تحديات الثقافة الاسلامية في ظل الاستشراق الجديد
العنوان: تحديات الثقافة الاسلامية في ظل الاستشراق الجديد
الكاتب/الكتّاب:
عبد الخالق كاظم ابراهيم -
-
-
-
الملخّص
ان بناء المجتمع السليم يتطلب بناء الانسان بناء ثقافيا واعيا باعتباره قيمة كبرى، وخليفة الله في الأرض لا سيما في خضم الصراع الثقافي الذي يعيشه العالم المعاصر والذي اشتدت وطأته بشكل خطير في العقود الأخيرة، حتى بات يهدد امن الدول ومرتكزاتها الثقافية ويهشمها بمعول العولمة والغزو الثقافي وادواته الناعمة التي انتشرت بأساليب ووسائل متعددة عبر الاستشراق الجديد وأدوات الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
وتعد المنطلقات الثقافية الاسلامية اهم الركائز التي تشكل منظومة الوعي الفكري لدى الفرد المسلم والتي بات تهديدها واضحا عبر مختلف الوسائل والأساليب ابرزها تهمة الإرهاب وما يترتب عليها من مشروعية استعمال القوة؛ ولذا فان البناء الثقافي والخصوصية الثقافية واصالتها يتطلب الوقوف بوجه الاعصار الغربي الذي اكتسح العالم؛ لغرض حماية الامن الفكري والثقافي للمجتمع، وبناء الوعي الحقيقي المنطلق من الفهم الإسلامي الصحيح الذي من دونه سندخل في منزلقات اشد خطورة من المنزلقات الحالية، لذلك فان الموقف يتطلب منهجية واضحة تنطلق من موقع الثقة بالذات وليس من موقع ردة الفعل. ولا شك ان الفكر الواعي الذي ظهر في مواجهة التحديات الكبرى في الفلسفة والاقتصاد والاجتماع عند علماء الامة الإسلامية كالشهيد الصدر وغيره من الفلاسفة والمفكرين يعد انموذجا فعالا ومنطلقا مهما في مواجهة تلك التحديات باعتباره منهجا له اسسه واصوله النابعة من المنهج الإلهي القويم.
تنطلق إشكالية الدراسة في محاولة معرفة واقعنا الثقافي في أجواء الصراع الثقافي الذي يشهده العالم المعاصر، وتشخيص التحديات التي تواجه المسار الإسلامي الأصيل ومنظومتنا الثقافية في ضوء الاستشراق الجديد؛ لذلك انطلقنا من المنهج الوصفي التحليلي الذي يسعى الى تفكيك الركائز والبنى التي توجه تلك المسارات في ظل الزخم الثقافي الهائل الذي يحاول فرض هيمنته وارادته، بما يجعل تلك المسارات واضحة في ضوء اصولها ومرجعياتها الثقافية.
الكلمات المفتاحية: الثقافة الإسلامية,الصراع الثقافي,الغزو الثقافي,الاستشراق الجديد
Abstract:
Keywords:
البحث الكامل
مقدمة
الاستشراق بمفهومه العام هو السعي لمعرفة الشرق، ودراسة الإسلام من قبل غير المسلمين بشكل خاص؛ بهدف استكشاف الثقافة الإسلامية. وقد اختلفت آراء الباحثين حول بداية الاستشراق الذي تعود جذوره الى عدة قرون، وكانت بدايته دينية لا سيما بعد الحروب الصليبية بهدف تحويل المسلمين بشكل سلمي الى النصرانية، فبدأت الدراسات حول الإسلام واللغة العربية، وكما يقول يوهان فوك ((الاستشراق في بداية امره لم يكن سوى أداة من أدوات التنصير)) ([i]). ويمثل الاستشراق حركة مستمرة في سعيه الى احكام قبضته وهيمنته على الشرق بشكل عام، والشرق الإسلامي بشكل خاص عبر دراسة لغاته وتاريخه وعقائده، ومحاولة إعادة توجيهه والتحكم به، حتى وصل الحال الى محاولة طمس الهوية والفكر الإسلامي وتجريد المسلمين من ثقافتهم وحضارتهم، اذ يدعي ارنست رينان بان الفلسفة الإسلامية هي فلسفة يونانية ناطقة باللغة العربية، وهذا المفهوم مترابط من خلال محورين يتمثل الأول بالجانب المعرفي، والثاني بعامل الهيمنة والسيطرة. اذ يتم اعتماد المعرفة لغرض بسط الهيمنة والنفوذ. وقد اتخذت تلك الهيمنة صورا مختلفة عبر مراحله التاريخية ((فاتخذت صورة التبشير الديني تارة، وصورة التمثيل التصويري (تصوير الشرق) تارة أخرى، وصورة الاستعمار المباشر تارة ثالثة)) ([ii]).
يرتكز الاستشراق التقليدي على المعرفة المعمقة باللغات كالعربية والتركية والفارسية وغيرها، الا انه بدخول الاستشراق الجديد وتراجع الاستشراق القديم دخل مرحلة أخرى طرحت مفاهيما جديدة لا سيما في العلوم الاجتماعية والإنسانية، ويرتبط الاستشراق القديم بالاستشراق الجديد من خلال عامل الهيمنة والاستعلاء والتمركز الغربي رغم الاختلاف في الأساليب والطرق بينهما، الا ان العامل الاقتصادي له أهميته الفائقة من خلال الوعود ((بالتحديث للقوى السياسية المسيطرة على بلدان العالم الثالث المنتجة لمصادر الطاقة، والمحافظة على ديمومة الشعور بالأزمة وظلامية المستقبل)) ([iii]). الامر الذي يجعل تلك الدول تلجأ الى الغرب والعمل وفق مصالحه وأهدافه.
وقد اتجه الاستشراق الجديد الى العمل على جعل الشرق على حالة وفاق مع ثقافة الغرب من خلال فرض الانموذج الغربي في كل شيء عبر مفهوم العولمة ([iv]) والتي يمكن ان تعد وجها للاستشراق المعاصر عبر فرض انموذجه الغربي، وتجلياتها واضحة في الجوانب السياسية والاقتصادية والنفسية التي انعكست على المجتمعات العربية والإسلامية عبر امتدادها التاريخي؛ كونها نجحت في تقسيم العرب من خلال الاتجاه المؤيد للنموذج الغربي والامريكي، والاتجاه المعارض والفاشل الذي استسلم لفشله ولا يعرف ماذا يفعل، بالإضافة الى تجريد العرب من خيراتهم وفي مقدمتها النفط، ورسخت حالة الفقر والصراع من اجل المعيش([v])، ولذلك فان مرامي الاستشراق التقليدي قد تحققت في ظل نظام العولمة الجديد ([vi]).
يمكن القول ان الاستشراق يمثل مهادا للاستعمار الغربي، بما قدم له من دراسات عن الشرق وآدابه وفنونه وعاداته وثقافته، وما اهداه من صور حفزته على غزوه، وسهلت له الطريق للاستيلاء عليه، فهو ابن الاستشراق الغربي وثمرة من ثمراته، وهو الوجه الخفي للاستعمار والوجه السياسي والعسكري له ([vii]). ويمثل الجانب التنظيري للهيمنة ومحاولة تسويغها والتأكيد على تفوق الانسان الأوربي من القضايا التي دعا اليها هيجل بهدف تجاوز المشاكل الداخلية لا سيما الاقتصادية من اجل ضمان التوازن الداخلي، وكذلك كارل ماركس الذي يرى ان الاستعمار يعبر عن حتمية سير الحضارة وتقدمها؛ باعتباره حلا لتناقضات المجتمع الغربي الرأسمالي، وحلا لتخلف المجتمعات المستعمرة ([viii]).
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ووصولا الى تسعينات القرن العشرين، فقد غيرت الدوائر الاستشراقية المعاصرة في الغرب وخاصة في اميركا مجال اهتماماتها السابقة، بعد ان تحول عملهم وتركز على جعل الإسلام في مواجهة الغرب بديلا عن الاتحاد السوفيتي السابق، وتحول الى دراسة المجتمعات العربية والإسلامية من خلال التركيز على الواقع السياسي والديني والاقتصادي والاجتماعي، الامر الذي يجعلها مختلفة في ذلك عن مجال الاهتمام للاستشراق التقليدي الذي عني بمجالات القرآن والاحاديث والفقه والسيرة النبوية والفرق الإسلامية ([ix]). ويهدف الاستشراق الى إعادة خلق الشرق وفق تصوراته من خلال التعرف على ثقافته، وتقف وراء الاستشراق مجموعة من الأهداف التي ساهمت في ظهوره ومنها الديني والعلمي والاقتصادي والتجاري والسياسي وغيرها، وهدفها تكوين صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين في الذهنية الغربية لوقف المد الإسلامي ثقافيا بغية تقويض دعواه فكريا.
ويربط ادوارد سعيد بين الثقافة والامبريالية من خلال حاجة الغرب العقائدية أيضا؛ لغرض السيطرة على العالم الإسلامي والعربي وتسويغها في إطار معطيات ثقافية منذ القرن التاسع عشر وقبله ([x]). لذلك فان الاستشراق يعبر عن ثقافة الهيمنة الراسخة في الوعي الغربي والتفوق الحضاري للغرب على الشرق والتي عصفت عالمنا الإسلامي من خلال الهجمة الثقافية التي املتها ظروف العولمة وموجة الحداثة، الامر الذي يحتم الوعي الثقافي وتعزيز المناعة ضد الذوبان في الآخر وفقدان الهوية الإسلامية.
يعتبر الاستشراق الجديد استمرارا للاستشراق القديم لدراسة كل ما يتعلق بالشرق بأدوات ومفاهيم مختلفة عن السابق؛ بهدف السيطرة على تلك الشعوب واخضاعها، ونظرا لارتباط مفهوم الاستشراق بعامل المعرفة والثقافة لتحقيق الهيمنة فان الاستشراق الأمريكي هو المتفوق في هذا المجال؛ لما يمتلكه من هيمنة على العالم ولا سيما العالم العربي والإسلامي. وكان دوره فاعلا في صنع الرأي العام المؤيد لغزو العراق وأفغانستان، لا سيما دور المراكز البحثية ووسائل الاعلام والجامعات عبر صياغة الوعي الجماهيري ومواقفه، وتكريس صورا نمطية جديدة اشد تأثيرا من الصور النمطية التي صاغها الاستشراق القديم.
في ضوء تلك المفاهيم فان محاور الدراسة سوف تتناول ثلاثة قضايا أساسية ترتبط بمفهوم الاستشراق، ويتمثل المحور الأول بمفهوم الثقافة واشكاليته على الصعيد العالمي؛ كونه يرتبط بشكل مباشر بعامل المعرفة الذي تغلغل من خلاله الاستشراق الى قيمنا الثقافية بهدف صياغة نسق ثقافي جديد يتلائم مع الرؤية الغربية والاميريكية، اما المحور الثاني فيرتبط بالتحديات الاستشراقية التي تواجه الثقافة الإسلامية، لا سيما في اتخاذه من المسميات البراقة والخادعة بهدف غزو الثقافة الاسلامية، في حين يرتبط المحور الثالث بإطلالة على الدور الذي تلعبه مراكز الأبحاث في ذلك؛ كونها تمثل مستودعات الأفكار التي توجه السياسة الغربية وفق تصوراتها، والتي ينبغي تحصين امننا الثقافي الإسلامي لمواجهة تحدياتها الخطيرة؛ كونها التي تسعى لفرض هيمنتها على العالم الإسلامي عبر الأساليب الثقافية وادواتها الناعمة.
مفهوم الثقافة واشكاليتها في الدراسات العربية والغربية
عرفت كلمة الثقافة في اللغة العَرَبِيّة في عصر ما قبل الإسلام وما بعد ظهوره، وجاء معناها اللغوي مرتبطاً بقضايا الحرب والقتال، وتأتي بمعنى ((الحذق في إدراك الشيء وفعله، ومنه استعيرت المثاقفة. ويقال: ثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر)) ([xi])، وايضا تأتي بمعنى ((إقامة درء الشيء. ويقال: ثقفت القناة إذا أقمت عوجها)) ([xii])، والملاحظ أن معانيها اللغوية تلتقي للدلالة على مجموعة من الصفات مثل الحذق والمهارة والفطنة والتهذيب والتشذيب والتسوية والتقويم والإصلاح … وبالرغم من أصالتها عربياً إلا أنها بقيت مجرد كلمة لغوية، لم تتجاوز نطاق دائرة الكلمة الضيق والمحدود، ولم تتحول من كلمة تعرف في اللغة بكلمات معدودة، إلى مفهوم يتجاوز حدود اللغة الضيق إلى عالم الاجتماع وقوانينه؛ ولهذا فقد اكتفت الكتابات العربية بالحديث عن المعاني والدلالات اللغوية للثَّقافة، أما الدلالات الاصطلاحية والمفهومية فيرجع فيها إلى الكتابات والدراسات الغربية، ويرجع السبب في ذلك إلى عدم تبلور العلوم الاجتماعية ونشأتها في إطار الثَّقافة الإسلامية، الامر الذي أعاق تحول الثَّقافة من طور الكلمة، إلى طور المفهوم في فضاء الثَّقافة الإسلامية ([xiii]).
وتعتبر دراسة مالك بن نبي في كتابه (مشكلة الثَّقافة) من أبرز الدراسات العربيّة الحديثة في هذا المجال، اذ حاول مناقشة فكرة وإشكالية الثَّقافة من منظور عربي، من غير أن يغفل الجهد الغربي في هذا المجال، وخلص إلى تعريف الثَّقافة بانها ((مجموعة من الصفات الخلقية، والقيم الاجتماعية، التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه)) ([xiv]). وهناك محاولات أخرى كثيرة سعت الى تقديم رؤيتها لمفهوم الثَّقافة ولكن في اطار الرؤية الغربية، الا انها لا تخلو من بعض المحاولات لوضع رؤية عربية وإسلامية لمفهوم الثَّقافة، أو بناء نظرية جديدة في الثَّقافة تعتمد التراث العربيّ كما في محاولة محمد عابد الجابري في كتابه (المسألة الثَّقافية في الوطن العربي 1994)، وكذلك كتاب (المسألة الثَّقافية في العالم العربي والإسلامي 1998)، الذي صدر بالاشتراك بين رضوان السيد واحمد برقاوي، وكتاب (المسألة الثَّقافية من اجل بناء نظرية جديدة في الثَّقافة 2005)، لمؤلفه زكي الميلاد وغيرها من المؤلفات في هذا المجال.
ويعد مصطلح الثَّقافة من المصطلحات التي لم تكتسب مدلولاً واضحاً في اللغة العَرَبِيّة، ويعتبر مفهوماً إشكالياً وينتابه الغموض، الأمر الذي يؤدي إلى الافتراق الثَّقافي المؤدي بدوره إلى وهم الاختلاف فيما لا اختلاف فيه ([xv]). وهذا الأمر يبرز بوضوح عبر التعاريف الكثيرة لهذا المفهوم على مستوى الساحة الفكرية العربيّة والفكر الإنساني عموماً، والملاحظ أن معاني كلمة الثَّقافة في ازدياد مستمر، إذ يذكر بعض الباحثين إن عددها يصل إلى أكثر من 300 تعريف ([xvi]). ومن هنا يظهر بوضوح مدى التطور الكبير الذي مرت به كلمة الثَّقافة من مفهومها المعجمي إلى معانيها المتداولة حالياً، التي تطورت في البيئة الفكرية الغربية، ومن ثم انتقلت إلى الساحة الثَّقافية والفكرية العربيّة، وأكدت هيمنتها من خلال إزاحتها المعاني القديمة، وإحلال المعاني الحالية بدلا عن المعاني السابقة.
وتعد الثَّقافة من المفاهيم الشائكة في الدِّراسات الغربية، ومن اعقد ما واجهته تلك الدِّراسات، وهي أحد أصعب مفردتين أو ثلاث في اللغة الانجليزية ([xvii]). اما معناها فنجده ((يحيل إلى ثلاثة عناصر بارزة هي: المقدس، وإعمار الأرض، والحرث والزراعة. ولكن المعنى الذي كتب له البقاء والاستمرار طويلاً، هو ذلك الذي يحيل إلى عملية إعداد الأرض وزراعتها من اجل الإنتاج والجني لمحاصيل من نباتات وحبوب وثمار وغيرها، يستفيد منها الإنسان في حياته)) ([xviii]). ويعرفها تايلور على أنها ((ذلك الكل المتكامل الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات، والفنون، والأخلاقيات، والقوانين، والأعراف، والقدرات الأخرى، وعادات الإنسان المكتسبة؛ بوصفه عضواً في المجتمع)) ([xix]). والملاحظ أن مسار الكلمة يكتسب باستمرار معاني متنوعة ومتعددة، وقد احتل مفهومها في الدِّراسات الغربية مكانة بارزة واهتماماً خاصاً، وكانت الانطلاقة منذ سنة 1869 عندما كتب ماثيو آرنولد كتابه (الثَّقافة والفوضى)، ثم تتالت بعد ذلك الكثير من الدِّراسات ومنها: كتاب ادوارد تايلور (الثَّقافة البدائية 1871)، وكتاب توماس اليوت (ملاحظات نحو تعريف الثَّقافة 1948)، وكتاب رايموند وليامز (الثَّقافة والمجتمع 1956)، وكتاب لويس دوللو (الثَّقافة الفردية والثَّقافة الجماهيرية 1978)، وكذلك كتاب (نظرية الثَّقافة 1990) لمجموعة من الكتاب الأمريكيين، وكتاب تيري ايجلتون (فكرة الثَّقافة 2000)، وغيرها من المؤلفات الأخرى في هذا المجال.
وقد توصل المشاركون في الندوة التي عقدتها منظمة الأمم المتحدة للثَّقافة والعلوم والتربية عام 1970 إلى إعطاء كلمة الثَّقافة ((معنىً واسعاً جداً يجعلها تشمل كل وجوه نشاط الإنسان)) ([xx]). وكذلك المؤتمر العالمي للسياسات الثَّقافية سنة 1982 الذي اكتسب من خلاله مفهوم الثَّقافة تصوراً جديداً ينطلق من المعنى الواسع للمفهوم باعتباره ((مجموع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية المتميزة، التي يختص بها مجتمع بشري معين أو فئة اجتماعية بعينها. وهي مركب يشمل الآداب والفنون وأنماط العيش والحياة، كما يشمل الحقوق الأساسية للإنسان، ومنظومات القيم والتقاليد والمعتقدات… وتشكل كل ثقافة بشرية منظومة من القيم فريدة من نوعها وغير قابلة للاستبدال. وبواسطة هذه القيم، وكذلك بواسطة أشكال التعبير المتنوع والمختلفة، يتمكن كل شعب من الشعوب البشرية من تأكيد حضوره ومشاركته في العالم)) ([xxi]). وصولا الى الحدث الأهم وهو الإعلان العالمي للتنوع الثَّقافي سنة 2001، اذ يعد تطورا ملحوظا في الخطاب المعاصر عن الثَّقافة والديمقراطية، كونه يؤسس لفكر أخلاقي جديد، وأن أهميته قد تعادل تلك التي حظي بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ([xxii]).
ويمكن ارجاع عوامل الإبهام والغموض في مفهوم الثقافة وصعوبة الاتفاق على تعريف محدد له الى عوامل متعددة أهمها: صعوبة التوغل والنفاذ إلى عمق المصطلح لمعرفة المقومات والمكونات والخصائص التي يتركب منها أو اللازمة له. والعامل الآخر هو اختلاف استعمال المصطلح، إذ يستعمله كل كاتب وفق رؤيته الخاصة، وبالدلالة الخاصة لذلك المصطلح ([xxiii]). وبالرغم من كثرة تعريفات الثَّقافة وتشعبها؛ كونها تمثل منتج الذكاء البشري الفردي([xxiv])، فإن هناك اتجاهين في تلك التعريفات، الأول: يرى أنها تتكون من القيم والمعتقدات والمعايير والرموز والإيديولوجيات وغيرها من المنتجات العقلية، والثاني: يربط الثَّقافة بنمط الحياة الكلي لمجتمع ما، والعلاقات الشخصية بين أفراده، وتوجهات هؤلاء الإفراد في حياتهم، ومن هذين الاتجاهين يمكن تمثل ثلاثة مفاهيم للثَّقافة تشمل: (التحيزات الثَّقافية بما تحمله من قيم ومعتقدات مشتركة بين الناس، والعلاقات الاجتماعية بما تمثله من علاقات شخصية تربط أبناء المجتمع، ونمط الحياة الذي يمثل الناتج الكلي المركب من الانحيازات الثَّقافية والعلاقات الاجتماعية). ومن هذا المنطلق يمكن القول إنه ما كان بالإمكان التعرف على فكرة المجتمع من دون فكرة الثَّقافة، فالثَّقافة لا توجد إلا بوجود المجتمع، والمجتمع لا يقوم ويبقى إلا بالثَّقافة ([xxv]).
وللثَّقافة مجموعة من الاجزاء تشمل: الحياة المادية، والدين، واللغة، والقيم، والتربية والتعليم، والعلاقات الاجتماعية، وغيرها. أما أهم سماتها وخصائصها فتتمثل بطابعها الذاتي أو الاكتسابي، باعتبارها حصيلة مجموعة من العادات والنزعات تكتسب حسب ردود الأفعال منها، اي أنها حصيلة ما يمتلكه الإنسان من قدرات وفي تعامله مع البيئة، ويمكنها أن تتطور وتنمو في ظل التعليم والانتقال والتقييم والتنمية. وتتميز بكونها مقولة فردية واجتماعية، فكونها فردية يعتمد على درجة إيمان الفرد بالقيم والمعتقدات العامة للمجتمع، أما عن كونها اجتماعية باعتبار أن الافراد يشتركون في جملة من العادات الثَّقافية ([xxvi]). وترتبط الثَّقافة بعلاقة وثيقة مع المجتمع حتى اعتبرت بأنها علوم الثَّقافة، أو أنها تمثل مجالاتها، وأصبح مفهومها لدى الانثربولوجيين وعلماء الاجتماع ينظر إليه بوصفه حجر أساس للعلوم الاجتماعية ([xxvii])، لذلك يتداخل مفهوم الثَّقافة مع مجالات وفروع معرفية مختلفة، الامر الذي أدى الى اختلاف المعاني وتعددها؛ مما جعل مجاله الدلالي يتسع باستمرار ويتداخل كثيراً مع مجالات أخرى. وقد طرأت تغيرات مهمة على الخطاب العام للثَّقافة، وأصبح مفهومها يرتبط بقيم جديدة مثل: الديمقراطية وحقوق الإنسان ([xxviii]).
وعند مراجعة الثقافة الغربية يظهر بوضوح ان الغرب حرف مفهوم الثقافة – في بعض القضايا – بما تمليه السياسة وبما يحقق مصالحه فاخذ يستعمر البلدان ويحتلها بإضفاء طابع ثقافي يحاول فيه خداع الاخرين والتحكم بمقدراتهم، والتعامل بازدواجية في القضايا العالمية. وعندما يتم التحذير من خطر الثقافة الغربية فإن التحذير ليس من الثقافة الغربية بما تحمله من نظام وتطور ومن جوانب علمية إيجابية أخرى، وانما من الانحرافات التي تلبست بلبوس الثقافة، ويحاول الاخر تصديرها الينا واقناعنا بها على انها ثقافة ينبغي الاحتذاء بها. وهذا الانحراف في المعنى لم يحصل اعتباطا وانما جاء من التلقي العشوائي للمخرجات الثقافية الغربية، الامر الذي يتطلب وقفة تأمل طويلة لإعادة قراءة ثقافتنا قراءة واعية وناقدة ومدركة لتخليصها من الشوائب والادران التي لحقت بها، لا ان نطلق المسميات جزافا، ونضع تلك الاعمال والصفات في خانتها الحقيقية لا في خانة الثقافة تلك الكلمة التي ينبغي ان تحافظ على رونقها ونصاعتها وان تقرن بالمبادئ والقيم والمنجزات…
ان مسألة الحديث عن الثقافة هو حديث عن مهمة معقدة ومتداخلة وشاقة؛ كونها من اهم المفاهيم المعاصرة وأكثرها ابهاما وتعقيدا واثارة للجدل بين المفكرين على مستوى الفكر الإنساني عموماً، مما جعلها تكتسب أهمية كبيرة في الدراسات الحديثة في العديد من مجالات العلوم الإنسانية وغيرها، فتتداخل المفاهيم ويصعب على الباحث الإمساك بقضية سيالة مثل الثقافة، لذلك تعددت النظريات والآراء التي حاولت مقاربة مفهوم الثَّقافة؛ لكونه ((من أكثر مجالات المعرفة البشرية إثارة للجدل، وقلما يمكن ملاحظة تطابق في آراء المفكرين وأصحاب الاختصاص بشأن القضايا ذات الصلة بالثَّقافة))([xxix]) وتكون اكثر تعقيدا عندما نتحدث عن مسارات ثقافتنا الإسلامية، وتزداد الصعوبة اكثر عندما تقف تلك الثقافة في مواجهة التحديات الكبرى في عالمنا المعاصر في ظل الصراع الثقافي الذي يحكم مستقبل العالم بأسره، بناء على أطروحة صموئيل هانتغتون التي رأى فيها أن ((الانقسامات العميقة بين أبناء الجنس البشري والمصدر المهيمن على الصراع ستكون ذات طابع ثقافي))([xxx]). فالصراع على الإسلام مع الغرب هو صراع سياسي وثقافي بامتياز من خلال سعيه الحثيث لاحتلال الثقافة والوعي الإسلامي، وذلك من خلال السعي لإيجاد المشروعية الثقافية للتدخل واستمرار الهيمنة على العالم الإسلامي عبر ما يسمى بحروب الأجيال الجديدة، لا سيما الحروب الثقافية والناعمة التي تعد أخطر الحروب وأشدها مكرا، وتلك الحروب ليس هدفها الإسلام كمعتقدات وعبادات ومشاعر، وانما هدفها المحوري يدور حول الإسلام كمصدر للدينامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الثقافة الإسلامية وتحديات الاستشراق الجديد
تهدف الثقافة الإسلامية بمصادرها الرئيسة المتمثلة بالكتاب والسنة النبوية الى بيان العقيدة الإسلامية وتصوراتها الصحيحة القادرة على مواجهة الأفكار المعاصرة وتحدياتها الهدامة بوعي وثبات وايمان، وترمي الى إيجاد الهوية الإسلامية الجامعة والموحدة، وتكوين الامة القوية والقادرة على مواجهة التحديات انطلاقا من المعقل الصلب للهوية، وهو الدين الإسلامي الذي يمثل الهوية الثابتة والعميقة للمجتمع المسلم.
ويبدو بشكل جلي أهمية الجانب المعرفي في الاستشراقين القديم والجديد، الا ان المسألة تبدو بشكل أوضح في الاستشراق الجديد واعتماده على مراكز الأبحاث ودور الفكر الغربية والأمريكية في تقديم التصور النمطي عن ثقافة الإسلام والمسلمين، الامر الذي يجعل مفهوم الثقافة مفهوما محوريا ومركزيا في علاقة الاستشراق بمسارات الثقافة الإسلامية والتحديات التي تواجه تلك الثقافة والمجتمعات الإسلامية؛ ولذلك أصبحت إشكالية الثَّقافة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقضايا جديدة منها: العولمة، والمثاقفة، والهوية، والسياسات الثَّقافية، والصراع والحوار بين الثَّقافات، وحقوق الإنسان وغيرها من القضايا التي تمثل محورا مهما في دراسات مراكز الأبحاث الاستشراقية.
ولا شك ان تلك الهجمة الغربية التي تستهدف تشويه صورة الإسلام تنطلق من معرفة المركزية التي يحتلها الدين في تشكيل ثقافة الفرد والمجتمع، وهي نظرة ممتدة في الفلسفة الغربية في معرفة محورية الدين، اذ يرى اميل دوركهايم ((ان جميع العلوم والفنون والفلسفة والرؤى الكونية وليدة الدين)) ([xxxi]). وعملية التشويه تنتج خللا في انتماء الفرد الى هويته الإسلامية والتي تشكل منظومة الهوية الثقافية باعتبارها ((البوصلة التي تحدد مسار حركة أي مجتمع، وبالتالي هي التي تتحكم بالمكانة التي يشغلها ذلك المجتمع في حركة التاريخ)) ([xxxii]).
وقد سعى الاستشراق الحديث الى الغزو الثقافي والحرب الناعمة التي استهدفت المعقل الذي يوحد المسلمين، فبعد ان شهدت السبعينيات من القرن العشرين صعود الأيديولوجيات والحركات الإسلامية وفشل الباحثون الاستشراقيون الذين يتبنون نظرية التحديث بوصفها أنموذجا لتفسير الظاهرة الإسلامية التي لم يستطيعوا ان يتنبئوا فيها مسألة تنامي الصحوة الإسلامية، وكذلك الامر ينطبق على نقاد نظرية التحديث المتأثرون بالماركسية، فأصبحت إشكالية صعود الحركة الإسلامية قضية مركزية في دراسات (الشرق الأوسط) في الربع الأخير من القرن العشرين وحتى الآن على اعتباره ذات فاعلة للتاريخ ومحط اهتمام في العلوم الإنسانية والاجتماعية ([xxxiii]).
وفي مقدمة التحديات التي تواجه الثقافة الإسلامية هو العمل الممنهج للاستشراق الجديد من خلال تقديمه الإسلام في صورة ترهيبية باعتباره مصدر الإرهاب والعنف، وبالتالي تنعكس على صورة المسلم لدى الانسان الغربي والامريكي، وفي ضوء ذلك ابتكر الغرب مصطلح الاسلاموفوبيا لغرض غرس الكراهية والعداء وعدم إمكانية اللقاء والتحاور والتعايش، ويرجع ذلك لديهم الى ان المشكلة تعود للإسلام، حتى أنتج ذلك لدى تلك المجتمعات نسقا ثقافيا يتمثل بكون الإسلام يمثل تهديدا للحضارة الغربية ([xxxiv]).
ان الإساءة للإسلام كعقيدة وللمسلمين كأمة ليست من مستحدثات الخطاب الإعلامي الغربي وانما يعود تاريخها الى بدايات الاستشراق بعد الحروب الصليبية فمثلا ارنست رينان عمل بشكل دؤوب على التأكيد بان الإسلام دين يتناقض مع العلم وانه السبب في انحطاط المسلمين ([xxxv]). ويرى مالك بن نبي ان النظام الدفاعي الذاتي في الثقافة الإسلامية تمكن من مقاومة الاستشراق من خلال عدم المساس بمجموع افكارنا؛ لأنه كان يشتغل تلقائيا تجاههم من دون ان ينكر تأثيره الجزئي على الفكر الإسلامي، وفي المقابل وعلى الرغم من عدم وجود اية مقاومة تجاه هذا التأثير، فان ذلك أنتج ان تكون الثقافة الغربية الإطار المرجعي لفهم الشخصية العربية والإسلامية ([xxxvi]).
لذلك فان العالم الإسلامي يواجه هجمة ثقافية منظمة منذ انطلاقة الاستشراق التقليدي ووصولا الى الاستشراق الحديث او المتجدد الذي اخذ ابعادا ومديات اكثر شمولية ودقة من السابق، ومنذ انطلاقة الاستشراق للقيام بقراءة الحضارة الإسلامية ونقل صورتها بشكل مشوه الى المجتمع الغربي حتى وصلت الى العمل على نقل تلك الصورة في ضوء الرؤية الغربية ومحاولة تقديم الإسلام وفق منظورهم الثقافي، وكانت الانطلاقة للاستشراق في احد اهم جوانبها لأجل وقف المد الإسلامي الى اوربا عبر تشويه صورة الإسلام والمسلمين لدى المجتمعات الغربية، ومن جانب آخر لأجل القضاء على الإسلام الذي يمثل تهديدا للمركزية الاوربية والأمريكية، وقد كانت المدنية الاوربية بالضد تماما من الدين؛ لذلك نجدها ((تحاول اسقاط هذه التجربة على العالم الإسلامي، معتبرة الالتزام بالإسلام حائلا دون تعميم نموذجها الذي يضمن مرجعيته في كل شؤون الدول التابعة للمنظومة الغربية))([xxxvii]).
لذا فان العالم الإسلامي يمر بمرحلة خطيرة، اذ تتلقى النهضة الإسلامية افكارها واتجاهاتها عن الثقافة الغربية سواء ما يتصل منها بالفكر او بالجانب الروحي، ووصل الامر الى تلقي تلك الثقافة بما يتصل بالمعتقدات الدينية والفكر الديني من خلال التأثر بالكتابات الغربية ([xxxviii]). فقد تسربت الى الوعي الإسلامي فرضيات ومناهج ونظريات المستشرقين في جميع مجالاتنا وانشطتنا الفكرية والثقافية. فمنذ نهاية الاستعمار العسكري والاحتلال المباشر للبلاد العربية والإسلامية دخلت تلك البلدان مرحلة جديدة اشد خطورة من التي سبقتها وتتمثل هذه المرة بالغزو الثقافي والفكري والتي انطلقت بداياتها من خلال الدعوة الى مسايرة الحياة الاجتماعية الغربية بكل ما فيها من مظاهر التحلل الخلقي والبعد عن القيم الشريفة والإنسانية، وقد تمت تلك العملية عبر تزيينها للناس بشتى صنوف الدعاية، وهو من اخطر أنواع الغزو الذي تعرضت له المجتمعات الإسلامية، الامر الذي أدى الى تغلغل مبادئ هذه الحياة الدخيلة في كثير من الأفكار الإسلامية وطغيانها على قيمها الأصيلة التي تتناقض مع القيم المادية التي رسختها الحضارة الغربية الحديثة.
ولا شك ان من أبرز العوامل الأخرى التي جعلت من الإسلام والعالم الإسلامي هدفا للاستشراق الجديد بالإضافة الى انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، وجود عوامل أخرى يرتبط بعضها بالتاريخ وفترة الصراعات الدينية القديمة بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك عوامل الجغرافيا والاقتصاد، وموقع العالم الإسلامي وما فيه من خيرات هائلة، فضلا عن الصورة النمطية التي كونها الاستشراق التقليدي عن الإسلام وعدم قابليته للحوار والتعايش مع غيره وان في حال تمكنه سيقضي على الحضارة الغربية ([xxxix]). وقد استعمل الاستشراق الأمريكي مجموعة من الشعارات الخادعة لتمرير أهدافها في الهيمنة منها شعارات الكرامة الإنسانية والمساواة والحقائق الأخلاقية والحرية وحقوق الانسان وجعلت من سياساتها الحامي لتلك القيم البراقة الامر الذي اباح لها خوض ما أطلقت عليه الحروب العادلة التي تتيح لها إبادة شعوب بأكملها وتنهب خيراتها.
وقد أدى الاستشراق الى وجود مسارين في العالم الإسلامي يتمثل الأول بالمسار الإسلامي الأصيل الذي تشكله منظومة الإسلام بما تعتمده من المرتكزات والاسس التي تنطلق من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتراث الإسلامي الصحيح، اما المسار الثاني فهو المسار الدخيل الذي يمثل وجها خطرا من وجوه الاستشراق، وهو يمثل واقعا تواجهه امتنا الإسلامية وتحديا في الوقت نفسه يتطلب الوعي والبصيرة الثقافية لمواجهته من خلال التمسك بالمسار الأول الذي يعكس وجهة النظر الإسلامية ويرتبط بالنسق الثقافي العربي والإسلامي، بخلاف المفهوم الآخر المرتبط بالنسق الثقافي الغربي.
وتواجه ثقافتنا الإسلامية تحديات كبرى بمختلف مسمياتها وادوارها التي أنهكت الامة الإسلامية دون ان تنتشلها من واقعها المزري سواء كانت العلمانية او القومية او الاشتراكية. ولا شك ان الاستشراق الجديد يمثل تحديا كبيرا كونه يسعى الى ارغام ثقافتنا الإسلامية الى تبني مفاهيم الثقافة الغربية. لذا فإن اشتداد غلواء العولمة الثقافية والفكرية والتي شهدت منعطفا حادا في أعقاب أحداث 11من سبتمبر2001 يوجب على النخب الإسلامية بذل المزيد من الجهود في سبيل مواكبة الموقف الغربي والامريكي من واقع المجتمعات والحركات الإسلامية، والذي شهد نموا مذهلا في الكتابة عن الإسلام باللغات الغربية وازدادت المقاربات السلبية للعرب والإسلام مع تزايد الطرح الاستشراقي الذي رافقته ثلاثة أمور هي:
- اعتماد السياسيين والخبراء الاستراتيجيين لنتائج الاستشراق الجديد ومقارباته.
- شيوع الاطروحات الاستشراقية المتطرفة في وسائل الاعلام.
- تبني الاطروحات الاستشراقية المتطرفة من قبل الإدارة الامريكية وبعض النخب الاوربية ([xl]).
بعد ان عقد في العاصمة الفرنسية باريس عام 1971 مؤتمرا بمناسبة مرور مائة عام على بداية اقامة المستشرقين لمؤتمراتهم العالمية الذي شهد التوافق على تغيير اسمه ليصبح: المؤتمر العالمي للدراسات الإنسانية حول اسيا وشمال افريقيا، وبعد ذلك تم تسميته المؤتمر العالمي للدراسات الاسيوية والشمال افريقية، وقد مثل هذا التحول تتويجا لتفاعلات ثقافية وفكرية وسياسية متعددة داخل الحقل الاستشراقي التقليدي والذي يشير الى بقاء الاستشراق الكلاسيكي على مستوى النسق المنهجي العام السابق، لكنه شهد نموا كبيرا على المستوى النظري والمضامين الأيديولوجية التي ساعدها في ذلك المداخل العلمية التي وفرتها العلوم الإنسانية الحديثة، الامر الذي منحها جاذبية اكثر وتميزت بالعمق والاهمية. وقد اشتدت هجمة العولمة الثقافية والفكرية بعد احداث 11 أيلول 2001 وساهمت في ذلك موجة الاتصال العالمي وشبكات التواصل الجماهيري في انتشار المضامين الاستشراقية الجديدة تجاه الواقع الاسلامي المعاصر بتجلياته كافة والتي صنعتها المؤسسات الاكاديمية الغربية ومراكز الابحاث وروجتها وسائل الاعلام الدولي وساندتها السياسات العالمية، ودافعت عنها شريحة واسعة من كتابنا المستغربين ([xli]). اذ لا يخفى الدور الكبير الذي تلعبه شبكات التواصل الاجتماعي في التأثير على الامن الثقافي؛ كونها تعكس مضامين البيئة الثقافية الغربية وتحاول اختراق ثقافات الشعوب وتهديد هويتها عبر العولمة الثقافية وإشاعة ثقافة واحدة وطمس الثقافات والهويات الأخرى.
ويواجه المجتمع المسلم غزوا ثقافيا معقدا عبر استخدام الاخر مختلف الأدوات والوسائل لتغريب المجتمع ويمثل المنفذ الأساس بالعامل الداخلي متمثلا بضعف الحصانة الداخلية وضعف الارتباط بالموروث الثقافي والدين والمؤسسة الدينية، اما الأداة الأساس فهو الغزو الثقافي الشامل عبر مختلف الوسائل ومنها وسائل الصحافة والاعلام والتواصل الاجتماعي المحرفة دينيا واخلاقيا، وعبر الفن الفاسد والادب المبتذل، ومراكز الدراسات المنحازة… اما الوسيلة الأساس في ذلك فتتمثل بالمستعمر الغربي المحتل سياسيا واقتصاديا وثقافيا، سواء بالاحتلال المباشر او غير المباشر، وكذلك المؤسسة السياسية التي تعمل على تكريس التبعية الثقافية، بالإضافة الى العملاء الثقافيون للمستعمر في مجالات الفكر والثقافة الذي يصب انتاجهم الفكري في مجرى الأهداف الغربية لغرض استلاب الهوية الإسلامية واغتيال المجتمع الإسلامي ثقافيا ([xlii]).
وبعيدا عن مفهوم التثاقف الذي يعد عملية تفاعل بين الثقافات والأمم والشعوب على اعتبار الثقافة في الادبيات العالمية تدل على النمو والتقدم وفي استخدامها الاجتماعي والإنساني تدل على المعرفة والحيوية الاجتماعية الإنسانية والتحرك نحو مستقبل أفضل أي هي من حسنات وايجابيات كل مجتمع او امة ([xliii])، فقد أحدثت عوامل الغزو العسكري خرابا في المنظومة الثقافية الاسلامية والتي انتهت مرحلته فيما اطلق عليه بمرحلة ما بعد الكولونيالية لندخل في مرحلة اخطر من السابق تتمثل بالغزو الثقافي الذي احدث شرخا كبيرا في الجسد الإسلامي على المستويين التنظيري والتطبيقي، فعلى مستوى النظرية أدى الى نشوء مسار يعتمد الثقافة الغربية، وعلى المستوى التطبيقي تظهر تجليات الثقافة الغربية السلبية التي غزت المجتمعات الاسلامية، وتتواصل عمليات الاستهداف الممنهجة لنسف الثقافة الإسلامية من الداخل، الا انها في هذه المرحلة المعقدة والمتداخلة تمر بمنعطفات خطيرة تهدد منظومة الوعي الإسلامية ومرتكزاتها وثوابتها. ولا شك ان وسائل وأدوات التهديد التي تستهدف ابتلاع الثقافة الإسلامية وتذويبها وتطويعها في ضوء الرؤية الغربية والأمريكية تتخذ صورا متنوعة ومداخل مختلفة، فمن جهة الهجمة الإعلامية عبر مختلف وسائلها الحديثة، ومن جهة أخرى الغزو الثقافي والحرب الناعمة، وكذلك الاستشراق الجديد والعولمة وغيرها…
يرى مفكرون غربيون ان الحضارة الإسلامية تمثل التهديد الذي يواجه المركزية الغربية وهيمنتها، وقد انتجت الصورة النمطية للإسلام خطا فكريا متواصلا لمجموعة من كبار المستشرقين الذين يمثلون تيار الاستراق الجديد او ما اسماه أدوار سعيد ما بعد الاستشراق، وبدأت ولادته الحقيقية مع الجيل الأول من المستشرقين عام 1991 وحدوده لغاية 2001 بعد احداث 11 سبتمبر، وقد ظلوا محافظين على نمطية ذلك التصور حول الإسلام والمسلمين. وتتلخص مناهجهم بالمنهج الأنثروبولوجي، والمنهج الاجتماعي، والمنهج الالسني، والمنهج التاريخي الاركيولوجي، اما ابرز رواد الاستشراق الجديد فهم برنارد لويس وفوكوياما وهنتغتون، ويحتفظ لويس بكم هائل من الكره على العرب والمسلمين، ويرى ان الإسلام يمثل نسقا احاديا مغلقا لا يمكنه التعايش مع العالم الراهن، ويعد لويس واتباعه من اكثر المستشرقين تطرفا وكراهية للإسلام، اذ يرى ان الهزائم والتراجع في العالم الإسلامي خلال القرنين الأخيرين، ومن ثم عجزهم عن دخول الحداثة انتج تنازعهم الشعوري بين الاعجاب بالغرب والحقد عليه بسبب تقدمه وتخلفهم، ويرجع الأصولية الإسلامية المعادية للغرب وامريكا الى حالة الغضب والخيبة والاستعصاء على تقبل قيم الحداثة والديمقراطية ([xliv]).
اما صموئيل هنتغتون صاحب فكرة صدام الحضارات فيرى ان الإسلام يمثل مصدرا للإرهاب؛ ولذلك فهو يتقاطع كليا مع قيم الحداثة الغربية. ويرى ضرورة محاربة الإسلام؛ لأنه أيديولوجيا توقف تقدم الغرب. وتقع الحضارة الإسلامية وثقافتها ضمن الحضارات التي تقع في موقع الصدام والصراع الذي تحدث عنه هنتغتون. وكذلك فرانسيس فوكوياما صاحب فكرة نهاية التاريخ والانسان الأخير، وقد حذر في محاضرته: “خطر المسلمين في اوربا” من الخطر الإسلامي، اذ يرى ان الإرهاب المتأسلم تكمن خطورته في اوربا اكثر منه في الشرق الأوسط، ويستخدم مصطلح الفاشية الإسلامية ليشير بها الى الأصولية الإسلامية التي تقف بوجه الحداثة، ويعتقد ان السعودية هي الحاضنة الأكبر لهذه الفاشية المنغلقة من خلال عقيدتها الوهابية وعملها المنظم خلال العقود السابقة لتغذية الإرهاب ودعمه ماديا، ويخلص الى ان الإسلام فكرا تسلطيا وشموليا ويعتبره أيديولوجيا مغلقة كالشيوعية؛ لذلك فهو بصعوده يمثل تهديدا للغرب، وان الفكر الجهادي يوظف الإسلام لأغراضه ويعادي الفكر الحداثي، ولا يمكن الجمع بين هذين المتضادين (الجهاد والحداثة) ([xlv]). ويتضح ان نظرته للإسلام تنطلق من زاوية العقيدة الوهابية التي تكفر جميع المسلمين ممن يختلف مع عقيدتهم، فضلا عن تكفير غيرهم في الظاهر، وهي رؤية لا تمثل العقيدة الإسلامية على الاطلاق.
اما الجيل الثاني من المستشرقين 2001-2015 فيمثله مجموعة كبيرة المفكرين ومنهم دانيال بايبس الذي يرى ان المسلمين لا يمكنهم الاندماج مع المجتمع الأمريكي وانهم يطمحون للقضاء على الحضارة الغربية، وأطلق على أماكن تواجد المسلمين في الغرب “المناطق المستقلة ذاتيا في الغرب” ويقترح ثلاث خيارات لمواجهة ذلك (التكامل المنسجم مع غيرهم، طرد المسلمين، سيطرة إسلامية) وهو يؤمن بأفكار جابوتنسكي الاب الروحي للإرهاب الصهيوني الذي يرى ان السلام لن يتحقق الا بسحق العرب والقضاء على اية بادرة امل لديهم. اما بت ياور فقد ابتكرت مصطلحين استشراقيين هما “الذميانية” وتشير به الى علاقات التبعية بين السلطة الإسلامية والسكان من الديانات الأخرى، و”اورابيا” وتقصد به وجود محور اوربي عربي سوف يسيطر على العالم. اما اوليفييه مووس فيرى ان الاستشراق مذهب ثقافوي أكثر مما هو ديني، وان العنف الإسلامي هو نتاج ثقافي، وان الاستشراق لا يحققه الأكاديميون المختصون فقط، وانما يشارك في صياغته الصحفيون والكتاب والباحثون والخبراء والمدونون والناشطون في الحقول العسكرية، ويريد بذلك ان يخلق جيشا من المستشرقين الجدد من مختلف المجالات. اما برنار – هنري ليفي وهو عراب الربيع العربي الذي طرح في كتابه (يسار في عصور مظلمة- موقف ضد البربرية الجديدة) مصطلح البربرية الجديدة في إشارة منه الى المسلمين. وكذلك جيل كيبيل الذي يرى ان الإسلام ينحو الى التصادم مع الغرب. اما بول ريتشاردز فقد بلور مصطلح الهمجية الجديدة الآتية من الإسلام ([xlvi]).
وكذلك توجد شخصيات أخرى ومنهم جون اولين صاحب نظرية الحدود الدموية للإسلام، وكذلك مايكوالترز صاحب مقولة الحرب العادلة وغيرهم، ونقطة الالتقاء لهؤلاء هو انتماءهم لمراكز بحثية استراتيجية مختلفة تتفق في سعيها لتكريس الهيمنة الامريكية. وظلت تلك المسيرة حافلة بتلك المفاهيم التي انتجت في ضوء الاستشراق الجديد النظرة الغربية والأمريكية حول علاقة الإسلام بالإرهاب والتي ترى بان الإسلام يمثل الجذور التي ينطلق منها الإرهاب، الامر الذي يتيح لهم مشروعية استعمال القوة لمحاربة الإسلام من خلال تلك التهمة، ومن أوضح الأمثلة على ذلك كتاب “العقل العربي” لمؤلفه رافائيل باتاي الذي يتضمن التخويف من الإسلام ويؤكد من خلاله الطبيعة الوحشية والشبقية للعرب. وخلاصة نظرتهم للإسلام تعتبره نظاما شموليا من خلال التركيز على السلبيات وتضخيمها لغرض تشويه صورته في العالم الغربي أولا وتصديره في ضوء تلك الرؤية الى العالم الإسلامي ثانيا لصنع ما يعرف بالاسلاموفوبيا.
مراكز الأبحاث ودورها في الاستشراق الجديد
يعد وجود مراكز الأبحاث من الأدلة الاكيدة على تقدم الحياة المعرفية والبناء المؤسسي فيها اذا اخذت دورها بالشكل الصحيح؛ كونها تقدم الاستشارات الدقيقة لصناع القرار، الا ان دور مراكز الأبحاث الغربية والأمريكية تعدت ذلك وتحولت الى أدوات للغزو الثقافي، وعملت على تكريس الهيمنة والسيطرة على البلدان والشعوب الأخرى، وتمثل هذه المراكز احد مواقع انتاج الخطاب الاستشراقي الجديد وتمارس أدوارها بأساليب عدة منها: كتابة التقارير الاستراتيجية، وتقديم الاستشارات لمراكز صناعة القرار السياسي، وتكثيف الظهور الإعلامي لمنسوبيها للتعليق على الاحداث، وقد ظهر “مستودع الأفكار” في اثناء الحرب العالمية الثانية والذي تطور مفهومه لاحقا من كونه يشير الى البيئة الآمنة لمناقشة الاستراتيجيات المتعلقة بالسياسة الخارجية، واصبح يشير الى مراكز البحوث والدراسات التي تهدف الى دعم صناع القرار وتطوير الحياة المعرفية في الوسط العام، وبدأ تكاثرها في سبعينيات القرن العشرين، وتم تقسيمها الى أربعة أجيال أساسية:
الأول: ظل بعيدا عن العملية السياسية.
الثاني: نشأ بعد الحرب العالمية الثانية بعد صعود القوة الامريكية تلبية للاحتياجات السياسية للمعرفة اللازمة ففي 1948 أتت مؤسسة راند للوجود ودشنت لجيل جديد من مراكز الفكر والبحث أطلق عليها مقاولي الحكومات كونها تمول من الحكومة الفيدرالية ويخدم أهدافها.
الثالث: وهو جيل يسعى بقوة ويتحين الفرص لممارسة نفوذه على اتجاه السياسة الخارجية ومحتواها.
الرابع: المراكز التي تؤسس لتخليد الإرث السياسي لشخصية ما مثل معهد كارتر باطلانطا ومعهد نيكسون بواشنطن ومعهد جيمس بيكر ([xlvii]).
ويرتبط الاستشراق الجديد بالسياسة ارتباطا كبيرا عبر مراكز البحوث او ما يسمى “مستودعات الأفكار” التي بدأت الانتشار في سبعينيات القرن العشرين، ويشير محمد حسنين هيكل الى الدور الكبير الذي تلعبه الأفكار عبر تحالفه مع السياسة. وينقل افتتاحية مجلة الايكونوميست الرأسمالية المحافظة بعنوان “هجمة دبابات الفكر” والتي ورد في بعض فقراتها ((ان أمريكا أصبح لديها جيش خطر من المفكرين الذين احترفوا تهييج القوة الامريكية واستثارتها حتى تندفع ابعد كل يوم على طريق الحرب…. ان أحدا لم يعد في مقدوره ان يناقش ان هذه المراكز أصبحت بذاتها حكومة الظل في أمريكا، بل وتأكد انها الحكومة الخفية الحقيقية التي تصوغ القرار السياسي وتكتبه، ثم تترك مهمة التوقيع عليه للرئيس ومعاونيه الكبار في الإدارة…)) ([xlviii]). وقد التزمت السياسة الامريكية بآراء رواد الاستشراق الجديد، ففي حفل تكريم برنارد لويس قال نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني: ((بما ان الصراع القديم من اجل التحرير والمساواة يتجدد مرة أخرى في زماننا، سنستمر في الاعتماد على أسلوب تفكير برنارد لويس الصارم)) ([xlix]).
ومن اشهر المناهج في حقل الاستشراق الجديد هما المنهج الانثربولوجي لا سيما عبر دراسة انثربولوجيا الإسلام بوصفه الاطار الاشمل للممارسات الثقافية في المجتمعات الإسلامية، والمنهج اللغوي (الفيلولوجي) المطور: حيث قدم المستشرقون الجدد اطروحات لدراسة النص القرآني وتاريخ نشأة الإسلام في ضوء حقل علم اللغة المقارن، وان القرآن الكريم كما يرى فونتر واخرون ليس سوى تركيب عربي لجملة من النصوص اليهودية والمسيحية، وخلاصة قولهم ان القرآن الكريم نص بشري لم يظهر الا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، اما بالنسبة لنشوء الإسلام فيرفض الكثير منهم المصادر الإسلامية ويتهمونها بكثرة النحل انطلاقا من دافع بناء الدولة الإسلامية. ويتوصل مستشرقون آخرون الى القول بان الهوية المبكرة للعقيدة الإسلامية مقتبسة من فرقة يهودية اسمها الهاجرية، وان المسلمين تنكروا لجذورهم اليهودية ([l]).
تهدف القوى الامريكية والغربية في المرحلة الحالية الى تشويه صورة الإسلام المقاوم للهيمنة الغربية وتسويق اسلام آخر يتماشى مع مصالحهم الاستعمارية الجديدة ((وهذا الطور الجديد من التعامل مع الظاهرة الإسلامية يمكن وصفه بطور “الحرب القيمية” ضد الإسلام، والتي تسعى بشكل جاد نحو إعادة تفسير الإسلام، بما يتلاءم مع قيم الحرية والديموقراطية الغربية، ومحاربة المضامين العقائدية التي تشكل خطرا على المصالح الغربية في المنطقة العربية، والعمل على تفكيك مقومات الإسلام الصحيح)) ([li]). ومن الأمور التي طرأت على الصورة السلبية للإسلام التي صنعها الاستشراق الجديد هو استخدام السياسيين والخبراء الاستراتيجيين لنتائج الاستشراق الجديد ومقارباته، وشيوع الاطروحات الاستشراقية المتطرفة في وسائل الاعلام، بالإضافة الى تبني تلك الدراسات من قبل الإدارات الاوربية والأمريكية ([lii]).
ان إشاعة مفهوم الإرهاب الاسلاموي هو منتج غربي متأصل في بنية الاستشراق لغرض إعادة انتاج الشرق في ضوء الرؤية الغربية التي تعده غير عقلائي ومتوحش وارهابي، لذلك يسعى الغرب وأميركا الى صنع اسلام معتدل محوره يكمن في طريقة التعاطي الديني فيما يتعلق بالمصالح الامريكية والعلاقة مع الغرب والقضايا التي تتعلق بحقوق الانسان وغيرها من القضايا، مما يشكل ثغرات لتكون مبررا للهجوم على تلك الدول ([liii]).
ومن ابرز الأمثلة على المراكز والمؤسسات البحثية مؤسسة (راند) التي يعود اهتمامها بالإسلام الى عام 1999 عندما أصدرت كتاب “مواجهة الإرهاب الجديد” ويقصد بذلك الخطر الإسلامي، وبعد ذلك صدر تقريرها للعام 2004 بعنوان “العالم الإسلامي بعد الحادي عشر من سبتمبر” والذي وضع خطة متكاملة للإدارة الامريكية في كيفية التعامل مع العالم الإسلامي من خلال تقسيمه الى ثلاثة اقسام: السلفيون، المعتدلون، والراديكاليون، ثم صدر تقرير 2005 “الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات” والذي جعل من الإسلام حائطا منيعا امام محاولات التغيير في ضوء الرؤية الامريكية، وجاء بتقسيم جديد للمسلمين: اصوليون، وتقليديون، وحداثيون، وعلمانيون، واستمر نشاط المؤسسة ليقدم تقريره الأخطر عام 2007 ” بناء شبكات المسلمين المعتدلين” الذي اثار ضجة في حينها؛ كونه يهدف الى رسم خطة متكاملة للسياسة الامريكية في العالم اجمع، وخصوصا الشرق الأوسط، وقدم تعريفا للمسلم المعتدل بمن يرفض الشريعة ويؤمن بالعلمانية، ولا زالت تلك المؤسسة مستمرة بتقاريرها وابحاثها التي تكمن خطورتها في كونها تشكل المرجع الأساسي في توجيه صناع القرار الامريكي ([liv]).
يرى برنار لويس في تصريحاته المتكررة وجوب العمل على تفكيك دول العالم الإسلامي وتقسيم الدول العربية الى وحدات عشائرية وطائفية متناحرة وان لا يلتفت الى خواطر العرب وعدم الرحمة في تنفيذ هذا المخطط، وهو يعتقد بان وضع المنطقة ينبئ بحروب لن تتوقف ابدا حتى بعد نضوب النفط وستكون حروب حول المياه، وان التفكك مصير هذه الشعوب. وتجسدت جوانب تلك الفكرة في نهج داعش كونها تنسجم مع الخيال الأمريكي وفكرة الفوضى الخلاقة انطلاقا من رؤية برنار لويس وبعد عجزها عن إيجاد نموذج داعشي شيعي نظرا لموقع المرجعية الدينية وصعوبة اختراقها ([lv]). لذلك فان ((الإسلامية التحديثية التي تحدث عنها فولر ومثالها المتجسد في الاوردوغانية والنموذج التركي الذي سيشكل عنوان الإسلامية الجديدة التي سيعتمد عليها في تحقيق شرق أوسط جديد. عقل إسلامي مدجن قابل لاحتواء الحساسية الإسلامية ضمن مشروع هو في العمق علماني في الممارسة السياسية والاجتماعية وقابل بمد جسور التعاون بكافة مستوياته مع إسرائيل التي يفترض ان تشكل العقل الحضاري المشرف على عملية التحول بالشرق كما وضع اطارها النظري شمعون بيريز في كتابه عن الشرق الأوسط الجديد)) ([lvi]).
تهدف العولمة الثقافية الى الغاء الحدود والحواجز الثقافية بين الأمم والشعوب من خلال التطور التكنولوجي في وسائل الاتصالات وشبكات الانترنيت، الامر الذي يتطلب مواجهة تلك الهجمة عبر تفعيل وسائل الامن الثقافي ومواجهة التيارات الثقافية الوافدة والمشبوهة للحفاظ على مكوناتنا الثقافية الاصلية؛ لان الغزو الفكري والثقافي يمثل أبرز الوسائل لنشر الثقافة الغربية لا سيما من خلال تقليد الغرب في شتى المجالات. ولم تكن تلك الصراعات جديدة في أهدافها وانما تكمن خطورتها في تهديدها الثقافات عبر الحروب الثقافية واجيالها المختلفة ووسائل القوة الناعمة، الامر الذي يجعلها هجمة كاسحة بمعاولها الهدامة التي لم تعد تعرف حدودا او ثوابت او خصوصيات، مما يتطلب جهودا جبارة لحفظ وحماية امننا الثقافي الذي تم اختراقه من دون أدنى مواجهة حتى أضحت الثقافات الغازية تلاقي قبولا في النسق الثقافي العام وأصبحت مهيمنا في قبال التهميش والتدمير المعرفي والاذابة الممنهجة لثقافتنا.
الخاتمة
يواجه الواقع العربي والإسلامي تحديات خطيرة للغاية، تتمثل بالاستهداف الممنهج الذي يعمل على نسف الثقافة الإسلامية من جذورها، لا سيما في البعد الثقافي المتحالف مع البعد السياسي الغربي – الأمريكي، وهذا ما تؤكده الكثير من المراكز البحثية التي تعمل ليلا ونهارا للهيمنة على العالم الإسلامي واخضاعه ثقافيا بعد ان اثبت الاستعمار المباشر للبلدان العربية فشله. فالهجمة التي تواجهنا اليوم هي هجمة ثقافية تستهدف الوعي الثقافي عبر أساليب الحرب الناعمة؛ مما يتطلب أهمية الاعداد لمواجهة تلك التحديات كما فعلت الكثير من البلدان التي استشعرت تلك التحديات بوقت مبكر كما هو الحال مع الصين وروسيا وغيرها.
ومن هنا تكمن أهمية وجود الاستراتيجية الثقافية والسياسية المتكاملة التي تنطلق من الإرادة الحقيقية والصادقة الى جانب توافر الخبرة المطلوبة في المواجهة الثقافية من خلال التخطيط المدرك لحجم المعركة عبر الأدوات الفاعلة، وتوعية الامة على حجم الخطر الداهم، والعمل المتواصل ضد استلاب الهوية، واهمية التحصين الثقافي الداخلي لهوية المجتمع المسلم، والخروج من نفق ردة الفعل وحالة الدفاع، الى الفعل وحالة الهجوم المضاد كما هي التجربة الرائدة للشهيد الصدر في مواجهته المد الشيوعي والتي اتخذت طابعا ثقافيا من خلال وضع الامة الإسلامية على خط المواجهة المباشرة وغيرها من التجارب الإسلامية الأخرى.
ولا شك ان التحديات الراهنة ترتبط بثقافات الشعوب المستهدفة عبر الوسائل الحديثة للمواجهة وفرض الهيمنة لا سيما من خلال مراكز الدراسات البحثية والاستشراق الجديد في بعده المعرفي الذي يظهر المعرفة والتثاقف، ويستبطن الهيمنة والسيطرة على الشعوب، بوسائل القوة الناعمة وادواتها المختلفة.
[i] – سامي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي: الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية، دار المداد الإسلامي، بيروت، 1990، 1/5.
[ii] – صلاح الجابري، تفكيك الاستشراق، المركز العالمي لدراسات وابحاث الكتاب الأخضر، بنغازي، ليبيا، ط1، 2005: 11.
[iii] – صلاح الجابري، تفكيك الاستشراق، مصدر سابق: 91.
[iv] – ينظر: نديم نجدي، جدل الاستشراق والعولمة، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، 2002: 128-129.
[v] – ينظر: خالد محمد البرادعي، حركة الابداع والتغيرات الكبرى في العالم، مجلة بونة للبحوث والدراسات: 80-81.
[vi] – ينظر: صافي الطاهر، الغرب، العالم الإسلامي: من الاستشراق التقليدي الى الاستشراق المعاصر، مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية، مجلد 8، العدد 1، 2020: 766.
[vii] – ينظر: حمد الصيد، الاستشراق والاستغراب في سرد ميرال الطحاوي من الخباء الى بروكلين هايتس، ا مجلة الباحث، المجلد 14، العدد 3، السنة 2022: 64.
[viii] – ينظر: سالم يفوت، حفريات الاستشراق في نقد العقل الاستشراقي، المركز الثقافي العربي، ط1، 1989: 17.
[ix] – ينظر: مصطفى عبد الغني، المستشرقون الجدد، دراسة في مراكز الأبحاث الغربية، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2007: 81 و93.
[x] – ادوارد سعيد، الثقافة والامبريالية، ترجمة كمال أبو ديب، ط2، دار الآداب، بيروت، 1998: 340.
[xi] – الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 85.
[xii] – احمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة: 169.
[xiii] – ينظر: زكي الميلاد، المسألة الثَّقافية من اجل بناء نظرية في الثَّقافة، 24-50.
[xiv] – مالك بن نبي، مشكلة الثَّقافة، مرجع سابق: 74.
[xv]– ينظر: يوسف حبيب مغنية، في الأدب الحديث والثَّقافة: 293.
[xvi] – فيروز راد وأمير رضائي، تطوير الثَّقافة دراسة اجتماعية في مفهوم التنمية الاجتماعية عند علي شريعتي: 14.
[xvii]– ينظر: ميجان الرويلي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي: 75.
[xviii] – عبد الرزاق الداوي: عناصر تصور جديد لإشكالية الثَّقافة، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، العدد96/24، 2006: 14-15.
[xix]– زيودين ساردار وبورين فان لون: الدراسات الثَّقافية: 8، وينظر: مجموعة من الكتاب، نظرية الثَّقافة: 9.
[xx] – حسين مؤنس، الحضارة: 327.
[xxi] – عبد الرزاق الداوي، مصدر سابق: 28.
[xxii] – عبد الرزاق الداوي: 42.
[xxiii] – ينظر: حسن بحر العلوم، العولمة بين التصورات الإسلامية والغربية: 107-108.
[xxiv] – ينظر: الثقافة منظور دارويني – وضع مبحث الميمات كعلم، مرجع سابق: 95.
[xxv] – ينظر: ميكل تومبسون وآخرون، نظرية الثَّقافة، مرجع سابق: 8 و31.
[xxvi] – ينظر: محمد جواد ابو القاسمي، مصدر سابق: 134و164.
[xxvii] – آدم كوبر، الثَّقافة والتفسير الانثربولوجي، مرجع سابق: 12.
[xxviii] – ينظر: عبد الرزاق الداوي: 13 و40.
[xxix] – محمد جواد أبو القاسمي، نظرية الثَّقافة: 160.
[xxx] – آدم كوبر، الثَّقافة التفسير الانثربولوجي: 19.
[xxxi] – معرفة الإسلام، علي شريعتي: 39.
[xxxii] – كريم جعفر، الهوية الثقافية ازمة الضياع ومسؤولية الانبعاث، ط1، الرافد المطبوعات، 2019: 49.
[xxxiii] – ينظر: عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد مقدمات أولية، ط1، الرياض، مركز البحوث والدراسات، البيان، 1435: 60-61.
[xxxiv] – ينظر: ادوارد سعيد، تغطية الإسلام، ترجمة سميرة خوري، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، لبنان: 159.
[xxxv] – مصطفى يعقوب عبد النبي، المستشرقون وتعصبهم الفاضح ضد العرب والاسلام، مجلة دراسات استشراقية، العتبة العباسية المقدسة، السنة الثانية، العدد 12، 2017: 91-92.
[xxxvi] – ينظر: مالك بن نبي، التوجهات الاستشراقية وأثرها في تشكيل الفكر الإسلامي المعاصر، ترجمة: محمد امزيان، مجلة المنعطف، العدد 18-19، السنة 2001، المغرب: 55-56.
[xxxvii] – مؤسسة راند والعالم الإسلامي، نقد ومناقشة: جهاد سالم، ترجمة: محمود المقيد، عرض وتحرير: حسن صعب، سلسلة الاستشراق الحديث، العتبة العباسية المقدسة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، 2020: 15.
[xxxviii] – مالك بن نبي، الظاهرة القرآنية، ترجمة: عبد الصبور شاهين، ط4، دار الفكر، دمشق، سوريا، 1987: 54.
[xxxix] – ينظر: صافي الطاهر، الغرب، العالم الإسلامي: من الاستشراق التقليدي الى الاستشراق المعاصر، مصدر سابق: 768.
[xl] – ينظر: رضوان السيد، الصراع على الإسلام – الأصولية والإصلاح والسياسات الدولية، دار الكتاب العربي، ط1، 1425: 41.
[xli] – ينظر: المصدر سابق :8-9.
[xlii] – ينظر: علي المؤمن، أدوات غزو المجتمع المسلم ثقافيا، قناة خاصة على موقع التلغرام، t.me/alialmomen46
[xliii] – ينظر: محمد جواد القاسمي، نظرية الثقافة، مرجع سابق: 199.
[xliv] – ينظر: عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد مقدمات أولية، مصدر سابق: 64.
[xlv] – ينظر: خزعل الماجدي: محاضرة القاها في الندوة العلمية الدولية (الإسلام في مرآة الآخر: الصور والتمثلات)، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2019، تونس.
[xlvi] – ينظر: خزعل الماجدي: المصدر السابق.
[xlvii] – ينظر: عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد مقدمات أولية، مصدر سابق: 54-56.
[xlviii] – محمد حسنين هيكل، الامبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، دار الشروق، القاهرة، ط 3، 2004: 271-272.
[xlix] – ستيفن شيهي، الاسلاموفوبيا: الحملة الأيدلوجية ضد المسلمين، ترجمة فاطمة نصر، نشر دار سطور، ط1، 2012: 83.
[l] – ينظر: آمنة الجيلاوي، الإسلام المبكر – الاستشراق الانجلوسكسوني الجديد: 30-35.
[li] – عبد الله بن عبد الرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد مقدمات أولية، مصدر سابق: 77.
[lii] – عطوات عبد النور، الاستشراق الجديد: إشكالية المفهوم والمنهج، دفاتر السياسة والقانون، المجلد 12، العدد 2، السنة 2020: 326.
[liii] – ادريس هاني، المستشرق برنار لويس والصراع على الشرق، مجلة دراسات استشراقية، العتبة العباسية المقدسة، السنة الثانية، العدد 3، 2015: 70-74.
[liv] – ينظر: مؤسسة راند والعالم الإسلامي، مصدر سابق: 127-128.
[lv] – ينظر: ادريس هاني، المستشرق برنار لويس والصراع على الشرق، مصدر سابق: 81-82.
[lvi] – ادريس هاني، المستشرق برنار لويس والصراع على الشرق، مصدر سابق: 73.
المصادر
- الصيد، احمد، الاستشراق والاستغراب في سرد ميرال الطحاوي من الخباء الى بروكلين هايتس، مجلة الباحث، المجلد 14، العدد 3، السنة 2022.
- بن زكريا، احمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، بيروت، دار احياء التراث العربي، 2001.
- هاني، ادريس، المستشرق برنار لويس والصراع على الشرق، مجلة دراسات استشراقية، العتبة العباسية المقدسة، السنة الثانية، العدد 3، 2015.
- سعيد، ادوارد، الثقافة والامبريالية، ترجمة كمال أبو ديب، ط2، دار الآداب، بيروت، 1998.
- سعيد، ادوارد، تغطية الإسلام، ترجمة سميرة خوري، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، لبنان.
- الأصفهاني، الراغب: المفردات في غريب القرآن، ضبط ومراجعة: محمد خليل عيتاني، بيروت، دار المعرفة، 2001.
- اونجر، روبرت، تقديم: دانييل دينيت، ترجمة: شوقي جلال، الثقافة منظور دارويني – وضع مبحث الميمات كعلم، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 2005.
- بحر العلوم، حسن: العولمة بين التصورات الإسلاميّة والغربيّة، منشورات دار الزهراء، النجف الأشرف، ط3، 2006.
- بن نبي، مالك: مشكلة الثَّقافة، ترجمة: عبد الصبور شاهين، دمشق، دار الفكر، 2000.
- البرادعي، خالد محمد، حركة الابداع والتغيرات الكبرى في العالم، مجلة بونة للبحوث والدراسات.
- السيد، رضوان، الصراع على الإسلام – الأصولية والإصلاح والسياسات الدولية، دار الكتاب العربي، ط1، 1425.
- الميلاد، زكي، المسألة الثَّقافية من اجل بناء نظرية في الثَّقافة، سلسلة الدِّراسات الحضارية، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط2، بيروت، 2010.
- ساردار، زيودين، وبورين فان لون: الدِّراسات الثَّقافية، ترجمة: وفاء عبد القادر، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003.
- تومبسون، ميكل، ريتشارد اليس، آرون فيلدافسكي: نظرية الثَّقافة، ترجمة: علي سيد الصاوي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 221، 1997.
- يفوت، سالم، حفريات الاستشراق في نقد العقل الاستشراقي، المركز الثقافي العربي، ط1، 1989.
- الحاج، سامي سالم، نقد الخطاب الاستشراقي: الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية، دار المداد الإسلامي، بيروت، 1990.
- شيهي، ستيفن، الاسلاموفوبيا: الحملة الأيدلوجية ضد المسلمين، ترجمة فاطمة نصر، نشر دار سطور، ط1، 2012.
- الطاهر، صافي، الغرب، العالم الإسلامي: من الاستشراق التقليدي الى الاستشراق المعاصر، مجلة الحكمة للدراسات الفلسفية، مجلد 8، العدد 1، 2020.
- الجابري، صلاح، تفكيك الاستشراق، المركز العالمي لدراسات وابحاث الكتاب الأخضر، بنغازي، ليبيا، ط1، 2005.
- الداودي، عبد الرزاق: عناصر تصور جديد لإشكالية الثَّقافة، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، العدد96/24، 2006.
- الوهيبي، عبد الله بن عبد الرحمن، حول الاستشراق الجديد مقدمات أولية، ط1، الرياض، مركز البحوث والدراسات، البيان، 1435.
- عبد النور، عطوات، الاستشراق الجديد: إشكالية المفهوم والمنهج، دفاتر السياسة والقانون، المجلد 12، العدد 2، السنة 2020.
- شريعتي، علي، معرفة الإسلام، دار الأمير للثقافة والعلوم، 2007.
- راد، فيروز، وأمير رضائي: تطوير الثَّقافة دراسة اجتماعية في مفهوم التنمية الاجتماعية عند علي شريعتي، تعريب احمد الموسوي، ط1، بيروت، 2009.
- جعفر، كريم، الهوية الثقافية ازمة الضياع ومسؤولية الانبعاث، ط1، الرافد المطبوعات، 2019.
- كوبر، آدم: الثقافة والتفسير الانثروبولوجي، ترجمة: تراجي فتحي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد349، 2008.
- بن نبي، مالك، التوجهات الاستشراقية وأثرها في تشكيل الفكر الإسلامي المعاصر، ترجمة: محمد امزيان، مجلة المنعطف، العدد 18-19، السنة 2001، المغرب.
- بن نبي، مالك، الظاهرة القرآنية، ترجمة: عبد الصبور شاهين، ط4، دار الفكر، دمشق، سوريا، 1987.
- أبو القاسمي، محمد جواد: نظرية الثَّقافة، ترجمة حيدر نجف، سلسلة الدِّراسات الحضارية، ط1، بيروت، 2008.
- هيكل، محمد حسنين، الامبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، دار الشروق، القاهرة، ط 3، 2004.
- عبد الغني، مصطفى، المستشرقون الجدد، دراسة في مراكز الأبحاث الغربية، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2007.
- عبد النبي، مصطفى يعقوب، المستشرقون وتعصبهم الفاضح ضد العرب والاسلام، مجلة دراسات استشراقية، العتبة العباسية المقدسة، السنة الثانية، العدد 12، 2017.
- مؤنس، حسين: الحضارة في أصول وعوامل قيامها وتطورها، ط2، سلسلة عالم المعرفة، عدد 137، 1998.
- الرويلي، ميجان، البازعي، سعد: دليل الناقد الأدبي، المركز الثَّقافي العربيّ، الدار البيضاء، بيروت، ط5، 2007.
- تومبسون، ميكل: وريتشارد اليس، وآرون فيلدافسكي: نظرية الثَّقافة، ترجمة: علي سيد الصاوي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد 221، 1997.
- نجدي، نديم، جدل الاستشراق والعولمة، دار الفارابي، بيروت، لبنان، ط1، 2002.
- مغنية، يوسف حبيب: في الأدب الحديث والثّقافة، مكتبة الهلال، بيروت، لبنان، ط1، 2010.
- مؤسسة راند والعالم الإسلامي، نقد ومناقشة: جهاد سالم، ترجمة: محمود المقيد، عرض وتحرير: حسن صعب، سلسلة الاستشراق الحديث، العتبة العباسية المقدسة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، 2020.
