الرؤى التجديدية للمفكر الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في بناء المجتمع الإسلامي
العنوان: الرؤى التجديدية للمفكر الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في بناء المجتمع الإسلامي
الكاتب/الكتّاب:
الدكتور الشيخ عماد الكاظمي - العتبة الكاظمية المقدسة
-
-
-
الملخّص
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خير خلقه المصطفى الأمين، وعلى آله الأئمة الهداة المعصومين ..
الحمد لله الذي شرَّف الإنسان على جميع مخلوقاته فقال عز وجل: )لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(([1])، وكرَّمه وسخَّر له موجوداته فقال تعالى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(([2])، فكان الإنسان محور الرسائل السماوية والشرائع الإلهية وقطب رحاها، وقد كتب الأعلام والمفكرون في ذلك كتابات متعددة ومختلفة تبيِّن مقام الإنسان عند الله تعالى، وأهمية معرفة رسالته وخلافته في الأرض، والمفكر الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) من أولئك المفكرين الذين كانت له مساهمة في ذلك، بل من أفضلهم، حيث كتاباته المتنوعة الخالدة التي تؤكد مقام الإنسان في بناء المجتمع ودوره الكبير في تحقيق السعادة الشخصية والنوعية التي أرادها الله تعالى لعباده.
إنَّ المفكر الشهيد الصدر ﭐستطاع أنْ يعالج كثيرًا من المشاكل التي تحيط بأبناء المجتمع الإسلامي، وتحول بينهم وبين تحقيق الهدف الأسمى لوجودهم من خلال أطروحاته الفكرية التي كانت فريدة في بابها، فحاول أنْ يدرس المشاكل التي تعاني منها البشرية في مجالاتها المتنوعة الفكرية والاقتصادية والمجتمعية ومناقشتها ووضع الحلول الناجعة لها؛ للوصول إلى التكامل الإنساني في المجتمع المسلم خاصة، والإنساني عامة.
أحاول في هذا البحث أنْ أسلط الضوء بإيجاز على تلك الأطروحات الفكرية للشهيد الصدر الخاصة ببناء الإنسان والمجتمع، من خلال مقدمة وتمهيد ومباحث ثلاثة فخاتمة، اعتمادًا على مؤلفاته الفكرية القيمة في هذا المجال.
أسأله تعالى التوفيق والتسديد لإحياء جزء من رؤى الشهيد الصدر التي كان يصبو إليها قولًا وعملًا من أجل خدمة البشرية، ووفق الله العاملين على هذا المؤتمر لإحياء تراث علمائنا المضحين من أجل مجتمعاتهم، إنه سميع مجيب.
الكلمات المفتاحية:
Abstract:
The discussion in your that is in your honorable hands extracts the juices of Imam al-Sadr’s efforts, Disseminated in his books and related to society, which he was looking forward to upgrading it to the ranks of civilized societies, so he filled all aspects of society with science and knowledge and treatment of problems and dilemmas that were facing him, with valuable and scientific research and painstaking efforts, and therefore we tried to hunt his ideas and various visions in the field of upgrading society civilized, behavioral and faith, Emphasis was also placed on the theories and terminology that were inspired by the Holy Qur’an and the reality of life. It is worth noting that Imam al-Sadr enjoyed pioneering moral traits that spread a fragrance that was scented by society and influenced by society. For men to lead society towards the fold of faith.
Keywords:
البحث الكامل
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خير خلقه المصطفى الأمين، وعلى آله الأئمة الهداة المعصومين.
الحمد لله الذي شرَّف الإنسان على جميع مخلوقاته فقال عز وجل: )لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(([1])، وكرَّمه وسخَّر له موجوداته فقال تعالى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(([2])، فكان الإنسان محور الرسائل السماوية والشرائع الإلهية وقطب رحاها، وقد كتب الأعلام والمفكرون في ذلك كتابات متعددة ومختلفة تبيِّن مقام الإنسان عند الله تعالى، وأهمية معرفة رسالته وخلافته في الأرض، والمفكر الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) من أولئك المفكرين الذين كانت له مساهمة في ذلك، بل من أفضلهم، حيث كتاباته المتنوعة الخالدة التي تؤكد مقام الإنسان في بناء المجتمع ودوره الكبير في تحقيق السعادة الشخصية والنوعية التي أرادها الله تعالى لعباده.
إنَّ المفكر الشهيد الصدر ﭐستطاع أنْ يعالج كثيرًا من المشاكل التي تحيط بأبناء المجتمع الإسلامي، وتحول بينهم وبين تحقيق الهدف الأسمى لوجودهم من خلال أطروحاته الفكرية التي كانت فريدة في بابها، فحاول أنْ يدرس المشاكل التي تعاني منها البشرية في مجالاتها المتنوعة الفكرية والاقتصادية والمجتمعية ومناقشتها ووضع الحلول الناجعة لها؛ للوصول إلى التكامل الإنساني في المجتمع المسلم خاصة، والإنساني عامة.
أحاول في هذا البحث أنْ أسلط الضوء بإيجاز على تلك الأطروحات الفكرية للشهيد الصدر الخاصة ببناء الأمة وفقًا للنظام الإسلامي الذي يحقق لها سعادتها وكرامتها وتطلعَّاتها، ومواجهة الصعوبات والتحديات من خلال ما عرضه من رؤًى تجديدية في مضامين منشورات جماعة العلماء في النجف الأشرف، التي أوكلت مهمة كتابة تلك المنشورات إليه، فكانت منشورات مهمة جدًّا تخاطب المجتمع في ظروف حرجة وحساسة، وﭐستطاعت الوقوف تلك التيارات المختلفة بإيجاد قاعدة جماهيرية واعية للنظام الإسلامي.
والبحث يقع ضمن المحور الأول المعنون (“مجتمعنا” الأسس والمبادىء والمميزات في كتابات وتطلعات الإمام الشهيد محمد باقر الصدر)، وسيتم تقسيمه على مطالب ثلاثة تدرس الأسس العامة للنظام الإسلامي الخمسة، والتي تضمنتها تلك المنشورات للجماعة، ومقدمة وتمهيد فخاتمة.
ومما يجب بيانه أنَّ المصدر الأساس في هذه الدراسة كتاب (ومضات) والذي هو الإصدار السابع عشر من (موسوعة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر “قدس سره”) الصادرة عن مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر عام 1434ﻫ.
وكذلك سوف تعتمد هذه الدراسة على الرؤية الفكرية التحليلية للباحث في الغالب من دون الرجوع إلى المصادر والمراجع المختلفة؛ لما يراه من خلال تجربته المعرفية، مع الاستعانة ببعض الدراسات والبحوث.
أسأله تعالى التوفيق والتسديد لإحياء جزء من رؤى الشهيد الصدر (قدس سره) التي كان يصبو إليها قولًا وعملًا من أجل خدمة البشرية، وفاءً لتلك الدماء الزكية التي زهقت من أجل النظام الإسلامي، وتطبيق تعاليمه في المجتمع، والوقوف بوجه التيارات المنحرفة المعادية للإسلام ..
وفَّق الله العاملين على هذه الجائزة لإحياء هذا التراث الفكري العظيم لعلمائنا المضحِّين من أجل العقيدة والمجتمع، إنه سميع مجيب.
تمهيد: منشورات جماعة العلماء -قراءة في أُسسها.
قبل بيان ما يتعلق بالقراءة الفكرية المعرفية لمنشورات جماعة العلماء، وبيان الأُسس التي قامت عليها وآثارها في الأمة، أذكر في التمهيد موضوعات ثلاثة؛ ليكون الباحث والقارىء على بينة من عنوانات ومضامين مطالب البحث الثلاثة، حيث سيتم بإيجاز بيان ما يتعلق بهذه الجماعة أولًا، ومنشوراتها السبعة ثانية، وأُسس النظام الإسلامي ثالثة.
– أولًا: جماعة العلماء.
وهي مجموعة من العلماء أسست في النجف الأشرف لمواجهة التيارات الخاصة التي أفرزها أحداث عام 1958م، وسقوط الحكم الملكي في العراق، حيث كانت آيدلوجية تلك التيارات في مواجهة الفكر الإسلامي، الذي قام الاستعمار منذ عقود في محاولاته إلى إبعاد الأمة عن نظامها الإلهي، فكانت تلك الجماعة تحت خيمة المرجعية الدينية بزعامة آية الله العظمي السيد محسن الحكيم (1390ﻫ/1970م) لأجل الغطاء الشرعي، ومساندة عدد من المجتهدين الكبار، ومشروع المرجعية في الحفاظ على كيان الأمة وبيان الأخطار التي تواجهها، فضلًا عن مجموعة من العلماء العاملين في هذا المشروع، وقد ترأس اللجنة المشرفة على الجماعة الشيخ مرتضى آل ياسين (قدس سره) (ت1398ﻫ/1978م)، وقد تأسست الجماعة في الثاني من أيلول عام 1958م، وأصدرت الجماعة منشوراتها التي كان يكتبها السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) الذي أدى دورًا بارزًا فيها؛ لاعتماد خاله الشيخ مرتضى آل ياسين على كفاءته ونبوغه ومقدرته الفكرية[3].
– ثانيًا: منشورات جماعة العلماء.
إنَّ عدد منشورات جماعة العلماء هي سبعة، وقد حررها جميعها السيد الشهيد الصدر ونشرت باسم (جماعة العلماء في النجف الأشرف)([4])، وأشار إلى ذلك السيد محمد باقر الحكيم (رحمه الله) بقوله: ((ومن الجدير بالذكر أنَّ المرحوم الشهيد آية الله السيد الصدر كان يكتب جميع المنشورات ومقالات جماعة العلماء، ومعظم المقالات التي تُكتب بعنوان رسالتنا، وأنا أيضًا كنت قد كتبت فيها، كما أنه كان يمثل عنصرًا مهمًّا في التحريك والتوجيه، عن طريق إيمان خاله آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين به، ومعرفته بعلمه وفضله وذكائه، وثقافته الإسلامية العامة، وحُسْن تقييمه للأشياء))([5]).
وهذه المنشورات السبعة كالآتي:
- المنشور الأول: بتاريخ (23 جمادى الأولى 1378ﻫ) وقد تضمَّن خطابًا إلى الشعب بصورة عامة ﭐبتدأ بعد البسملة: أيتها الجماهير المسلمة!! أيتها الجماهير الكادحة!! أيها الشعب العراقي المجاهد!!.. إلخ، وقد أكَّد فيه على عظمة ومقام الإسلام وأهمية الإفادة منه في جميع مجالات الحياة.
- المنشور الثاني: بتاريخ (8 جمادى الآخرة 1378ﻫ) وقد تضمَّن خطابًا إلى الشعب بكون ﭐنتمائه إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأكيده على مدى تفاعل الأمة مع المنشور الأول المؤكِّد على مفاهيم الإسلام، ﭐبتدأ بعد البسملة بقوله تعالى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ﭐتَّبَعَنِي(([6]) يا أمة محمد العظيم (صلى الله عليه وآله)، يا شعب العراق المسلم المتحرر .. إلخ.
- المنشور الثالث: بتاريخ (15 جمادى الآخرة 1378ﻫ) وقد تضمَّن خطابًا إلى الشعب في أهمية الالتفات إلى تعاليم الإسلام والتمسك بها، وبيان المفهوم الصحيح للإسلام، ﭐبتدأ بعد البسملة بقوله تعالى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ﭐتَّبَعَنِي( يا أمة الإسلام الجبارة في تاريخها وجهادها، الثابتة في محنها وشدائدها، المتطلِّعة إلى عزِّتها وسيادتها، يا شعب العراق الكريم إنَّ دينكم الذي فيه من الإشعاع ما يبدِّد الظلمات كلها .. إلخ.
- المنشور الرابع: بتاريخ (30 جمادى الآخرة 1378ﻫ) وقد تضمَّن خطابًا إلى أغلب طبقات المجتمع العاملة في الأمة، المنتمية للإسلام فكرًا ومنظومة، القاطعة شوطًا في ﭐنتمائها للعقيدة الإسلامية، ﭐبتدأ بعد البسملة بقوله تعالى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ﭐتَّبَعَنِي(إلى الأمة المتيقظة المؤمنة بأنَّ الإسلام هو طريق السيادة والسعادة، إلى المسلم الغيور على دينه العظيم، إلى العامل .. إلى الفقير .. إلى السياسي .. إليكم جميعًا يوجه الإسلام نداءه داعيًا .. إلخ.
- المنشور الخامس: بتاريخ (13 رجب 1378ﻫ) وقد تضمَّن خطابًا يبعث روح الأمل والعزيمة في الأمة بأنَّ الإسلام يجب أنْ ينتصر على رغم الظروف القاسية، وهذا بجهود جميع أبنائه، ﭐبتدأ بعد البسملة بقوله تعالى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ﭐتَّبَعَنِي(أيها المجاهدون في سبيل مستقبل مشرق وغد سعيد .. أيها المتوفِّرون على صنع تاريخ أفضل لهذه الأمة .. أيها الشباب المسلمون.. أيها الشيوخ .. إنَّ المستقبل المشرق هو الإسلام .. إلخ.
- المنشور السادس: بتاريخ (27 رجب 1378ﻫ) وقد تضمَّن حث الأمة على بعث روح الإسلام في المجتمع، كما هو حال هذه المناسبة للبعثة النبوية الشريفة، ﭐبتدأ بعد البسملة بقوله تعالى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ﭐتَّبَعَنِي( يا أمة الإسلام .. يا شبيبة محمد والقرآن .. يا فِتية المبدأ الطاهر .. إنَّ لكُلِّ أمة ميلادًا، ولذكرى الميلاد أثر عميق في النفوس، ويوم المبعث النبوي .. إلخ.
- المنشور السابع: (بلا تاريخ)([7]) وقد تضمَّن دعوة أبناء الأمة الذين يبحثون عن خلاص الشعب من ويلات الاستعمار وآثاره السياسية وغيرها، ﭐبتدأ بعد البسملة بقوله تعالى: )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ﭐتَّبَعَنِي( إلى شباب الأمة الإسلامية الذين يرتكز عليهم الإسلام في قوَّته وجهاده .. إلى أجيال محمد (صلى الله عليه وآله) .. إلى الغيارى على الكيان الحبيب المؤمن .. إلخ([8]).
– ثالثًا: أسس بناء المجتمع الإسلامي.
إنَّ بناء المجتمع على وفق النظام الإسلامي يحتاج إلى خطوات منهجية، قائمة على دراسة واقعية لمختلف حيثيات المجتمع، لمعرفة ما يمكن تقديمه إليه في المرحلة الآنية، أو المستقبلية، وآليات ذلك، والمعوقات الداخلية والخارجية المؤثرة على المجتمع، أو على المشروع النهضوي الإصلاحي؛ لذلك كان من فلسفة بعث الأنبياء أنهم ينتمون إلى البيئة التي أُرسلوا إليها؛ لمعرفتهم التفصيلية أو الإجمالية بحيثيات بيئتهم، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ(([9])، وقال تعالى: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ(([10]) وغيرهما من الآيات المباركة.
وعلى هذا فالخطاب الذي يتبنَّاه القائد الحقيقي في أمته ليس مجرد كلمات يتم جمعها بأسلوب بلاغي معيَّن لتؤدي أغراضها عند المتلقي، حيث الارتياح العاطفي لمشاعرها تجاه واقعة محددة تارة، أو الارتياح الفكري تجاه قضية لها وجود وتحتاج إلى تسليط الضوء عليها تارة أخرى، بل هو الخطاب القائم على أسس محددة، تعالج ما تشكو منه الأمة من وجهة نظر قائدها، ويمكن أنْ تكون على وفق أسس خمسة أساسية، أراها من وجهة نظري مهمة في العمل الإصلاحي للأمة، ولا يمكن التغاضي عنها، أو التهاون في دراستها، وهذه الأسس يمكن بيانها بما يأتي:
1- التخطيط.
2- التأسيس.
3- المنهج.
4- الأهداف.
5- العمل.
وسيكون البحث قائمًا في القراءة الفكرية لمنشورات جماعة العلماء السبعة على هذه الأسس الخمسة، وبيان المنهج أو الرؤية في تحليل تلك الخطابات لتلك المنشورات، ومدى تضمينها لهذه الأسس سواء كانت الجماعة قد وضعت هذه الأسس في منهجها أم لا، ولكن الرؤية الفكرية لمضامين تلك الدعوات في منشوراتها تؤكِّد وجود منهج للتعامل مع قضايا الأمة، وإن ﭐختلفت مع بعض هذه الأسس، وقد أشارت جماعة العلماء إلى بعض الخطوط العامة التي يقوم البناء على أساسها، فمما ورد في ذلك: ((إنَّ الشرط الأساسي لنهضة الأمة –أي أمة كانت- أنْ يتوفر لديها (المبدأ) الصالح الذي يحدد أهدافها وغاياتها ويضع لها مُثُلَها العليا، ويرسم ﭐتجاهها في الحياة …. ونحن نعني بتوفر المبدأ الصالح في الأمة وجود المبدأ الصحيح أولًا، وفهم الأمة له ثانيًا، وإيمانها ثالثًا، فإذا ﭐستجمعت الأمة هذه العناصر الثلاثة فكان لديها مبدأ صحيح تفهمه وتؤمن به، أصبح بإمكانها أنْ تحقق لنفسها نهضة حقيقية، وأنْ توجِد التغيير الشامل الكامل في حياتها على أساس ذلك المبدأ))([11]).
ويرى الباحثون أنَّ هذا النشاط الذي كان في النجف الأشرف من قبل العلماء هو بمثابة تقدم ملحوظ في الوعي السياسي نحو إقامة الحكم الإسلامي في جهودها الحثيثة وتهيئتها لذلك[12]، وإنَّ المتتبع لآراء الشهيد الصدر (قدس سره) عامة يرى البُعد الكبير والدقيق فيما يطرحه من مواضيع تبحث في قضية الأمة، وأهمية بناء مجتمع واع لقضاياه الإسلامية عامة، والمصيرية التي تحيط به خاصة، وقد تجلى ذلك من خلال حركته المعرفية في جوانبها المختلفة، ولا يخفى على الباحث في الفكر الإسلامي وضوح تلك الصورة الحقيقية من خلال القراءة الفاحصة لنصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة.
وقد قال (قدس سره) في إحدى خطاباته للأمة مؤكِّدًا على ما تقدم: ((هيَّا إلى راية الإسلام، راية الكرامة الإنسانية والعزة، راية الحرية والسعادة، راية الانعتاق والتحرر من القوى الطاغية، فإنَّ الإسلام اليوم هو الإسلام الذي ساد بالأمس في طاقاته الجبارة، في مبادئه الرشيدة، في أهدافه الضخمة، في غاياته الخيِّرة .. إنَّ الإسلام هو المحرر الأكبر للإنسانية من شتى ألوان الظلم والطغيان، ومن نظام الطبقية، ومن الإثرة البغيضة، ومن سيادة الهياكل الاجتماعية التي تخلقها الأنانية في مجتمعاتها .. أيها المسلمون إنَّ الإسلام ثروة فلا تخسروها، إنه دين الإنسانية الخالد الذي صاحبناه، وعشنا معه قرونًا فلم نجد الكرام المتعالية والسيادة الصحيحة إلا في ظله، ولم نذق ألوان الشقاء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، إلا أننا لم ننصفه من أنفسنا، ولم نشيِّد عليه أسس حياتنا))([13])، وغير ذلك من كلمات سيتم بيانها في مطالب البحث الثلاثة.
ومما يجب بيانه أنَّ ﭐختيار الباحث لتلك الأسس الخمسة التي يدور البحث عليها لم يكن ﭐعتمادًا على دراسة أو بحوث سابقة، وإنما هي قائمة على رؤيته الفكرية الخاصة في دراسة حال الأمة وقيادتها، وما ﭐستطاع أنْ يقرأه على ضوء تلك المنشورات ودعواتها، فضلًا عن دراسته لواقع الأمة ونهضتها لمراحل تاريخية مختلفة، وقد تكون رؤيته صائبة أو غير ذلك، وهي في الأحوال كلها محاولة فكرية ﭐجتهادية.
* المطلب الأول: التخطيط والتأسيس.
إنَّ الشهيد الصدر (قدس سره) يؤكد على الانتماء والتمسك بتعاليم ومبادىء الإسلام الراسخة عقيدة راسخة، والتي كانت أساس تقدُّم المسلمين ونشر الدين آنذاك، وليس الانتماء العاطفي الذي تتوارثه الأبناء عن آبائهم، وأداء مناسكه على وفق البيئة التي يعيشون فيها، حيث تفرض عليهم ذلك، وهي ظاهرة عامة تعيشها المجتمعات التي ورثت الدين تراثًا، وليس نظامًا إلهيًّا، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة المجتمعية، وما يعانيه المصلحون تجاهها، قال تعالى في بيان عقيدة هذه المجتمعات ومواجهتها الاستبدادية المستمرة: )وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(([14])، ولكننا في الواقع عند دراسة هذه الظاهرة (المواجهة مع المصلحين) نرى وجود جذور متأصلة عند المجتمع، وهذا يتطلب من المصلحين بيان فساد تلك الجذور، وبذل جهد في التخطيط والتأسيس لمفاهيم جديدة قائمة على الفطرة والدليل؛ للوصول به إلى عقيدة جديدة تنسخ ما كان عليه، قال السيد محمد حسين الطباطبائي (ت1403ﻫ/1982م) في بيانه لهذه المواجهة: ((أي إنَّ التشبُّث بذيل التقليد ليس مما يختص بهؤلاء، فقد كان ذلك دأب أسلافهم من الأمم المشركين، وما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير وهو النبي إلا تشبَّث متنعِّموها بذيل التقليد، وقالوا: إنَّا وجدنا أسلافنا على دين، وإنَّا على آثارهم مقتدون، لن نتركها ولن نخالفهم، ونسبة القول إلى مترفيهم للإشارة إلى أنَّ الإتراف والتنعُّم هو الذي يدعوهم إلى التقليد، ويصرفهم عن النظر في الحق))([15])، فهذه الآية المباركة تشير إلى مدى عمق ذلك التقليد الأعمى من المجتمع إلى التقاليد المتوارثة، وعدم الاستعداد للتأمل فيها، أو مخالفتها وتبديلها لما فيه صلاحهم، حيث قال تعالى إثر ذلك: )قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(([16]).
إنَّ هذه الحالة في الأمة هي ما يمكن ﭐنطباق صرخة الشهيد الصدر (قدس سره) عليها بقوله: ((إنَّ الإسلام هو المحرر الأكبر للإنسانية من شتى ألوان الظلم والطغيان، ومن نظام الطبقية والاستغلال الفظيع، ومن سيادة الهياكل الاجتماعية، التي تخلقها الأنانية في مجتمعاتها))([17])، فالكلام واضح في بيان أمور مهمة يمكن بيانها بما يأتي:
- التأكيد على أهمية التمسك بالنظام الإسلامي لتحرير الفرد والمجتمع من القيود التي تفرضها عليها الأنظمة الأخرى إفراطًا في الحرية الفردية أو النوعية، والممارسات التي تجعله منفلتًا من دون ﭐلتزامات، وتفريطًا في تقييد الحرية وصولًا إلى الدكتاتورية الفردية وتسلط الحاكم الأوحد، أو الدكتاتورية الطبقية في تسلط أسرة حاكمة معينة، ووأد جميع الكفاءات تحت سياط هؤلاء.
- بيان أنَّ الأنانية التي تنطلق منها بعض الشخصيات المترفة في الأمة، وتحاول أنْ تكون السيادة لها، بل الانقياد إليها مطلقًا، من خلال التحكُّم بمقدراتها الفكرية، أو الاجتماعية، أو المادية، وﭐنغماس المنتفعين بها والدعم السلطوي الموهوم لها يؤدي إلى تبديل مفاهيم وترسيخ أخرى، إذ تكون المواجهة مسألة بديهية تجاه المصلحين.
- تحذير المجتمع من الممارسات الفردية التي لا ترى إلا مصالحها الشخصية، من دون النظر إلى مصالح الأمة، والذي سيؤدي إلى نتيجة حتمية لتفكك الأواصر الاجتماعية، وصولًا إلى تسلُّط جهة على الأمة، وهذا ما يعبِّر عنه ﺑ(الهياكل الاجتماعية).
إنَّ هذه الأمور الثلاثة التي يمكن الإفادة منها في ندائه (قدس سره) إنما هي منبثقة من كتاب الله تعالى الذي حذَّر المؤمنين منها، من خلال بيانه لأخطار هذه النتيجة السلبية، مع بيانه للأسباب المنحرفة التي أدت إلى ذلك، والأمثلة القرآنية في هذا الاتجاه كثيرة، قال تعالى: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ(([18])، فالآية السابقة قد أشارت إلى ﭐعتراض (المترفين) خاصة، وهذه الآية تشير إلى ﭐعتراض (المجتمع)، وفي ذلك بيان جلي في تحول الأنانية الفردية أو الطبقية إلى ظاهرة مجتمعية عامة، وأظن هذا ما يمكن إطلاق (الهياكل الاجتماعية) كما في نداء الشهيد الصدر، وهناك آيات متعددة أشارت إلى هذه الظاهرة التي قد نرى أنَّ من أسبابها هي المواجهة العقدية الخاطئة، والتي تحاول تلك الهياكل التستُّر بها([19])، ولكن قد يصل الأمر في بعض حالته إلى موضوعات ﭐجتماعية يستقبحها العقل والذوق السليم، ويصل بالأمة إلى التشبُّث بها مع إطفاء الصبغة الشرعية لها، من خلال نسبتها إلى الخالق، وهذا من أخطر أنواع الانحراف الذي يجب الوقوف عنده، قال تعالى في بيانه لهذه الظاهرة المنحرفة: )وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(([20]).
إذًا دعوة الشهيد الصدر إلى التمسك بتعاليم الإسلام إنما هي لأجل سد مقدمات الوصول بالأمة إلى هذا الحال، وهو تخطيط إلى إفهام الأمة مخاطر الحالة التي هم عليها، والأخطار التي تحيق بهم، والتأسيس إلى منظور جديد للنظام الأكمل للإنسانية والتخطيط للإيمان به، وصولًا للعمل عليه والتمسك به.
وفي نداء آخر يؤكد ذلك يقول (قدس سره): ((أيها المسلمون، إنَّ الإسلام ثروة فلا تخسروها، إنه دين الإنسانية الخالد الذي صاحبناه، وعشنا معه قرونًا فلم نجد الكرامة المتعالية والسيادة الصحيحة إلا في ظله، ولم نذق ألوان الشقاء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إلا لأننا لم ننصفه من أنفسنا، ولم نشيِّد عليه أُسس حياتنا))([21]).
فهو يؤكد على مفاهيم عظيمة يجب على الأمة معرفتها، وأنْ تكون على درجة كبيرة من الإيمان بها، وتحمُّل مسؤوليتها العقدية والاجتماعية، فعلى الأمة الإسلامية أنْ تعرف معرفة واعية:
- إنَّ الإسلام نظام عظيم متكامل يحقق لها سعادتها المفقودة في الأنظمة الأخرى التي يريدها لهم أعداء الإسلام، فهو ليس مجرد إيمان غيبي مجهول، وأعمال عبادية معيَّنة متكررة، وإنما هو الثروة الفكرية والحضارية والإنسانية في جميع جوانبها الفردية والمجتمعية، والتي يخشى الأعداء منها([22]).
- إنَّ النظام الإسلامي لا يتمسك بالجوانب المادية البحتة في نظامه، كما هو حال الأنظمة الأخرى التي تبحث في قوانينها مدى تحقيق الربح والخسارة الفردية والمجتمعية في جوانبها المادية، من دون النظر إلى الحالة المعنوية أو الإنسانية التي هي من أساسيات النظام الإسلامي، فهو دين الإنسانية الخالد، ولو أخذنا مثالًا واحدًا من أمثلة النظام الإسلامي في بناء الإنسان والمجتمع على المحبة والتعاون والإيثار وهو (القرض)([23])، فيمكن بسهولة معرفة البَوْن الكبير بين النظرة الإسلامية له، والنظرات الأخرى.
- إنَّ دعوة المجتمع إلى التمسك بالنظام الإسلامي، أو بالأحرى الرجوع إلى النظام الإسلامي والإفادة منه في تحقيق السعادة والتكامل المجتمعي هي دعوة إلى نظام قد حقق أهدافه على مدى سنين طوال، وفي مجتمعات مختلفة متباينة الثقافة عامة، وأثبت نجاحه في الجانبين الفردي والمجتمعي، والمادي والمعنوي([24])، وليس هو دعوة إلى نظام مجهول أُسسه وآثاره في المجتمع، وإنما يَتَّخذ من المجتمعات حقول تجارب لدعواته البشرية القائمة على رؤيته الضيقة المادية.
- بيان أنَّ الأمة الإسلامية قد خسرت كثيرًا عندما أصابها التهاون في التمسك بالنظام الإسلامي، بسبب ظروف متعددة، تكمن تارة في جهلها بعظمة ذلك النظام، أو الركون إلى الدعوات الزائفة المزخرفة التي يطلقها أعداء الإسلام، أو في الغرور بملذات الدنيا التي تحقق للنفس الأمارة بالسوء رغباتها وإنْ كان على أساس فقدانها مبادئها، أو القهر والغلبة للقوى الاستعمارية التي تسلطت على بلاد المسلمين فحاولت تفريغ الأمة من نظامها الإسلامي، وفرض أنظمتها الكافرة.
- التأكيد على أنَّ الابتعاد عن التمسك بالنظام الإسلامي فنتيجته هو الخسران في الجوانب الحياتية كلها، والعبودية والإذعان للأنظمة المعادية له، ففي الجانب الاجتماعي فالصورة واضحة في محاولة سلخ المجتمعات الإسلامية عن مبادئها، وتحويله إلى صورة مصغَّرة للغرب، من خلال الثقافات المتعددة التي تبذل من أجلها جميع الإمكانيات المادية، وقد ﭐستجاب المسلمون لبعض ذلك ﭐجتماعيًّا طوعًا أو كراهية تحت عناوين متعددة([25]).. وفي الجانب السياسي ومدى تسلط الدول الاستعمارية والاستكبارية، والنظام العالمي الاستكباري الذي تقوده أمريكا ووراءها الصهيونية العالمية لا يخفى أبدًا، وتدخلاتها في كُلِّ بلد إسلامي، بل وغيره، لا يمتثل إلى سياستها ومحاربته بكُلِّ الوسائل واضح لا يحتاج إلى دليل([26])، وإذعان الحكومات التي تدَّعي الإسلامي بالطاعة لها حفاظًا على كرسي الحكم للفرد أو الأسرة أو الطبقة مما لا يحتاج إلى بيان([27])، وتفرُّد تلك الأنظمة الاستعمارية بالقرار السياسي العالمي الذي يحقق آيدلوجيتها([28]) .. وأما في الجانب الاقتصادي ومدى الاستسلام للاقتصاد الغربي، وجَعْل البلدان الإسلامية سوقًا تجارية خصبة لمنتجاتهم، فضلًا عن الإذعان للعملة العالمية (الدولار) المدعوم من المال الصهيوني العالمي، ومحاربة الدول التي لا تذعن لتجارتها، أو لعملتها([29]).
إنَّ كُلَّ ذلك يوجِب على الأمة المسلمة أنْ تحذر منه، وتحاول العودة إلى نظامها من خلال التخطيط والتأسيس، ثم بيان المنهج والأهداف بكُلِّ وضوح، والإفادة من التجارب المتعددة الفاشلة، وإنْ كان ذلك يحتاج إلى جهاد كبير في جميع مستويات الحياة؛ لتعيش الحياة الكريمة للإنسان المسلم في بلاده، وليس ما هو الحال عليه اليوم، والذي كانت تلك الصرخات تحذِّر منه، ولكن! .. وألف لكن!! (ولات حين مندم)!!!([30]).
وإنَّ هذه الدعوات للأمة لا يمكن أنْ يتحقق إنْ لم تكن الأمة قد وصلت إلى حالة من التفكير العام، والابتعاد عن الأنانية بكُلِّ أشكالها، وأيقن المسلم أنَّ الإسلام هو كيان أمة، وأنَّ نظامه هو لتحقيق سعادة الأمة، وليس لتحقيق سعادته على حساب الأمة وتدميرها، وإلى هذا أشار (قدس سره) بقوله مخاطبًا الأمة: وقال: ((إنَّ مبدأكم هنا، هنا في صميمكم وواقعكم، في قلوبكم ونفوسكم، في دينكم وضميركم، وإنَّ الرسول العظيم “صلى الله عليه وآله” حبيب القلوب، ونبي الإنسانية الخالد يطالب كُلَّ مسلم بأنْ يحمل رسالته، وينادي أنَّ الإسلام هو دينه ومبدؤه الذي يجب تطبيقه )وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(([31])))([32]).
إنَّ هذه القراءة المجملة لنداء الشهيد الصدر يمكن القول إنها كانت تركز على الموضوعين الأوليين للأسس الخمسة التي تم تحديدها وهما (التخطيط والتأسيس)، وهذا الأمر قد ذكره صراحة في الأسس الإسلامية التي وضعها لدى تأسيس حزب الدعوة الإسلامية([33])، فقال في الأساس الثالث عشر عند بيانه عن كيفية بداية الدعوة الإسلامية والوصول بمداها في الأمة، بعد عرضه لأقوال متعددة مقابلة للفكر الإسلامي: ((يجيب السطحيون في تفكيرهم على هذا السؤال …. ويجيب الماديون على هذا السؤال …. أما الإسلام فيجيب على هذا السؤال جوابًا واضحًا محدَّدًا مرتكزًا على نظرته العامة عن التاريخ الإنساني والمجتمع، التي أوضحها الله تعالى في قوله: )إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(([34])، فإنَّ هذه الآية الكريمة تشير إلى أنَّ التغيير الاجتماعي للبشرية إنما يتحقق عن طريق تغيير ما بالنفوس البشرية، أي بتغيير المحتوى الداخلي للإنسان من أفكار ومشاعر، فالكيان الفكري والروحي للإنسانية هو العامل الرئيسي في البناء والتجديد في تاريخ المجتمعات))([35]).
وإنَّ الشهيد الصدر (قدس سره) لإيمانه بأنَّ الحوزة العلمية الشريفة بمرجعيتها في الأمة لها الدور الكبير في التأسيس لهذا المشروع، والتوجيه نحوه، بل القيام به، فيقول: ((الحوزة مسؤولة بحكم طبيعة تكوينها ووراثتها لأعباء الأنبياء والأئمة عن التبليغ والتبشير والحماية، أي إنَّ عليها أولًا تبليغ مفاهيم الإسلام وأحكامه، وثانيًا التبشير والدفاع وصيانة الأفكار فكريًّا، وثالثًا حماية الإسلام عمليًّا وواقعيًّا وخارجيًّا بالتبليغ، وهذه الخطوط الثلاثة بمجموعها هي المهمة الرئيسية للحوزة في حقل الأمة))([36]).
وفي الأمر نفسه من أثر الحوزة المباركة في التخطيط والتأسيس للنظام الإسلامي، وأهمية رسوخ ذلك في تفكير المنتمين إلى الحوزة العلمية([37])، أو في تفكير الناس الذين ينظرون إلى هذا الكيان المقدس على أنه الخط الممثل للشريعة المقدسة، يقول (قدس سره) تحت عنوان (حماية الوجود النظري للإسلام): ((الحوزة بحكم كونها صاحبة وظيفة هذه النظرية والمتخصصة لفهم هذه النظرية -والتي هي عبارة عن عقيدة ومجموع المفاهيم والأفكار والأحكام والتشريعات- ودراسة أبعادها وكُلِّ محتواها وجوانبها، فلا بد أنْ تكون هذه الحوزة مصدرًا لإعطاء هذا الوجود النظري إلى الأمة))([38]).
إنَّ فيه بيانًا لأهمية هذه المسؤولية المتبادلة بين الحوزة العلمية والأمة، فعلى الحوزة أنْ تعرف أبعاد وجودها في تمثيلها للشريعة المقدسة من حيث وجودها الذاتي، وأنها ﭐمتداد لخط الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ومنهجهم التربوي والتعليمي من حيث وجودها الواقعي، هذا من جانب، وعلى الأمة أنْ تؤمن بما تقدم عن معرفة ووعي وعقيدة؛ ليكون ﭐتباعهم ﭐتباعًا ذا أثر في المجتمع، فيؤكد الشهيد الصدر (قدس سره) أهمية القيادة في تصديها لأمور الأمة، والشعور بالمسؤولية من قبل أبناء الأمة تجاه القضايا العامة، بقوله في مناسبة أخرى: ((ومن أعظم مظاهر هذا الشعور بالمسؤولية من ناحية هو الشمول والعموم، يعني أنْ يكون هذا الانفعال وهذا الغضب، وهذا الشعور بالألم، أنْ يكون هذا الألم ألمًا يعيشه كُلُّ أبناء هذا الكيان، لا أنْ يعيشه خصوص مَنْ يواجه النار وجهًا لوجه؛ لأنَّ هذه النار ليست نار شخص، وإنما هي نار كيان، فلا بد وأنْ يعيش أبناء الكيان جميعًا شعورًا خاصًّا، ﭐنفعالًا معيَّنًا، وتضامنًا معيَّنًا في هذا الموضوع …. هذا الإسلام نحن مدينون له بوجودنا، مدينون له بأموالنا، مدينون له بكرامتنا، بعزتنا، بكُلِّ ما نملك من ﭐعتبار))([39]).
ثم يؤكد (قدس سره) أنَّ هذا الطريق الذي ﭐتخذته الحوزة الشريفة بعلمائها إنما هو الخط الممثل للخلافة الإلهية في الأرض، وهو مشروع إلهي كامل، لا يقف عند نقطة معينة، أو يُكتب له الانحسار والتقهقر -لا سمح الله- مهما كانت الظروف، فالتسديد الإلهي لا ينقطع عنه، والتاريخ شاهد على ذلك، فيقول في بيان هذا الدور: ((وجاء بعد ذلك [النبي والأئمة] دور العلماء فكانوا ورثة الأئمة في قيادتهم، وﭐمتدادًا لدورهم في الذبِّ عن مصالح الأمة والدفاع عن كرامتها، وحياة تراثها وعقائدها، وقد كان العالِم في مختلف العصور التي مرَّت بها الأمة يعيش دائمًا مع الناس، وفي قلوب الناس، يذبُّ عنهم إذا ﭐضطهدوا، ويواسيهم إذا أوذوا، ويعيش محنتهم إذا ﭐمتحنوا، ويرفض أي مساومة مهما كانت؛ لكي يظلَّ الممثل الحقيقي لمصالح الأمة وعقيدتها))([40]).
فهذا ما يمكن بيانه بإيجاز في هذا المطلب القائم على التخطيط والتأسيس للنظام الإسلامي لقاعدة الدعوة الإصلاحية أو التغييرية لواقع الأمة، وبيان سبل سعادتها بالرجوع إلى الله تعالى، وما خصَّ البشرية من نظام متكامل لها في جميع جوانبها.
* المطلب الثاني: المنهج والأهداف.
إنَّ بيان المنهج والأهداف لكُلِّ مشروع هو من أولويات نجاحه ويجب مراعاة موضوعات متعددة فيه، من أهمها: أنْ يكون واضحًا غير معقد، وممكن التطبيق وأولويات كُلِّ مرحلة، وبيان الأهداف الرئيسة والثانوية، فضًلا عن تهيئة القاعدة الداعية والعاملة فيه، تهيئة تامة قائمة على أسس معينة، تجعل كُلَّ واحد منهم هو الممثل للمشروع، فضلًا عن كونه جزءًا منه.
وأحاول في هذا المطلب الاستشهاد ببعض الكلمات للسيد الشهيد الصدر (قدس سره) التي تؤكد المنهج والأهداف التي كان يحاول رسمها للأمة في هذا المشروع، فضلًا عن القائمين عليه، وقراءة أهم ما تضمنته في هذا السبيل.
فالمنهج الذي يجب بيانه هو المنهج المتعلق بترسيخ أسس النظام الإسلامي في الأمة، من خلال بيان عظمة هذا المنهج وأهميته تارة، وبيان آثاره التي كانت ظاهرة في الأمة من جهة حين تمسَّكت به، وآثاره عندما خالفته، وفي ذلك بيان الإيجابيات الكبيرة في التمسك بالنظام الإسلامي، وسلبيات التخلُّف عنه.
قال (قدس سره) في خطاباته للأمة: ((إنَّ الإسلام حين يكون دين دولة، يعني أنه دين ﭐجتماعي، وقول إلهيٌّ فاصل في حق الفرد والأمة على السواء، وإنَّه حين يكون قاعدة من قواعد الدستور.. يعني أنَّ في تشريع الإسلام وأحكامهما يتكفَّل بحلِّ جميع مشاكل الحياة، ويضمن أساليب الإصلاح ومناهجه))([41]).
وفي هذا يمكن قراءة أمور مهمة بما يأتي:
- ترسيخ فكرة (الدين والدولة)([42]) في أذهان القائمين على هذا المشروع من المبلغين([43]) وأبناء الأمة، وإمكانية الجمع بينهما على وفق سياسة معينة محكمة، وعدم مفارقتهما من خلال الدعوات القائلة بعدم إمكانية ﭐجتماع (الدين مع السياسة)([44])، وهذا من المسائل المهمة التي يجب الوعي تجاهها من قبل الجهتين على حدٍّ سواء (المبلغون والأمة) من جهة، والتأكيد على العمل نحو تحقيق ذلك من جهة أخرى([45]).
- إنَّ الإسلام يمكن أنْ يكون دين الدولة نظريًّا وتطبيقيًّا، وليس على مستوى النظرية حسب؛ لأنه قد تناول جميع شؤون الفرد والمجتمع في المجالات المختلفة، وعلى الأمة أنْ تعمل على تحقيق ذلك من خلال ﭐستجابتها للدعوة الإلهية التي تنقذ البشرية من ﭐنحرافاتها، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﭐسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ(([46]).
- إنَّ فيها دعوة صريحة للأمة التي تعاني من الأنظمة والتيارات التي كانت عليها سابقًا، والتي تدَّعي في المجتمع أنها سبيل صلاح الأمة([47])، وبيان أنَّ الخلاص الحقيقي لا يكون إلا باتخاذ النظام الإسلامي منهجًا، )وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ(([48]).
إنَّ الشهيد الصدر (قدس سره) يؤكد بذلك أنَّ المنهج يجب أنْ يكون إسلاميًّا ليحقق غايات الأمة، وهو في الوقت نفسه يتوقف على مدى إقناع الأمة به، وﭐستجابتها له، وإلا يبقى مجرد دعوات، أو نظريات فكرية في صفحات المؤلفات، أو إعلامًا لا صدى له؛ لذلك تكررت النداءات لاتخاذ هذا المنهج من دون سواه.
وقال في بيان مميزات هذا المنهج الذي يدعو المبلغين للعمل عليه، والأمة للاستجابة إليه، والامتثال لتلك الدعوات: ((ومن خصائص النظام الإسلامي أنه نظام ثابت، يقدِّمه الإسلام بوصفه قاعدة صالحة للبناء الاجتماعي في كُلِّ مكان وزمان، لا باعتباره تنظيمًا مرحليًّا، وشكلًا ﭐجتماعيًّا مرتبطًا بعصر معيَّن، أو ظروف خاصة. فالنظام الإسلامي من وجهة نظر الإسلام صالح للتطبيق على الأمة، وقادر على إسعادها وتربيتها، وتنظيم حاجاتها، مهما ﭐختلفت ظروفها المادية وتطورت أشكال إنتاجها، وﭐتسعت علاقاتها مع الطبيعة، وﭐزدادت البشرية عليها))([49]).
وفي ذلك بيان لأمور متعددة، منها:
- رسم الخطوط العامة في بيان خصائص هذا المنهج الذي يدعو الأمة إلى الإيمان به، وهو نظام قائم على أُسس رصينة ثابتة، لا يتغيَّر مع حكم الأقلية أو الأكثرية، أو دكتاتورية حكم الواحد أو الطبقة، كما شهد التاريخ الحديث والمعاصر ذلك.
- إنَّ هذا المنهج يخالف الأنظمة الوضعية التي تكتبها وترسم ملامحها الآنية والمستقبلية على وفق أغراضها الشخصية أو الطبقية، من دون مراعاة الآخرين، أو مراعاتهم بعد ضمان مصالحهم كاملة.
- إنَّ هذا المنهج مؤسَّس من قبل الغني المطلق، والخالق العظيم اللطيف بعباده، المنزَّه عن كُلِّ نقص وعيب، فهو كامل في جميع جوانبه، فلا ينظر إلى الحاكم أو المحكوم، أو الغني أو الفقير، أو الشريف أو الوضيع، بل ينظر إلى الإنسان على أنه مخلوق مكرَّم لدى خالقه، )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(([50]).
- إنَّ فيه بيانًا لما تتعرض له الأمم المتبعة للأنظمة المادية الوضعية سواء الشيوعية أو الاشتراكية أو الرأسمالية، التي تتحكم بها عمليات الإنتاج والأهداف الاقتصادية من حيث الربح والخسارة، مع عدم مراعاة المسألة الإنسانية سوى من خلال شعاراتها الزائفة، والتي ثبت فشلها في العالم كله؛ لأنَّ المؤسس لها هو الإنسان المحدود، ذو الطباع الغريزية المتغيرة، فضلًا عن أنانية وآيدلوجية المشرِّع([51]).
إنَّ هذا يبيِّن مدى ﭐعتناء الشهيد الصدر (قدس سره) في دعوة الأمة إلى نظامها الإسلامي، وإقناعهم به، وعدم الاغترار بالدعوات والتيارات الزائفة المناهضة له، وهذا هو دور أساسي للإسلام([52]).
وفي بيانه (قدس سره) لآلية العمل لهذا المنهج في النظام الإسلامي وتحقيق أهدافه يبيِّن ذلك من خلال طريقين معينين، وهما الدعوة الإصلاحية، والدعوة التغييرية، مع التأكيد على أنَّ ذلك يتوقف على واقع الأمة التي هي عليه، وهذا يحتاج ضرورة دراسة حال الأمة أولًا دراسة واقعية تامة، ثم بيان الطريق الأنسب لها، فيبيِّن ما المقصود من هاتين الدعوتين ثم يضع حدود كُلٍّ منهما للعمل عليه من قبل المبلغين، وهاتان الدعوتان بإيجاز([53]):
1- الدعوة الإصلاحية: هي الدعوة التي تستهدف إصلاح جانب معيَّن من جوانب الواقع القائم …. أي إنها تسعى إلى إنشاء البنيات الفوقية التي تأتلف منها شخصية الأمة.
2- الدعوة التغييرية: هي الدعوة التي لا تدين بالواقع الذي تعيش فيه الأمة من أساسه؛ لأنه يناقض مبدأها جملة وتفصيلًا، فتبني عملها على تغييره تغييرًا جذريًّا، وذلك بحمل رسالة فكرية تبشِّر بها لإنشاء شخصية الأمة إنشاءً جديدًا بكُلِّ بنياتها الأساسية والفوقية.
ولأجل بيان معرفة ما تحتاجه واقع الأمة لإحدى هاتين الدعوتين، يرى الشهيد الصدر (قدس سره) أنَّ الظروف هي التي تحدد نوع تلك الدعوة كما تقدم بيانه.
ثم يبيِّن بعض جوانب الدعوة الإصلاحية في بيان دقيق يدل على عمق الرؤية الشاملة للمنهج والأهداف فيقول (قدس سره): ((فإذا كان الإسلام هو القاعدة الرئيسية التي تبتني عليها نظام الحياة وكيان الأمة، وكانت العقيدة الإسلامية هي القاعدة الفكرية والدستورية للدولة، والمنهج العام لمختلف ألوان النشاط الفردي والاجتماعي والسياسي، كان للدعوة أنْ تتخذ طريق الإصلاح للحفاظ على القاعدة الإسلامية للدولة، وإصلاح الجوانب التي لا تنسجم مع هذه القاعدة))([54]).
ثم يبيِّن مقومات الدعوة التغييرية التي قد يحتاجها المبلغون في العملية الإصلاحية للأمة، وهي المرحلة الثانية بعد الدعوة الأولية الإصلاحية، فيقول (قدس سره): ((أمَّا إذا فقد الإسلام مركزه من القاعدة الأساسية، وﭐستبدل بغيره من القواعد الفكرية، أو ﭐستبدل باللاقاعدة، فإنَّ الدعوة إلى الإسلام يجب أنْ تكون دعوة لإعادة الإسلام إلى مركزه من الدولة ومن الأمة، في عملية تغيير شاملة لكُلِّ الواقع اللاإسلامي))([55]).
وإنَّ الطريق الذي يتبنَّاه الشهيد الصدر (قدس سره) هو طريق الدعوة التغييرية، على ضوء دراسته لواقع الأمة، وما تعانيه من خلل فكري ومعرفي بسبب تراكمات الظروف والسياسات المختلفة التي عاشتها الأمة خلال نصف قرن تقريبًا، أدَّت إلى تغيير كبير في البِنية الفكرية للأمة، فضلًا عن نشوء جيل جديد خلال هذه المتغيَّرات والصراعات الخطيرة بين النظام الإسلامي وغيره، على مدى التفاوت الكبير في الدعم المادي والمعنوي بين أنصارهما، فيقول: ((ومن الواضح أنَّ الظروف التي يعيشها الإسلام منذ نهاية الحرب [العالمية] الأولى هي الظروف الثانية؛ إذ قوَّض المستعمرون الدولة الإسلامية ودخلوا بلاد المسلمين وتقاسموها، وقاموا بعملية ﭐنقلاب شامل في حياة الأمة، وأقصوا العقيدة الإسلامية عن وضعها الرئيسي في كيان الأمة الإسلامية السياسي والاجتماعي، ووضعوا الأمة في أُطر فكرية وسياسية غريبة عن عقيدتها، من الديمقراطية الرأسمالية والاشتراكية، وما إليها من الأُطر اللاإسلامية؛ لذلك فإنَّ واجب الدعوة في ظروف الإسلام الحاضرة أنْ تكون دعوة تغييرية ﭐنقلابية، تهدف ﭐستبدال القواعد اللاإسلامية التي أُقيم عليها الحكم والحياة الاجتماعية للأمة، بالقاعدة الفكرية للإسلام ونظامه الاجتماعي للحياة))([56]).
ولا يخفى أنَّ تطبيق هذا الطريق أو ذاك يحتاج إلى سياسة معيَّنة واضحة المعالم، واثقة الرؤى، مختلفة عن السياسة الحاكمة الموجودة في أغلب دول العالم، وفي طرح إسلامي مهم عن السياسة في الإسلام حاول الشهيد الصدر (قدس سره) أنَّ يعرِّج على ذلك إيجازًا من خلال بيانه لأمور ثلاثة: الأول: مفهوم السياسة في الإسلام. الثاني: أوجه الافتراق بين السياسة في الإسلام وفي الأنظمة الحاكمة. الثالث: الصورة السلبية التي صنعها الاستعمار عن السياسة وركز أسسها في المجتمعات. وحاول أنْ يبيِّن هذه الموضوعات مع تسليط الضوء عليها طرحًا وعلاجًا، حيث ركَّز على مسألة أساسية أنَّ السياسة إنما هي رعاية شؤون الأمة وعلاقاتها الداخلية والخارجية([57]).
ثم يمكن الإفادة من بعض فقرات نداءاته في بيان الأهداف التي سيتم تحققها للأمة، إذا ﭐقتنعت بهذا النظام الإسلامي، وتمسَّكت به، وكانت داعمة له، ومضحِّية في سبيله، فإنَّ نتائج سعادتها ستتحقق، وأهمها تحرير البلاد من هيمنة الاستعمار بكُلِّ أشكاله([58])، فعلينا أنْ نستذكر دائمًا كلماته السابقة في بيان مدى ولاء المسلمين لإسلامهم ((هَذَا الإِسْلَامُ نَحْنُ مَدِيْنُوْنَ لَهُ بِوُجُوْدِنَا، مَدِيْنُوْنَ لَهُ بِأَمْوَالِنَا، مَدِيْنُوْنَ لَهُ بِكَرَامَتِنَا، بِعِزَّتِنَا، بِكُلِّ مَا نَمْلِكُ مِنِ ﭐعْتِبَارٍ))، فيقول (قدس سره) في بيان واقع المنهج الإسلامي في التصدي إلى المؤامرات العدائية لبلاد المسلمين وتحقق جزء من أهدافه على مراحل مختلفة، ومن أهمها كرامة الاستقلال من هيمنة الاستعمار: ((فأين يعيش الاستعمار في بلد إذا دان بالإسلام حقًّا، والإسلام يأمر بالجهاد حتى الموت في سبيل الذود عن الكيان الإسلامي والبلد الحبيب))([59]).
ثم يؤكد تلك الأهداف التي يمكن تحقيقها في الواقع بعد التحرر من تلك القوى الاستعمارية فيقول (قدس سره): ((وأين يعيش الفقر في بلد يخضع في تنظيمه الاقتصادي للإسلام، الذي يكلِّف الدولة بإبادة الفقر والحاجة، بما يفرضه على الأغنياء من فرائض، وما يرسم لأسباب الثورة من حدود، وما يجعله حقًّا عامًّا في مختلف الثروات الأخرى في البلد الإسلامي، وما يحرِّم من ﭐكتناز الأموال بلا تصفية إسلامية صحيحة))([60]).
ثم يؤكد ذلك من خلال بيان الأهداف المتحققة في المنهج الإسلامي بالتصدي إلى الانحرافات الاجتماعية المختلفة التي تعاني منها الأمة، والتي تحاول الثقافات الغريبة النيل من الأخلاق الإسلامية للمجتمع، فيقول (قدس سره): ((وأين يعيش الفساد الخلقي في حياة عامَّة قائمة على أخلاق الإسلام وتعاليمه الرشيدة، التي تربِّي في الإنسان إنسانيته الكاملة، فيصبح عضوًا ﭐجتماعيًّا صالحًا، يشعر بتضامنه الحقيقي مع جميع أفراد الأمة))([61]).
إنَّ هذه القراءة المجملة لنداء الشهيد الصدر يمكن القول إنها كانت تركز على الموضوعين الثالث والرابع للأسس الخمسة التي تم تحديدها وهما (المنهج والأهداف).
* المطلب الثالث: العمل.
بعد أنْ تم بيان الأسس الأربعة في المطلبين المتقدمين أحاول بإيجاز بيان الأساس الخامس وهو دعوة الأمة إلى العمل على تطبيق المنهج المتقدم، وقلع جذور التبعية والتقليد الأعمى عقديًّا وﭐجتماعيًّا، وأهمية العمل على تحقيقه، بل وجوب القيام بذلك؛ ﭐمتثالًا لأوامر الله تعالى المؤيَّدة بالفطرة السليمة، والفكر الحر، حيث نرى من خلال تلك المنشورات السبعة تضمُّنها دعوات الأمة إلى ذلك، وخصوصًا الطبقة المؤمنة بهذه الأسس الخمسة في إنقاذ الأمة، الممتثِلة لقيادة المرجعية لها، والعاملة على مساندتها في تحقيق حكم الإسلام في العراق، وبناء مجتمع تسوده المبادىء والقِيم الإسلامية، فالشهيد الصدر (قدس سره) كان يدعوهم إلى المسارعة بالعمل، حيث توافر الأجواء الاجتماعية العامة المناسِبة، والتي من أهمها الطبقة الواعية لأهمية النظام الإسلامي بعد فشل الأنظمة والتيارات السابقة، فضلًا عن ظروف سياسية أخرى من صراع تيارات مختلفة داخل العراق وخارجه، والمخططات الاستكبارية العالمية تجاه هذا التحوُّل الكبير في العراق، وأثره على السياسة الخارجية في المنطقة والعالم.
فيقول (قدس سره) في إحدى نداءاته للأمة: ((فهيَّا أيُّها المسلمون الأحرار إلى العمل بمبادىء الإسلام، وتطبيق أحكامه، والسير على هدى تعاليمه وإرشاداته، وتحكيمه في حَلِّ جميع مشاكل الحياة))([62]).
وقال (قدس سره): ((فإلى الإسلام أيها المسلمون، وإلى دستور القرآن الخالد أيها المتطلِّعون إلى مستقبل أفضل، ودستور دائم …. فليفهم كُلُّ مسلم أنَّ دينه -وحده- المبدأ الذي يجب أنْ يعتنقه في الحياة، ويدعو إلى تطبيقه، وأنَّ دينه –وحده- الذي يكفل له تحقيق أمانيه وأحلامه، ويُغنيه عن ﭐستجداء المبادىء من الأجانب، وجلبها من الخارج))([63]).
إنَّ هذه الدعوات واضحة المعالم والدلالات في تهيئة الأمة ودعوتها إلى العمل، حيث أهمية ﭐستثمار الوقت والطاقات والظروف الملائمة، ويمكن بيان ما يأتي بإيجاز:
- التأكيد في الخطاب على الإسلام عقيدة ومبدأً ونظامًا، والدعوة إلى العمل به، وتركيز نظامه في الأمة، فهو النظام الوحيد الذي يكفل لأبنائه الحرية الحقيقة، والتحرر من قيود عبودية الأنظمة الأخرى السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، وإنَّ خطابه (أيها المسلمون الأحرار) فيه دلالات كبيرة على ذلك.
- الحث الكبير والتسابق مع الوقت والظروف لأجل تطبيق تعاليم الإسلام؛ لأنه هو الكفيل بسعادة أبناء الأمة، والتأكيد على النظام الإسلامي حصرًا، وعدم فسح المجال لأي نظام سواه في بلد الأغلبية المطلقة من المسلمين، وفي قوله: ((فليفهم كُلُّ مسلم أنَّ دينه -وحده- المبدأ)) دلالة على ذلك.
- بيان أنَّ النظام الإسلامي هو الذي يجعل الأمة غنيَّة بمواردها المتعددة، وفي جميع جوانبها، فلا تحتاج أنْ تركع أو تسجد للمستعمر الذي له القدرة الكبرى في سرقة الخيرات، والتظاهر أمام العالَم بالحرية وحقوق الإنسان، ومساعدة الشعوب الفقيرة، وإنقاذهم من براثن الفقر، وهو السبب الرئيس لذلك.
- إنَّ المبادىء والقيم التربوية الموجودة في الإسلام، وعند المسلمين هي كفيلة بتقدم الأمة في العلوم المختلفة، والإبداع في ذلك من خلال الحاكم العادل الذي يحمل هموم الأمة، ومن خلال أبناء الأمة التي تحمل هموم بلادها، ونظامها الذي هو يمثل كيانها.
- الدعوة إلى التمسك بالقرآن الكريم الداعي إلى كرامة الإنسان، والصراط المستقين، والهداية العامة للبشرية كلها، والعدل والإحسان، وﭐحترام الحقوق، وتوزيع الخيرات على الشعب بصور متكافئة، ولا يقدِّس الحاكم لأجل سطوته، ولا العشرية لأجل وجاهتها، بل كُلٌّ على قدر عطائه للأمة، فالقرآن هو الدستور الضامن للمسلمين الحياة الكريمة.
وقال (قدس سره) مخاطبًا عموم الأمة: ((إلى الأمة المتيقظة المؤمنة بأنَّ الإسلام هو طريق السيادة والسعادة .. إلى المسلم الغيور على دينه العظيم .. إلى العامل .. إلى الفقير الطامح بأحلامه في الغنى والكرامة .. إلى الغني الذي يفتح الإسلام أمامه أبواب الثروة في حدود المصلحة العامة .. إلى السياسي.. إليكم جميعًا يوجِّه الإسلام نداءه داعيًا …. فاملؤوا الأجواء بصوت الإسلام، وخذوا بيده إلى ميادين الحياة .. خذوا بيد الإسلام إلى تلك الميادين ليحرر الناس من العبوديات الاجتماعية))([64]).
إنَّ من أهم ما تضمَّنته هذه الدعوة على إيجازها ما يأتي:
- دعوة جميع طبقات المجتمع وفي ذلك رسالة واضحة عن شمولية النظام الإسلامي للجميع، من دون إيثار أحد على الآخر، بل كان خطابه إلى الجميع، وضمن حقوق الجميع، وفق نظام إنساني متكامل، يحقق سعادته.
- التأكيد على حفظ حقوق جميع الفئات في المجتمع وعدم ضياعه، إذا كانت تلك الفئات تؤمن بهذا النظام، وتعمل على تحقيق وجوده في الأمة، وتعمل على تثبيت أُسسه ودعائمه، وواعية لأهدافه (الأمة المتيَّقظة)، غير غافلة عن مخططات أعداء الإسلام، والتيارات المناهضة له.
- إنَّ النظام الإسلامي بحاجة إلى جميع أبناء الأمة، ويدعوهم إلى العمل كُلُّ وفق ساحته في المجتمع، من دون توانٍ وﭐتِّكال على الوعود البرَّاقة التي تطلقها التيارات الأخرى، فالنظام الإسلامي قائم على العقيدة والعمل، ولا ينفك أحدهما عن الآخر في جميع الميادين.
- نداء واضح وصريح إلى أنْ يعمل الجميع من أجل الإسلام ونظامه، بل إيثاره على غيره من الدعوات الأخرى، بل التضحية المادية والمعنوية في سبيله (فاملؤوا الأجواء بصوت الإسلام)، ولأجل أنْ يكون هذا الصوت عاليًا فهو يحتاج إلى جهاد دائم.
- إنَّ الحرية الموجودة في الإسلام قائمة على كرامة الإنسان، والحفاظ على قِيَمِه ومبادئه، وليست على أساس مصالحة الشخصية والأنانية، بل على الإيثار والتضحية والعطاء وغيرها، وهذه مبادىء تحتاجها البشرية في تحقيق سعادتها الفردية والنوعية، ولا يمكن الحصول عليها في الأنظمة الوضعية المادية، (ليحرر الناس من العبوديات الاجتماعية).
وقال (قدس سره) مخاطبًا أبناء الأمة بآثار العمل الجاد على تحقيق النظام الإسلامي في البلاد، والتضحية في سبيله: ((أيها المجاهدون في سبيل مستقبل مشرق وغد سعيد .. أيها المتوفِّرون على صنع تاريخ أفضل لهذه الأمة .. أيها الشباب المسلمون .. أيها الشيوخ .. إنَّ المستقبل المشرق هو الإسلام، وإنَّ الغد السعيد هو الغد الذي يحكم فيه مبدأ الإسلام، الرسالة الروحية والاجتماعية الكبرى التي لم تَرَ الإنسانية رسالة روحية وﭐجتماعية تسمو إلى مستواها العظيم في سعتها وشمولها، وفي روعتها وكمالها..))([65]).
إنها دعوة صادقة للجميع بأنْ يكونوا يدًا وقلبًا واحدًا للعمل على خدمة مصالح الجميع من خلال العمل على تحقيق الحكم الإسلامي، وأنْ يكون نظامه هو القانون الحاكم في البلاد، فعلى الشباب أنْ يستثمروا طاقاتهم المادية والمعنوية لأجل ذلك، وعلى الشيوخ أنْ يكونوا قدوة لغيرهم من أجل هذا البناء العظيم، وقد تضمنت نداءاته (قدس سره) الأمل المنشود تحقيقه في الأمة، كما قال تعالى في بيان آثار التمسك بالشريعة المقدسة والعودة إلى الله: )فَقُلْتُ ﭐسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(([66])، وقال تعالى مخاطبًا أهل الكتاب في بيان عظمة التمسك بتعاليم الشريعة الإلهية، وضمان تحيقيق السعادة: )وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ(([67]).
وقال (قدس سره) في نداء آخر يدعو أبناء الأمة إلى العمل، وﭐستذكار مواقف الأولين ودفاعهم عن الإسلام بكُلِّ ما يملكون: ((يا أمة الإسلام .. يا شبيبة محمد والقرآن .. يا فتية المبدأ الطاهر الذي حمله أجدادنا فأناروا به العالم، وأسعدوا به البشرية الشقية، وأرشدوا الإنسانية التائهة وهدوها إلى معين للحياة لا ينضب، وينبوع للعزة والخير لا ينحصر …. إنَّ الإسلام مسألة حياة أو موت للإنسانية كلها، وإنَّ الإنسانية لمنتهية إلى الإسلام في مستقبل قريب أو بعيد لا محالة ..))([68]).
إنَّ هذا النداء منه (قدس سره) في المنشور السادس أي بعد تمهيد للأمة في المنشورات السابقة التأسيسية للقاعدة الجماهيرية، وبيان أهداف الدعوة، حتى غدت الأمة مهيأة للدعوة إلى العمل، وتذكيرهم بما ينتمون إليه من مقدسات عظيمة تستحق الجهاد والتضحية في سبيلها (الإسلام، محمد، القرآن، المبدأ الطاهر)، فكُلَّ تلك المعاني تبعث في الروح الأمل والعمل؛ لأجل تحقيق الحكومة الإسلامية، من خلال شبابها المؤمن المجاهد، الذي يستمد عطاءه من تعاليم الشريعة المقدسة، ومن آبائه وأجداده الذين كانت لهم مواقف كبيرة في الدفاع عن الإسلام، بل الأمر أعظم من ذلك، فالأمر يدور حول الوجود الكريم، أو الذل والهوان، بين الوجود والعدم (إنَّ الإسلام مسألة حياة أو موت للإنسانية كلها).
وأخيرًا قال (قدس سره) مخاطبًا الشباب خاصة الذين لهم وجود كبير في الأمة، والذين يحاول العدو أنْ يستهدف شخصيتهم الإسلامية، وﭐستبدال مبادئهم بمبادئه المنحرفة، والتأثير عليهم من خلال وسائل ومغريات ووعود مختلفة: ((إلى شباب الأمة الإسلامية الذين يرتكز عليهم الإسلام في قوته وجهاده.. إلى أجيال محمد “صلى الله عليه وآله” الطالعة، المدعوَّة إلى رفع رايته والتبشير برسالته .. إلى الغيارى على الكيان الحبيب المؤمن بأنَّ الإسلام هو الحارس الوحيد لذلك الكيان والمحامي عنه..))([69]).
هذا آخر ما حاولت بيانه وذكره من شواهد نداءات الشهيد الصدر (قدس سره) الأمة للعمل على تحقيق النظام الإسلامية في الأمة؛ لبناء أمة قائمة على حكم الشريعة الإسلامية المقدسة، التي تعيد للإنسان المسلم كرامته المسلوبة، وحقوقه المنهوبة.
ختامًا لقد أكد الشهيد الصدر (قدس سره) أنَّ الأمة قد وصلت إلى مرحلة كبيرة من مراحل النضوج الفكري، والاستعداد النفسي لأجل تطبيق النظام الإسلامي، والدعوة إليه، والوقوف تجاه التيارات الأخرى، فالنتيجة بفضل الله تعالى وجهود هذه الثلة المجاهدة من (جماعة العلماء) قد تحققت في الأمة من خلال ﭐستجابتها وتفاعلها مع هذه الدعوات، وﭐستعدادها الكبير للخروج من ذلك الواقع الذي كانت عليه، أو الذي ورثته من ذلك (المجتمع الهيكلي)، وصارت مهيَّأة للعمل والتغيير على المستوى الفردي والجماعي، وعلى المستوى الشخصي والنوعي، وهذا ما أشار إليه في منشوره الأخير (السابع) بقوله: ((إنَّ ﭐحتفاء الأمة العظيمة بهذه البيانات، وإقبالها على ما فيها من المفاهيم الإسلامية الوضَّاءة بالخير والعدل والمساواة، كشف عن مدى ﭐستعداد الذهنية الإسلامية المخلصة للتجاوب من جديد مع رسالة نبيِّها الحبيب “صلى الله عليه وآله”، وعن تهيُّؤ الروحية الإسلامية المباركة للانصهار بالإسلام دينًا يملأ القلب إيمانًا وﭐطمئنانًا، ومبدأً يملأ الحياة سعادةً وﭐستقرارًا، ومن مظاهر هذا الإقبال أنَّ أكثر الأوساط أخذت تطالب بزيادة إيضاح المفاهيم الإسلامية التي نعطيها في البيانات، وصوغها في أساليب بسيطة، ولغة ميسَّرة الفهم للعموم؛ لتعمَّ الاستفادة منها؛ ولتشيع هذه المفاهيم المباركة في شتى الأوساط العامة؛ وتضيء السبيل الفكري الصحيح لمختلف الأفراد، ونزولًا على إرادة العموم ..))([70]).
هذا ما حاولت بيانه بإيجاز في هذه الصفحات المباركة عن جهود السيد الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) في عمله مع جماعة العلماء بالنجف الأشرف في التصدي للتيارات المناهضة للإسلام، والتي كانت تعمل علانية على تقويض مبادىء المجتمع العراقي المسلم، ومدى نجاح منشورات هذه الجماعة المجاهدة في الوقوف الحازم تجاه ذلك من جهة، وتهيئة الأمة للعمل نحو نظامها الإسلامي من جهة أخرى، وبناء المجتمع بناء عقديًّا يؤكد ﭐنتماءه للإسلام، مع ﭐستعداده التام للتضحية في سبيله، وما دماء الشهيد الصدر وغيره من العلماء الشهداء وقوافل الشهداء من المؤمنين إلا دلالة واضحة على صدق الانتماء إلى الإسلام، وأنهم على يقين من دعوتهم التي صدح بها الشهيد الصدر فاستجابوا لها (هذا الإسلام نحن مدينون له بوجودنا، مدينون له بأموالنا، مدينون له بكرامتنا، بعزتنا، بكُلِّ ما نملك من ﭐعتبار) .. والحمد لله أولًا وآخرًا
خاتمة وتوصيات:
- إنَّ الأحداث التي مرت على العراق كانت أحداثًا خطيرة عقديًّا كانت تحاول إبدال الانتماء الإسلامية لأبناء الأمة إلى ﭐنتماءات مناهضة للإسلام، وتجريد الأمة عن عقيدتها أو عزلها عنها، لولا الوقف الكبيرة للمرجعية الدينية وتبنِّيها لتأسيس هذه الجماعة من العلماء في التصدي الفكري لتلك المخططات.
- لقد تبيَّن من خلال المنشورات السبعة للجماعة مدى النشاط المعرفي الكبير الذي كان يتمتع به الشهيد الصدر لديها، فاعتمدته في كتابة تلك المنشورات، وتعبيره عن لسان الجماعة الداعية إلى تحصين الأمة عقديًّا ومعرفيًّا.
- إنَّ هذه المنشورات السبعة على إيجازها في الطرح، كانت عظيمة المضامين، سهلة التعبير، ﭐستطاعت أنْ تخاطب جميع طبقات الأمة من جهة، وإقناعها من جهة ثانية، وتهيئتها للاستجابة والتضحية من جهة ثالثة، وقد أثبت الواقع ذلك.
- إنَّ الأسس الخمسة التي تم عرضها في المطالب الثلاثة هي محاولة فكرية للتأسيس للعمل الإسلامية في المجتمع، وقد عملت على جعلها قاعدة للانطلاق نحو ذلك، من خلال قراءة واعية لخطابات القادة من جهة، ومدى تفكير أبناء الأمة وﭐستجابتها من جهة أخرى.
- حاول الباحث في مطالب بحثه تسليط الضوء على الشخصية الفذَّة الفريدة للشهيد الصدر، ونبوغه في الفكر السياسي الإسلامي نحو تأسيس الحكومة الإسلامية، من خلال ﭐستقراء كلماته في هذه الموضوعات التي تضمَّنتها المنشورات السبعة، وغيرها في المصادر الأخرى، وهي محاولة لتقنين فكر الشهيد الصدر في هذا المجال.
- يوصي الباحث أنْ تأخذ الجامعات العراقية بمختلف تخصصاتها، وخصوصًا العلوم السياسية بدراسة فكر الشهيد الصدر دراسة تحليلية من جهة، ومقارنة مع المفكرين الآخرين من جهة ثانية، وموازنة من جهة ثالثة؛ لتهيئة جيلٍ من الباحثين والأساتذة والمختصين في الفكر السياسي الإسلامي، حيث أهمية ذلك في مواجهة النظريات العلمانية والقومية والغربية وغيرها.
- يوصي الباحث ضرورة تخصيص جائزة علمية سنوية باسم (جائزة الشهيد الصدر المعرفية) في التخصصات المختلفة، باختيار تخصص كُلِّ دورة؛ لتتم من خلالها دراسة ذلك المفكر العظيم من جميع الاتجاهات، ويبقى ذلك الفكر حيًّا في الأمة.
- أخيرًا يوصي الباحث بالضرورة اللازمة لترجمة بعض الرؤى الفكرية السياسية للشهيد الصدر إلى لغات عالمية متعددة؛ ليطَّلع العالم على النظرية الإسلامية، ويرجعوا إليها في تقييم الرؤية الإسلامية؛ حيث تضمنت رؤاه قراءة واعية كبيرة لنصوص الشريعة المقدسة في ذلك.
([3]) للتفصيل عن جماعة العلماء وتأسيسها وأبرز أعضائها، ودور المرجعية فيها، ودوافع تشكيلها ينظر: العلامة الفقيه الشيخ مرتضى آل ياسين وجهوده الفكرية والسياسية في تاريخ العراق المعاصر، علي عذيب الشريفي ص180-215.
([4]) ينظر: ومضات، (موسوعة الإمام الشهيد السعيد محمد باقر الصدر “قدس سره” المجلد 17) ص279.
([5]) ينظر عن بعض ما يتعلق بمجموعة العلماء ومنشوراتها السبعة: موقع مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، مقابلة مع الشهيد السيد محمد باقر الحكيم https://mbsadr.ir
([7]) فلو أنه كان قد صدر على وفق المنهج المتبع في مدة الأيام بين جميع المنشورات وهي خمسة عشر يومًا فمن المحتمل أنْ يكون تاريخه (12 شعبان 1378ﻫ).
([8]) إنَّ المتتبع لهذا المنشور الأخير يرى هناك ﭐنتقالة كبيرة في الخطاب عن الخطابات السابقة، وسيتم بيان بعض ذلك في المطلب الثالث.
لقد ﭐستطاعت هذه الجماعة من خلال هذه الثلة المجاهدة من العلماء الاهتمام بقضايا الإسلام، والعمل في مدن متعددة منها كربلاء والكاظمية فضلًا عن النجف وغيرهما، والعمل على تهيئة الأمة نحو قضاياها المصيرية. ينظر: مفهوم الإسلام الحركي وأثره السياسي المعاصر (الشيعي أنموذجًا)، م.د عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي، مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربية، المجلد (10)، العددان (3-4)، 2011م، ص68.
[12]) ص67.
([13]) ومضات ص280-281 (المنشور الأول).
([15]) الميزان في تفسير القرآن ج18 ص94.
([17]) ومضات ص280 (المنشور الأول).
([18]) سورة المائدة: الآية 104.
([19]) ينظر: سورة المائدة: الآية 104 ، سورة يونس: الآية 78 ، سورة الأنبياء: الآية 53 ، سورة الشعراء: الآية 74 ، سورة لقمان: الآية 21 ، سورة الزخرف: الآية 22.
([20]) سورة الأعراف: الآية 28.
وإنَّ كتابه (قدس سره) (الإسلام يقود الحياة) دعوة واضحة وصريحة في أنَّ الإسلام نظام كامل للحياة، ويمكنه أنْ يقود حياة الأمة ومتطلباتها في جميع المجالات.
([22]) وهذا ما أكدته جماعة العلماء في بيان ما يتعلق برسالتها للأمة، وأهمية الإيمان المطلق بأنَّ الرجوع إلى النظام الإسلامي عقيدةً وعملًا هو الحل الأمثل للخروج من معاناتها في مجالات الحياة المختلفة، خصوصًا بعد تجاربها المتعددة للأنظمة الوضعية، فمما ورد: ((وإنَّ هذا الوعي الجديد الذي ﭐنتشر في أنحاء العالم الإسلامي، والذي لا يزال يتسع وينتشر يومًا بعد يوم، هذا الوعي الجديد للإسلام ولمبادئه ولمدى مطابقته لحاجات الإنسان ومطامحه، وإنَّ إفلاس المدنية الحديثة وتخبطها وعجزها الفاضح عن أنْ تقدم للإنسان الهدوء النفسي إلى جانب الرخاء المادي، وأنَّ إخفاق النظم السياسية والاجتماعية مع المحافظة على الجانب الإنساني، كل هذا يحملنا على أنْ نكون متفائلين بمستقبل الإسلام في العالم الحديث، واثقين بأنَّ الإسلام سيقود الإنسان من جديد)) رسالتنا ص74-75.
([23]) يمكن الرجوع إلى الآيات القرآنية المباركة والروايات الشريفة المؤكدة على عظمة هذا العمل عند الله تعالى في الدنيا والآخرة، وآثارها على تهذيب النفس الإنسانية من الأنانية والتسلط على الآخرين، والثواب الكبير الذي يحصل عليه، فضلًا عن بناء المجتمع على المحبة والتعاون، وتجريم الفائدة عليه من خلال جعل ذلك أحد أبواب الربا.
([24]) يمكن الرجوع إلى دراسة المجتمعات التي ﭐنبثق فيها الإسلام لمعرفة مدى تقدمها إنسانيًّا ومعرفيًّا وﭐجتماعيًّا، والمجتمع الإسلامي الأول في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أعظم مثال على ذلك، فبعد أنْ كانت المرأة -على سبيل المثال- يُنظر إليها بما لا يخفى على الباحثين، صار لها ذلك المقام العظيم في المجتمع، ووضعت لها أنظمة تحفظ كرامتها ومقامها في حال كونها بنتًا، أو أختًا، أو زوجةً، أو أُمًّا، وأسست الشريعة إلى تكريمها في خطاباتها القرآنية، قال تعالى: )وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا([سورة النساء: الآية 124]، وقال تعالى: )مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( [سورة النحل: الآية 97]، وقال تعالى في بيان حفظ مقامها وتكريم أعمالها وبيان آثارها: )فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ([سورة آل عمران: الآية 195]، فضلًا عمَّا ورد من الروايات الشريفة المتعددة في ذلك.
([25]) ومثال ذلك حالات السفور وخلع الحجاب أو الابتعاد عنه، أو ﭐستبداله بما يُدْعى حجابًا في المجتمع، ومنه السفور بالنسبة للطالبة الجامعية أصبح أمرًا بديهيًّا، والحجاب حالة غريبة أو شاذة، والمعاملات الربويَّة مسألة تجارية عامة، والقرض أو الإنفاق في سبيل الله تعالى أمرًا فرديًّا غريبًا.
([26]) وخير مثال للعالم كله ما تقوم به أمريكا وحلفاؤها تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران منذ عقود.
([27]) وخير مثال ما وصلت إليه أحوال حُكَّام الخليج، ومدى تسلط أمريكا على جميع مقدراتهم.
([28]) وخير مثال ما قامت به بريطانيا وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الأولى من ولادة اتفاقية سايكس – بيكو وغصب الأراضي الفلسطينية لتكون أرضًا لليهود وإنشاء الكيان الصهيوني المزعوم على ويلات ودماء وجثث الشهداء من الرجال والنساء والأطفال.
([29]) وخير مثال ما تعانيه اليوم بعض الدول الإسلامية أمثال العراق ولبنان وإيران وغيرها.
([30]) ولولا خروج هذه الصفحات عن أصل البحث لذكرت من صور الندامة التي تم التحذير منها بما يشيب له رأس الرضيع، ويكفي ذلك صرخة الشهيد الصدر الأخيرة التي ستبقى غصة في القلوب، وجرح لا يندمل، وعَبرة جارية: ((وأنا أعلن لكم يا أبنائي أنِّ صممت على الشهادة، ولعل هذا آخر ما تسمعونه منِّي، وإنَّ أبواب الجنة قد فُتِحت لتستقبل قوافل الشهداء، حتى يكتب الله لكم النصر …. فعلى كُلِّ في العراق وفي خارج العراق أنْ يعمل ما بوسعه –ولو كلَّفه ذلك حياته- من أجل إدامة الجهاد والنضال؛ لإزالة هذا الكابوس عن صدر العراق الحبيب، وتحريره من العصابة اللاإنسانية، وتوفير حكم صالح فَذٍ شريف يقوم على أساس الإسلام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) ومضات ص347.
عليك سلام الله ورحمته وبركاته فلقد تحققت نبوءتك أيها المفكر العظيم فقد ﭐستقبلت أبواب الجنة بعدك قوافل الشهداء .. بل وقوافل المشردين .. وقوافل المعتقلين.. وقوافل الأرامل والأيتام!! وهلك ذلك الكابوس هلاك ذُلٍّ وهوانٍ وﭐحتقارٍ في يوم عروج روحك إلى جنان الخلد راضية مرضية .. ولكن سيدي أيها الشهيد الخالد الشاهد هل تحقق الحكم الصالح الفذ الشريف؟!! أو هل يسمح الاستكبار وأعوانه وأذياله، أو الجهلة والمغرورون بملذاتهم الشخصية بتحقيقه؟!!
([32]) ومضات ص290 (المنشور الثالث).
([33]) وهي عبارة عن ثلاث وثلاثين أساسًا حُفِظَ منها ثلاثة عشر أساسًا فقط.
وقد بيَّن ذلك بإيجاز مهم جدًّا تحت عنوان (الدور الذي تمارسه الحوزة في الأمة) حيث ذكر ذلك في قراءة رائعة ودقيقة ضمن خطوط عامة ثلاثة. ينظر: ص397-406.
([37]) ولعل المحاضرات التي كان يلقيها الشهيد الصدر (قدس سره) على طلبة الحوزة العلمية حول دور الأئمة (عليهم السلام) في الحياة العامة كان لأجل تهيئة هذه الطبقة للتصدي للمسؤولية في المجتمع، وبيان سُبُل التعامل مع الأنظمة الجائرة، والتهيئة لأرضية الحكم الإسلامي. ينظر: السيد الشهيد محمد باقر الصدر بين الدين والسياسة، عبد الباسط خير الدين الخفاجي، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، النجف الأشرف، العدد (26)، 2014م، ص284-285.
([41]) ومضات ص284 (المنشور الثاني).
([42]) إنَّ الشهيد الصدر (قدس سره) يرى أنَّ الدولة أداة شرعية وضرورية لإدارة شؤون الأمة، وقد ﭐكتسبت مشروعيتها من النص المعصوم، والسنة العملية للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهي عنصر بنيزي في الإسلام ومشروعه الحضاري. ينظر: التكييف الفقهي للشورى في بناء الدولة عند الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، أ.م.د عدي جواد الحجار، الكلية الإسلامية الجامعة، النجف الأشرف، العدد (26)، 2014م، ص45.
([43]) وأقصد بالمبلغين عموم العاملين في هذا المشروع الذي تتبناه الحوزة العلمية من المرجع الأعلى نفسه، إلى المنتمين إلى المرجعية من مجتهدين وعلماء وأفاضل ووكلاء وطلبة وغيرهم.
([44]) لقد أكدت جماعة العلماء أهمية ذلك، وأشارت إليه بصراحة، وبيَّنت بعض الأسباب الداعية إلى عدم إمكانية ذلك، وما دور الاستعمار فيه: ((وقد أفلح الاستعمار بما ﭐستولى عليه من مقاليد التوجيه الكامل للحياة الإسلامية في أنْ يبث في عقول الكثرة العظمى من مسلمي اليوم وجهة النظر الغربية إلى الدين، وهي أنه قضية تهمُّ الفرد نفسه، ولا تتعداه إلى المجتمع؛ ولذلك فلا علاقة للدين بالمجتمع وبالحياة العامة، ولا معنى لأنْ تكون للمجتمع هموم دينية؛ لأنَّ الدين قضية شخصية تمامًا، هذا الفهم المزوَّر لوظيفة الدين زاد في من ضلال الإسلام المسلم المعاصر وبُعده عن الإسلام، بل ووقوفه موقفًا معاديًا في بعض الأحيان)) رسالتنا ص74.
([45]) وسيتم بيان بعض ما يتعلق به في المطلب الثالث.
([46]) سورة الأنفال: الآية 24.
وفي بيان ما يتعلق بهذه الحياة والدعوة بالاستجابة إلى طاعة الله ورسوله يقول السيد الطباطبائي (قدس سره): ((لمَّا دعاهم في قوله: )أَطِيْعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ( إلخ إلى إطاعة الدعوة الحقَّة، وعدم التولِّي عنها بعد ﭐستماعها، أكَّده ثانيًا بالدعوة إلى ﭐستجابة الله والرسول في دعوة الرسول، ببيان حقيقة الأمر، والركن الواقعي الذي تعتمد عليه هذه الدعوة، وهو أنَّ هذه الدعوة دعوة إلى ما يحيي الإنسان بإخراجه من مهبط الفناء والبوار …. وإذ كان هذه الهداية الإلهية التي يسوق النوع الإنسان إلى نحو سعادته وخيره، ويندبه نحو منافع وجوده هداية بحسب التكوين وفي طور الخلقة، ومن المحال أنْ يقع خطأ في التكوين، كان من الحتم الضروري أن يدرك الإنسان سعادة وجوده إدراكًا لا يقع فيه شك …. وهذا هو الذي يصرُّ عليه القرآن الكريم أنَّ الإنسان لا يخفى عليه ما فيه سعادته في الحياة من علم وعمل، وأنه يدرك بفطرته ما هو حق الاعتقاد والعمل …. فإذا ﭐنحرف الإنسان عن سويِّ الصراط الذي تهديه إليه الفطرة الإنسانية وتسوقه إليه الهداية الإلهية، فقد فَقَدَ لوازم الحياة السعيدة من العلم النافع والعمل الصالح، ولحق بحلول الجهل وفساد الإرادة الحرة والعمل النافع بالأموات، ولا يحييه إلا علم حق وعمل حق، وهما اللذان تندب إليهما الفطرة، وهذا هو الذي تشير إليه الآية)) الميزان في تفسير القرآن ج9 ص42.
([47]) لا يخفى أنَّ تاريخ إصدار هذه المنشورات والدعوات الإصلاحية كان بعد عام 1958م حيث سقوط الملكية في العراق والتيارات السياسية والاجتماعية المختلفة، وبروز التيار القومي والدعوات إلى الشيوعية أيام الرئيس عبد الكريم قاسم، ومحاولة تركيزها في الأمة قهرًا تارة، وترغيبًا عن طريق الإعلام والشعارات تارة أخرى، بل تبنِّيه من قبل الحكومة الجديدة علانية أو سرًّا.
([48]) سورة النساء: الآية 125.
([50]) سورة الإسراء: الآية 70.
([51]) وقد تحدث الشهيد الصدر (قدس سره) عن ذلك في كتابه (المدرسة القرآنية)، فضلًا عن كتاب (فلسفتنا) و (اقتصادنا)، وبيَّن عجز تلك الأنظمة في نظرياتها لتحقيق سعادة البشرية، مقارنة مع النظام الإسلامي.
([52]) ويرى الشهيد الصدر (قدس سره) سلوكية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العمل السياسي والتنظيم له من خلال سماحه للأمة أنْ تشارك سياسيًّا وﭐجتماعيًّا في عملية بناء الدولة، وهو جزء من أدوارها في المجتمع. ينظر: التكييف الفقهي للشورى في بناء الدولة عند الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) ص56.
([53]) ينظر: ومضات ص274 الأساس رقم 12 (دعوتنا إلى الإسلام دعوة تغييرية).
([57]) للتفصيل ينظر: ومضات ص304-308 (المنشور السابع).
([58]) لقد كانت للشهيد الصدر (قدس سره) رؤية واضحة تجاه آيدلوجية الدول الاستعمارية القائمة في سيطرتها على الشعوب الإسلامية، وﭐحتلال أراضيها، وﭐستغلالها لمصالحه عبر قوته العسكرية والسياسية وقهر العالم الإسلامي. ينظر: الرؤية المستقبلية للدولة الإسلامية في فكر الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، كريم شنان علي الطائي، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، النجف الأشرف، العدد (26)، 2014م، ص256.
([59]) ومضات ص284 (المنشور الثاني).
وهناك أمثلة عظيمة في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، فقد رأينا مدى ﭐستجابة المؤمنين خاصة، وأبناء الشعب عامة إلى فتوى المرجعية في الجهاد ضد الإنكليز عام 1914م والوقوف إلى جانب القوات العثمانية، وملحمتهم الكبرى في ثورة العشرين التي أذلَّت قوات الاحتلال، على رغم التفاوت الكبير بينهما في السلاح ونوعه، وهمجية وشراسة قوات الاحتلال، حتى تحقق ذلك من ﭐنتصاراتها والتأسيس لحكم وطني في العراق. وكذلك ما شهدناه في التاريخ المعاصر عندما أفتى سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) بالدفاع الكفائي ضد كيان داعش الإرهابي عام 2014م، وملحمة البطولات الفريدة في تحرير عدد من محافظات العراق الشمالية من سيطرتهم في وقت قياسي لم يكن في حسابات الجماعات الإرهابية، والقوى الاستعمارية العسكرية والسياسية التي تدعمها.للتفصيل ينظر: المرجعية الدينية ودورها في بناء الدولة العراقية، الدكتور الشيخ عماد الكاظمي.
([60]) ومضات ص284 (المنشور الثاني).
([61]) ومضات ص285 (المنشور الثاني).
([62]) ومضات ص286 (المنشور الثاني).
([63]) ومضات ص290 (المنشور الثالث).
([64]) ومضات ص292- 293. (المنشور الرابع 30 جمادى الآخرة 1378ﻫ).
وفي ﭐلتفاتة رائعة منه (قدس سره) أشار إلى أنَّ دعواته المتكررة إلى الحضارة الإسلامية وأهمية ترسيخها في الأمة لا يعني إلغاء الإفادة من العلوم المدنية الحديثة، فهذا فَهْمٌ خاطىءٌ، فالإسلام لا يجعل المسلم عاكفًا بعيدًا عن التقدم العلمي والاجتماعي والحضاري إذا كانت مبادؤه لا تنافي الثوابت في الشريعة الإسلامية المقدسة، ولا تحاول إلغاء الحضارة الإسلامية، لذا يقول في إشارة إلى أهمية ذلك: ((وإنَّ حين نتكلم عن الحضارة الإسلامية وإقامتها مقام الحضارة الغربية، وأيَّة حضارة أخرى لم ينزل بها القرآن، مهما كان شكلها، ومهما كان مصدرها، لا نريد من الأمة أنْ تستغني عن المدنية الحديثة وعلومها، كما يدَّعي بعض الناس ويزعم أنَّ إعادة الحضارة الإسلامية معناها إعادة تلك الحياة البدائية، التي كان يحياها المسلمون في مدينة الرسول “صلى الله عليه وآله”، ورفض سائر ما جاءت به المدنيات الحديثة من وسائل الحياة ومرفَّهاتها، وهذا الزعم ﭐفتراء على الإسلام، فالحضارة غير المدنية ..)). ص294 (المنشور الرابع).
([65]) ومضات ص296 (المنشور الخامس).
([66]) سورة نوح: الآيات 10-12.
([67]) سورة المائدة: الآية 66.
([68]) ومضات ص300 (المنشور السادس).
([69]) ومضات ص304 (المنشور السابع).
لقد كان الشهيد الصدر (قدس سره) حريصًا على أنْ تكون هناك قاعدة واعية في المجتمع، يمكن من خلالها الدعوة إلى إقامة حكم الإسلام، والعمل على التأسيس له؛ لذلك وجَّه بعض المقرَّبين من العاملين في هذا المجال على التهيئة لتأسيس تنظيم معيَّن يمكن من خلاله أنْ يكون محطة الانطلاق للعمل المنظَّم، وقد ﭐستجابوا لذلك، وعملوا على تهيئة أسس العمل الإسلامي المنظَّم. ينظر: السيد مرتضى العسكري ودوره في تأسيس حزب الدعوة الإسلامي، أ.م.د ياسين طه ياسين و م.م أحمد عبد الستار كاطع، مجلة الخليج العربي، جامعة البصرة، مركز دراسات البصرة والخليج العربي، المجلد (43)، العدد (1-2)، 2015م، ص9-10. وينظر: حزب الدعوة الإسلامية تأسيسه ونشاطه السياسي والديني بين عامي 1957-1974م، أ.د فؤاد طارق العميدي و م.م محمد عبد الرضا موسى، مجلة العلوم الإنسانية، كلية التربية للعلوم الإنسانية، المجلد (36)، العدد (2)، 2019م، ص7-8.
المصادر
- القرآن الكريم.
أولاً: الكتب المطبوعة:
- رسالتنا، جماعة العلماء في النجف الأشرف، (مط النعمان، النجف الأشرف، منشورات دار الأضواء، د.ط، د.ت).
- العلامة الفقيه الشيخ مرتضى آل ياسين وجهوده الفكرية والسياسية في تاريخ العراق المعاصر، علي عذيب الشريفي، (دار الرافد، قم، 2019م، ط1).
- المرجعية الدينية ودورها في بناء الدولة العراقية، الدكتور الشيخ عماد الكاظمي، (دار الكفيل، كربلاء المقدسة، الناشر: العتبة العباسية المقدسة، ط1، 1440ﻫ 2018م)
- الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي (ت1403ﻫ/1982م)، تصحيح: الشيخ حسين الأعلمي، (ط1، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1417ﻫ 1997م).
- ومضات، (موسوعة الإمام الشهيد السعيد محمد باقر الصدر “قدس سره”، السيد الشهيد محمد باقر الصدر (ت1400ﻫ/1980م)، (مط شريعت، قم، الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر “قدس سره”، ط2، 1434ﻫ).
ثانيًا: البحوث المنشورة:
- التكييف الفقهي للشورى في بناء الدولة عند الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، أ.م.د عدي جواد الحجار، الكلية الإسلامية الجامعة، النجف الأشرف، العدد (26)، 2014م.
- حزب الدعوة الإسلامية تأسيسه ونشاطه السياسي والديني بين عامي 1957-1974م، أ.د فؤاد طارق العميدي و م.م محمد عبد الرضا موسى، مجلة العلوم الإنسانية، كلية التربية للعلوم الإنسانية، المجلد (36)، العدد (2)، 2019م، ص7-8.
- الرؤية المستقبلية للدولة الإسلامية في فكر الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، كريم شنان علي الطائي، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، النجف الأشرف، العدد (26)، 2014م، ص256.
- السيد الشهيد محمد باقر الصدر بين الدين والسياسة، عبد الباسط خير الدين الخفاجي، مجلة الكلية الإسلامية الجامعة، النجف الأشرف، العدد (26)، 2014م.
- السيد مرتضى العسكري ودوره في تأسيس حزب الدعوة الإسلامي، أ.م.د ياسين طه ياسين و م.م أحمد عبد الستار كاطع، مجلة الخليج العربي، جامعة البصرة، مركز دراسات البصرة والخليج العربي، المجلد (43)، العدد (1-2)، 2015م، ص9-10.
- مفهوم الإسلام الحركي وأثره السياسي المعاصر (الشيعي أنموذجًا)، م.د عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي، مجلة القادسية في الآداب والعلوم التربية، المجلد (10)، العددان (3-4)، 2011م.
ثالثًا: المواقع الإلكترونية:
