الموسوي الخوئي ، قم ، 1410
- منهاج البراعة شرح نهج البلاغة : لميرزا حبيب الله الخوئي، دار احياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان
- النهاية في غريب الحديث والاثر : مجد الدين ابي السعادات المبارك بن محمد الجزري ابن الاثير ، ط 1، دار ابن الجوزي ،المملكة العربية السعودية ، 1421 .
- نهج البلاغة: تحقيق : فارس الحسون ، ط 1 ، مركز الأبحاث العقائدية ، ايران ، قم المقدسة ، 1419 هـ
- نهج البلاغة و المعجم المفهرس لألفاظه : كاظم محمدي ومحمد دشتي ، ط 1 ، دار التعارف للمطبوعات ، 1990 >
المجلات والبحوث :
- التأويل البياني عند شارحي نهج البلاغة حتى نهاية القرن السابع عشر: مجلة كلية الآداب / جامعة الكوفة ، أ . د . حاكم حبيب الكريطي ومحمد مهدي حسين ، ع 20 ، 2014 .
- المثالية والسلطة : حسنين كروم ، بحث ورد في كتاب د. محمد عمارة وآخرون ، علي بن ابي طالب ( نظرة عصرية جديدة ) ، بيروت ، المؤسسة العربية ، 1974
