المشكلة الإقتصادية في العراق الأسباب والحلول والمعالجات في ضوء تراث الامام الشهيد محمد باقر الصدر
العنوان: المشكلة الإقتصادية في العراق الأسباب والحلول والمعالجات في ضوء تراث الامام الشهيد محمد باقر الصدر
الكاتب/الكتّاب: عبدالاله نعمة الشبيب - -
الملخّص
بسم الله الرحمن الرحيم، لقد وفَّقنا الله تعالى لمعالجة المشكلة الاقتصادية في العراق من خلال ترات الشهيد الصدر (قدس) في بحث وقع في مقدمة وثلاثة مباحث، وكلُّ مبحث يمثل محورا من محاور البحث، وقد اسميناه بـــ (دَور البنوك في معالجة المشكلة الاقتصادية من خلال تصحيح حركة المال والتنمية). تناول المحور الأول نظرة عامة في معالجة المشكلة الإقتصادية من خلال تصحيح حركة المال والتنمية، وتناول الثاني المشاريع الفقهية المصرفية / البدائل والمعالجات وأدلتها الشرعية، وتناول الثالث دور البنوك اللاربوية في حماية المشاريع المالية وبرامج التنمية، وانتهى البحث الى استنتاجات وتوصيات وفهرست المصادر، وقد اتَّبعْنا المنهج التحليلي في استخراج ما انتهينا إليه من نتائج، معتمدين في مصادر البحث ومراجعه على كتب وآثار الشهيد الصدر(قدس) مع آثار طائفة من العلماء في مجال البحث، هذا وقد انتهينا من كتابة سطور البحث في النجف الاشرف في بداية / شباط/ 2022 م، ومن الله التوفيق.
Abstract:
In the Name of Allah, the most Gracious, the most Merciful. It has been granted by god almighty to tackle the economic problem we have in Iraq through the traditions of the martyr al-Sadr (GBHS) in a research that took place in an introduction and three sections and every topic represents one of the research axes, and we have named the research “The Role of Banks in Tackling the Economic Problem Through Correcting The Movement of Funds and Development.” The first section has dealt with an overview of tackling the economic problem through correcting the movement of funds and development, the second section with the jurisprudential banking projects /alternatives and treatments and their legal evidence, and the third with the role of non-profit banks in protecting financial projects and development programs. The research ended with a conclusion, extracted results, recommendations, and references and we have followed the analytical method in extracting the results what we have come to conclusions, relying on its sources and references in the books and monuments of the martyr al-Sadr (GBHS) with the works of group of scholars in the field of research, and here we have finished in writing this research In Najaf Al-Ashraf in the beginning of February 2022 and God grant success.
البحث الكامل
المشكلة الإقتصادية في العراق
الأسباب والحلول والمعالجات
في ضوء تراث الامام الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره)
دور البنوك في معالجة المشكلة الاقتصادية من خلال تصحيح حركة المال والتنمية
ربيع / 2022م – 1443هـ. ق
مقدمة البحث
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين المعصومين وعلى صحبه الأخيار المنتجبين.
المعروف عن كتب الإمام الشهيد الصدر (قدس سره) التي تشكِّل ميراثه العلمي الضخم أنَّها تجري بإبداع حيثما كانت هناك حاجةٌ للخلاص من كلّ مشكلة تُعيق سير البشرية نحو الهداية والإيمان والنِّظام الأصلح، ونحو الحقّ والإستقامة والوسَطية، وحيثما كانت هناك حاجة بل وفرصة لإنقاذ الانسان من رؤى حضارات البغي والفساد والظلم والاستبداد.
وقد عرضَ الإمام الشهيد الصدر في كتاب اقتصادنا من وجهة نظر الاسلام لواحدة من تلك المشاكل التي تهدد سير البشرية وتنذره بالخطر المهلك وهي المشكلة الإقتصادية وقد عرضها من جهة أسبابها وحلولها بشكل مفصَّل، وذكر في أكثر من كتاب من كتبه رؤية الحضارة الاسلامية في معالجتها وعرض في كتابه إقتصادنا فيما عرض قبال ذلك فكرة الحرية الإقتصادية الرأسمالية التي تمثل واجهة من واجهات الرؤية البرجوازية واسسها الفكريّة التي تعتمدها في علاجها والتي تتلخص بموت الضُّعفاء والفُقراء مهما كانت أعدادهم لأجل بقاء الأقوياء والأثرياء من دون ملاحظة للقيم الخلقيّة والروحيّة… وعرَضَ في كتابه (البنك اللاربوي في الإسلام) ظاهرة الرِّبا التي شاع أمرها للأسف في العراق وعرَضَ تخريجاته الفقهية لخلاص المجتمع الانساني عموما منها، مستعينا بمجموعة من الرؤى النظرية الأساسية التي تنظِّم الحياة الاقتصادية وفقاً لتصور العدالة.
أهمية البحث
وفي هذا العصر – الذي يمتلأ بشبكات الترابط الاقتصادي والمالي والتجاري وتعدّ فيه البنوك من أبرز آلياته في تحريك شؤونه في هذا المجال – قدّم قلمُ السيد الشهيد الصدر نظرته الأساسية في الإقتصاد التي تنظِّم الواقع الاقتصادي وما فيه من مشاكل، والذي كان كتاب اقتصادنا وكتاب البنك الّلاربوي في الإسلام والمدرسة الإسلامية وغيرها من كتبه التي تدور في الحلول والعلاجات والتي تتنفَّس البنوك من خلالها ويتنفَّس الإنسان من ورائها الهواء الصافي الخالي من ألواث الرِّبا وسمومه وجشع الانسان وطمعه، وحلاوة النظام وثمرته كل هذا يقف وراء اهمية بحث هذا الموضوع.
والذي أوقف الباحث على أهمية بحث المشكلة الاقتصادية أيضا هو ما ظهر له من استعراض المسألة في أكثر من كتاب له (قدس سره)، والتعبير عما تناول الأنشطة المالية في أحدها بالقلب النابض لحياة البِنية الاجتماعية سيما وهي تنضمّ مع اجزاء النظام الاسلامي الأخرى، إضافة الى ما تتجه فيه المسألة المبحوثة صوب تحقيق الأهداف الرئيسية التي يتوخاها الاسلام في تنظيمه الاجتماعي، من توازن اجتماعي، وعدالة في التوزيع، وغير ذلك مما يحقق الترابط بين المال والإقتصاد وما تُحصَّل فيه خدمة الانسان والتنمية في مجالات كثيرة أبرزها المال والسكن والمياه والكهرباء والصحة وتعبيد الطرق ومد الجسور ونحو ذلك.
مشكلة البحث
وأما مشكلة البحث فتتجلّى في إمكانية وصول البحث الى حلول تطبيقية للمشكلة الاقتصادية ومدى امكانية تصحيح حركة المال والتنمية في الواقع وليس هي كما يتصور في معرفة الأدوات التي تساهم في تذليلها وتفكيكها، وان كانت هذه الأخيرة والتنظير لها من وجهة نظر اسلامية ليست بهيِّنة، وقد كانت كلتا الجهتين محطَّ مساعيه التي فكَّر فيهما (قدس سره) وحرَّك قلمه ووجدانه بهما بِجِديَّة وامتياز وإبداع، إيماناً منه بأنَّ الرِّبا هو أخطر آفة اقتصادية تأكلُ المالَ والأخلاقَ معاً والأكثر إنتشاراً في عالم الاقتصاد والمال.
فرضية البحث
وأما فرضية البحث فقد تصوَّرها الباحث من خلال جملة من التساؤلات التي تحمل في طياتها الإجابة المؤقّتة لمشكلة البحث، وها هي كالتالي:
السؤال الاول: هل يُمكن تكييف عمل البنوك وممارساتها وهي على ما عليه من بُنىً تخصصيّة بالشكل الذي يتغيَّر فيها سير المال من الحرام الى الحلال؟
السؤال الثاني: هل بإمكان الفقه الاسلامي أن يقدِّم للبنوك القدرة والثِّقة في التعامل مع الناس من خلال أدلته وتجربته في تنشيط وتنمية رؤوس الأموال التي هي شرايين بنية الحياة الاجتماعية؟
السؤال الثالث: هل يمكن الاستغناء بالبديل الفقهي الإسلامي عمّا تقدِّمه البنوك من تسهيلات وخدمات؟ وهل يمكن عزل ومنع البنوك من ممارسة الرِّبا؟
السؤال الرابع: هل بوسع التخريجات الفقهية التي يقدِّمها الفقه الاسلامي أن تكون قادرة على شقِّ طريقٍ الحلال وتعبيده في ظل التعقيد المصرفي العالمي؟
هيكلة البحث
ولأجل الوصول الى الإجابة عن تلكم الاسئلة الآنفة التي تَحمل في طيّاتها كما ذكرنا أجوبة افتراضية مؤقتة لمشكلة البحث تناول البحث الموسوم بـ (دور البنوك في معالجة المشكلة الاقتصادية من خلال تصحيح حركة المال والتنمية) ثلاثة محاور سلك فيها الباحث المنهج التحليلي في ضوء مدرسة الشهيد الصدر الاقتصادية لغرض الوصول الى الأجوبة المتبناة، وهي كالتالي:
المحور الاول: نظرة عامة في معالجة المشكلة الإقتصادية من خلال تصحيح حركة المال والتنمية.
المحور الثاني: المشاريع الفقهية المصرفية / البدائل والمعالجات وأدلتها الشرعية في مجال تصحيح حركة المال.
المحور الثالث: دور البنوك اللاربوية في حماية المشاريع المالية وتطوير برامج التنمية.
هدف البحث
وأمّا هدف البحث فيمكن رصده في البحوث والدراسات والمشاريع الفقهيّة التي تُنَظِّر لهذه الخدمات والفعاليات والممارسات الإقتصادية والمصرفية، وهي رغم أنّها قليلة في نسبتها إلى حاجة الواقع وتفاصيله المعقدّة في هذا المجال إلاّ أنّها كانت أساساً راقياً في الإنطلاق بها نحو إحتواء حركة الواقع أوتطبيعه والأخذ بيده نحو شواطيء الإسلام الطاهرة المحلَّلة والنَّظيفة أولا. ومحاولة انضاج الفكرة ذاتها وانهاضاً لها بالمستوى الذي يضع الموقف الشرعي مهيمناً على حركة الواقع المصرفي، وابراز هيمنة علماء الاسلام، في سائر الجوانب المعرفية في الحياة من أجل رجوع الأمة الى أصالة واقعها العلمي الشامخ والقادر على حلِّ كلِّ مشاكل الحياة ثانيا.
وانتزاع البنوك والمشاريع التنموية من روح الأسْر والاستسلام للحرام والجشع الذي أوقعتهما فيه النظريات الإقتصادية الوضعية، والأخذ بها نحو ساحات خدمة الإنسان التي سمّى القرآن عملَها كما يقول الشهيد الصدر بالعمل في سبيل الله ثالثاً، هذا بالاضافة الى تأكيد العلاقة من قبل الباحث بين المجال الحوزوي والمجال الأكاديمي اللذين وضعا اقلامهما بخدمة هذا النشاط الإقتصادي والمالي والذي يريد الاستعمار الثقافي الفصل بينهما في الترافد والتلاحم رابعاً.
وأخيرا انتهينا من إعداد هذا البحث في النجف الاشرف في ج2 بتاريخ 1443ه. ق واستغرقنا في تهيئته ما يقرب من الشهرين تقريباً. وآخراً ندعو الله تعالى التسديد والقبول انه سميع الدعاء.
المحور الأول
نظرة عامة في معالجة المشكلة الإقتصادية من خلال تصحيح حركة المال والتنمية
الكلمات المفتاحية في البحث:
كعادة البحوث أنها تبدأ بتعريف الكلمات المفتاحية فيها، وهي في بحثنا ثلاثة مفردات:
الإقتصاد والمال والتنمية، وهي كلمات مترابطة بل إن المفردتين الأوليتين منهما تنقل معاني متشابهة في عالم الأعمال ([1]).
الإقتصاد
والإقتصاد لغة من قصد: القصد استقامة الطريقة، وقصد يقصد قصدا فهو قاصد. والقصد في المعيشة ألّا تُسرف ولا تُقتِّر. وفي الحديث: “ما عالَ مقتصدٌ ولا يعيل “. ([2])، وفي مجمع البحرين للشيخ الطريحي: “والإقتصاد في المعيشة: هو التوسّط بين التَّبذير والتَّقتير. ومنه الحديث (ما عالَ امرءٌ في اقتصاد) وهو افتعال من القصد. ومثله (ما عالَ مقتصد) ([3])، وأما اصطلاحا فيعرّف الإقتصاد بأنه فرع المعرفة الذي يتعلَّق بإنتاج واستهلاك ونقل الثروة ([4]) ومن هنا فإنَّ نقل المال الذي يمارسه البنك يعدُّ نشاطا اقتصادياً ونشاطا مالياً في ذات الوقت وهذه النقطة الأخيرة هي القاسم المشترك الذي يحرِّك البحث في بعض مطاويه.
المال
وأمّا المال: فهو معروف. وجمعه: أموال. وكانت أموال العرب: أنعامهم. ورجل مال: أي: ذو مال، والفعل: تَموَّل ([5])، وفي الصحاح للجوهري ورجل مال، أي كثير المال([6]). وأمّا المال اصطلاحا فهو لا يختلف عن معناه اللغوي وهو واحد من موارد ونشاطات العمل الإقتصادي الكلي أو الجزئي، واذا كان الاقتصاد يهتمّ بتحسين الموارد وتلبية احتياجات الناس من خلالها فالمال هو ما يخضع كثروة لسياسة التمويل في تعظيمه بأفضل طريقة ممكنة([7]).
التنمية
واما التنمية لغة فقد جاء في : تاج العروس للزبيدي [ نمو]: نما المال وغيره ينمونموّاً، كعلوّ: زاد والنموالزيادة ونما نموّاً ارتفع([8])، وهي اصطلاحا: “ارتقاء المجتمع والانتقال به من الوضع الثابت إلى وضع أعلى وأفضل، وما تصل إليه من حسن لاستغلال الطاقات التي تتوفّر لديها، والموجودة والكامنة وتوظيفها “([9]). وسنتعرض لتوضيحها بشكل أكثر في المحل المناسب من البحث.
منابع المشكلة الاقتصادية
ان المشكلة الإقتصادية شأنها شأن اي مشكلة في الحياة معلولا لعلة وقد شخص الباحثون في مجال الاقتصاد علة المشكلة الاقتصادية وحصروها تقريبا في ثلاثة علل وهي كالتالي :
1- الأنانية
2- الكسب غير المشروع وفوضى الكسب
3- الجهل
وبعد وضوح المفردات المفتاحية للبحث لغةً واصطلاحاً قبل قليل نرى أنَّ جزءً كبيراً من المشكلة الاقتصادية يحلّ في وادي هذه العلل التي أسميناها بالمنابع فقد تكون المشكلة الإقتصادية نابعة من أنانية الانسان وجشعه، وهنا تظهر المشكلة بلون البُخل والشُّح والتَّحايُل والإنطواء وقِلّة الإيثار وقِلّة الإحسان، وقد تكون نابعة من نيّة الحصول على كسب غير مشروع، وهنا تظهر المشكلة بلون المخادعة وإخفاء عيوب السِّلع وتغطية وتلطيف الواقع غير المشروع في الكسب وأكل الأموال بالباطل وما الى ذلك أو إخفاء وجه الرِّبا القبيح وممارساته وهو ما يمكن ان تعالجه البنوك وتقف الى حدٍّ ما حائلا امام فوضوية حركة الأموال وتنميتها وأكلها ، وقد تكون المشكلة نابعة من الجهل بأسبابها وبحلولها ومعرفة طرق علاجها ، وهنا تختلف الأنظار فالشيوعيّ والماديّ له قولٌ في معرفة أسباب المشكلة الإقتصادية ومعرفة حلولها وعلاجاتها، وللرأسمالي قولٌ، وللإسلامي قولٌ، ونحن نُؤمن بأنَّ معرفة الأسباب والحلول والعلاجات لا يمكن أن تكون صائبة ما لم يكن منشأُ ذلك إلهياً؛ لإيماننا بأنَّ هذا المنشأ معصومٌ عن الخطأ، وأمّا غيره فلم يحظَ بهذه المرتبة من الصوابيّة والحقّ إنْ لم تكن خطواته ضلال في ضلال. وإنْ يَحسَب القاريء العزيز أنّ هذا التصريح يدلُّ على خَلَل في الموضوعية والتجرّد يصطبغ به البحث منذ البدء، قلنا له: نعم إذا كان ما ينتهي إليه بحث المسألة بعيداً عن البرهان والدليل وبعيداً عن التمحيص وإعمال الفكر والإجتهاد فالحقُّ معه . فالرِّبا مثلاً – كممارسة اقتصادية ومالية تمثل واحدا من اشكال المشكلة الاقتصادية في العراق- اختلفت في تقييمه الأنظار، وفي هذا المعنى يقول الدكتور محمد عبدالله دراز: ” نحن نعلم أنّ القرآن: يُحَرِّم الرِّبا تحريماً قاطعاً مطلقاً، لا بالمعنى الحديث والمُقَيَّد فقط (وهو الفائدة التي تتجاوز سِعْراً معيَّناً) بل بالمعنى الأقدم والأوسع للكلمة وهو كلُّ مَنفعة ماديّة أو غير ماديّة تُؤخذ مِمَّن يُقرَضُونَ، إلّا أنَّ الإقراض ليس مُتاجَرة، بل هو مُعاونَة، والعَوْن يجب أن يكون نزيهاً نزاهةً مطلقةً، يقول تعالى في ذلك: (فَلَكُمْ رُؤوسُ أَموالِكُمْ لَا تَظلِمُونَ ولا تُظلَمُونَ)” ([10]) ([11])، وأمّا من يَرَوْنه مُتاجَرةً فهم يبحثون عن الرِّبح من المقتَرِض ومن المُستثمِر ولا يفكِّرون بالتَّعاون والتآزر وبروح الإيثار والأحسان لِمَنْ هم مُحتاجون الى القرض فلا يتحرَّك في سوقهم إلّا الجشع والطَّمع ومفاهيم السَّلْب والنَّهْب واللصوصيّة والقرصنة والعداوة والكراهية إنْ في الجهة المُقرِضة والجهة المُقتَرِضة أو بين البنك والعامل وصاحب رأس المال، ولا يُعَدُّ البنك في هذا الفهم وسيطاً بل هو مُرابٍ يمتصُّ دماءَ وعرقَ المحتاجين والفقراء.
برامج تنمية المال
أمّا برامج التنمية فقد اختلفت الآراء في التنمية، فالإسلام مثلا يرى للتنمية مكاناً مُقَدَّماً حتّى على حقِّ الغريم الذي يِطلب حقَّه اللازم في مال المُغرَم(المدين)؛ لأجل أن التنمية تُحَقِّق المَصلحة التي ينشدها صاحب التنمية ([12]) كما لو دار الأمر بين تعمير مسجد ما مثلا فيما فَضُلَ من أمواله وتنمية تلك الاموال([13])، غير أنَّ حفظ المال في بعض الفروض أهم من التنمية؛ لِأنَّ التنمية أمرٌ محتمل الوقوع سيّما لو كان المُطالَب فيها غيرَ عادلٍ، أمّا الحفظ فهو أمرٌ باليد، ولهذا لو كان بيد إنسانٍ مالٌ لِطفلٍ ولم يكن وصيُّه عَدْلٌ، فهل يجب عليه أن يُنمّيه أو يتركَه حتى يبلُغَ؟ قيل في جواب المسألة: لا تجب التنمية بل يجب الحفظ([14])، وقد أوجبها بعض الفقهاء في موارد معينة لأنَّ تركَها يوجب فوات المال المقصود بالتنمية رأساً ([15]). والتنمية تتَّخِذ اشكالا كثيرة بقدر اهتمامات الناس ونشاطاتهم في كل مجالات الحياة الزراعية والصناعية والتجارية والثقافية والعلمية ونحو ذلك، والتنمية فطرة يَميل إليها ويحبُّها كلُّ الناس لقوله تعالى(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) ([16])، وما برامج التنمية المُستدامة([17]) التي شاع إصطلاحها في العصر الحديث- اذا احسنا الظن – إلا ترجمة واقعية لهذه الرغبة الفطرية عند الانسان في حبِّ الخير والنفع والنمووالمحافظة عليها وإدامتها لينتفع منها المجتمع الحالي والمستقبلي ما دامت في حدود الفطرة الانسانية النظيفة، وهي عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبّي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها. ([18])، وما نشاط البنوك اللاربوية ووساطتها بين صاحب رأس المال والعامل وتقديم خدمتها لهما إلّا نحو من أنحاء التنمية التي تُسهِم فيها البنوك وتُنتَج البرامجُ المتطورةُ والتخريجات الفنيّة والشرعيّة من أجلها.
نعم هذه المساهمة المصرفيّة تكون نزيهة حينما تَلبَس لباسَ المعاونة للطرفين، وتكون قذرة حينما تلبس لباس الجشع والسَّلْب وحينما يريد صاحبها امتصاصَ أكبرِ قَدر ممكن من الرِّبح والفائدة منهما..
والبحث الذي بين أيدينا- عزيزي القاريء- يسعى من خلال الشريعة الإسلامية وتراث الإمام الشهيد الصدر(قدس سره) أن تكون هذه الخدمة الّتي تحقق التنمية نزيهة ومحلَّلة كما أراد الله تعالى، ويريد ان ننظرَ الى هذه الخدمة من خلال ما تُحرِّكه من ثروة مالية أن تكون طريقاً لهدف أكبر هي خدمة الإنسان لا خدمةَ المال نفسه وآلةً من آلات الطُّغيان عليه كما في قوله تعالى:(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى.أنْ رآهُ اسْتَغْنَى) ([19]).
يقول السيد الشهيد الصدر: “إن الإسلام يُريد مِنَ الإنسان أن ينمِّي الثَّروة ليُسيطر عليها، وينتفعَ بها في تنمية وجوده كَكُلّ، لا لِتُسيطرَ عليه الثَّروة، وتَستَلِمَ منه زمامَ القيادة، وتمحومن أمامه الأهدافَ الكبرى”([20]).
ويقول أيضاً: “إنَّ الثروة في رأي الإسلام وتنميتَها هدفٌ من الأهداف المهمّة ولكنَّه هدفُ طريقٍ لا هدفُ غايةٍ ” ([21]) أي إنَّ الاسلام لم يُقدِّر حبَّ المال وتنميتَه لأجل المال بل يُقدِّره حينما يكون لأجل الإنسان ولأجل خدمة الآخرة، ويُدينُ مَن يكونُ هدفُه المالَ الذي لا يتحرّك نحو عامة الناس وفقرائهم ومستضعفيهم ونحو تقوى الله، وفي نفس الوقت يُدين مَن يترك المالَ لأجل الآخرة. أو يُحبُّ المالَ لأجل إشباع شهواته فحسب.
* قال رسول الله (ص): “نِعْمَ العونُ على تقوى الله الغِنى”([22]).
* وعن أبي جعفر (ع): “نِعْمَ العونُ الدُّنيا على طلب الآخرة”([23]).
* وعن عمروبن جميع قال سمعت أبا عبدالله الصادق (ع) يقول: “لا خير فيمن لا يُحبُّ جمعَ المال مِن حَلالٍ، يكفُّ به وجهَه، ويقضي به دينَه، ويَصِلُ به رَحِمَه “([24]).
وفي الكافي عن أبي عبدالله (ع): “أبعدُ ما يكون العبدُ منَ الله إذا كانت هِمَّتُه بطنَه وفرجَه” ([25]).
علاقة التنمية بتوزيع المال
والتنمية في نظر الاسلام مشروعٌ لا يَتحقَّق إلّا بتوزيع المال على خلاف النظرة الرأسمالية التي يرفضها الاسلام والتي ترى إنَّ تنمية المال مشروعٌ منفصلٌ عن نوع توزيعه. ([26])، فالإسلام مثلا يرى أنّ المالَ لا ينموإلّا من خلال دفع فريضة الزكاة التي تُوَزِّعُ بدورها المالَ على ثمانية أصنافٍ من الناس مِمَّنْ يستحقّونها، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ..) ([27])وقال تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ([28]) ومن خلال دفع فريضة الخمس التي توصل المال الى مستحقيه من الناس أيضا، قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ…) ([29]) ومن خلال الإنفاق في قوله تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ([30])، وعن أبي عبد الله (ع): (إنما وُضِعَتِ الزكاة اختباراً للأغنياء ومعونةً للفقراء، ولو أنَّ الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بَقِيَ مسلمٌ فقيراً محتاجاً، ولاستغنى بما فرض الله له، وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا، إلا بذنوب الأغنياء… “ ([31]).
وعلى هذا المعنى يقول السيد الشهيد الصدر: “إن الاسلام يربط تنمية الثروة كهدف بالتوزيع ومدى ما يحقِّق نمو الثروة لأفراد الأمّة من يُسْرٍ ورَخاءٍ، لأنَّ تنمية الثروة في مفهومه هدفُ طريقٍ لا هدفَ غايةٍ. ومعنى ذلك أنّه ما لم تُساهمْ عملياتُ التنمية في إشاعة اليُسر والرَّخاء بين الأفراد، وتوفِّرُ لهم الشروط التي تمكِّنُهم من الإنطلاق في مواهبهم الخَيِّرة وتحقيق رسالتهم، فلن تؤديَ تنميةُ الثروة دورَها الصالح في حياة الانسان، ولهذا نجد أن كتاب الإمام علي (ع) إلى حاكم مصر – الذي حدّد فيه الإمامُ لواليهِ البرنامج الإسلامي الذي يجب عليه تطبيقه – حين أراد أن يتحدَّث عن تنمية الثروة بوصفها هدفاً من أهداف مجتمع المتِّقين – على حدِّ تعبير وصيَّتِه في الكتاب – لم يصوِّرها تكديساً هائلا للثروة، وإنما صوّرها بصورة اليُسر والرَّخاء الذي يَعُمُّ حياة الأفراد جميعاً في مجتمع المتقين. وهذا تأكيد على أنَّ تنمية الثروة ليست هدفاً إلا بمقدار ما تنعكس في حياة الناس ومعيشتهم. وأما حين تنمو الثروة بشكل منفصلٍ عن حياة الناس، ويكون الجمهور في خدمة هذه التنمية لا التنمية في خدمة الجمهور، فسوف تكتسب الثروة نوعاً من الصًّنَمِيّة، وتُصبح هدفَ غايةٍ لا هدفَ طريقٍ، ويصدُق عليها قولُ النَّبيّ (ص) وهو يُعبِّر عن هذا الَّلون من الثروة ويحذِّر من أخطارها: إنَّ الدنانيرَ الصُّفُرَ والدّراهِمَ البيضَ مُهْلِكاكُم كما أَهلَكا مَن كانَ قبلَكُم” ([32]). وعلى هذا الأساس فالإسلام حين يضع تنمية الإنتاج هدفاً للمجتمع يجعل نُصْبَ عينيه ارتباطَ هذه التنمية باليُسر والرَّخاء العام. ولهذا يرفض من أساليب التنمية ما يتعارض مع ذلك، ويضرّ بالناس بدلاً عن تيسير الحياة لهم. ويمكننا أن نقدِّر على هذا الضوء أنّ الإسلام لو كان قد استلم زمام القيادة بَدَلاً عن الرأسمالية في عصر ولادة الآلة البخارية، لَمَا سمح باستعمال الآلة الجديدة – التي ضاعفتِ الإنتاجَ بقدر ما أطاحتْ بالآلاف من الصُّناع اليَدَويينَ – إلّا بعد أن يتغلَّبَ على المشاكل والأضرار الّتي تجلبها الآلةُ لهؤلاء، لأنَّ التنميةَ التي تُحقِّقُها الآلةُ قبل التغلّب على تلك المشاكل والأضرار سوف لن تكون هدفَ طريقٍ بل هدفَ غاية.
نعم ان المشكلة الإقتصادية التي تولِّدها حلول التكنولوجيا الحديثة والتي يُستغنى فيها عن اليد العاملة اليوم يتقدَّم الاسلام في إيجاد حلِّها قبل ان يسمحَ لهذه التكنولوجيا ان تأخذَ مداها السلبيَّ في حياة الناس؛ لانّ التكنولوجيا ما لم تُضِفْ سعادةً لحياة الناس لا قيمةَ لها. أمّا النظرةُ الرأسماليةُ فلا يَهمُّها فقرَ الفقراء وكثرةَ البَطالةِ بل يهمُّها كثرةَ الأرباح وتنميةَ المال على حساب حياة الناس وسعادتهم. وبونٌ شاسعٌ بين هاتين النظرتين في تصور المشكلة الاقتصادية وتصور التنمية، ولم تأتِ هاتانِ النظرتانِ عن فراغٍ بل لإعتقاد البرجوازية بِبُخْل الطبيعة وعدم كفاية مواردها للناس ودوامها، بينما لا يرى الاسلامُ المشكلةَ في ذلك بل يراها في ظلم الانسان وعدم عدالته في توزيع تلك الموارد.
3- معالم النظرة االاسلامية والماركسية في تصور المشكلة الاقتصادية
يقول السيد الشهيد الصدر في مقام توضيح تَيْنِكَ النَّظْرتين الآنفتين وفي تصورهما للمشكلة الاقتصادية: “إنّ الإسلام يرى أنّ المشكلة الاقتصادية القائمة على أساس تصور واقعي للأمور لم تنشأ من نُدرة موارد الإنتاج وبُخل الطبيعة. وتفسير المشكلة على هذا الضوء ليس إلّا محاولة في التهرُّب عن مواجهة الوجه الواقعي للمشكلة القابل للحلِّ. إن الإسلام لا يقرُّ ذلك كلَّه، وينظر إلى المشكلة من ناحيتها الواقعية القابلة للحلّ كما نجد ذلك في قوله تعالى: (اللهُ الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ، وأنزلَ منَ السماء ماءً فأخرجَ به من الثَّمراتِ رزقاً لكُمْ، وسخَّر لكم الفلكَ لتجريَ في البحرِ بأمرِهِ، وسخَّر لكُمُ الأنهارَ، وسخَّرَ لكُمُ الشمسَ والقمرَ دائبينِ، وسخَّر لكم الليلَ والنّهارَ، وآتاكُمْ مِنْ كلِّ ما سألتُمُوه، وإنْ تَعُدُّوا نعمةَ الله لا تُحصُوها. إنَّ الإنسانَ لظلومٌ كفّارٌ.)([33]). فإنَّ هذه الآيات بعد أن استعرضت مصادر الثروة التي أنعم الله تعالى بها على الانسان أكَّدت أنها كافية لإشباع الانسان وتحقيق سؤله(وآتاكُمْ من كلِّ ما سألتُمُوهُ) فالمشكلة الواقعية لم تنشأ عن بخل الطبيعة، أو عجزها عن تلبية حاجات الانسان. وإنما نشأت من الانسان نفسه كما تقرّر في ختام الآية آنفاً (إنَّ الإنسانَ لَظَلومٌ كفّارٌ). فظلمُ الانسان في توزيع الثروة وكفرانُه للنعمة بعدم استغلال جميع المصادر التي تفضَّلَ اللهُ بها عليه استغلالاً تامّاً أو اعتماده على برامج وأشخاص غير كفوئين هما السَّبَبانِ المزدوجانِ للمشكلة التي يعيشها الإنسانُ البائس منذ أبعد عصور التاريخ. وبمجرد تفسير المشكلة على أساس إنساني يُصبِح بالإمكان التغلّب عليها، والقضاء على الظلم وكفران النعمة بإيجاد علاقات توزيع عادلة، وتعبئة كلِّ القوة المادية لاستثمار الطبيعة، واستكشاف كلِّ كنوزها” ([34]).
ثم إن ثبات هذا اللون من التوزيع القرآني للمُنتَج – بين الناس- الذي أبرزته آيات الزكاة والخمس والإنفاقِ الواجبِ يُذكِّرنا بمخالفة الاسلام للماركسية التي ترى ان التوزيع عمليةٌ مُتغيرةٌ بتغيُّر الانتاج وإنَّ هذا التصوُّر يُعَدُّ لديها من القوانين الطبيعية التاريخية الصارمة والقوية التي لا تَتَبدَّل ولا تَتَعدَّل. وهكذا هي طبيعة التشريع الاسلامي في ثبات أساليب التوزيع لا لأنَّ الإنتاج لا يمتلك وجهاً في الصلة مع نظام التوزيع، لا. بل لِأنّ أفضل الحلول وأثبتها أمام المشكلة لا يقتضي التبديل والتعديل ويَعتبرُ وسائل التوزيع كما يقول السيد الشهيد الصدر: “صالحة في كل زمان ومكان، لا يختلف في ذلك عصر الكهرباء والذَّرة عن عصر البخار، ولا عصر البخار عن عصر الطاحونة الهوائية والعمل اليدوي. فعلى كل هذه العصور مثلا – تصح القاعدة القائلة: إنَّ من حقّ العامل أن يقطف ثمار عمله ويتملكها”([35]) بلحاظ ان العمل أداة رئيسية للتوزيع بوصفه أساسا ثابتا للملكية. ([36])
وفي بيان اختلاف النظرة الماركسية التي ترى تغيّرَ أساليب التوزيع وتبعيتَها وحتميةَ تنوّعِها لتنوِّعِ أساليب الانتاج وصلَتِها بها ومواكبتِها وتكيُّفِها معها عن نظرة الاسلام الرافضة لها في هذه المسألة يقول السيِّد الشهيد الصَّدر:
“وهكذا ترى الماركسية إنَّ نظام التوزيع يتَّبِعُ دائماً شَكْلَ الإنتاج، ويتكيَّف وِفقاً لحاجاته. وهذه التبعيةُ قانونٌ طبيعيٌّ صارمٌ للتاريخ، لا يمكن تبديلُه أو تعديلُه. فالقضية الأساسية في حياة الإنسان هي أن ينتج، وأن يسير الإنتاج وينمو باطِّراد. أمّا كيف يُوَزَّعُ الناتجُ؟. ومن هم الذين يمنحون حقَّ ملكية الوسائل المُنْتَجة؟ وهل يتمّ التوزيعُ على أساس ملكية الرقيق؟.. أو الملكية الإقطاعية، أوالملكية البرجوازية أو ملكية البروليتاريا؟ فكلُّ هذا تقرِّرُه مصلحة الإنتاج نفسه. فالإنتاج يتَّخذ في كلِّ مرحلة تاريخية الأسلوبَ الموقَّتَ من التوزيع الذي يُمكِنُه من النموفي إطاره. ” ([37]).
وقد استعاد السيد الشهيد الصدّر للنظرية الاسلامية في التوزيع حيويّتها وملامحها الواضحة في مقام توجيه الإنتاج لضمان عدالة التوزيع بعيداً عن الاستغلال من خلال فكرة التطبيق الموجَّه، التي تحدِّد الإنتاجَ، بوصفه عملية تطبيق لقواعد التوزيع، تحديداً يضمن عدالة التوزيع واتِّساقه مع مُثُل الإسلام وأهدافه، فالإسلام إذن لا يقطع الصلة بالمرَّة بين التوزيع وأشكال الانتاج، بل يُنكرُ تبعيتَه لها بقوة القانون الطبيعي كما تزعم الماركسية. ويقرِّر الصلةَ التي يفرضُها المذهبُ بينهما، ويحدِّد فيها الإنتاج لحساب التوزيع، بدلاً عن تكييف التوزيع طبقاً لحاجات الإنتاج، كما تقرِّره النظرية الماركسية من خلال إقراره بعدالة قواعد التوزيع أولاً واعتبار عمليات الانتاج مرحلةَ تطبيقٍ للقواعد العامة في التوزيع ثانياً، وتفعيل النظرية الاسلامية في الإنتاج ثالثاً بكلِّ خصائصها من خلال إعطاء وليّ الأمر الحقّ في التَّدخُل للحدّ من تطبيق قواعد التوزيع والمنع عن الأعمال التي تؤدي إلى استغلالها استغلالاً سَيِّئاً .
ففي مورد إحياء الارض كممارسة من ممارسات الانتاج يملك وليُّ الأمر الحقّ في منع الفرد من ممارسة الإحياء، إلا في حدود معيّنة وفقاً لتصور الإسلام للعدالة الاجتماعية كما يقرِّر مبدأ تَدخّل الدولة في ذلك كقاعدة تَضمَنُ صلاحيةَ القواعد العامة في التوزيع وتَضمَنُ انسجامها مع تصوّراته للعدالة الاجتماعية في كلِّ زمان ومكان دون أن يمسَّ جوهرَ القواعد نفسها ([38]).
وأمّا الصلة في مقام البحث الى الآن فتتبيَّن من خلال وضوح العلاقة بين الإنتاج والتداول، فمرَّة يُعرَّفُ الإنتاجُ كما هو اختيار السيد الشهيد الصدر بأنَّه “عمليةُ تطوير الطبيعة الى شكل أفضل بالنسبة الى حاجات الإنسان” ([39])، واما التداول فبحسب التعريف التقليدي في الإقتصاد هو خَلْقُ منفعةٍ جديدةٍ ([40])، وأما حسب معناه المادي فيُعرَّف: بأنَّه نقل الأشياء من مكان الى آخر([41]) وبمعناه القانوني وهو الذي يقصده السيد الشهيد الصدر في البحث هو مجموع عمليات التجارة التي تتم عن طريق عقود المقايضة من بيع ونحوه([42]) وأما الشيخ الفياض فيرى ان المقصود من التداول هو: “مجموع من عملياتِ التجارةِ التي تعمُّ عقود المقايضة من بيع أو نحوه والصناعات الاستنتاجية والاستخراجية ويقصدمن وراء هذه العملية جمع المال والثروة ([43]).
أقول: ان الانسان كما يقول تعالى: (انَّ الإنسانَ لَظلومٌ كَفّارٌ) لأنَّه كما يستطيع ان يطوِّر الطبيعة الى شكل افضل بخصوص حاجاته يستطيع ان يحرِّك الطبيعة الى شكل هدّام لحاجته ومن امثال ذلك عملياتُ غسيل الاموال وتهريبها والذهاب غافلاً وعامداً وراء مشاريع اقتصادية ومالية مجهولة أو محفوفة بالأخطار كالذَّهاب وراء العملات المشفرة (بيتكون)([44]) ونحوها.
وعلى ما تقدم فإنّ اختيار السيد الشهيد الصدر في اختيار التعريف الأوَّل للانتاج يتوقَّف اكتسابُ العمل طابعَ الإنتاج على خلقه المنفعة وممارسته للطبيعة بلون من الألوان.
4- معالم المفهوم الاسلامي عن التداول
ومن الواضح: أنَّ التَّداول بمعناه المادي نوعٌ من عمليات الإنتاج. لأنّ نقل الثروة من مكان إلى مكان يَخلق في كثير من الأحيان منفعةً جديدةً ويُعتَبرُ تطويراً للمادة إلى شكل أفضل بالنسبة إلى حاجات الانسان، سواء كان النقل عمودياً – كما في الصناعات الاستخراجية، التي يُمارِسُ الإنتاجُ فيها عملية نقل المواد الأولية من أعماق الأرض إلى سطحها – أو أفقياً كما في نقل السلع المنتجة إلى الأماكن القريبة من المستهلكين، وإعدادها في متناول أيديهم، فإن نقلَهم بهذا الشكل نوعٌ من التطوير إلى شكل أفضلَ بالنسبة إلى حاجات الانسان. وأما التداول بمعناه القانوني، ونقل الحقوق أوالملكية من فرد لآخر، كما نشاهد في عمليات التجارة، فهو بوصفه عملية قانونية لابدَّ أن يكتسب مفهومَه، وتُحَدَّدَ عَلاقتُه بالإنتاج على أساس مذهبيّ. ولهذا يمكنُنا أن ندرس رأيَ الإسلام في الصلة بين الإنتاج والتداول وطبيعة العلاقة التي يُقيمُها بينهما في مخططه المذهبيّ العام.
ومفهوم الإسلام عن التداول وصلته بالإنتاج مذهبياً لا يُساهم في تصور مذهبي شاملٍ فحسب، بل يلعب أيضاً دوراً مهمّاً في وضع السياسة العامة في مجال التداول وملءِ الفراغ الذي تركه الإسلام للدولة لكي تملأه حسب الظروف([45]). وتطوُّر التداول وتجاوزُه الحالةَ القائمة بين المنتِج والمستَهلِك من خلال وجود الطرف الثالث الوسيط الذي ينقل ما عند المنتج الى المستهلك أو ما عند صاحب رأس المال الى العامل بربح وهو لون من الانتاج؛ لأنه عبارة عن نقل ملكية المال إلى غيره بعوض، وهذه الأرباح لا بأس بها لأنَّها نتيجة عمل انتاجيٍّ يُمارسه الوسيط؛ ولأنَّ عمله جزءٌ من العمل الانتاجيّ، ولم تكن نتيجةً لنفس عمليةِ نقل الملكية بقرض حتى تكون الفائدة ربويّة. أي ان الاسلام لا يرفض عملية التداول التي يمارسها الوسيط بين الطرفين المذكورين، لأن مفهوم الاسلام عن التداول هو نظرتُه إليها بوصفها جزءاً من الإنتاج. ولهذا هو يعالج قضايا التداول وينظِّمها دائما في ضوء نظريته الخاصة به، ويتَّجه إلى عدم فصل التداول تشريعياً في التنظيمات القانونية لعقود المقايضة كالبيع والمضاربة عن الإنتاج فصلاً حاسماً على خلاف مَن يرى هذا التداولَ منفصلاً عن الانتاج كما هو رأي المذهب البورجُوازي ([46]).
ومن اليسير الآن – بعد أن اتَّضحت معالم المفهوم الإسلامي عن التّداول – أن نلمح هذا المفهوم في النصوص المذهبية للإسلام، وفي مجموعة من الأحكام والتشريعات التي يضمّها البناء العلوي للشريعة. فمن النصوص المذهبية التي تعكس هذا المفهوم، وتحدد معالم النظرية الإسلامية في التداول، ما جاء في كتاب علي عليه السلام إلى واليه على مصر، مالك الأشتر، وهو يضع له برنامج العمل، ويحدِّد له مفاهيم الإسلام حيث يقول: “ثم استوصِ بالتجار وذوي الصناعات وأوصِ بهم خيراً. المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفِّق ببدنه. فإنهم موادُّ المنافع، وأسباب المرافق، وجلّابُها من المَباعِدِ والمَطارِحِ، في بَرِّك وبَحرِك وسَهلِك وجَبَلِك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترون عليها ” ([47]). وواضح من هذا النصّ أنَّ فئة التجار جُعِلَتْ في صفٍّ واحد مع ذوي الصناعات، أي المنتجين، وأطلق عليهم جميعا أنهم مَوادّ المنافع، فالتاجر يخلق منفعة كما يخلق الصانع، وعقَّب ذلك بشرح المنافع التي يخلقُها التُّجار، والعمليات التي يمارسونها في جلب المال من المَباعِدِ والمطارحِ، ومن حيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولا يجترئون عليها. وإذا أردنا أن نقارن بين الوسيط في عمل المضاربة مع التاجر الذي ينقل السلع من البائع والمصدر الى السوق لوجدنا لوناً من التشابه فالوسيط بالاضافة لخلقه منفعةً بهذا التداول والتبادل للمال ينقل رأس المال ويهيّئه ويجلبه من المَباعِد والمَطارح لخدمة العاملين الذين لا يستطيعون على ذلك، وتنمية هذا المال عبر تحريكه بأيديهم من خلال جهدهم التجاري، يعَدُّ في نظر الإسلام نوعاً من الإنتاج والعمل المثمر. ومكاسبُ هذا التحريك إنما هي في الأصل نتيجة قيام الوسيط بذلك، لا للعملية في نطاقها القانوني فحسب([48]) كما يرى السيد الشهيد الصدر(قدس). أما لو كان الوسيط لا يهمُّه إلّا منفعة نفسِه فهنا تختلف الممارسة وتختلف حركة المال وتختلف حركة المنافع فيها.
5- ممارسات البنوك الرَّبوية وسير المال في ظلالها
تقدَّم قبل قليل شرعيةُ التداول بين البنك وبين الطرفين اللذينِ توسَّطَ بينَهما لخلقِ منفعةٍ تجاريةٍ محلَّلةٍ من خلال عمله في وضع رأس المال بين يدي العامل(المستثمر) لكي يعمل به ويُحرِّكُه تِجارياً، والذي يجتنب ويدين منهج نقل المال إلى صاحب رأس المال عبر الإقتراض منه مقابل ربح يعطيه إياه يأخذه (اي البنك) من خلال إقراضه هو لغيره من المحتاجين(اي العامل) الذين ألجأتْهم الضرورة الى الإقتراض منه مقابلَ ربحٍ أكبرَ ممّا يأخذه صاحب الودائع الثابتة عنده، وعليه فممارسات البنوك الربوية وسير المال في ظلالها عبر هذا المنهج لا تعدو ممارسة القرض والإقتراض الرَّبَوِيَينِ فحسب.
وهو منهج يُجَسِّد الإستغلال والجشع والحقد والكراهية والجنون في حبِّ المال بعيداً عن الإحساس بآلام الآخرين من الفقراء والمحتاجين وبعيداً عن مفاهيم الاحسان والانفاق عليهم وصورة تمثِّل فئةً غير متوازنة في سيرها وسلوكها بل فئةً محاربةً لقوانين الله وتوجيهاته تكفرُ بما أغدق الله عليها من النِّعَم بل أكثر من ذلك تُسخِّر هذه النِّعَم على طريق الظلم والإثم والفساد، وأخيراً لينتهي الأمر الى طبقيّة فيها الكادحون الفقراء والارستقراطيون الاغنياء، وتركيزِ المالِ في أيدي فئة جشعة من الناس، ولا جغرافية محدودة لهذه الصورة فهي في الجزيرة العربية في مكة كما هي آيات سورة الروم في المدينة منها كما هي آيات سورة البقرة التي تقول: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (([49]) وقال تعالى)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ.) ([50])
وكما هي آيات سورة آل عمران وسورة النِّساء، لكنّ الأمر الذي نبَّهت إليه آية سورة الروم هو التَّخيُّل الخاطيء في أنَّ ممارسة الرِّبا تُغْني أصحابَها وتَجُرُّ لهم الثَّراءَ وتزدادُ أموالُهم والصحيحُ أنَّها لا تزدادُ عند الله، قال تعالى (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُو فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) ([51]) أمّا الأمر الذي أعلنته آيات سورة البقرة فهي الحرب على المُرابين، وهذه الحرب تُعَدُّ من أهم الحروب الإجتماعية التي خاضها الاسلام([52])، ومن الظواهر التي يثيرها السلوك الرَّبَوي هو حركة رؤوس الأموال باتِّجاهٍ غير سليم وتزعزع قواعد الاقتصاد الذي هو أساس المجتمع على خلاف “التجارة السليمة التي تَجري فيها رؤوس الأموال في تداول سليم” ([53]).
ومما تقدَّم يتبيَّن أن مركز المشكلة الاقتصادية هنا هي عملية الرِّبا التي تأخذ رؤوس الاموال باتجاه تحطيم الاقتصاد من خلال حصر الأموال وحرمانها من الحركة التجارية التي ينتعش فيها اقتصاد المجتمع. وعليه فإنَّ مِن مهمَّة البحث الذي يبحث في المشكلة الاقتصادية في العراق أن يتناول اسباب هذه الظاهرة الشائعة للأسف وحلولها وعلاجاتها، وهذا ما سنُفَصِّل فيه البحث الآن في المحور الثاني من خلال التخريجات التي تنقذُ المجتمع منها وتطهِّر حركة البنوك وافعالها من الممارسات المالية المحرَّمة.
المحور الثاني
المشاريع الفقهية المصرفية: البدائل والمعالجات وأدلتها الشرعية
وفي هذا المحور تَطلُّ علينا المشكلة الاقتصادية من خلال حركة المال ومنافعها والتي هي من أبرز ما يتصدى له علم الاقتصاد في دراسته للحيلولة دون الوقوع في الحرام فيها ودون تحقق جشع مالكي هذا المال وأخيراً في كيفيّة تحقق الحياة الرَّخيَّةِ للمجتمع من خلال تحريكه الحركةَ التي تُريدها الشريعة الاسلامية، وقد اختار البحث مشروع البنك اللاربوي في الاسلام الذي سبق الى تقديم أُطروحته السيد محمد باقر الصدر والذي نحن في ظلال ذكرى مناسبته العلمية السنوية التي عوَّدنا السيد العلامة حسين بركة الشامي في تجديدها من خلال اختياراته العلمية المناسبة في إحيائها فنقول:
أبرز المشاريع(البدائل) المصرفية في تصحيح الفوائد وتحليلها:
إنَّ أبرز المشاريع المصرفية التي يسلكها البنك هي القروض التي يقدّمها للمستثمرين والتي يأخذها من أصحاب الأموال. وقد ذكر الفقهاء معالجاتٍ وبدائلَ فقهيةً لتصحيح فوائدها، ولكي يكون البحث ضمن المنهجية المذكورة له في العنوان(البدائل والمعالجات) التي تُخرِج أعمال البنوك من الرِّبا المحرَّم الى الكسب المحلَّل يتناول البحث ذلك في مطلبين:
المطلب الأول: تناولَ البدائلَ التي تصحِّح الفائدة من دون أن تقع المعاملة في الرِّبا. وقد ارتأى البحث ان يتناول المضاربة نموذجاً.
المطلب الثاني: تناولَ المعالجاتِ الفقهية الأخرى كالإجارة والجُعالة وغيرهما.
وقبل الدخول في هذين المطلبين نودّ هنا أن نذكر شروط التخريخ الفقهي، فنقول:
شروط التخريج الفقهي (المعالجة الفقهية):
أولا: يُشترط في التخريج ألاّ يكون مُتَكَلَّفاً.
وثانيا: أن تكون صيغتُه مقصودةً حقيقةً للطرفين، ولا تكفي فيه النيّة، وهذا يعني أنَّ العقد يجب أن يتوفَّر فيه عنصران: العنصر الذاتي، والعنصر الموضوعي.
فـ (العنصر الذاتي) هو القصد، وقد اشتهر ذلك لدى الفقهاء حتى صاغوه على شكل قاعدة فقهية لفظها: (إنَّ العقود بالقصود) ([54])، فلا بدَّ إذن من تحقُّق القصد؛ لأنّ قِوام العقد به وان توقَّفَ في ذلك صاحب جامع المقاصد ([55])، وقال الأصحاب شأنه شأن العبادة التي يكون قِوامُها اقترانَها بالنيَّة، ولاشتهار إعتباره عندهم أيضاً في القاعدة الفقهية التي تقول:(ما قُصِدَ لم يَقَع، وما وقَعَ لم يُقصَدْ)([56])، بالإضافة الى لا بدّية إبرازه في العقود وإخراجه بصيغة واضحة صريحة أو بآلية متعارَفة لدى العُرف كالتَّصافح، وتصافُق الأيدي الذي يحصل سابقاً في تصديق البيعة بين وليّ الأمر والناس، أو الإنتخاب مثلا، أو أيّ وسيلة من وسائل إبراز حصول تصديق البيعة هذا اليوم.
والعقد لا يختلف أمره عن البَيْعة والمعاوضات والإيقاع في اعتبار القصد فيه، ففي باب المعاوضات كالبيع والإجارة والوكالة صيغته المتعارفة في إبرازه هي: (بعتُ)، و(آجرتُك)، و(ملّكتُك)، وفي غير المعاوضات كالنكاح: (زوّجْتُ) و(قَبِلْتُ)، وفي الإيقاعات كالطلاق مثلا:(أَنتِ طالِق).
والغرض من ذكر هذا الأمر الذاتي الذي هو قِوام العقد أنّه قد تُستعمَل هذه الصياغات المتداولة لتصحيح بعض الأعمال الرَّبَويَّة في البنوك، والأمر ليس كذلك؛ لأنّ روحَ العقد ليس بذات الصيغة في الإيجاب والقبول، بل بالقصد الذي يقف وراءَها، فما لم تتوفَّرِ المعاملة على القصد الصحيح من الطرفين لا يكون الإيجاب والقبول كافياً لتصحيحها، ومثال ذلك: القروض الربوية التي يحاول أصحابها تخريجَ صحتها عن طريق تغيير الصيغة المُبرِزة لها من الإيجاب والقبول من صيغة القرض الى صيغة البيع، فَمِمّا لا شكّ فيه أنّ بيع وشراء الأوراق النقدية من البنك من قبل المشتري جائزٌ وإن كانت فيه زيادة وفائدة؛ لأنّ الأوراق النقدية ليست من المكيل والموزون الذي تَحرُم فيه الفائدة. ولكنْ أنّى يَتَأتّى للطَّرَفين ذلك وهما يَقصُدانِ القَرْضَ لا البيعَ؟
إنّ شأنَ المعاملات في ذلك – سواء منها ما استحدثه الشارع أوالعقود العقلائية التي أقرّها – شأنُ العبادات التي لا يمكن تصحيحها بأداء ذات العبادة والعمل الخارجي لها ما لم تكن مقصودة في نوعها ومُقَرَّة من قبل الشارع.
والدليل على اشتراط هذه الإرادة الجديّة وقصد الإنشاء من الصيغة بالإضافة إلى الإجماع هو النظر في أصل حقيقة العقد، فقد ورد في تحقيقها أنّها عهد مؤكّد، وهو لا يتحقّق من دون القصد والإرادة الجديّة أوَّلاً، والإبراز الصريح الخارجي بلفظ مُفهِم ثانياً، أويعبَّر عنها بالتعهّد كما هو تعبير صاحب بدائع الصنائع ([57])،أو بالإلتزام (obligation) كما هو تعبير القانون الحديث وتعريفه([58]) سواء كان هذا الإلتزام من طرفين كالبيع والإجارة والدائن والمدين في الدين، أو من طرف واحد وفي مقابل شيء، أو من دون مقابل كالهبة.
ولا يَخفى إنَّ المطلوب في العقد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ…) ([59]) هو الوفاء بهذا الالتزام والعهد على نحو الجِدّ لا لفظ الإيجاب والقبول فحسب. وممّا يؤيِّد ذلك مثلاً: ما ورد في باب البيع المعاطاتي من أنّ المعاطاة لا تُفيد الإباحةَ وإنّما تُفيد المِلكيّةَ ([60])؛ لأنّ المُعاطاة إمّا مُلغاةٌ شرعاً فلا تُفيد إباحةً ولا تمليكاً، أو مقبولةٌ، وإذا كانت هكذا، فماذا يقصد المتعاطيانِ منها؟ هل يقصدانِ التمليكَ على نحو الجِدّ والحقيقة فتكون غير مفيدة للإباحة. أو يقصدانِ الإباحةَ ولا جِديّة في هذا القصد؛ لأنّ قصدَهما الجدّي وإرادتهما الحقيقية هو تمليكُ البائع بالمعاطاة المثمنَ للمشتري، وتمليك المشتري الثمنَ للبائع، لا أنها إباحةُ ما عند كلِّ طرف للآخر، ولكن إذا قصدا الإباحة على نحو الجدّ هل ينفع ذلك لصحته؟
الجواب: يتوقّف ذلك على التحقّق من وجود العنصر الثاني وهو(العنصر الموضوعي) في العقد، وهو موافقة ما أجرَياه وقصداه للارتكاز العرفي العقلائي، فما لم يتوافق العقدُ مع هذا الارتكاز لا يكون صحيحاً، وإنْ كانت الإرادة الجدية قد تحقَّقت من كلا طرفيه. فبيع الأوراق النقدية من قبل البنك، وشرائها من قبل المشتري، وان تحقَّقت فيه الإرادة الجديَّة والقصد الحقيقي لإرادة البيع والشراء، إلاّ أنَّ هذا لا يشفع لصحة المعاملة ما لم تكن مدعومة بموافقة الارتكاز العرفي للمتشرِّعة، وهو هنا لا يَعُدُّ مثلَ هذه المعاملة بيعاً، وإنَّما يَعُدُّها قرضاً بلا شكّ. إذن فما لم تتوفَّر المعاملة على كلا هذين العنصرين لا يعتبر تخريجُها تخريجاً فقهياً، بل يُعَدّ تخريجُها نوعاً من التلاعب والتحايل على أحكام الشريعة، وبما أنّ الشارع يريد أحكامَه ولا يُريد التلاعبَ بها والتجاوزَ المحرَّمَ عليها،إذ كيف يرضى وهو الذي يَعُدّ الرِّبا حَرْباً لله ولرسوله([61]) بأن ترتفع هذه الحرب بمجرّد إضافة عِلبَة كبريت، أو قلمٍ جافّ مثلاً، لتصحيح الفائدة الرَّبويّة التي يَقصدها الدائن، ويُريدها من المدين بحجّة أنّها ثمن الكبريت أو القلمِ الجافّ، أو بمجرد بيع قسمٍ من الدار كالحمّام أو المَرافق الصِحيَّة بيعاً خيارياً من أجل تصحيح الفائدة المحرّمة التي يَدُرُّها المالُ المُقترَضُ من قبل صاحب الدار، والذي يُعَدّ حسب الارتكاز العرفي المتشرعي قرضاً لا ثمناً للحمّام أو المَرافق الصِحيّة ([62])
أمثلة أخرى من التخريجات:
1) وممّا يشهد لذلك أيضاً من هذه التخريجات: أنّه لو ذهب شخص ما إلى البنك ليقترض منه مَبلغا ًما، ولكيلا يقع في الرِّبا يَلجأ الى أن يقصد شراء أوراق نقديّة منه بثمنٍ يُسلّمُه إليه بعدَ أجلٍ محدودٍ.
أقول: إنَّ هذه العملية وإن توفَّرت على نحو من الإرادة الجِديَّة عند الطرفين في بيع هذه الأوراق النقديّة من قبل البنك، وشرائها من قبل العميل، إلا أنّ الارتكاز العرفي لا يَعتبرُ هذا العملَ من صنف البيع والشراء، بل يعتبرُه قرضاً، أي إنّ هذا العمل لا تُصحِّحُه الإرادةُ الجدية للمتبايعين ما لم يوافقه الارتكاز العرفي العقلائي، وهو هنا اعتبار ما صدر قرضاً وليس بيعاً.
2) ما لو أقرض شخصٌ شخصاً آخر مبلغاً معيَّناً مثل(مليون) دينار، هل يصح لهذا المُقرِض أن يطلب من المقترِض فائدةً قدرها ثلاثون ألف دينار مثلاً بحجَّة أنّ الاقراض عملٌ، والعمل تصحّ الجعالة عليه، وأنّ الثلاثين ألفاً هذه جُعالة مقابل هذا العمل؟
الجواب: لا تصحّ مثل هذه الفائدة المطلوبة؛ لأنها بنظر الارتكاز العرفي للمتشرِّعة ليست جُعالةً بل هي فائدةٌ ربويّة، ولا يصحِّحها قصدُ الجعالة من قبل الطرفين، إذ أنّ هذا القصدَ – لوحده – لا يكفي لذلك ما لم يكن مؤيَّداً بالارتكاز المذكور، وكيف تصحُّ وهما يقصدانِ في الواقع الفائدةَ لا الجعالةَ.
هذا، إلى غيرها من أمثال هذه التخريجات التي هي من أنحاء التلاعب بحدود الله وأحكامه والتحايل عليها، والشارع يرفع نذيرَه وعقيرتَه أمام المرابين والمحتالين بالحرب حيث يقول: (فإنْ لم تَفعلُوا فأذَنوا بحَرْبٍ مِنَ اللهِ ورسولِهِ)، ويحاول أصحاب هذا التحايلِ إطفاءَ هذه الحرب وتحويلَها إلى سِلْمٍ وأمانٍ بقلم جافّ وعلبةِ كبريت أو بيع خِياريٍّ صُوريٍّ غيرِ واقعيٍّ، ولعلّ قضية أصحاب السَّبت من بني اسرائيل الذين حُرِّم عليهم صيد السمك يومَه فاحتالوا على التحريم بتغيير عنوان الصيد الى عنوان حبسه في يوم السبت وصيده في يوم الاحد([63]) أفضل مثال على رفض هذه التخريجات الاحتيالية.
ثمَّ إنَّنا لو أجرينا التخريج الفقهي على المعاملة، وشككنا في سلامة هذا التخريج بعد إجرائه، فالأصل الأوليّ في كلِّ معاملة هو الفساد، وعليه فلا يترتَّب على هذا التخريج الأثر الشرعي المترقَّب.
الحاجة الى التخريجات في أعمال البنوك:
نعم كلّ التخريجات الآنفة إنّما نحتاجها في العمل بخصوص الأموال المودعة بنحو ثابت أو ما يعبَّر عنه بالمصطلح المصرفيّ بـ (الحساب الثابت)، أمّا الحسابات الجارية أو الودائع المتحركة فلا نحتاج إليها؛ لأنّ الأموال في هذا الحقل لا تلتقي بالرِّبا إطلاقاً. ومن هنا نستطيع أن نقسّم البحث الذي نحن بصدده إلى أمرين:
الامر الأول:علاقة البنك بالمُودِعين والمُستثمرين في عملية الإيداع والإقراض
وتتَّضح منهجية هذا الأمر تارة من خلال بحث العلاقة في الودائع الثابتة، وأخرى في الودائع المتحرِّكة (تحت الطلب). ففي الودائع الثابتة يجري البحث على نحوين من البدائل في التخريجات الفقهية للنظام المصرفي، وهما:
النحو الأول: المضاربة
وهي البديل الأساسي الذي ثبتتْ جدارتُه وكفاءتُه من الناحية الفقهية والاقتصادية والمتطابق مع روح العملية المصرفية والتي تعني في مصطلحات الفقه الاسلامي عملية دمج الودائع الثابتة لدى البنك(الوسيط) وتقديمها للمستثمرين من قبله في علاقة واحدة ([64]). وهي عقدٌ خاصٌّ بين مالك رأس المال (المُضارِب) والمستثمِر(العامل أو المُضارَب) على إنشاء تجارة يكون رأسُمالِها من الأول والعملُ على الآخر ويحدِّدان حصةَ كلٍّ منهما من الرِّبح بنسبة مئوية يتقاسمانِ الربحَ حسب النسبة وان لم يربح رأس المال ليس للعامل شيء، وإن خسر فالخسارة على صاحب رأس المال إلا إذا كان قد أقرضه للعامل وحينئذ لا يستحقُّ صاحب رأس المال شيئاً من الربح ([65]).
النحو الثاني:المشاريع الأخرى
وسيأتي ذكرها في محلّها إن شاء الله تعالى.
وروح البديل الأساسي في هذا البحث تتلخَّص كما نقل عن الشهيد الصدر في إخراج علاقة البنك بالمودِعين والمستثمرين من العلاقتين إلى العلاقة الواحدة([66])؛ وذلك لأنَّ النظام المصرفي الرّبوي يقوم من الزاوية القانونية لا الإقتصادية على أساس علاقتينِ منفصلتينِ،هما:
1) العلاقة بالمودِع
2) العلاقة بالمستثمِر
ويجني البنك الرَّبوي هنا أرباحه من الفارق بين الفوائد التي يتقاضاها من المستثمرين والفوائد التي يُعطيها للمودِعين أحياناً.
أمّا العلاقة في النظام المصرفي الفقهي غير الربوي فهي علاقة واحدة، وهي العلاقة بين المودِع والمستثمر والتي يقوم البنك بدور الوسيط بينهما أو الوكيل عنهما، ويكون دخلُه من خلال ما يقدِّمه من جهةِ كونه وسيطاً أو وكيلاً لهما.
الأمر الثاني: حماية الخدمات المصرفية من الرِّبا
ويتناول هذا الأمر الثاني دراسة الخدمات الأخرى للبنوك، وهي كثيرة، ومثالها: ما لو فرض أنّ تاجراً ما يُريد أن يشتريَ مليونَ مُسجِّلةِ صوتٍ يابانيةٍ بـ (خمسين مليون دينار)، فالشَّرِكَةُ التي يُراد إجراء العقد معها قد لا تعرف الشخص وصدقَه ووفاءه وقدرته المالية وما إلى ذلك، وكذلك الشخص قد لا يعرف الشركة ومدى وثاقتها وحسن سمعتها ومدى الاعتماد عليها، فلأجل تيسير وإنجاز هذه المعاملة بشكل قائم على الاطمئنان والوثاقة يتدخَّل البنك في دولتي الطرفين كوسيط، فالبنك في اليابان في المثال يقدّم – من خلال المواثيق والأنظمة التي تربطه مع شركات البنوك في العالم – الى البنك العراقي مثلا تعهداً بوصول البضاعة الى المشتري خلال فترة أربعة أشهر. وإن لم تصل البضاعة أو تأخّرَ صاحبُ الشركة عن الدفع يكون البنك ضامناً، بأن يقوم البنك بتقديم هذا التعهد عادةً بعد أن يُنجز معاملته الأولى مع المصدِّر للبضاعة في إعطائه الضمان بوصول ثمنها خلال تلك الفترة، ويكون ضامناً له أيضاً إن لم يصل خلالها. يقدِّم ذلك مقابلَ ما يقدّمه المُصَدِّر من عُمولة محدَّدة للبنك، وهكذا نفس الكلام في البنك وخدمته مع المشتري في العراق (بلد المشتري). وهذه الخدمات وأمثالها متشابكة بلا شكّ مع الرِّبا المحرَّم. وللكلام في هذا الموضوع تفصيلٌ ومناقشاتٌ كثيرة.
معالجة الربح على اساس تبرع البنك:
ان العميل حينما يراجع البنك يتعامل معه بتوظيف رأس ماله فيطلب منه بطبيعة الحال ربحاً مقبولاً ثابتاً لرأس ماله، والربح الذي يناله صاحب رأس المال في عمليات المضاربة ربحٌ غير ثابت من حيث الكمّ وإن كان ثابتاً من حيث النِّسبة، أي قد يتفق صاحب البنك والعامل على نسبة معينة من الربح لصاحب رأس المال مثلا: 50 % إلا انه من غير المعروف لهما معا ما يساوي هذا الربح من العملة التي يتعاملانِ بها، وهذا الربح المتأرجح غير الثابت لا يشجِّع أصحاب رأس المال على إيداع رؤوس أموالهم في المصارف في عمليات المضاربة في البنوك اللاربوية بينما البنك الربوي يعطيهم نسبة ربحية ثابتة مثلا عن كل مليون مائة الف دينار، وهو امر ثابت ولا بدَّ لهذه المشكلة من علاج، ومن دون علاج هذه النقطة يخسر البنك اللاربوي زبائنَه. إن علاج هذه المشكلة يتمّ بعلاج يتعهَّد به (البنك) لصاحب رأس المال بمبلغ ثابت من الربح، فإذا وفّى الربح الحاصل من العملية الاستثمارية بهذا الربح الثابت وان كان بأكثر منه فهو أفضل، وإن كان أقلّ يتعهَّد له بجبر هذا المبلغ الى الحدِّ الذي اتّفقا عليه، وهذا التعهّد يجري ضمن عقد ملزِم شرعاً بين المصرف وأصحاب الودائع، ولا بأس بذلك من الناحية الفقهية حتى على القول بالشرط لأنّ الشرط الباطل هو شرط ضمان رأس المال، أما شرط ضمان الربح الثابت وجلب الارباح الثابتة فليس فيه بأسٌ فقهيٌّ. وقد ذهب الشيخ اسحق الفياض الى ذلك أيضا ([67]).
ضمان ماليّة المال:
ما تقدَّم في البحث انما يصحّ في ضمان أصل المال وضمان الفائدة الثابتة، أمّا ضمان ماليّة المال بمعنى ضمان القوَّة الشرائية للمال فهو أيضاً مسألة مطروحة للنقاش الفقهي والاقتصادي إذ وضعُ العملة في عالم اليوم وضعٌ غير ثابت يصعدُ تارةً وينزلُ تارةً اخرى طبقاً لعوامل تتحكَّم في قيمة العملة، ومثال هذا واضح في الدينار العراقي والتومان الايراني والليرة اللبنانية.
وعليه فإنّ اصحاب الودائع يطلبون ضماناً من البنك لقيمة العملة أي القوة الشرائية لها فقد تبقى ودائعهم لدى البنك مدة طويلة في استثمارات طويلة الأمد ثم عندما يريد ان يسترجع المستثمر رأسماله الذي أودعه يجد نفسه خاسراً بسبب هبوط قيمة العملة، فصاحب رأس المال مثلا الذي اودع في البنك قبل اربعين سنة عشرة ملايين دينار عراقي والتي كانت آنذاك لها قيمة سوقية محترمة يجدها يوم الاسترجاع بعد مرور هذه السنين لا قيمةَ لها، فهو على كلِّ حال خسرَ حتى لو وفّى له البنك بضمان أصل رأس المال وضمان أرباحه الثابتة، فما العلاج الفقهي لهذا الامر الذي يؤمِّن لأصحاب الودائع مالية المال بالإضافة الى ضمان أصل رأس المال وضمان الفوائد الفائتة؟
وبعبارة أخرى لا بُدَّ لصاحب رأس المال المستثمِر من تضمين ثالث غير ضمان رأس المال وغير ضمان الربح. فكيف يتأتّى ذلك؟
والعلاج بناء على ما ذكرنا هو الضمان التبرُّعي من قبل (البنك) وهو امر سائغ وجائز. غير ان الشهيد الصدر لا يذهب في كتابه البنك اللاربوي في الاسلام الى هذا العلاج، وأما الذين كتبوا في هذه المسألة فقد بقوا في مشكلة حقيقية فإن الشهيد الصدر(رض) تمسّك هناك برواية صحيحة السند وهي رواية الحلبي عن أبي عبدالله (ع) في رجلين اشتركا في مالٍ فرَبِحا فيه ربحاً وكان في المال دينٌ، وعليهما دينٌ، فقال أحدهما لصاحبه اعطني رأس المال ولك الربح وما تَوى(هلك) فَعَليكَ، فقال:لا بأسَ بهِ اذا اشترط عليه وان كان شرطاً يخالف كتاب الله فهو ردٌّ الى كتاب الله عزّ وجلّ” ([68]). وقد قدَّم الشهيد الصدر (رض) لهذه الرواية شرحاً فيه دلالة واضحة على تصحيح ضمان مالية المال.
وللشهيد الصدر (رض) تفسير آخر لضمان مالية رأس المال استنبطه من الروايات ومن هذه الروايات ما “رواه رفاعة في الصحيح قال: سألت أبا الحسن (ع) عن رجل شارك في جارية له وقال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح، وإن كان وضيعة(خسارة) فليس عليك شيء، فقال: لا أرى بهذا بأساً إذا طابت نفسُ صاحب الجارية([69]).
وعليه فإنّ استظهاره (رض) من صحيحة الحلبي ورواية رفاعة عن الجارية يكون دليلا على صحة اشتراط ضمان مالية المال.
الأدلة الخاصة على بطلان الضمان في المضاربة:
ومن المناسب هنا أن نذكر استدلاله (قدس) على بطلان الضمان في المضاربة وأوّل ما يمكن استعراضه لهذا الغرض الروايات الدالة على ذلك ومناقشتها.
الرواية الاولى:
*محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): مَنِ اتَّجرَ مالاً واشترط نصف الربح فليس عليه ضمان… الحديث. ([70]).
الرواية الثانية:
* وبإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن صفوان، عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (ع) قال: قضى علي عليه السلام في تاجر اتجر بمال واشترط نصف الربح فليس على المضاربة ضمان… الحديث([71]) والسند صحيح، وهناك مع هاتين الروايتين بمعناهما او لفظهما روايات أخرى ذكرها صاحب الوسائل صريحة في عدم اشتراط الضمان على العامل في المضاربة بشكل خاص. ([72]) وعليه إذا تلف المال بآفة سماوية أو بقضاء الله وقدره سواء كان العامل أمينا أو ليس بأمين فليس عليه ضمان.
فإن كان أمينا فليس عليه بيّنة؛ لأن صاحب المال استأمنه، وان لم يكن أمينا وادَّعى أنَّ تلف المال تمَّ من دون تفريط وعدوان منه فعليه البيّنة، فإن جاء بها لا يصح تغريمه، وان لم يأت بها فعليه الضمان.
وطبقا لهاتين الروايتين لا يصحّ ضمان رأس المال في المضاربة قطعاً، وعليه لا تصلح أن تكون هاتان الروايتان بديلا عن القرض في البنوك لأنَّ أصحاب رؤوس الأموال إذا لم يتوفر لهم اطمئنان كاملٌ بسلامة رأس المال فلا يفرِّطون برؤوس أموالهم بمزارعة أو غيرها من الموارد غير مأمونة الجانب، وبناء على ذلك فإنّ البنوك اللاربوية لا تكسب العملاء ولا تستطيع أن تنافس البنوك الربوية لأن البنوك الربوية تضمن رأس المال بينما البنوك اللاربوية بناء على ما تقدِّمُه الروايتان لا تضمن رأس المال، فوجودُ عَقَبةٍ كبيرة في طريق تبديل عنوان القرض في الودائع المالية التي تُودَع في البنوك قائمٌ.
والجواب على ذلك إنَّ الذي لا يجوز في أصل الشريعة هو تغريم العامل (المضارَب)؛ لأنَّ الشارع رفع الضمان عن العامل لذلك لا يصحُّ للمضارِب (صاحب المال) أن يشترط على المضارَب (العامل) أن يضمنَ له رأس المال إذا هلك مهما كان السبب لعدوان وتفريط أو من غير عدوان وتفريط.
والسبب واضح في أنَّ الأدلة الدالّة على أنَّ كلَّ شرط خالفَ كتابَ الله وسنةَ رسول الله (ص) فهو باطل، ولا يصحُّ مثل هذا الشرط، كما لا يصح تغريم العامل اذا هلك رأس المال من دون شرط ذلك عليه. ولكن ما ذكرناه سابقاً يصح هنا من دون أي تغيير وهو الضمان التبرُّعي من قبل العامل(المضارَب) في عقد ضمانٍ مستقلٍّ يكون الايجاب بعهدة العامل (المضارَب) والقبول للمضارِب صاحب رأس المال، وهذا عقد من العقود ومن مقولتها وليس من مقولة الايقاعات فيكون مشمولاً لقوله تعالى(أوفُوا بالعقود) كما ذكرنا ذلك في مناقشة الأدلة العامة التي تدل على عدم جواز تضمين العامل من غير تفريط.
وللشهيد الصدر كلام في علاج هذه المشكلة في كتابه البنك اللاربوي يقول فيه: “فيمكن في المقام تصوير الاشتراط على البنك بنحو شرط الفعل في ضمن العقد، وذلك بأن يشترط عليه المودِع في ضمن عقد أن يدفع إليه مقداراً من المال مساوياً للخسارة التي تقع في وديعته عند المضاربة بها.” ([73]) كأن يقول بعد أن يُودعَ المالَ: (اشترط عليك أيها العامل أن تتداركَ خسارةَ رأسِ مالي الذي اتَّجرتُ معكَ فيه مُضاربةً).
وخلاصة الكلام: ان الشرط الذي لا يجوز هو اشتراط ضمان رأس المال كما لو قال المودع (أُودِعُك المالَ مضموناً) على نحو شرط النتيجة؛ لأنه شرط على خلاف كتاب الله تعالى.
الى هنا تمَّ الكلام بما يسمح به طبيعة البحث في المشروع الاول من المشاريع الفقهية البديلة عن القرض والإقراض الربوي وهو المضاربة (القِراض).
المشروع الثاني: الجعالة
وهي المشروع الفقهي البديل عن الربا في البنوك الربوية، وهي إنشاء الالتزام بعوض عمل محلل مقصود والإلتزام به بصيغة دالة على ذلك، ولا خلاف بين المسلمين في مشروعيتها بل الإجماع بقسميه على ذلك، مضافا إلى قوله تعالى: “ولمن جاء به حمل بعير” بناء على حجية مثله ما لم يعلم نسخه، بل وإلى قوله تعالى: “تجارة عن تراض” بل و”أوفوا بالعقود” بناء على إرادة العهود منها كما عن الصادق (ع)، وإليه يرجع ما عن الجواد (ع) “أن رسول الله (ص) عقد لعلي (ع) بالخلافة في عشرة مواطن ثم أنزل الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام “. ([74]). وقد اختلفوا في أنّها هل هي من العقود أومن الإيقاعات، والاقوى عند فقهائنا انها من الايقاعات؛ لأنّها لا تحتاج الى قبول، إذ من قال من ردَّ عليَّ سيارتي المسروقة فله مائة ألف دينار فجاء بها أحدٌ استحقَّ الجعل وان لم يكن قبولٌ في البَين ولا بُدَّ أن يكونَ العوضُ (الجعل) معلوما. ولا يشترط في العمل الذي يُعيَّنُ الجعل بإزائه أن يكون معلوماً، فقد يتطلب شهراً أو سنةً أو لا يُمكن ارجاعه، إلا ان فخر المحققين الحلي في الايضاح منع من صحة الجعالة في حالة جهالة الجعل، فلو قال من ردَّ علي سيارتي أُرضيهُ، ففي هذا المثل نرى الجعل غير معلوم والذي يقول بمعلومية الجعل لا يقول ببطلان الجعالة في حالة عدم معلومية الجعل فينتقل الى المثلي. والجعالة جائزة من الطرفين بلا خلاف سواء قلنا إنّها منَ العقود أو منَ الإيقاعات، ولكن ينفسخ العقد او الايقاع إذا علم العامل بالفسخ، وإذا لم يعلم بالفسخ نفذ عليه المثل كالوكيل، فإن الوكالة عقد جائز وإنّ وكالة الوكيل نافذة عن الموكِّل حتى يبلغه الفسخ، فإذا فسخ الموكِّل العقد ولم يبلغ الوكيل الفسخ ونفذ فإن عمله نافذ كذلك الامر في الجعالة، فاذا أنجز شطراً من العمل ثم أُبلِغَ بالفسخ فله بنسبته من المسمّى، والجعالة غير الإجارة لوجود مجموعة فروق بينهما هي:
1-لا يستحقُّ العامل الجعل الا بعد إكمال العمل بينما الأجير يملك الأجر ويملك المستأجر خدمة الأجير بمحض حصول عقد الاجارة بخلاف الجعالة حتى يأتي بالشيء الذي جُعِلَت له الجُعالة.
2-الإجارة من العقود والجعالة من الإيقاعات في أظهر الأقوال.
3-الاجارة لازمة بينما الجعالة جائزة من الطرفين.
4- يجوز ان يكون العامل في الجعالة مجهولا بخلاف الاجارة فإنَّ الأجيرَ لا بدَّ أن يكون معلوما. فلا يجوز ان يقول المؤجر آجرت أرضي الزراعية لمن يزرعها بكذا دينار.
5- وفي الجعالة تصح الجعالة من غير المالك ولا تصح الاجارة من غير المؤجر.
توظيف عقد الجعالة بدلا عن القروض الربوية
أما مشروع توظيف عقد الجعالة بدلاً عن القروض الربوية فيتمّ حسب المثال التالي: نفترض ان شخصاً يُريد بناءَ بيت لنفسه ولا يملك المال الذي يتطلبه البناء نقداً، او أن البلدية تريد ان تبلِّط شارعاً ما ولا تملك نفقة التبليط نقداً، فتراجع البلدية البنكَ لاقتراض المبلغ، والبنك الربوي لا يُقرِض الا بفائدة رَبويّة، فما هو علاج هذه الفائدة وما الحيلة في تحويل عمل البنك الى الحلال؟
الجواب عن طريق الجُعالة فبَدَلاً أن يأخذ البنك فائدة محرمة يقول المقترِض للبنك أجعلُ لك جعلاً إذا أتممتَ لي بناءَ داري أو مجموعةَ الشقق المطلوب بناءَها، ويتَّفق مع البنك عند الانتهاء من العمل على تقسيط الجعل في مدة معينة، وقد يجوز للبنك أن يقوم بجعالة ثانوية للشركات الهندسية التي تقوم بهذا المشروع فيجعل لتلك الشركات جعلاً معيَّناً ويُطلَق على هذا الجعل جُعالة ثانوية فيكون البنك عاملا في الجعالة الاولى وجاعلا في الجعالة الثانية، وقد يتَّفق أن يوكِّل البنك صاحب المشروع نفسه بمشروع البناء بالكامل بالوكالة عن البنك فيكون صاحب المشروع وكيلا عن البنك في إنشاء البيت مع مراقبة وإشراف البنك على فواتير الشراء والدفع بشكل كامل، وقد يتم ذلك بجعل ثالث، وبذلك يتم انجاز المشروع ويتقاضى البنك من صاحب المشروع الجعل الذي اتَّفقا عليه بعد انجاز العمل نقداً او أقساطاً، ويقدّر البنك الفائدة التي يطلبها من الجاعل ضمن هذا الجعل، وبهذه الصورة يمكن علاج القروض الربوية بمشروع الجعالة البديل ولا يمنع من ذلك ان تكون الجعالة عقدا جائزا، فيصح للطرفين فيها الفسخ، فإن الجاعل اذا فسخ الجعالة أثناء العمل يستحقُّ عليه العامل بنسبةِ عملِه منَ المُسمّى.
المشروع الثالث: تحويل القرض الى بيع
وذلك بتقديم الثَّمن وتأجيل المُثمن كما في بيع السَّلَم، وهذا الأمرُ يختلف عن القرض اذ القرض هو تقديم مال لأحد بضمان مثله، واما البيع فمبادلة مال بمال. والقرض يتقوَّم بما اذا كان الضمان مِثليا كالدينار بالدينار والدولار بالدولار، والبيع يتقوَّم بأن يكون البَدَل غير المُبدَل ووجود اختلاف قيميّ في البدل والمبدل منه كما لو مَلَكنا الدار بالدينار اوالسيارة بالدينار فإن التبديل تمّ بين شيئين مختلفين هما الثمن والمثمن، الثمن هو الدينار والمثمن هو السيارة أو الدار.
والحل الذي يطرح في هذا المقام لحلِّ مشكلة القروض الربوية هو ان يقصد صاحب الوديعة -عند إيداع وديعته في البنك- البيعَ لا القرضَ كي لا يتحقق الرِّبا، يبيع المبلغ الذي يودعه في البنك بالذِّمة من مِثله في الذِّمة، فينقلبُ عنوانُ القرض الى عنوان البيع، ويكون البيعُ من نوع البيع في الذمة، أي يبيعه المليون دينار بمليون ومائتين دينار بالذمة، والسؤال هل يصح هذا البيع أو لا يصح؟
الجواب: قد يقال بوجود اختلاف بين الثمن والمثمن كما لو كان المثمن في الخارج والثمن في الذمة، وهذا المقدار من الاختلاف يكفي في تحقيق عنوان البيع، وانقلاب عنوان القرض الى عنوان البيع، والذي لا يجوز من البيع الربوي هو بيع المكيل والموزون بشكل متفاوت بين الثمن والمثمن، أمّا التفاوت بالمعدود في البيع فهو ليس من الرِّبا المُحرَّم؛ لأنَّ الذي يَحرُم هو البيع في المثليات بشكل متفاوت من المكيلات والموزونات.أما الأوراق النقدية التي تتعامل بها البنوك فهي ليس من قبيل الموزون والمكيل بل هي من المعدود. ويتم خروج عنوان القرض بأمرين حقيقيين:
اولا:الاختلاف بين البدل والمبدل حيث ان الاول نقدي والثاني فقدي.
ثانيا: الاختلاف في النية.
والقرض لا يكون الا بتمليك بضمان وما نحن فيه ليس من قبيل التبديل بضمان وليس المورد مورداً سفهياً وانما هي معاملة عقلائية جارية في الأسواق لأنّ إحدهما في الذمة والآخر نقدي، ويكفي لصحتها اختلاف الثمن والمثمن.
أقول: لم يرد للقرض تحديد في الشريعة بأنه تمليك بضمان ولا للبيع بانه تمليك عين بعين إذ نحن إذا رجعنا الى القرض من البنك نجده عبارة عن تبديل مال الى أجل بأكثر من مثله في الذمة. وهو ما يسمى بالقرض بفائدة، ومثل هذا القرض يحرُم؛ لأنّه من مصاديق الرِّبا. وقد يصحِّح بعضهم هذه العملية باختلاف العملة، اذ لا اشكال في تحقق عنوان البيع مع اختلاف نوع العملة.
وقد يقال بحصول مشكلة أخرى وهي مشكلة الصَّرْف فإن هذه العملية من مصاديق بيع الصرف الذي تجتمع فيه الشروط الثلاثة التبايع بالنقد، والتقابض قبل التفرق، وتساوي البدلين في القدر مع اتحاد الجنس إذ الاوراق النقدية ليس من النقدين الذهب والفضة فلا يجوز ان نقول ان هذا البيع من بيع الصرف الذي عرفنا شروطه والذي لا يجوز البيع فيه الا في المجلس يداً بيد. وإذا حصل للفقيه اطمئنان بأنه لا يوجد فرق بين الذهب والفضة والعملة الحالية لوحدة المناط فلا اشكال وإلّا فلا.
فتنتهي العملية الاولى بتعجيل الثمن الى العميل (الزبون) ليقوم بإنشاء حقل للدواجن مثلا وتقديمه الى البنك، والعملية الثانية يبيع البنك حقل الدواجن الذي يملكه طبقاً للبيع الاول على العميل بيعا مؤجَّلاً يتضمن الربح الذي يتوقعه، فلو فرضنا أن حقل الدواجن كلَّف البنك100 مليون دينار يبيعه بإضافة الربح بيعاً مؤجلاً ويتقاضى الثمن على شكل أقساط وبذلك يحلّ بيع السلم محل القرض الربوي بلا اشكال. وبعبارة اخرى يتألّف هذا البديل من مركَّبَينِ بيع سَلَمٍ وبيعٌ مؤجَّل يتضمن فيه الربح الذي يتوقعه فيما لو اجريت العملية قرضاً.
يقوم البنك بشراء البضاعة التي يحتاجها العميل نقدا مثلا خمسين طنا من الشاي ويبيعها مؤجلا له بربح، ويصح ان يقدِّم المالَ للعميل ويقول له: اشتر لي البضاعة التي تحتاجها نقداً ثم لمّا يتملك البنك البضاعة يبيعها عليه مؤجلاً بالربح الذي يتفقانِ عليه.
ثم ان البنك هنا لم يشتر البضاعة حسب رغبته بل اشتراها حسب رغبة العميل وأمره، فإذا اشترط على العميل ان يشتري منه بعد ان يستورد البضاعة له بفارق من الربح، وأعرض العميل عن الشراء، بحجة ان له ذلك؛ لان الشرط غير ملزم إذ هو شرط ابتدائي. نقول في حلّ هذه الاشكالية ان العميل قد تسبَّب في خسارة البنك؛ لأن البنك لم يَقدِم على شراء البضاعة إلا بأمر من العميل، وعليه لابد أن يسدِّد خسارة البنك والضرر الذي تحمله في هذه العملية،لا لأجل ان العميل اشترط ذلك على نفسه أو شرط في عقد غير مُلزِم، لأنَّ كلا الشرطين غير ملزمين له بالوفاء، ولكنه انما يخسرُ للبنك بما تضرره لأجل قاعدة الضمان. وبتعبير أوضح إنَّ كلَّ عمل يطلبه العميل من صاحب رأس المال له قيمةٌ ماليةٌ، فاذا أعرض العميل عنه بعد الإنجاز لابُدَّ أن يضمن القيمة المالية لذلك العمل كما في الجعالة تماماً.
إذ لو تأملنا في الجعالة لوجدنا أن الجعالة تتألف من شطرين الأول منها الجاعل الذي أمر العامل ان يبني مسجداً او مدرسةً، والشطر الثاني ان العمل الذي أمر به الجاعل عملٌ له قيمة مالية. فإذا أعرض الجاعل بعد انجاز العمل بحجة ان الجعالة أمر جائز يصحُّ فسخه في أي وقت، وعليه لا يحق للعامل ان يطالب الجاعل، قلنا على الجاعل ان يتحمَّل القيمة المالية للعمل الذي بذله العامل؛ لأنَّه انما دخل في العمل بأمر منه، وهذا الضمان هو من باب ضمان الغرامة لا من باب ضمان المعاوضة.
المشروع الرابع: بديل الشركة المساهِمَة في الأموال
ومعنى الشركة أن يشترك طرفان أو أكثر في تمويل التجارة أو الزراعة ويكون الربح بينهما بنسبة يتَّفقون عليها، وفيما نحن فيه يشترك العميل والبنك وعملاء أُخَر في تكوين رأس المال ويكون البنكُ هنا شريكاً لا مُضارِباً وتدخل هذه الأموال بعنوان رأسمال مشاع في عملية استثمارية ويكون الربح بينهم حسب الاتفاق بأن يحيل العميل البنكَ بالوكالة في استثمار رأس المال لدى طرف آخر بالمضاربة أو بالمشارَكة الماليةِ وكالةً عن الشركاء المستَثْمِرين وهذا هو المشروع البديل.
وترد هنا ملاحظتان:
الاولى:جبر خسارة رأس المال اذا تعرَّض للتلف.
الثانية:إمكانية تحديد الربح الذي يطلبه المستثمرون من البنك بقيمة سوقية واحدة. وبتعبير آخر ان الاموال في الملاحظة الفقهية الاولى التي يقدمها المستثمر للبنك تحمل عنوان الوديعة في العمليات المصرفية الحديثة، والوديعة في التعريف الفقهي هي المال الذي يستودعُه صاحبُه عند الأمين (الوَدَعي) ولا يجوز للوَدَعي أن يتصرَّف فيه بشكل من الأشكال مع بقاء عينها، وفيما نحن فيه ليس الأمر كذلك وإنما يتصرَّف البنك في الاموال في الاستثمار ويتحول المال الى بضاعة ويتلف المال، وهذه الاوصاف الأخيرة لا تنطبق على عنوان الإيداع وانما تحمل عنوان القرض؛ لأن القرض هو الذي يُملِّكه صاحبه الى المقترض بالكامل مقابل ضمان المثل اوالقيمة، وما نحن فيه ينطبق على القرض لا على الوديعة، وان كان العنوان المصرفي الذي يُعطى لهذا المال هو الوديعة وليس القرض.
وعلى كل حال لوتجاوزنا العنوان وبحثنا عن المُعنوَن فقهياً فإمّا أن تكون هذه الاموال وديعة من قبل أصحابها في البنوك فلا يصحُّ للبنوك التصرف فيها مطلقاً طبقاً لعنوان الوديعة، وإن قلنا ان هذه الأموال في الواقع هي قرض وعنوان الوديعة عنوان شكلي إذ لا مشاحة في الاصطلاح فإن المال في القرض ينتقل الى ملك المقترض، فإذا أدخله في تجارة يكون الربح لمالكه، والمالك هنا هو المقتِرض (البنك) والأرباح له والخسائر عليه ولا يسمّى هذا بشركة.
والجواب على ذلك طبقاً لما ذكره الشهيد الصدر (قدس) في كتابه البنك اللاربوي في الاسلام أن هذه الأموال في الحقيقة وديعةٌ وتبقى في ملك أصحابها ولا تنتقل الى ملكية البنك، ولكنَّ أصحابها يوكلون للبنك التصرّف في عين هذه الاموال بيعاً وتجارةً وتبقى هذه الأموال في ملك أصحابها كما قلنا، ويصح للبنك التصرفُ في هذه الاموال في العمليات الاستثمارية طبقاً للتوكيل من قبل أصحاب الاموال.
وهو تخريج جيِّد ولا ينافي كونَها وديعةً، فإن تعريف الوديعة بما يعنيه هو المال الذي يودعه صاحبه عند أمين هو(الودَعي) من دون أن يصحّ له صرفُ هذا المال او التصرُّفُ فيه.
فعليه يكون المال وديعةً ويُمنحُ الودَعي وكالةً من جانبه في التصرف في هذا المال كما يُنَصّبُ أصحاب المحال التجارية مُديراً لأعمالهم يمنحونه الوكالة في البيع والتجارة حسب ما يقتضيه الحال، وهذا توجيه لا بأس به، يبقى في ضوئه المال في ملك صاحبه رغم تصرف البنك فيه وفي أرباحه واستثمارهما معا في الأعمال التجارية.
ومن خلال ما تقدم يتضح الفرق بين الوديعة والعارية والقرض ففي الوديعة لا يجوز التصرف في المال ولواستعمالاً أمّا في العارية فيجوز التصرف من دون اتلاف العين، رغم أنَّ المال في الوديعة والعارية يبقى على ملك صاحبه، أمّا في القرض فينتقل المال من المُقرِض الى المُقترِض ويصبح المقترض بعد هذا الانتقال مالكا للمال يتصرَّف فيه كيف يشاء ولكنه يكون ضامنا له بالمثل.. ولكن لو أخذ المال من صاحبه بالوكالة يقول السيد الشهيد الصدر مثل هذا المال يبقى على ملك صاحبه، وفي مورد البحث يصح للبنك مطلق التصرف فيما أُودع فيه حتى في أصل عينه على نحو الاشاعة، ومن هنا صار للمودِعين ان يطلبوا ضمانَ رأس مالهم وضمانَ الحدِّ الأدنى من الفائدة بالنسبة الى رأس المال، ومما يدل على جواز مثل هذه الفائدة قوله (ع) في الصحيح الذي رواه الكافي بهذا الاسناد:
محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجلين اشتركا في مال وربحا فيه ربحاً وكان المال ديناً عليهما، فقال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال والربح لك وما تَوَى فعليك، فقال: لا بأس به إذا اشترط عليه (اي لا بأس بالفائدة المشترطة على الشريك الثاني ولا بأس بأن يتحمل الخسارة عند خسارة رأس المال) وإن كان شرطاً يخالف كتاب الله فهو ردٌّ إلى كتاب الله عز وجل… الحديث ([75]).والمفروض انه لو كان شرطا مخالفا لكتاب الله فهو ردّ.
وبناء على هذا الصحيح يجوز أن يُضمِّن المشاركُ البنكَ رأسَ ماله، كما يصحُّ للبنك أن يقدم حدّاً أدنى من الفائدة السوقية الرائجة في الأسواق المالية، فإذا زادت الأرباح على ذلك أعطاه الزيادة، وإذا نقصت يتحمّل البنك هذه الخسارة بموجب هذه الصحيحة، أي يصحّ للعميل أن يشترط على البنك ضمان رأس المال وان يَضْمَنَ له الحدَّ الأدنى من الفائدة السوقية الرائجة من خلال تعهدٍ من البنك يتمّ بموجبه تسديد ذلك بمجرد خسارة رأس المال، وعلى ضوء هذا الفهم تنتفي الملاحظتان الفقهيتان المتقدمتان.
ومما تقدم نرى كيف يساهم البنك في حركة المال وتصحيح هذه الحركة وتوجيهها من الحرام الى الحلال من خلال الشريعة الالهية التي تضمن لصاحب المال والعامل بل وللبنك كلّاً حقَّه من عملية الاستثمار التي يتوسطها ويروّج لها ويعمل في طريقها. ومن غير شك فإن حركة المال بهذه الطريقة المحللة وما فيها من صون للحقوق والارباح تعد باباً من ابواب المشاكل الاقتصادية التي تنشأ احيانا من جمود رؤوس الأموال أومن حركة هذه الأموال بطريقة حرَّمها الشرع كما في الرِّبا.
المحور الثالث
دور البنوك اللاربوية في حماية المشاريع المالية وبرامج التنمية
نظرة الشهيد الصدر في حماية التنمية
وفي هذا المحور سنتناول رؤية الشهيد الصدر في حماية تنمية الثروة أولا، ولإعطاء الصورة الواضحة المتكاملة عن المنهاج الإقتصادي للتشريع الذي تتبناه رسالة الله في الارض في هذا المجال ثانياً، فنقول:
لقد مرَّ البحث على معالجات للمشكلة الإقتصادية في ضوء تراث الامام الشهيد الصدر (قدس سره)، وقد تعرَّفنا نوعمّا من خلالها على منهاج الشهيد الصدر الإقتصادي الذي تتبناه رسالة الله في الارض والتي أثبت فيها فيما أثبت قدرة الاسلام على تجاوز النظام الربوي الى النظام اللاربوي في جانب الإقتصاد والمال وجدارته بإدارة وتطهير هذا الجانب من جوانب حياة الإنسان من الحرام والجَشَع، وأثبت فيها قدرة الإسلام على شقّ الطريق للبشرية الغارقة فيهما بمحاولة ايجابية تسير تارةً في حقل الفقه وأُخرى في حقل المال والإقتصاد مترافقة مع مَن شمّروا الجهود المخلصة في خدمة الاسلام من الجامعات العلمية في النجف الأشرف والازهر والزيتونة وقم وامثالها من الجامعات التي عاش الاسلام في مهدها وعاشت في مهد الاسلام، والتي اثبت رجالها أيضاً بأنَّ الإسلام غنيٌّ في مجال الإقتصاد بمفاهيمه ومعالمه النظرية وقوانينه الدقيقة التي تصدعُ بالحقّ والعدل وترسم لحياة الإنسان الطريق المجانب للظلم والحَيْف. ومن أهمِّ الأمور التي وجدوها لحماية هذا النهج هو وضع اليد على النظام التشريعي الكامل والرصين في الاسلام، إيمانا منهم بأنَّ غيره لا يأخذ بيد الإنسان إلّا إلى الشقاء وحياة النَّهب والجَشَع والظلمات والاستغلال المَقيت، ولا خيارَ لهم غيره لأنّه حكم الله تعالى وقضاؤه في الارض وشريعته التي لا بديلَ عنها (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) ([76]). وهو دور تشريعيٌّ دينيٌّ يمتاز بالتحدّي لكلِّ نظريات الكفر التي تقود البشرية الى الحرام في كلِّ ميادينه والى الضَّلال في كلِّ مساحاته.
يقول الامام الشهيد الصدر: “قال الجَناح الغربي من الحضارة الأوربية إنَّ أوروبا لم تتطور إلّا حين فصلت الدين عن الحياة، وقال الجناح الشرقي إنَّ الدين أفيون الشعوب فلكي تستطيع الشعوب أن تكافح من أجل الحرية لا بدَّ لها أن تتخلّى عن الدين.” ([77]).
وما هذه البحوث الفقهية الإقتصادية المالية إلّا تمثيلٌ لروح التحدّي لهذين الجانبين من حضارة أوروبا في ميدان الإقتصاد والمال.
ان المفاهيم السائدة التي ينادي بها المثقفون الغربيون والمستغربون إنَّ الإسلام دينٌ وليس اقتصاداً وإنّه عقيدةٌ وليس منهجاً للحياة وإنَّه علاقة بين الانسان وربِّه ولا يصلح أن يكون أساساً لثورة اجتماعية..” ([78]) وإنَّ الدِّين ليس من السياسة ولا السياسة من الدين في شيء، وتقف أمامها دعوى إنَّ الدين يقود الحياة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تحتاج الى بحوث تُقنع البشرية على هذه القدرة الإدارية في كل مناحي الحياة.
آليات الشريعة الاسلامية في حفظ المال وتنميته
اولا: الاساس الفكري للمذهب الاقتصادي المتبنّى في الحماية
انّ هذا البحث الاقتصادي الذي حفلت به كتب علماء المسلمين وفي صدارتهم السيد الشهيد الصدر ما هو إلا دليل على إيمان علماء الاسلام على أنَّ الاسلام يمتلك الرؤية الكاملة والتامة على قيادة الحياة في المجال الاقتصادي كما هو يمتلكها في المجال السياسي والإجتماعي. واعتبرت هذه البحوث في ميادينها المختلفة نوعاً من الجهاد الأكبر الذي لا بدَّ منه لحماية مشاريع الاسلام وترصينها عموماً. وقبل هذا وذاك فقد بنى الشهيد الصدر قضية التنمية للإنتاج على ضوء الاساس الفكري للمذهب الاقتصادي؛ لان التنمية تختلف في ضوئه من مذهب اقتصادي الى مذهب آخر، واما حماية التنمية في كل مجالاتها فيعتمد على النظام السياسي كلَّما دخل أصحابه في حلبة الصراع الاقتصادي مع خصومهم، وليس من نظام سياسي يحقِّق هذه الأهداف إلّا النِّظام السياسي الإسلامي لقوله تعالى:(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) ([79]).
ثانيا: التمسك بالأحكام الشرعية في حماية المال وتنميته
إنّ النظام التشريعي الاسلامي لو كان متسلِّطا على دفّة حكم بلد معين فإنه بلا شكّ سوف يحمي الموارد الإقتصادية وينمّي الموارد الإنتاجية من خلال ما يقرِّره من أحكام يُؤمن بها ويدعو إليها ولا يسمح لها أن تنمو وتزداد من خلال حكم أورؤيا لم يُنزِّلْها ولم يحكم بها. فمثلا لو أراد ان ينمّي رأس المال النقدي عند مَن أعطاه لجهة أو لأحد البنوك، وضمنت تلك الجهة أو البنك رأسَ المال هذا فالحكم هنا ليس مِن حقّ صاحبِ رأسِ المال أن يأخذ حصةً من الربح الناتج من توظيف رأس المال المذكور؛ لأن التشريع الاسلامي يحرِّم الربح بدون عمل، بل يحكم بالربح في هذا الفرض للعامل على الرغم من أنَّه قد لا يكون مالكا للبضاعة نفسها. والطريقة الوحيدة التي يسمح بها الاسلام لمشاركة رأس المال النقدي في الربح هي أن يتحمَّل صاحبه المخاطرة به ويتحمَّل وحده دون العامل كلَّ التَّبِعات السَّلبية للعملية”([80]).
وأما استكمال تنمية موارد الانتاج فلا يتم أمرها إلا بإندماج العناصر الثابتة- الأحكام المنصوصة في الكتاب والسنة فيما يتصل بالحياة الاقتصادية- مع العناصر المرنة والمتحركة وهي تلك العناصر التي تستمد – على ضوء طبيعة المرحلة في كل ظرف – من المؤشرات الاسلامية العامة التي تدخل في نطاق العناصر الثابتة – في تركيب واحد تسوده روح واحدة واهداف مشتركة “([81]).
ثالثا: التعليمات والمنهج الشرعي الثابت والمتحرك في الإقتصاد
ومن الآليات التي تحفظ المال وتحفظ تنميته هي آلية التعليمات الاقتصادية الثابتة التي تمتاز بالعدل في توزيع الثروة وآلية المنهاج القَيِّم الذي يرعى هذه الثروة ويُنمّيها، قال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُو يُخْلِفُهُ وَهُو خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ([82]) (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَليمٌ) ([83]) (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَليمٌ) ([84]).
وفي استنباط العناصر المتحركة من المؤشرات الاسلامية العامة يقول الامام الشهيد الصدر (قدس سره) انَّها تتطلب:
أولاً: منهجاً اسلامياً واعياً للعناصر الثابتة وإدراكاً معمَّقاً لمؤشراتها ودلالاتها العامّة.
ثانياً: استيعابا شاملاً لطبيعة المرحلة وشروطها الإقتصادية ودراسة دقيقة للأهداف التي تحدِّدها المؤشِّرات العامة وللأساليب التي تتكفَّل بتحقيقها.” ([85]).
ومثل ذلك “لا يجوز للمستأجر أن يستثمر الأُجرة التي دفعها استثماراً رأسمالياً ويربح على أساسها ربحاً بدون عمل وذلك بأن يستأجر الدار أو السفينة او المعمل بأجرة محددة ثم يؤجر بأجرة اكبر دون ان يقوم بعمل في العين المستأجرة، وكذلك لا يجوز أن يستأجر الأجير بأجرة ثم تؤجَّر منافعه بأجرة أكبر”([86]).
ثم “إن في التشريع الاسلامي جانباً متغيراً متطوراً لم يتعرَّض الإسلام فيه بتشريع تفصيلي ثابت لارتباطه بالجوانب المتغيرة من حياة الانسان، بل جاء فيه بتشريعات عامة وتَرَكَ لوليّ الأمر مسؤولية تفاصيله، وهو ما يسمى ب “منطقة الفراغ” ولا بُدَّ لوليّ الأمر أن يتوفَّر على شرائط منها، العلم الكامل بالشريعة، والعدالة البالغة حدّ المَلَكة([87]).”وقد ذكرنا كيف أن التشريع الاسلامي في مورد إحياء الارض كممارسة من ممارسات الانتاج يُملِّك وليُّ الأمر الحقَّ في منع الفرد من ممارسة الإحياء، إلا في حدود معيّنة وفقاً لتصور الإسلام للعدالة الاجتماعية كما يُقرِّر مبدأ تَدخُّل الدولة في ذلك كقاعدة تضمنُ صلاحية القواعد العامة في توزيع الإنتاج وضمان انسجام تلك القواعد مع تصوراته للعدالة الاجتماعية في كلِّ زمان ومكان دون أن يمسَّ جوهرها([88]).
4- النظرة الواقعية للإنسان وتوخي الغايات الواقعية الموافقة لها
وبما أنّ البحث يجري في مجال المشكلة الاقتصادية في العراق ومعرفة أسبابها وحلولها ومعالجتها في ضوء تراث الامام الشهيد الصدر ينبِّه (قدس سره) الى قضية هامة هي إن الحساب التشريعي ملحوظ فيه إبراز القوانين والانظمة الاقتصادية للمذهب الاقتصادي في الاسلام وملحوظ فيه أنّه لا يُرهق الإنسانية ولا يُحلِّق في أجواء خيالية عالية فوق طاقاته وإمكاناته وإنّما يُقيم مخططَه الاقتصادي دائما على أساس النظرة الواقعية للانسان، ويتوخّى الغايات الواقعية التي تتَّفق مع تلك النظرة. فقد يَلَذُّ لإقتصاد خيالي كالشيوعية مثلا، أن يتبنّى غايةً غير واقعية، ويرمي إلى تحقيق إنسانية جديدة طاهرة من كل نوازع الأنانية، قادرة على توزيع الأعمال والأموال بينها، دون حاجة إلى أداة حكومية تباشر التوزيع، سليمة من كلِّ ألوان الإختلاف أو الصِّراع ([89]).
والحال ان الحساب التشريعي في الإسلام أخذ في نظره شرعية الوساطة القائمة بين العامل من جهة وصاحب رأس المال من جهة أخرى كأداة حكومية تباشر نقل الخدمة بينهما وتيسِّرُها بالشكل الذي يقرّب الغني من الفقير وبطريقة محلَّلة وطاهرة من نوازع الأنانية ‘لا أنّها ليست خيالية في ممارستها بل هي ممارسة واقعية تتحرك في الواقع ويقبلها الواقع.
وهذا هو ما يتَّفق مع طبيعة التشريع الإسلامي، وما اتّصف به من واقعية في غاياته وأهدافه. وهو- إلى هذا – واقعي في طريقته أيضا. فكما يستهدف غايات واقعية ممكنة التحقيق، كذلك يضمن تحقيق هذه الغايات ضماناً واقعياً مادياً، ولا يكتفي بضمانات النُّصح والتوجيه، التي يقدِّمُها الوعاظ والمرشدون، لأنه يريد أن يُخرج تلك الأهداف إلى حيِّز التنفيذ، فلا يقنع بإيكالها إلى رحمة الصُّدَف والتقادير.
فحين يستهدف إيجاد روح التعاون بين أفراد المجتمع يحرّك الأموال من جيب الأثرياء الى جيب الفقراء من خلال تجربة البنك اللاربوي دون ان يجعل الفقير يتوسَّل بالغني ويسبِّح بحمده ويستثير عواطفه بل يجعل الطرفين الثريّ والغنيّ يعتقدانِ بأنّ الممارسة التي يقومانِ بها هي لصالح كلِّ واحدٍ منهما من خلال ما يقدِّمة من سند وثيق في ضمان الفعل الذي يقدِم عليه بالشكل الذي يجعله عندهما ضروري الحصول على كل حال.
يقول السيد الشهيد الصدر: “فحين يستهدف التشريع الاسلامي مثلا إيجاد التكافل العام في المجتمع، لا يتوسَّل إليه بأساليب التوجيه واستثارة العواطف فحسب، وإنما يسنده بضمان تشريعي، يجعله ضروري التحقيق على كل حال” ([90]).
والاسلام لا يريد من البنك اللاربوي ان يقضي على ظاهرة الفقر أو ان يحقق روح التعاطي بين أفراد المجتمع وإن كان هذا الهدف الموضوعي جيد بحد ذاته بل يريد زيادة على ذلك ان يبني الداخل الإنساني مثلما استطاع من خلال تجربة البنك اللاربوي الوسيط أن يَعْمُرَ الواقع الخارجي للإنسان، ولا يريد الاسلام ان يستوحي الطريقة في هذا اللون من البناء من الظروف المادية والشروط الطبيعية المستقلة عن الانسان نفسه كما تستوحي الماركسية غايتها من وضع القوى المنتجة وظروفها وإنما ينظر الى تلك الغاية في بناء الانسان داخليا بوصفها معبِّرة عن قيم عملية يحتاجها المجتمع الانساني من الناحية الأخلاقية بالضرورة.
فحين يقرر التشريع الاسلامي مثلا ضمان رأس المال على العامل عندما يشترطه العامل على نفسه بعقد خارج عقد المضاربة أو أن يجازف صاحب رأس المال بتحريك أمواله على يد العامل عبر وساطة البنك دون ان يذكر شيئا يخصّ الضمان لرأس ماله فإن القيمة الأخلاقية التي يدعو إليها التشريع الاسلامي لا يستوحيها من الظروف المادية للإنتاج كأن يَسترحم الغني بالتنازل عن الضمان في الفرض الأول أو يلوم صاحب رأس المال على مجازفته في زجِّ رأس ماله بطريقة غير مدروسة، ولا أن يدعو صاحب رأس المال ان يتنازل عن الضمان؛ لأن وضع القوى المنتجة وظروفها لاتؤثِّر على مستواه المعاشي مثلما تؤثِّر على العامل كما تستوحي الماركسية غايتها من وضع تلك القوى المنتجة وظروفها، وإنَّما ينظر التشريع الاسلامي الى تلك الأمور في الضمان وعدم الضمان الفائتين كقيمة أخلاقية يجب أن تُحرَّر عمليا في نفس الانسان سواء كان صاحبَ رأسِ مالٍ أوعاملاً. وقد اهتمَّ التشريع الاسلامي بهذا الأمر أيَّ اهتمامٍ. فألغى رأسَ المال الرَّبَوي، وشرَّع أحكام المضاربة ودعى الى التكافل العام والتوازن الاجتماعي، وربط مسألة تحريم الربا ولم يفصلْها عما ترتبط به من نتائج لها أثر في التوازن الاجتماعي، ولها أثر في حركة تداول النقد وحركة المبادي والقيم الاجتماعية.
يقول السيد الشهيد الصدر: “أن الإسلام يهتم بالعامل النفسي، خلال الطريقة التي يضعها لتحقيق أهدافه وغاياته. كما يهتم بالجانب الموضوعي، وبعبارة اخرى إن الاسلام يهتم بمزج العامل النفسي والموضوعي معاً. فقد يُؤخذ من الغنى مالٌ لإشباع الفقير مثلا، ويتأتّى بذلك للفقير أن يُشبِعَ حاجاتِه، وتوجد بذلك الغاية الموضوعية التي يتوخّاها الاقتصاد الإسلامي، من وراء مبدأ التكافل. ولكن هذا ليس هو كل المسألة في حساب الإسلام، بل هناك الطريقة التي تمَّ بها تحقيق ضريبة من الأغنياء لكفالة الفقراء. وهذا وإن كفى في – تحقيق الجانب الموضوعي من المسألة، أي إشباع الفقير… ولكن الإسلام لا يقرّ ذلك، ما دامت طريقة تحقيق التكافل مجردة عن الدافع الخُلُقي، والعامل الخيِّر في نفس الغني. ولأجل ذلك تدخَّل الإسلام، وجعل من الفرائض المالية – التي استهدف منها إيجاد التكافل – عبادات شرعية، يجب أن تنبع عن دافع نفسيٍّ نيّرٍ، يدفع الانسان إلى المساهمة في تحقيق غايات الاقتصاد الإسلامي، بشكل واع مقصود، طلباً بذلك رضا الله تعالى والقرب منه. ولا غروأن يكون للإسلام هذا الاهتمام بالعامل النفسي، وهذا الحرص على تكوينه روحياً وفكرياً، طبقاً لغاياته ومفاهيمه، فإنّ لطبيعة العوامل الذاتية التي تعتلج في نفس الانسان، أثرها الكبير في تكوين شخصية الانسان، وتحديد محتواه الروحي، كما أن للعامل الذاتي أثره الكبير على الحياة الاجتماعية ومشاكلها وحلولها” ([91]).
حاجة الساحة العراقية في مجال البحث ودور البنوك تجاهها:
واخيراً يقع البحث في اهم الحاجات التي تعتبر مشاكل ينبغي ان يحصد البحث حلولها سيما في الساحة العراقية إنْ من جهة المواطن والمؤسسات الأخرى وإنْ من جهة البنوك التي تتحرك لخدمتها. فنقول بناء على ما تقدَّم يمكن تقديم بعض المقترحات العملية التي تخصّ حلّ المشكلة الاقتصادية من خلال دور البنوك وهي كالتالي:
الأمر الاول: البناء الداخلي
يمكن القول بضرس قاطع أنّه ما أحوج ساحتنا العراقية اليوم الى البناء الداخلي الذي نوّهنا عنه والى التربية الروحية في مقاومة الويلات الإقتصادية والصبر أمام عصفها. فإن العوامل الروحية اذا ما وقفت جنباً الى جنب مع الطرق والمشاريع الإقتصادية التي تريد ان تخفِّف عن كاهل الانسان العراقي مواجهة المحن الاقتصادية، إذا ما وقفا معاً فإنه سوف يقف بثبات حتى يعبر الى ضفة الرفاه والسعادة وإذا تجرَّد عن القيم العملية والنفسية التي تبني داخله فإن المشاريع الإقتصادية لوحدها غير كافية لعلاج الواقع المرير المتمثِّل بالمشكلة الاقتصادية. ومعلوم ان المؤسسات الاعلامية والثقافية والفكرية والدينية لها الدور الفعال في بناء هذا الجانب الداخلي.
يقول السيد الشهيد الصدر: “وقد بات من الواضح لدى الجميع اليوم: أن العامل النفسي يلعب دورا رئيسياً في المجال الاقتصادي، فهو يؤثِّر في حدوث الأزمات الدورية، التي يضجّ من ويلاتها الإقتصاد الأوروبي. ويؤثِّر أيضا على منحني العرض والطلب، وفي الكفاية الإنتاجية للعامل إلى غير ذلك من عناصر الاقتصاد. فالإسلام إذن لا يقتصر – في مذهبه وتعاليمه – على تنظيم الوجه الخارجي للمجتمع، وإنما ينفذ إلى أعماقه الروحية والفكرية، ليوفق بين المحتوى الداخلي، وما يرسمه من مخطط اقتصادي واجتماعي. ولا يكتفي في طريقته أن يتخذ أي أسلوب يكفل تحقيق غاياته، وإنما يمزج هذا الأسلوب بالعامل النفسي والدافع الذاتي الذي ينسجم مع تلك الغايات ومفاهيمها” ([92]).
الأمر الثاني: النظرة الشاملة للمشكلة
ولا ننسى ان الوعي الفكري والعقائدي والإعلامي والاقتصادي والثقافي والديني الذي أو كلنا امره في المساهمة البنائية الى مؤسساته يجب ان يأخذ بعين الإعتبار أن المشكلة الإقتصادية التي يراد تقديم الحلول والعلاجات لتذليلها أو القضاء عليها أن ينظر اليها مُنْضمَّة الى سائر المشاكل الأخرى التي تعصف في البلد لا أن يَنظُرَ اليها مستقلَّة؛ لأنَّ الإقتصاد الاسلامي جزءٌ من كلٍّ فلا يجوز ان ندرس مشاكله ونتعرَّف على اسبابها وعلاجاتها مجزَّءة بعضها عن بعض نظير أن ندرس حكم الاسلام في مشكلة الربا التي تقدم ذكرها وذكر التخريجات الفقهية التي اعتمدها الفقهاء لإنقاذ البنك من السلوك الربوي المحرَّم في المحور الثاني وحذَّر من دراستها منفردة عن العوامل المرتبطة بها سواء كانت اجتماعية أو اخلاقية أو سياسية أو نحو ذلك لما يترتب على ذلك من إثارة مشاكل أخرى، بل قرّر أن تُدرس المشكلة ضمن المخطط العام للمشاكل التي تحيط بالبلد.
وأعلم – أخي القاريء العزيز- إن مَثَلَ المشكلة كالخط الذي لو كانت الخطوط التي معه طويلة لَبانَ خطُّ المشكلة قصيراً بالنسبة إليها، ولو كانت الخطوط التي معه قصيرة لكان خطُّ المشكلة طويلا بالنسبة اليها. وهكذا يختلف حكمه باختلاف موضوعه ومجموعته التي معه. وهكذا لوأخذنا خط المشكلة منفرداً فيختلف الحكم عليه عمّا لو كان جزء من غيره. وهكذا حال المشكلة الاقتصادية انها لو درست ضمن صيغة مركبة من المشاكل الاجتماعية والسياسية والدينية لأختلف الحكم عليها واختلفت علاجاتها عما لو درست لوحدها منفصلة عن غيرها. فلو تجاوزنا مثلاً دور الصلاحية السياسية التي يمنحها الاسلام لوليّ الامر أو لمؤسسة الدولة وما لهما من واقع وضمانات يعطيها لهما على اختلاف في درجة الصلاحيات الإقتصادية والضمانات والمكانة والكيفية والشروط التي يشترطها فيهما وفي القائمين بهما وعليهما لما كانت النتيجة واحدة عما لو راعينا هذه الامور من أجل تحقيق الصورة المثلى في دراسة المشكلة والخروج منها بحلول رصينة ومُحكَمَة وسديدة وأوفقها في الالتقاء بالمصلحة العامة والبعيدة عن كل حالات النقد والمؤاخذة والإعتراض.
الأمر الثالث: توفير البيئة والتربة الصالحة لعمل البنوك
فمشروع البنك اللاربوي كمشروع اقتصادي لا يمكنه أن يعطي الصورة المشرقة له ما لم تُهَيَّأ لحركته الإقتصادية البيئة الإسلامية والتربة الصالحة، وما لم تتهيّأ للعاملين والموظفين فيه كل ما يَقيهم من ممارسات السرقة والاحتيال، وكل ما يضطرُّهم الى ذلك، وكل ما يؤطِّر حركتهم بالإطار الديني الصحيح أو ما يجهِّزُهم بالقدرة على معرفة مصالحهم ومصالح غيرهم وأساليب إيجادها، والدوافع الذاتية التي تدفعهم الى تحقيقها.
يقول السيد الصدر: “فمن الخطأ أن لا نُعير الصيغة الإسلامية العامة أهميتها، وأن لا نُدخِل في الحساب طبيعة العلاقة بين الاقتصاد وسائر أجزاء المذهب، والتأثير المتبادَل بينها في كيانه العضوي العام” ([93]). أي إننا عندما نريد ان نعالج مشكلة اقتصادية ما مثلا ينبغي لنا أن ننظر التربة والواقع والمحيط الذي تتحرَّك فيه تلك المشكلة فإنَّ علاجها يختلف من تربة الى تربة ومن محيط الى محيط ومن واقع الى واقع. فالمشكلة الاقتصادية اذا أردنا حلها في واقع سياسي اسلامي يختلف عما لو كانت تتحرك في واقع ديمقراطي أو بورجوازي، وهكذا يتغيَّر حلّها فيما لو كانت تتحرك بين ظهراني شعب مستعمر لا يملك سيادته عما لو كانت تتحرك بين ظهراني شَعْب مستقل يمتلك ارادته وسيادته وكرامته وحريته. ولكن الحلّ الناجع الذي نعتقد بصلاحه في حلّ المشكلة الإقتصادية هو الذي يأخذ بعين الأعتبار القدر المتيقَّن من العوامل التي تحقِّق هذا النجاح وتُبرِز ما هو الأكثر ارتباطاً بالاقتصاد الإسلامي مثل عامل العقيدة الاسلامية التي هي مصدر التموين الروحي للمذهب الإقتصادي والاجتماعي، وعامل المفاهيم الإسلامية عن الكون والحياة، وطريقة الاسلام الخاصة في تفسير الأشياء، كالمفهوم الإسلامي عن الملكية الخاصة، وعن الربح، اذ هذا الثاني في المفهوم الاسلامي أوسع منه في المجال المادي الصِّرْف، فما هو ربح في نظر الاسلام في هذا الضوء يُعَدُّ خسارة بالنظر المادي. وبنظر عامل العواطف القائمة على تلك المفاهيم الاسلامية التي تعكس وجهة نظر الاسلام عن الاشياء. فإذا كان الحل مُتَّخِذا هذه العوامل الثلاثة أسساً مُنْضَمَّة بعضها الى البعض والتي تشكل جميعاً التربة الصالحة للمجتمع الاسلامي، مضافاً الى ذلك دور الصيغة الإسلامية العامة للحياة كلّاً لا يتجزأ عندئذ نستطيع أن نترقَّب من الاقتصاد الإسلامي أن يقوم برسالته القَيِّمة في الحياة الاقتصادية، وأن يضمن للمجتمع أسباب السعادة والرفاه، وأن نقطف منه أعظم الثمار. أما لو انفصلت المشكلة عن هذه الأسس فإنها سوف تكون غريبة لا تستطيع الحياة فضلا عن الدوام فيها.
يقول السيد الشهيد الصدر: “وأما أن ننتظر من الرسالة الإسلامية الكبرى، أن تحقِّق كلَّ أهدافها من جانب معين من جوانب الحياة، إذا طُبِّقتْ في ذلك الجانب بصورة منفصلة عن سائر شُعَب الحياة الأخرى.. فهذا خطأ. لأنَّ الارتباط القائم في التصميم الإسلامي الجبّار للمجتمع، بينَ كلِّ جانبٍ منه وجوانبه الأخرى، يجعل شأنَه شأنَ خريطة يضعُها أبرعُ المهندسين لإنشاء عمارة رائعة، فليس في إمكان هذه الخريطة أن تعكس الجمال والروعة – كما أراد المهندس – إلا إذا طُبِّقت بكاملها، وأما إذا أخذنا بها في بناء جزء من العمارة فقط، فليس من حقِّنا أن نترقَّب من هذا الجزء أن يكون كما أراد المهندس، في تصميمه للخريطة كلِّها. وكذلك التصميم الإسلامي، فإن الإسلام إشترع نهجه الخاص به، وجعل منه الأداة الكاملة لاسعاد البشرية.” ([94]).
التطبيقات والتجارب الدولية لمسألة البنوك
وأما التطبيقات والتجارب الدولية التي عنيت بمسألة البنوك اللاربوية التي ساهمت بمقدار ما في حل المشكلة الإقتصادية ومشكلة حركة المال وتنميته فلا أجد لها في الخارج الا ممارسات صغيرة عبر بعض المصارف الصغيرة والأهلية في بعض البلدان الاسلامية والتي تقوم على مبدأ التعاون وفعل الخير الى الناس من خلال بعض النشاطات الفقهية التي تغيِّر موضوع المعاملة الربوية الى معاملة لا ربوية من قبيل التخريجات التي ذكرت في مطاوي البحث، وقد نوَّه الشهيد الصدر في مقدمة كتابه البنك اللاربوي في الاسلام الى هذه النتيجة التطبيقية في أنّ وجود التطبيق لمشروعه اللاربوي مهما كان صغيرا وجزئيا فهو خير من عدمه، وان التكليف يسقط بمقدار ما يستطاع. وأمّا الطموح فلا يتحقَّق إلا في ظل أسلمة العمل المصرفي “وتحويل دور (المصرف) من كونه وسيلة للتنمية الرأسمالية الى كونه وسيلة لإثراء الامة ككل وتجميع أموالها المتفرقة في مصب واحد لإسهام أكبر عدد من المواطنين في عملية الإدخار والتجميع واستثمار ما يدخر في مشاريع انتاجية مفيدة تخطط لها الدولةعلى اساس قواعد المضاربة (الشركة) في الفقه الاسلامي بين العامل والمالك” ([95])، وهذا لا يتمُّ إلّا ضمن نظام اسلامي شامل، وقد رحل رضوان الله تعالى عليه الى المولى عزّ وجلّ ولا من متابع يتابع مشاريعه العملاقة.
الاستنتاجات والتوصيات:
ومما تقدَّم نستطيع ان نستنتج من البحث ما يلي:
1- إنّ الشهيد الصدر (قدس سره) قد عالج المشكلة الإقتصادية بكل كفاءة وجدارة من خلال ما استعرضه من منهج اقتصادي في الإسلام وان ما استعرضه كان كفيلا بمبادئه وقواعده وأصوله الرصينة بما قدمه من معالجات. سيما ما استعرضه في كتابيه اقتصادنا والبنك اللاربوي في الإسلام ؛ إيماناً منه (قدس سره) في واحدة من معالجاته بأنَّ الرِّبا هو أخطر آفة اقتصادية تأكل المالَ والأخلاقَ معاً، وانه المشكلة الأخطر انتشاراً في عالم الاقتصاد والمال، وإيمانا منه بدور البنوك والنظام المصرفي اللاربوي في معالجة المشكلة الاقتصادية وتطوير برامج التنمية التي يقصد منها تنمية الإقتصاد والمال من خلال طرق الحلال.
2- واستنتجنا انه (قدس سره) قد وضع يده من خلال تراثه القيِّم على الخدمة النزيهة والمحلَّلة التي أرادها الله تعالى من خلال رؤية إسلامية كاملة وتامّة اعتمدت دراسة المشكلة ضمن المخطط العام للمشاكلة المزبورة، وبشكل واقعي لا خيالي كما يَلذّ للغير في علاج المشكلة، وبشكل مضمون لا يشبه بحال اساليب النُّصح والتوجيه التي يقدِّمُها الوعاظ والمرشدون لعلاج المشاكل الاقتصادية والمالية والسياسية، وبشكل يريد ان يُخرج الأهداف التي يصبو إليها في علاج المشكلة الإقتصادية إلى حيِّز التنفيذ، ولا يقنع بإيكالها في ذلك إلى رحمة الصُّدَف والتقادير.
3- إنَّه (قدس سره) رغم عدم استعداد الساحة لتطبيق أُطروحته اللاربوية باعتبار حاكمية البنك الربوي في كل مساحات الاقتصاد والمال العالمي إلا انه لم يعف نفسه في الكتابة للمستقبل بل لم تتهيأ له الفرصة في تطبيق ما كتبه، ورحل الى الملأ الأعلى قبل ان يرى نور التطبيق أو نور متابعته على الأقلّ، وعليه فما هو معروض في سطور كتبه الاقتصادية والمالية ظلَّت للأسف تعيش حالة الانتظار لقيام نظام اسلامي قادر على تفعيلها بشكلها الكلي في عالم الخارج، وان كانت هي بشكلها الجزئي قابلة للتطبيق حتى في مجالات أنظمة البنوك الربوية.
واما التوصيات:
اولا : يوصي البحث بان تكون الرؤية عامة وشاملة بعيدا عن الرؤية المجزَّءة لكي تنتهي الرؤية الاقتصادية الى حلول ناجعة في مجالها.
ثانيا : يوصي البحث لعلاج مشاكل الاقتصاد والمال في الساحة العراقية اليوم بالتربية الروحية في مقاومة الويلات الإقتصادية والصبر أمام عصفها وكلّ ما يخفِّف عن كاهل الإنسان العراقي في مواجهة المحن الاقتصادية والمالية والتنموية بالإضافة الى اعتماد الكفاءات العلمية والفقهية الورعة والبارعة في حلِّها . لا اعتماد الإفتاء من خلال تجار الافتاء واعتماد فتاواهم الفقهية القائمة على قاعدة شعارها(نحن مع الدراهم قلّة وكثرة(105) ( .
وأخيراً نرجو من الله تعالى أن يقدّر لي ثواب هذا الجهد القليل وأجره، وأن يجعله برّاً بوالديَّ وأساتذتي، ومن قدَّم خدمة في طريق تكامله، وأدعوه تعالى أن يكون لنا كلمة صدق عنده تعالى نتنعَّم بها يوم نلقاه، إنّه نعمَ المولى ونعم المجيب.
([1])https://ar.weblogographic.com 3813-3813 الفرق بين الإقتصاد والمالية 2022
([2]) الخليل الفراهيدي – كتاب العين:ج 5 – ص 54 – 55
([3]) الطريحي، مجمع البحرين: ج 3 – ص 509
([4])https://ar.weblogographic.com 3813-3813 الفرق بين الإقتصاد والمالية 2022
([5]) الخليل الفراهيدي، كتاب العين: ج 8 – ص 344
([6]) الجوهري، الصحاح: ج 5 – ص 1821
([7]) راجع: https://ar.gadget-info.com رسم بياني للمقارنة .
([8]) راجع: الزبيدي، تاج العروس: ج20 ص264
([11]) درّاز، محمد عبدالله، دستور الأخلاق في القرآن الكريم: ص555
([12]) راجع: العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء: ج14 ص100
([13]) راجع: المحقق البحراني، الحدائق الناضرة: ج7 ص315
([14]) راجع: المحقق الكركي، رسائل الكركي: ج2 ص263
([15]) راجع: الشهيد الثاني، شرح اللمعة: ج5 ص486
([17]) التنمية المستدامة هو مصطلح اقتصادي اجتماعي أممي، رسمت به هيئة الأمم المتحدة خارطة للتنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم، هدفها الأول هو تحسين ظروف المعيشية لكل فرد في المجتمع، وتطوير وسائل الإنتاج وأساليبه، وإدارتها بطرق لا تؤدي إلى استنزاف موارد كوكب الأرض الطبيعية، حتى لا نحمل الكوكب فوق طاقته، ولا تحرم الاجيال القادمة من هذه الموارد https://www.google.com…
([18]) المصدر نفسه / تنمية مستدامة
([20]) الصدر، محمد باقر، اقتصادنا : ص637
([22]) الحر العاملي، وسائل الشيعة(ال البيت): ج 17، ص 28، الحديث: 21897
([23]) المصدر نفسه: الحديث 21901
([24]) المصدر نفسه، الحديث: 21908
([25]) الكليني، محمد بن يعقوب: ج2 ص319ا والحراني، ابن شعبة، تحف العقول:ص13
([26]) راجع: الصدر، محمد باقر، إقتصادنا: ص638
([31]) زين الدين، محمد أمين، كلمة التقوى: ج 2 – ص 147
([32]) الكليني، محمد بن يعقوب، الأصول من الكافي ج 2 ص 316، الحديث 6، مع اختلاف، الصدر، اقتصادنا: ص638
([34]) راجع: الصدر، محمد باقر، إقتصادنا: ص639 – 640
([35]) راجع: المصدر نفسه: ص642
([36]) راجع: المصدر نفسه: ص646
([37]) راجع: المصدر السابق: ص641
([38]) راجع: المصدر السابق: ص 644
([39]) راجع: المصدر السابق: ص 645
([40]) راجع: المصدر السابق: ص 645
([41]) راجع: المصدر السابق: ص 645
([42]) راجع: المصدر السابق: ص 645
([43]) راجع: الفياض، اسحق، تعاليق مبسوطة: ج7 ص126
([44])(https://ar.wikipedia.org/wiki (₿)بيتكوين بالإنجليزية: (Bitcoin) “هي عملة مشفرة تم اختراعها في عام 2008 من قبل شخص أو مجموعة من الاشخاص مجهولي الهوية عرفوا باسم ساتوشي ناكاموتو. بدأ استخدام العملة في عام 2009 عندما تم إصدار تطبيقها كبرنامج مفتوح المصدر. وهي أول عملة رقمية لا مركزية من دون وجود بنك مركزي يمكن ارسالها من شخص الى آخر عبر شبكة بيت كوين بطريقة اللد للد دون حاجة الى طرف ثالث (وسيط كالبنوك)..”
([45]) راجع: الصدر، اقتصادنا: ص646
([46]) راجع: المصدر نفسه: ص668
([48]) راجع: المصدر نفسه: ص 649
([52]) راجع: الشيرازي، ناصر مكارم، الامثل في تفسير كتاب الله المنزل:ج2 ص338
([53]) راجع: المصدر نفسه:ج2 ص340
([54]) غير ان الخوانساري ذكر في بحث الشرط الذي لم يُذكر في العقد أن القصود والدواعي غير معتبرة في العقود ما لم ينشأ لفظ على طبقها، فمجرد وقوع العقد مبنياً على شرط مع عدم ذكره في متن العقد …..لا يؤثر في سقوط الخيار، وذلك لأن الشرط إلزام مستقلٌّ لا يرتبط بالعقد، فارتباطه به يتوقَّف على الالتزام به في العقد، ومجرَّد البناء عليه ليس التزاماً به . الخوانساري، منية الطالب في حاشية المكاسب، تقرير بحث النائيني :ج 3 – ص 48 – 50
([55]) قال: “إنَّ هذه المسألة إن كانت إجماعية فلا بحث، وإلا فللنظر فيها مجال، لانتفاء القصد أصلا ورأسا مع عدم الرضى ولا يتحقق العقد المشروط بالقصد إذا لم يتحقق الرضى، لأن الظاهر من كون العقود بالقصود اعتبار القصد المقارن لها دون المتأخر” الكركي، جامع المقاصد: ج4 ص62
([56]) البجنوردي، القواعد الفقهية:ج3 ص138
([57]) راجع: الكاساني، بدائع الصنائع:ج7 ص103
([58]) راجع: الكاظمي، حسن الصدر،، تكملة أمل الآمل: ص21، وقد ورد في تعريف الالتزام في القانون المدني العراقي:” أنه رابطة قانونية بين شخصين (كالدائن والمدين) يطالب بمقتضاها الدائن المدين بأن ينقل حقا عينيا أو ان يقوم بعمل أو يمتنع عن عمل ” راجع: أحمد سلمان شهيب السعداوي، وجواد كاظم جواد، الالتزام دراسة مقارنة في القوانين المدنية والفقه الاسلامي: ص10
([60]) وهو عين ما افاده المشهور في المسألة، راجع: رأي المشهور عند المحقق النائيني، منية الطالب: ج1 ص52، والمروِّج الجزائري (ت1245ه)، محمد علي جعفر، هدى الطالب وهو شرح لكتاب الشيخ الانصاري من اول البيع الى بحث بيع المكره: ج1 ص349.راجع:الانصاري، محمد علي، الموسوعة الفقهية الميسرة: ج2 ص481
([61]) سورة البقرة: 278-279 وهو قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله)
([62]) الشبيب، عبدالاله نعمة، مجلة الباحث /فقه أعمال المصارف: ص476
([63]) راجع، الطبري ابن جرير، أحكام البيان: ج1 ص470
([64]) راجع: الصدر، محمد باقر: البنك اللاربوي في الإسلام: ص21
([65]) راجع: المصدر السابق : ص25
([66]) راجع: الصدر، البنك اللاربوي في الاسلام: ص25
([67]) قال: “ولكن إذا تعهد غيره بتكفل خسارته وتداركها إذا وقعت، كان عليه لا على مالكه، وما نحن فيه من هذا القبيل، فان البنك يتعهد للمودع بتكفل خسارة وديعته في حال وقوعها وبدلها في حال تلفه من دون تقصير من العامل، فإذا تعهد البنك الوسيط لذلك فقد عززت ثقة المودع، بان وديعته مضمونة ولا ترد الخسارة عليه في حالة تلفها إسحاق الفياض، محمد أحكام البنوك.: ص 30
([68]) الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت): ج18 ص17
([70]) المصدر نفسه: ج 19 – ص 20
([71]) المصدر السابق: ج 19 – ص 21
([72]) راجع: المصدر السابق: ج 19 – ص 21- 22
([73]) الصدر، محمد باقر، البنك اللاربوي في الاسلام: 204
([74]) راجع: الجواهري، محمد حسن، جواهر الكلام: ج35 ص187
([75]) الحر العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت): ج 18 – ص 17
([76]) الأحزاب: 36، وراجع: الصدر، محمد باقر، صورة عن اقتصاد المجتمع الاسلامي: ص8
([77]) الصدر، محمد باقر، صورة عن اقتصاد المجتمع الاسلامي/ الاسلام يقود الحياة (2): ص9
([81]) راجع: الصدر، محمد باقر، صورة عن اقتصاد المجتمع الاسلامي: ص23
([85]) الصدر، محمد باقر، صورة عن اقتصاد المجتمع الاسلامي: ص23
([87]) مجمع الفائدة – المحقق الأردبيلي – ج 1 – ص 10
([88]) راجع: الصدر، اقتصادنا: ص 644
([90]) راجع: المصدر السابق: ص290-291
([91]) راجع: المصدر السابق: ص292
([92]) راجع: المصدر السابق: ص293
([93]) راجع: المصدر السابق: ص293
([94]) راجع: المصدر السابق: ص296
([95]) الصدر، محمد باقر، صورة عن اقتصاد المجتمع الاسلامي: ص37
المصادر
فهرست المصادر
القرآن الكريم
نهج البلاغة
- الأنصاري، محمد علي (معاصر) الموسوعة الفقهية الميسرة، الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1418، المطبعة: مؤسسة الهادي، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي.
- البجنوردي(الوفاة: 1395ه) القواعد الفقهية، تحقيق: مهدي المهريزي، ط: الأولى، سنة الطبع: 1419 – 1377 ش، مط: الهادي، نشر الهادي – قم.
- الجواهري، محمد حسن (ت 1266ه) جواهر الكلام، تحقيق: عباس القوچاني، ط 2، سنة الطبع: 1365 ش، مط: خورشيد، نشر: دار الكتب الإسلامية – طهران.
- الجوهري (ت 393 ه) الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، ط: الرابعة، سنة الطبع: 1407 – 1987 م، الناشر: دار العلم للملايين – بيروت – لبنان.
- الحر العاملي(ت 1104 هـ) وسائل الشيعة (آل البيت) تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط: الثانية / 1414 مط: مهر – قم.
- الحراني، ابن شعبة (ت ق4)، تحف العقول، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ط 2، سنة الطبع: 1404هـ، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم.
- الخليل الفراهيدي(ت175ه)، كتاب العين، التحقيق: مهدي المخزومي، إبراهيم السامرائي ط: الثانية، سنة الطبع: 1410، مط: الصدر، الناشر: مؤسسة دار الهجرة.
- الخوانساري(ت 1355ه) منية الطالب، تقرير بحث النائيني، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي بقم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1418هـ ق.
- دراز، محمد عبدالله(معاصر)، دستور الأخلاق في القرآن الكريم، ط3 -1400ه، مؤسسة الرسالة – دار البحوث العلمية،بيروت، شارع سوريا، الكويت.
- الزبيدي (ت 1205ه) تاج العروس، مط: علي شيري، نشر: دار الفكر بيروت.
- زين الدين، محمد أمين (ت 1419هـ) كلمة التقوى، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414 – 1993 م، الناشر: جواد الوداعي.
- السعداوي، أحمد سلمان شهيب(معاصر)، الالتزام دراسة مقارنة في القوانين المدنية والفقه الإسلامي، لبنان، بيروت، مكتبة زين الحقوقية ش م م ط2 2017م.
- الشبيب، عبدالاله نعمة(معاصر)، مجلة الباحث / فقه اعمال المصارف / العدد الرابع والعشرون 2017م-1438ه، مجلة فصلية تخصصية محكمة / كلية التربية للعلوم الاسلامية، جامعة كربلاء.
- الشهرستاني، علي (معاصر) وضوء النبي (ص)، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: جمادي الآخرة 1415، المطبعة: ستارة – قم، الناشر: المؤلف.
- الشهيد الثاني(ت 966ه) شرح اللمعة، الناشر: منشورات جامعة النجف الدينية.
- الشيرازي، ناصر مكارم، الامثل في تفسير كتاب الله المنزل.
- الصدر، محمد باقر (ت1402ه) البنك اللاربوي في الإسلام، طبع المطبعة المصرية – الكويت، الناشر: مكتبة جامع النقي العامة / الكويت.
- الصدر، محمد باقر، الفتاوى الواضحة/ تعليق كاظم الحسيني الحائري، مطبعة: شريعت، الطبعة: الثالثة،تاريخ الطبع: 1428 هـ.ق 2007 م، منشورات دار التفسير.
- الصدر، محمد باقر، صورة عن اقتصاد المجتمع الاسلامي، ط2، الناشر: دار التعارف للمطبوعات – شارع سوريا بناية درويش، سنة الطبع: 1979م 1399هـ.ق
- الصدر، محمد باقر، اقتصادنا، تحقيق: مكتب الإعلام الإسلامي – فرع خراسان، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1425 – 1382ش، المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر: مؤسسة بوستان كتاب قم.
- الطبري، إبن جرير(ت 310ه) جامع البيان، تحقيق: خليل الميس، سنة الطبع: 1415 – 1995 م، الناشر: دار الفكر للطباعة – بيروت – لبنان.
- الطريحي (ت 1085 ه) مجمع البحرين، تحقيق: أحمد الحسيني، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1408 – 1367 ش،الناشر: مكتب النشر الثقافة الإسلامية.
- العلامة الحلي(ت 726 ه) تذكرة الفقهاء (ط.ج)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، ط: الأولى، سنة الطبع: محرم 1414، مط: مهر / قم.
- العلامة الحلي(ت: 726 ه) مختلف الشيعة، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي الطبعة: الأولى، سنة الطبع: ربيع الثاني 1415.
- الفياض، محمد إسحاق (معاصر) أحكام البنوك، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: المطبعة: أمير – قم، الناشر: مكتب محمد إسحاق الفياض.
- الفياض، محمد إسحاق (معاصر) تعاليق مبسوطة، مط: أمير، الناشر: انتشارات محلاتي.
- الكاشاني، أبو بكر (ت: 587 ه) بدائع الصنائع، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1409 – 1989 م، الناشر: المكتبة الحبيبية – باكستان.
- الكاظمي، حسن الصدر (ت: 1354 ه)، تكملة أمل الآمل، تحقيق: أحمد الحسيني، سنة الطبع: 1406، مط: الخيام – قم، الناشر: مكتبة المرعشي- قم.
- الكليني(ت 329 ه) الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ط: الثالثة، سنة الطبع: 1367 ش، مط: الحيدري، الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران.
- المحقق الأردبيلي (ت 993 هـ) مجمع الفائدة، تحقيق: مجتبى العراقي، علي پناه الاشتهاردي، الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم.
- المحقق البحراني (ت1186هـ) الحدائق الناضرة، تحقيق وتعليق: محمد تقي الإيرواني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
- المحقق الكركي (ت 940 ه) جامع المقاصد، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت في قم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: ربيع الثاني 1411هـ ق، المطبعة: مهر.
- المحقق الكركي (ت 940 ه) رسائل الكركي، تحقيق: محمد الحسون، ط1 -1409 م، مط: الخيام – قم، الناشر: مكتبة المرعشي النجفي – قم.
- https://www.google.com/search/ (₿)بيتكوين بالإنجليزية(Bitcoin)
- https://ar.weblogographic.com
- https://ar.gadget-info.com
- https://www.google.com
