مجتمعنا الأسس والمبادئ والمميزات في كتابات وتطلعات
العنوان: مجتمعنا الأسس والمبادئ والمميزات في كتابات وتطلعات
الكاتب/الكتّاب:
أ. م. د راضـي حسيــن حســن الحسينــي - جامعة الإمام جعفر الصادق - كلية الآداب
-
-
-
الملخّص
البحث الذي بين أيديكم الكريمة يستخلص عصارة جهود الإمام الصدر+ المبثوثة في كتبه والمتعلقة بالمجتمع, الذي كان يترقب الإرتقاء به إلى مصاف المجتمعات المتحضّرة, لذا ملأ جميع جوانب المجتمع بالعلم والمعرفة وعلاج المشاكل والمعضلات التي كانت تواجهه, ببحوث قيمّـة وعلمية وجهود مضنية, ولذا حاولنا تصيّد أفكاره ورؤاه المتنوعة في مجال الإرتقاء بالمجتمع حضارياً وسلوكياً وإيمانياً, كما تم التركيز على النظريات والمصطلحات التي استوحاها من القرآن الكريم, ومن واقع الحياة المعرفية, ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام الصدر قد تمتّع بسجايا خلقية رائدة فاح عطر شذاها المجتمع وتأثّـر المجتمع به, فدرسنا هذه السجايا وانعكاساتها على بناء المجتمع وتفاعله مع أطاريحه المنوّعة, كما درسنا طريقة صناعته للرجال ليقود المجتمع نحو حضيرة الإيمان.
الكلمات المفتاحية: المَثَل الأعلى الحقيقي,المَثَل الأعلى المنخفض,السبيل الناس,عناصر المجتمع,النظام الصالح,النطاق الإجتماعي,صناعة الرجال,مجتمعنا
Abstract:
The discussion in your that is in your honorable hands extracts the juices of Imam al-Sadr’s efforts, Disseminated in his books and related to society, which he was looking forward to upgrading it to the ranks of civilized societies, so he filled all aspects of society with science and knowledge and treatment of problems and dilemmas that were facing him, with valuable and scientific research and painstaking efforts, and therefore we tried to hunt his ideas and various visions in the field of upgrading society civilized, behavioral and faith, Emphasis was also placed on the theories and terminology that were inspired by the Holy Qur’an and the reality of life. It is worth noting that Imam al-Sadr enjoyed pioneering moral traits that spread a fragrance that was scented by society and influenced by society. For men to lead society towards the fold of faith.
Keywords:
البحث الكامل
المقدمة:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على البشير النذير والهادي الأمين محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين وأصحابه المنتجبين.
وبعد … الإبـداع الـفكري والـعبقرية الـمبكّرة الّتي تحـلّى بهـا الإمـام الـشهيد السيد محمد باقر الصدر+, ولم يحظّ بها في عالمنا المعاصر أحد كما حظي بها رضوان الله تعالى عليه.
فرغم عمقه العلمي واهتماماته الفلسفية لم يختر الانعزال عن المجتمع كما اختاره العديد من الفلاسفة, بل كان المجتمع حاضراً في وجدانه وتواجده بل يعتبره الهواء الذي يتنفسه, والماء الذي يسبح فيه, فكان المجتمع همّه الدائم, ولذا برع كثيراً في إيجاد الحلول لمشاكل المجتمع بعد أن أحصاها مفردة مفردة, واختبرها بمختبراته المجهرية الدقيقة, فوضع لها حلولاً قلمّا تجد عالماً أصولياً تتوافر له الخبرة المجتمعية كما توافرت عند الإمام الصدر+, إذ عالج المشكلة الاجتماعية الكبرى في اختيار النظام الصالح للمجتمع, مستعرضاً النظم الاجتماعية ومتبنياتها الفلسفية, وقام بدراستها وتفنيدها علمياً وفلسفياً, وأثبت بالدليل القاطع صلاح النظام الإسلامي.
إضافة إلى معالجته لمشكلة التخلّف والتحجّر لدى بعض أبناء المجتمع, فلذا سعى بتبنّي منهج الوعي والحركية لينتشر الهدى من حيث انتشر الضلال, وأهتمّ بشؤون المرجعية اهتماماً بالغاً فعالج مشكلتها الفردية عبر تقديم أطروحة المرجعية الموضوعية.
من هنا قمنا بسبر أغوار هذه الشخصية العملاقة بما يتعلّق بموضوع البحث لنستخرج اللآلئ المختبئة في وجدانه وكتبه, ليحيى بها مجتمعنا في واقعه وحقيقته, وبالتالي في حياته وضميره.
المبحث الأول
مجتمعنا في ضوء منهج الإمام الصدر+
لقد تفتقت عبقرية الإمام الصدر+ في مجالات متعددة واختصاصات متنوعة, وفي مقدمتها المشكلة الاجتماعية, أو وضع المجتمع الإسلامي والتحديات الكبرى التي تواجهه نتيجة ابتعاده عن القيم الإنسانية النبيلة, وتأثّره بالأطاريح الغربية والغريبة عليه, وانتهاك حدود الله تعالى وحرمته, واستصغاره لعلماء الدين ونعتهم بالأوصاف المشينة.
الإمام الصدر وضع الحد الفاصل بين ما قبله من الزمن, وبين ما هو فيه وما هو بعده, من خلال طرحه من أفكار ونظريات وحلول لمعالجة المشكلة الاجتماعية وما ينجم عنها من تفرّعات تعقّد المشهد وتزيد من ضبابيّته, فكان الإمام الصدر+ الطبيب الحاذق والجرّاح المتمرس في علاج أورام المجتمع وأمراضه المختلفة, والعالِم المتبحّر بشؤون المجتمع, والخبير المنصف والمصلح الكبير في ضوء ما قدّمه من نظريات وأطاريح ومناهج كان لها الأثر الكبير الفعّال في إصلاح شؤون المجتمع المختلفة, كما سنشير إليه.
وقبل بيان الأسس لمنهج الإمام الصدر, لابد لنا من بيان مصطلح (المجتمع) عنده, وما يريد به, بلحاظ أنّ الإمام الصدر قد اهتم اهتماماً بالغاً بشأن المصطلحات وما ترمز إليه, وما يراد لها من إيصال المفاهيم القيّمة ونبذ المفاهيم السيئة, من هنا أشار الإمام الصدر إلى أهمية المصطلحات الإسلامية فقال ما نصه:
( إنّ تـكوين مـصطـلحات وأسمـاء محـدّدة يـتميّز بـها الإسـلام, سوف يساعـد على إيـجاد طـابع خـاص بـه, وعلامـات فـارقة بين الـثقافة الإسلاميـة وغيرها من الثقافات)(1).
مصطلح (المجتمع) عند الإمام الصدر:
إن مصطلح (المجتمع) قد اصطلحه الإمام الصدر على الوجود المجموعي للناس منتزعاً المصطلح المذكور في ضوء آيات القرآن الكريم وتعبيره عن (الأمّة), فقال ما نصّه:
( الوجود المجموعي للناس باعتبار ما بينهم من علاقات وصلات قائمة على أساس مجموعة من الأفكار والمبادئ المسندة بمجموعة من القوى والقابليات, هذا المجتمع الذي يعبّر عنه القرآن الكريم بالأمّة)(2).
ويستخلص الإمام الصدر من خلال القرآن الكريم عناصر المجتمع, أي مجتمع من المجتمعات, لابد أن تتوافر فيه عناصر أساسية تقوّم وجوده, فقال ما نصّه:
( عناصر المجتمع: الإنسان والطبيعة والعلاقة المعنوية التي تربط الإنسان بالطبيعة من ناحية, وتربط الإنسان بأخيه الإنسان من ناحية أخرى, وهي العلاقة التي سمّيت قرآنياً بالاستخلاف)(3).
ممّا تقدّم اتضح أنّ الإمام الصدر قد اختط الهيكل الهندسي للمجتمع وبيان عناصره الرئيسية, في ضوء ما استوحاه من القرآن الكريم, وعليه فالمنهج المتّبع لدى الإمام الصدر هو المنهج القرآني ولذا اصطلح عليه بنظرية (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء)(4), في ضوء الآيات القرآنية المعبّرة عن تكلم النظرية.
منهج الإمام الصدر والأسس المعتمدة لمجتمعنا والمبادئ والمميزات:
بعد أن بيّن الإمام الصدر عناصر المجتمع التي ذكرناها آنفاً, وكان من أهمها خط علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان أو خط علاقات الإنسان مع الطبيعة بيّن: أنّ هذين الخطين أحدهما مستقل عن الآخر استقلالاً نسبياً من جهة, ومن جهة أخرى لكل واحد منهما له نسبة تأثير في الآخر على الرغم من ذلك الاستقلالي النسبي.
وهذه النظرية القرآنية في تحليل عناصر المجتمع وفهم المجتمع فهماً موضوعياً تشكّل أساساً للاتجاه العام في التشريع الإسلامي, فإنّ التشريع الإسلامي في اتّجاهاته العامة وخطوطه يتأثّـر وينبثق ويتفاعل مع وجهة النظر القرآنية والإسلامية إلى المجتمع وعناصره وأدوار هذه العناصر والعلاقات المتبادلة بين الخطين.
فإنّ الاستقلال النسبي بين الخطين: خط علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان وخط علاقات الإنسان مع الطبيعة, هذا الاستقلال النسبي يشكّل القاعدة لعنصر الثبات في الشريعة الإسلامية والاساس لتلك المنطقة الثابتة من التشريع التي تحتوي على الأحكام العامة المنصوصة ذات الطابع الدائم المستمر في التشريع الإسلامي, بينما منطقة التفاعل بين الخطين: بين خط علاقات الإنسان مع الطبيعة وخط علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان, منطقة التفاعل والمرونة تشكّل في الحقيقة الأساس لما أسميناه في كتاب >اقتصادنا< بمنطقة الفراغ, تشكّل الأساس للعناصر المرنة والمتحرّكة في التشريع الإسلامي, هذه العناصر المرنة والمتحرّكة في التشريع الإسلامي هي انعكاس تشريعي لواقع تلك المرونة وذلك التفاعل بين الخطين.
ويضيف الإمام الصدر قائلاً: من هنا نؤمن بأنّ الصورة التشريعية الإسلامية الكاملة للمجتمع هي في الحقيقة تحتوي على جانبين: تحتوي على عناصر ثابتة, وتحتوي على عناصر متحرّكة ومرنة, وهذه العناصر المتحركة والمرنة التي ترك للحاكم الشرعي أن يملأها. فرضت أمامه مؤشرات إسلامية عامة أيضاً, لكي يملأ هذه العناصر المتحركة وفقاً لتلك المؤشرات ا الإسلامية العامة(5).
من هنا نفهم أنّ الإسلام يهتم اهتماماً بالغاً بمنهج حياة النّاس وطريقة علاقاتهم بالطبيعة من جهة, وبالإنسان من جهة أخرى, ولا يمكن تحقيق الاستقامة التامة لهاتين العلاقتين الا إذا انطلقتا في ضوء الإيمان الراسخ بالمبدأ الأساس وهو المَثَل الأعلى, فيا ترى ما هو المَثَل الأعلى الذي يعتمده الناس في حياتهم وسلوكهم؟ هذا المَثَل الأعلى يجب أن لا يكون مثلاً تكرارياً, ولا مَثَلاً منخفضاً, بل يكون مَثَلاً أعلى في حقيقته وواقعه, هذا المَثَل الأعلى يعتبر الأساس في بناء المحتوى الداخلي للإنسان وهو المحور الذي يستقطب عملية بناء المحتوى الداخلي للإنسانية, وفي هذا الضوء لابد لنا من بيان المزيد عن المَثَل الأعلى ودوره في حل المشكلة الاجتماعية.
المَثَل الأعلى ودوره المحوري في النظام الاجتماعي:
لقد طرح الإمام الصدر المشكلة الاجتماعية بشكل مفصّل في كتاب فلسفتنا وفي المدرسة الإسلامية, مستعرضاً النظم الاجتماعية السائدة لدى المجتمعات الإنسانية ومبيناً أهدافها ومنطلقاتها الفلسفية, وهي مذاهب أربعة:
1- النظام الديمقراطي الرأسمالي
2- النظام الاشتراكي
3- النظام الشيوعي
4- النظام الإسلامي
مبيناً مساوئ ومآسي الأنظمة الثلاثة الأُوَل والمؤاخذات الفلسفية والعلمية على متبنياتها العقدية واللاأخلاقية بأدلّة قوية رصينة, يبقى النظام الإسلامي هو النظام الصالح للبشرية(6), باعتباره وصفة إنسانية رائدة تحلّ في ضوء تعاليمه المشكلة الاجتماعية الكبرى, ويطلق اطروحته الرائدة في بناء المحتوى الداخلي للإنسان, ويملأ وجدانه بعد اصلاح منظومته الفكرية عِبر تبنّي المَثَل الأعلى الحقيقي, (وهذا المَثَل الأعلى هو الذي يحدّد الغايات التفصيلية, وينبثق عنه هذا الهدف الجزئي وذلك الهدف الجزئي, فالغايات بأنفسها محرّكات للتأريخ, وهي بدورها نتاج لقاعدة أعمق منها في المحتوى الداخلي للإنسان, وهو المَثَل الأعلى الذي تتمحور فيه كل تلك الغايات وتعود إليه كل تلك الأهداف. فبقدر ما يكون المَثَل الأعلى للجماعة البشرية صالحاً وعالياً وممتداً تكون الغايات صالحة وممتدة, وبقدر ما يكون هذا المثل الأعلى محدوداً أو منخفضاً تكون الغايات المنبثقة عنه محدودة ومنخفضة أيضاً.
أذن المثل الأعلى هو نقطة البدء في بناء المحتوى الداخلي للجماعة البشرية(7).
الله تعالى هو المَثَل الأعلى للإنسان:
المولى عزّ وجلّ هو المَثَل الأعلى الحقيقي, وهو الذي تصل إليه البشرية في غاية المطاف شاءت أم أبت, قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}(8), فالإنسانية بمجموعها تكدح نحو الله تعالى, لتلتقيه في نهاية المطاف, ولغة الآية لغة التحدّث عن واقع ثابت وحقيقة قائمة, وهي أنّ كلّ سير وكلّ تقدّم للإنسان في مسيرته التأريخية الطويلة الأمد فهو تقدّم نحو الله سبحانه وتعالى وسير نحو الله سبحانه وتعالى, حتى تلك الجماعات التي تمسّكت بالمُـثل المنخفضة وبالآلهة المصطنعة واستطاعت أن تحقّق لها سيراً ضمن خطوة على هذا الطريق الطويل, حتى هذه الجماعات التي يسميّها القرآن بالمشركين حتى هؤلاء هم يسيرون هذه الخطوة نحو الله, هذا التقدم بقدر فاعليته وبقدر زخمه هو اقتراب نحو الله سبحانه وتعالى, لكن فرق بين تقدّم مسؤول وتقدّم غير مسؤول.
حينما تتقدّم الإنسانية في هذا المسار واعية على المثل الأعلى وعياً موضوعياً يكون التقدّم تقدّماً مسؤولاً, يكون عبادة بحسب لغة الفقه, لوناً من العبادة, يكون لهم امتداد على الخط الطويل وانسجام مع الوضع العريض للكون, وأمّا حينما يكون التقدّم منفصلاً عن الوعي على ذلك المَثَل الأعلى فهو تقدّم على أي حال, لكنه تقدّم غير مسؤول, إذن كلّ تقدّم هو تقدّم نحو الله, حتى أولئك الذين ركضوا وراء سراب كما تحدثت الآية الكريمة(9), فأنّ هؤلاء الذين يركضون وراء السراب الاجتماعي, وراء المُـثل المنخفضة, هؤلاء حينما يصلون إلى هذا السراب لا يجدون شيئاً ويجدون الله سبحانه وتعالى فيوفيهم حسابهم, كما تحدثت الآية الكريمة(10).
إذن هذا المَثَل الأعلى الذي ينبغي للمجتمع الإنساني الاعتقاد به, والإيمان به, والالتزام بأوامره والانتهاء عن نواهيه, وفي هذا الضوء أقام الإمام الصدر البراهين والأدلة الفلسفية والعلمية والمنطقية الاستقرائية لإثبات الصانع(11), وللمَثَل الأعلى.
هذا الإثبات بهذه الطرق العلمية والفنية والاستقرائية والتي هي مستوحاة من الواقع المعاش, ولا يمكن ردّها أبداً كما أنها تقطع الطريق على المشككين والالحاديين ومن لفّ لفّهم, وتدعو العقلاء للانتماء إلى حضيرة الإيمان واستحصال القناعة التامّة بهذا المبدأ, الذي يمثّل المَثَل الأعلى الحقيقي في حياة الجماعة البشرية, والتفاعل مع أوامره واجتناب نواهيه.
ولم يكتفِ الإمام الصدر بإثبات الصانع بالطرق التي ذكرناها, وإنما أخذ يستعرض صفات الله تعالى ويستدل عليها بالاستدلالات الفطرية المقنعة(12), من أجل إيجاد قناعة تامة لدى أبناء المجتمع وتحصينهم من الأفكار الغربية والغريبة الدخيلة عليهم, وبالتالي الانطلاق بهم نحو حضيرة الإيمان والتقوى.
كيف عالج الإمام الصدر التعارض بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع؟
هذه القضية من القضايا التي تربك إيمان الإنسان وتُحدث الخلل فيه, وكثيراً ما تؤدي إلى زعزعة إيمان الأفراد نتيجة تضارب مصالحهم مع مصالح المجتمع, إذ بعد أن قطعنا شوطاً مهما في الإقناع بالمَثَل الأعلى الحقيقي, برزت مشكلة جديدة ألا وهي عملية التعارض بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع, فكيف يمكن علاج هذا التعارض؟ في البدء لابد لنا من تحرير محل النزاع-كما يقول الأصوليين- بمعنى أن نعرف جذر المشكلة.
تتلخص المشكلة بما يلي:
(إنّ المصالح على قسمين: فهناك مصالح على خطّ قصير تعود بالنفع غالباً على الفرد الهادف العامل نفسه, ومصالح على خطّ طويل تعود بالنفع على الجماعة, وكثيراً ما تتعارض مصالح الفرد ومصالح الجماعة, وهكذا نلاحظ من ناحية أنّ الإنسان غالباً لا يتحرك من أجل المصلحة لقيمها الإيجابية, بل بقدر ما تحقّق له من نفع خاصّ, ونلاحظ من ناحية أُخرى أنّ خلق الظروف الموضوعية لضمان تحرك الإنسان وفق مصالح الجماعة شرط ضروري لاستقرار الحياة ونجاحها على الخط الطويل, وعلى هذا الأساس واجه الإنسان تناقضاً بين ما تفرضه سُنّة الحياة واستقرارها من سلوك موضوعي واهتمام بمصالح الجماعة, وما تدعو إليه نوازع الفرد واهتمامه بشخصه من سلوك ذاتي واهتمام بالمنافع الآنيّة الشخصية)(13).
بعد أن صوّر الإمام الصدر مشكلة التعارض بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع, والتي تسبب خللاً في إيمان الأفراد, وتربك حركتهم الإيمانية في المجتمع, وتشخيص هذه المشكلة بحد ذاتها يُعد إلتفاتة معمّقة ودقيقة من الإمام الصدر, وأنه العالم الحصيف الذي يهيمن على مشاكل المجتمع, ونوازع الأفراد, وكل ما يُصيب المجتمع من خلل أو تصدّع أو إرباك في مسيرته نحو الله تعالى, لذا انبرى في علاج هذا الخلل, وهذه المشكلة علاجاً موضوعياً رائعاً, لابد للناس أن تسلط الضوء مليّاُ على طريقته في إيجاد الحلول وتوجيه العقائد بالاتجاه الصحيح المثمر, والمنج بالنتائج الإيجابية التي تخدم المجتمع, دون أن تعرّض الإنسان الفرد إلى الشعور بالخسران والظلامة.
من هنا جاءت وصفة الإمام الصدر, بوصفه الخبير المتفاني لخدمة الأمة, علاجاً مرضياً ومقنعاً, فقال ما نصّه:
كان لابد من صيغة تحلّ هذا التناقض وتخلق تلك الظروف الموضوعية التي تدعو إلى تحرّك الإنسان وفق مصالح الجماعة.
والنبوة بوصفها ظاهرةً ربّانية في حياة الإنسان هي القانون الذي وضع صيغة الحلّ هذه, بتحويل مصالح الجماعة, وكلّ المصالح الكبرى التي تتجاوز الخطّ القصير لحياة الإنسان إلى مصالح للفرد على خطّه الطويل, وذلك عن طريق إشعاره بالامتداد بعد الموت, والانتقال إلى ساحة العدل والجزاء التي يحشر الناس فيها لـِيُروا أعمالهم, {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}(14), وبذلك تعود مصالح الجماعة مصالحَ للفرد نفسه على هذا الخط الطويل.
وصيغة الحلّ هذه تتألف من نظرية وممارسة تربوية معيّنة للإنسان على أساسها, والنظرية هي المعاد يوم القيامة, والممارسة التربوية على هذه النظرية عملية قيادية ربانية, ولا يمكن إلّا أن تكون ربانيةً, لأنها عملية تعتمد على اليوم الآخر, أي على الغيب, فلا توجد إلّا بوحي السماء, وهي النبوة.
ومن هنا كانت النبوة والمعاد واجهتين لصيغة واحدة, وهي الحلّ الوحيد لذلك التناقض الشامل في حياة الإنسان, وتشكّل الشرط الأساسي لتنمية ظاهرة الاختيار وتطويرها في خدمة المصالح الحقيقية للإنسان(15).
وبهذه الطريقة الفنية الذكية والتربوية والعقدية استطاع الإمام الصدر توجيه الفرد بالتنازل عن بعض مصالحه لمصالح المجتمع, كخطوة رائدة في مجال سيادة العدل والخير في المجتمع.
ولكي لا يكون الإنسان أسيراً للمجتمع بكل ما يدعو له خيراً كان أم شراً, حتى ولو أخرجه عن ربقة العبودية لله تعالى, فحينئذٍ لابد من إيجاد مساحة للتحرر من النطاق الاجتماعي الذي يريد المجتمع أن يأسر الإنسان فيه, من هنا جاء بحث الإمام الصدر عن تحرر الإنسان من هذا النطاق الاجتماعي, بعملية متّزنة ومنطلقة من الواقع العقدي, وشدة الارتباط بالمطلق, وهو المَثَل الأعلى.
تحرير الإنسان من النطاق الاجتماعي:
بعد أن تحرر الإنسان من عبودية الشهوات والأنانيات, وانتصر في معركة التحرير في المحتوى الداخلي له, عبر الطريقة العامة التي يوجّهها الإسلام في شؤون التربية الإنسانية, ويربطه بالمَثَل الأعلى الحقيقي, فهناك معركة أخرى لابد أن يخوضها الإنسان ليتحرر من النطاق الاجتماعي, وهذا ما أشار إليه الإمام الصدر ما نصّه:
(وخاض القرآن بعد معركة التحرير الداخلي للإنسانية معركة التحرر من النطاق الاجتماعي, فكما حطّم في المحتوى الداخلي للإنسان الأصنام التي تسلبه حرّيته الإنسانية, كذلك حطّم الأصنام الاجتماعية, وقضى على عبادة الإنسان للإنسان, قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}(16), فعبودية الإنسان لله تجعل الناس كلهم يقفون على صعيد واحد بين يدي المعبود والخالق, فلا توجد أمّة لها الحق في استعمار أمّة أخرى واستعبادها, ولا فئة من المجتمع يباح لها اغتصاب فئة أخرى وانتهاك حرّيتها, ولا إنسان يحقّ له أن ينصب نفسه صنماً للآخرين).
ويضيف الإمام الصدر قائلاً:
(ومرّة أخرى نجد أنّ هذه المعركة القرآنية الثانية من معارك التحرير قد استعين فيها بنفس الطريقة التي استعملت في المعركة الأولى- وهي معركة التحرير في المحتوى الداخلي للإنسان- وتستعمل دائماً في كل ملاحم القرآن, وهي التوحيد, فمادام الإنسان يقرّ بالعبودية لله وحده فهو يرفض بطبيعة الحال كلّ صنم وكلّ تأليه مزوّر لأي إنسان وكائن , ويرفع رأسه حراً أبياً, ولا يستشعر ذلّ العبودية والهوان أمام أي قوة من قوى الأرض أو صنم من أصنامها, لأنّ ظاهرة الصنمّية في حياة الإنسان نشأت عن سببين: أحدهما عبوديته للشهوة التي تجعله يتنازل عن حرّيته إلى الصنم الإنساني الذي يقدر على إشباع تلك الشهوة وضمانها له, والآخر: جهله بما وراء تلك الأقنعة الصنمية المتألهة من نقاط الضعف والعجز, والإسلام حين حرّر الإنسان من عبودية الشهوة, وزيف تلك الأقنعة الخادعة كان طبيعياً أن ينتصر على الصنمّية ويمحو من عقول المسلمين عبودية الأصنام بمختلف أشكالها وألوانها)(17).
ولكي يعيش الإنسان حالة التحرر من الصنمية بكل ألوانها وأشكالها عليه أن يستقوي بالواحد الأحد عبر تعميق التعاطي مع العبودية الإلهية والتواصل المستمر معه, وذلك عن طريق الباب الذي فتحه الله تعالى لعباده باستمرار والالتقاء به في أوقات العبادة, وأوقات العبادة لله تعالى مفتوحة, من هنا عبّر الإمام الصدر تعبيراً جميلاً بقوله: ( العبادة حاجة إنسانية ثابتة)(18), وهذا ما ينبغي أن نسلّط الضوء عليه, وهي من ابداعات الإمام الصدر, التي تميّز بها, وتميّزت به.
نظرية الإمام الصدر في التوجيه الاجتماعي للعبادة:
الإمام الصدر وجّه العبادة توجيهاً دقيقاً واعتبرها حاجة إنسانية ثابتة لا تتأثّر بتطوّر الحياة وتقدّمها تكنولوجياً, فالإنسان هو الإنسان سواء كان إنسان البداوة أو إنسان التكنولوجيا, بلحاظ أنّ العبادة هي علاقة العبد بربه من جهة, وعلاقة الإنسان بالمجتمع من جهة أخرى, فالعبادة تترك أثرها الاجتماعي الكبير بما تحظى به من توجيه تربوي وعقدي في مجال علاقات الإنسان بأخيه الإنسان, وبهذا الصدد أفاد الإمام الصدر ما نصّه:
(العبادات فهي ليست علاقة بين الإنسان والطبيعة, لتتأثر بعوامل هذا التطوّر, وإنما هي علاقة بين الإنسان وربّه, ولهذه العلاقة دور روحي في توجيه علاقة الإنسان بأخيه الإنسان, وفي كلا هذين الجانبين نجد أنّ الإنسانية على مسار التأريخ تعيش عدداً من الحاجات الثابتة التي يواجهها إنسان عصر الزيت وإنسان عصر الكهرباء على السواء.
ونظام العبادات في الإسلام علاج ثابت لحاجات ثابتة من هذا النوع ولمشاكل ليست ذات طبيعة مرحلية, بل تواجه الإنسان في بنائه الفردي والاجتماعي والحضاري باستمرار, ولا يزال هذا العلاج الذي تعبّر عنه العبادات حيّاً في أهدافه حتى اليوم, وشرطاً أساسياً في تغلّب الإنسان على مشاكله ونجاحه في ممارسته الحضارية)(19).
ثم يُبيّن الإمام الصدر الخطوط الثابتة من الحاجات والمشاكل في حياة الإنسان والدور الذي تمارسه العبادات في إشباع تلك الحاجات, وهذه الخطوط هي:
1- الحاجة إلى الارتباط بالمطلق
2- الحاجة إلى الموضوعية في القصد وتجاوز الذات
3- الحاجة إلى الشعور الداخلي بالمسؤولية كضمان للتنفيذ(20)
نظرية الإمام الصدر في بيان سبيل الله تعالى:
في طيات البحث السابق يشير الإمام الصدر إلى مسألة في غاية الأهمية ألا وهي مسألة توجيه معنى سبيل الله تعالى.
فكيف وجّه الإمام الصدر معنى سبيل الله اجتماعياً؟
قال الإمام الصدر ما نصّه:
(وسبيل الله هو التعبد التجريدي عن السبيل لخدمة الإنسان, لأنّ كلّ عمل من أجل الله فإنمّا هو من أجل عباد الله, لأنّ الله هو الغني عن عباده, ولمّا كان الإله الحقّ المطلق فوق أيّ حدًّ وتخصيصٍ لا قرابة له لفئةٍ ولا تحيّز له إلى جهةٍ كان سبيله دائماً يعادل من الوجهة العملية سبيل الإنسانية جمعاء, فالعمل في سبيل الله ومن أجل الله هو العمل من أجل الناس ولخير الناس جميعاً, وتدريب نفسي وروحي مستمر في ذلك, وكلمّا جاء سبيل الله في الشريعة أمكن أن يعني ذلك تماماً سبيل الناس أجمعين)(21).
هذه النظرية العظيمة للإمام الصدر يترتّب عليها الكثير من الأحكام الشرعية, في مجال الزكاة والصدقات والأوقاف والأمور الخيرية الاجتماعية, وبذلك نفسح المجال الشرعي الواسع اتجاه تقديم الخدمات الإنسانية والاجتماعية لأبناء المجتمع من دون حصر الاستفادة منها لفئة محدودة من الناس وهذا المعنى الكبير سيعزّز مكانة الدين والعبادة في نفوس أبناء المجتمع ويحفّزهم نحو إتيان سبيل الخير تحت عنوان سبيل الله.
المبحث الثاني
أثـر المنظومة الأخلاقية للإمـام الصدر في بناء مجتمعنا
اتخذ الإمام الصدر منهجاً أخلاقياً ضمن منظومة متكاملة من القيم الأخلاقية مجتمعة, ليبني المجتمع من واقع التعاطي والمعايشة الفعلية تأسيّاً بالنبي الأكرم’ وأئمة أهل البيت^, فلذا كان يقول:
>نحن امتداد طبيعي للأئمة^<(22) وقد أجاد هذا الدور بإمتياز, فكان القائد القدوة في مختلف الميادين, فلم ينطلق في بناء المجتمع من فراغ, كما لم تكن منظومته الأخلاقية عفوية, وإنما كانت منطلقة من الاعتقاد والتبنّي وما يمثّله من رمزية دينية وعقدية واجتماعية.
فلذا تحلّى بصفات قلمّا تجتمع هذه عند غيره من العلماء, وهذا ما ينبغي التفصيل فيه مع رعاية الاختصار:
أولاً: التواضع الاجتماعي:
لقد أخضع الإمام الصدر حياته لمنهج التواضع بالحد الذي يكاد لا يُتصور في مجتمع دأب على نمط خاص من السلوك, فلذا أعطى درساً اجتماعياً بليغاً جدّاً, أصبح اُحدوثة من بعده, وترك أثراً كبيراً في نفوس المحبين وغيرهم, فعندما كان يجلس في مجلسه الأسبوعي ويستقبل مختلف شرائح المجتمع نلمس بوضوح قمّة التواضع الذي كان يتحلّى بها, فعلى سبيل المثال, كان يقوم احتراماً لفتى ذي العاشرة من العمر, فينبهر الضيوف الجالسين ويطلبوا منه الجلوس فيقول لهم: إنّ مسؤوليتي الشرعية اتجاه هذا الفتى تقتضي احترامه والقيام له, لتترك في نفسه الأثر التربوي الطيب.
ومثال آخر لشدة تواضعه الاجتماعي والمعرفي, وذلك بملاحظة رسالته القيّمة والمملوءة أدباً وتواضعاً, التي بعثها لأحد علماء البصرة وهو السيد أمير محمد القزويني عندما طلب الأخير من الإمام الصدر عن رغبته بالاطّلاع على بعض الأبحاث العلمية والفقهية والأصولية لسماحته, والمتعلقة بمستقبل المرجعية الدينية في العراق, بواسطة ابن أخته المرحوم الشيخ سليم القزويني, فبعث الإمام الصدر مجموعة أبحاثه وما كتبه بعض تلامذته, ومعها رسالة وديّة متواضعة طويلة نسبياً أقتطع منها ما نصّه:
(وأنا أودّ يا مولاي العزيز- بهذه المناسبة- أن أشكر لكم عنايتكم الأخوية بي, التي اعتبرها بحقّ من كنوزي في الحياة, ومن آمالي الكبيرة في خطّ الإسلام العظيم, وفي نفس الوقت أؤكد لسماحتكم أنّي أرسلت تلك البحوث لمجرّد أن يطلّع أخ على بحوث أخيه, غيرُ راضٍ بأي وجه من الوجوه بأن يُرتّب عليها بعض الآثار التي أشار إليها أولئك الإخوان الأعزاء, الذين بلّغوني رغبتكم الشريفة, فإنّهم ذكروا أنّ سماحتكم ترغبون في الاطّلاع على بحوثي الفقهية وتقييمها, من الناحية العلمية, لكي تتخذوا موقفاً معيّناً تجاه المؤمنين الراغبين في الرجوع إليَّ في المسائل الدينية)(23).
وفي هذا المجال لا يمكننا استيعاب ما كان يتحلّى به الإمام الصدر من تواضع اجتماعي ضخم يُعبرّ عن منهج أخلاقي معمَّق في شخصه وملتزم به أشدّ الإلتزام ولا يكاد يفارقه ولو في أحلك الظروف القاسية التي مرّ بها, ممّا يؤشر للقيمة العالية لتلك المواقف المبدأية المتأصّلة فيه.
ثانياً: وعي العبادة الاجتماعي والأخلاقي:
لقد وعى الإمام الصدر العبادة لله عزّ وجلّ وعياً رسالياً اجتماعياً وأخلاقياً, فلذا نظر إليها بمنظاره القيّم فأصّل مفهومها بوعي دقيق, وفلسف تشريعها بأنها حاجة إنسانية ثابتة, إذ ليست العبادة أمراً طارئاً, أو متأرجحاً, أو قلقاً يخضع لظروف معينة دون أخرى, وإنما حاجة قائمة في عمق وجود الإنسان, ووسيلة تربوية رادعة ورائعة, أهتمّ بها الشارع المقدّس, وأبرز الإمام الصدر هذا الاهتمام على الصعيدين الاجتماعي والفردي, فقال ما نصّه:
(ويبلغ الجانب الاجتماعي من العبادة القِمّة في ما تطرحه العبادة من شعاراتٍ تشكّل على المسرح الاجتماعي رمزاً روحياً لوحدة الأمّة وشعورها بأصالتها وتميّزها, فالقبلة أو بيت الله الحرام شعار طرحته الشريعة من خلال ما شرّعت من عبادةٍ وصلاة, ولم يأخذ هذا الشعار بعداً دينياً فحسب, بل كان له أيضاً بعده الاجتماعي بوصفه رمزاً لوحدة هذه الأمّة وأصالتها, ولهذا – واجه المسلمون- عندما شُرّعت لهم قبلتهم الجديدة هذه- شَغَباً شديداً من السفهاء على حدّ تعبير القرآن الكريم(24), لأن هؤلاء السفهاء أدركوا المدلول الاجتماعي لهذا التشريع, وأنّه مظهر من مظاهر إعطاء هذه الأمّة شخصيتها وجعلها اُمةً وسطا)(25).
هذا على الصعيد الاجتماعي, أما على الصعيد الفردي, فكان رضوان الله عليه يدرك أهميتها إدراكاً عظيماً, ويتعاطى معها بمصداقية عالية, ويعظّم شأنها غاية التعظيم, فكان لا يؤدي صلاته إلّا بحضور قلب وانقطاع وتفاعل مما يضطر بعض الأحيان إلى أن يستجمع قواه العقلية, ويستحصل على الصفاء الروحي قبل أن يؤديها فقد نقل عنه الشيخ النعماني- الذي كان مرافقاً له- ما نصّه:
(إنّي آليت على نفسي منذ الصغر أن لا أصلّي إلّا بحضور قلب وانقطاع فأضطر في بعض الأحيان إلى الإنتظار حتّى أتمكن من طرد الأفكار التي في ذهني حتى تحصل لي حالة الصفاء والانقطاع وعندها أقوم للصلاة)(26).
ويختم بحثه في العبادة بالدعاء العرفاني, الذي يكشف عن شغفه بالعبادة وإعطائها المساحة الكافية في التربية الذاتية, فكانت له نعم العون على ما وُفق له من تفتّق معرفي وعبقرية علمية, فكان يدعو بالدعاء التالي: (ومن الله نستمد الاعتصام, وإليه نبتهل أن لا يحرمنا من شرف عبادته, ويدرجنا في عباده المرضيّين, ويتجاوز عنّا بلطفه وإحسانه وهو الذي وسعت رحمته كلّ شيء { وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(27).
وفي مجال (نكران الذات) سطر أروع المواقف المبدئية, وتصاغر بين يدي الإمام الخميني+ في رسائله ومواقفه, كما تفانى في خدمة وتبجيل أستاذه الإمام الخوئي+, فلذا كان السيد الخوئي يعظّم شأن الصدر كثيراً, لأنه يعرف منزلته وعظم شأنه, وهذه المنطلقات الأخلاقية التي تحلّى بها الإمام الصدر, إنما تحلّى بها عن وعي وإرادة وتصميم, كما قال ذلك لأحد ملازميه: (أنا يا ولدي أريد أن اُغير هذا الواقع بقولي وفعلي, وعليك أن لا تنسى هذه الحقيقة في كلّ تصرّفاتك وأعمالك)(28).
فكانت منظومته الأخلاقية مدرسة تربوية بحقّ, ومسلك للتأسّي بالرسول الأكرم محمد’ وأهل بيته الأطهار^, وبهذا الصدد قال عنه أحد تلامذته:
(ولا يغيب عنّا ما تحلّى به من عبقرية في الخلق والعمل إلى جانب عبقريّـته في الفكر والنّظر, إذ جمع بين البطولة الفائقة والعاطفة الجياشة وبين الجدّ والزّهد والتَعبّد والقناعة والجهاد وحمل وسام المرجعية ووسام الشهادة مع نكران الذات فهو مفكّر مجدّد ومرجع شهيد وإمام مؤسس وعبقريّ فريد)(29).
المبحث الثالث
منهج الإمام الصدر في صناعة الرجال لتكتب كتاب مجتمعنا بواقعية
اهتم الإمام الصدر+ اهتماماً بالغاً بصناعة الرجال الذين يمثلّون قادة الأمّة وطليعتها ليعينوه في مشروعه التغييري الرائد ويكملوا مسيرته الرسالية, ويتولوّن ربط الأمّة بالمرجعية الدينية العليا. ومن أجل تحقيق برنامجه المذكور اتخذ عدّة إجراءات وكما يلي:
أولاً: إرسال الوكلاء إلى المناطق وترسيخ دور المرجعية:
لقد أقدم الإمام الصدر على هذه الخطوة الرائدة والإجراء الحكيم بعد عام (1973) عندما اتجهت الأمة نحو تقليده, وأخذت تطالب بإرسال ممثّلين عنه ووكلاء له إلى مناطقها, فقام بالاستجابة لتلك المطالب وأرسل العديد من الوكلاء الى مختلف المحافظات والأقضية والنواحي والمناطق المتعددة, ليكونوا حلقة الوصل بين الأمّة وبين المرجعية الدينية العليا, والتعريف بدوره الأساسي والمحوري في الأمة, وللعمل على ترسيخ القيم الدينية والرسالية لدى جمهور الأمّة والقيام بتقديم المساعدات وإعانة المحتاجين بمختلف وسائل الدعم, والإسهام بحلّ مشاكلهم الإجتماعية والإقتصادية.
وقد اختط المرجع الصدر نهجاً خاصاً في توجيه الوكلاء وتربيتهم وتهذيبهم ليكونوا رسل المرجعية إلى الأمة, وقد جاء في احدى حوارياته مع أحد الوكلاء قائلاً: (يجب عليك أن تحافظ على شخصيّتك أمام الأمة, وأن تترفّع عن الاحتياج الماديّ لهم, جتّى يمكنك أن تؤثر فيهم, وينصتوا إلى أرشاداتك وتوجيهاتك, فالمرجعية الدينية تتحمّل احتياجاتكم الحياتية ممّا يؤمّن لكم عيشاً كريماً)(30).
هذا التوجيه الدقيق والدعم المتواصل للوكلاء كي ينجحوا في أداء مهمتهم الرسالية.
ثانياً: منهج الإمام الصدر الممّيز في اختيار الوكلاء:
للإمام الصدر منهج تميّز به بشأن اختيار الوكلاء وتوجيههم بما يحقّق مشروعه الذي كان يصبو إليه, ويعدّهم كقادة لمستقبل العمل السياسي الرسالي في العراق.
ولكي نعرف دقّة الإمام الصدر في اختيار الوكلاء وتقديم النصح والتوجيه لهم, كان يتحرّى أخبارهم في المناطق التي كانوا يشغلونها, ويستقبل وفود تلك المناطق ويسألهم عن عالِمهم ودوره في الإرشاد والاهتمام بالناس, فإذا كان الجواب ايجابياً نجده يسجد لله شاكرا باكياً و متضرعاً لنجاح مهمة هذا الوكيل أو ذاك, وأما إذا كان الجواب سلبياً أحياناً، فكان يبعث خلفه ويستدعيه وربما يستبدله إذا يأس من إصلاحه, وكان رضوان الله عليه يدوّن المعلومات الدقيقة عن كل وكيل, بشكل تفصيلي في سجّل يتضمن مجموعة الوكلاء, ( فيكتب في البداية اسم الوكيل ولقبه وكنيته، وعمره, و تحصيله الأكاديمي خريج كلية أو معهد أو ثانوية حامل للشهادة الفلانية وفي الاختصاص الفلاني, ثم مستواه العلمي والثقافي والديني، وهل يجيد الخطابة ؟ أم لا ؟
وهل هو مؤهّل لإدارة منطقة أو مدينة؟
وهل يناسب تلك المنطقة؟
وهل هو مستعد لتحمل المسؤولية ؟
وهل عنده اطّلاع على عادات المنطقة وطبيعة المجتمع الذي يحيط به؟
وعن اتجاهاته السياسية، وهل عنده اطلاع – ولو إلى حد ما – على فتاوى المراجع لبيان الأحكام الشرعية؛ لأن الوكلاء ـ كما يقول سماحته- هم رسل المرجعية والحوزة العلمية، واللسان المعبّر عنها, وعن مواقفها في مختلف المجالات، وأخيراّ مدى تأثره بالمغريات المادية، ومستوى أدائه وقوّة إرادته، وهل هو سهل الانقياد؟ أم لا ؟(31).
هذا المنهج الدقيق تميّز به الإمام الصدر ، لأنه منطلق من قاعدة رصينة تتضمن رؤية رسالية ثاقبة، لها الهدفية الكاملة في موضوع تغيير الأمة، إضافة للمتابعات الأخرى التي ذكرناها آنفاً .
ثالثاً: مشروع القيادة النائبة:
لقد أعدّ الإمام الصدر مشروعاً غاية في الأهمية والخطورة ألا وهو مشروع “القيادة النائبة” من أجل أن تتولى هذه القيادة زمام المبادرة، وقيادة الأمة وتواصل العمل التغييري الرسالي بعد استشهاده رضوان الله عليه, باعتباره قد توقّع بما لا يخالفه الشك بأن السلطة الغاشمة ستنتقم منه يوما ما، ولا تدعه يكمل مشروعه الريادي في عملية التغيير الاجتماعي الديني, متوقعاً أنّ القيادة النائبة ستكمل المشروع النهضوي الذي أرسى دعائمه، ورعى بنيانه، وسقاه بعرق جبينه، ثم بدمه الزكي, وكان يتمنّى ويأمل تحقّق هذه النظرية من خلال تولّي مَن هو أهل للمسؤولية لزمام الأمور، وكان يتحدّث في مجالسه الخاصّة مع النخب الإسلامية المثقفة قائلاً: (أنّ النهضة الإسلامية سوف تنطلق من العراق إذا تولّى الأمر أفراد على قدر المسؤولية)(32).
رابعاً: الإمام الصدر يصرّح بهوية كتاب مجتمعنا:
لقد صرّح الإمام الصدر+ بهذه الحقيقة عن مشروعه الريادي المستقبلي المتعلّق بالمجتمع في مجال الشؤون السياسية والاقتصادية والإجتماعية والعلاقات العامة وغيرها من الأمور، ولكي نطلع على هذه الـحقيقة، وهـوية الـكتاب وهـذا الـمشروع, نـذكـر الـحوار الـذي جـرى بـين الإمام الصدر والشيخ أحمد الوائلي& فقال مخاطباً الإمام الصدر بقوله :
(يـا سيدنـا يـا أبـا جعفر، جـزاك الله عن الإسـلام خيـرا فـقد أغنيت سـاحته وخصوصاً بـالـكتـابين (فلسفتنا واقتصادنا)، فقد وضع هذان الكتابان بأيدينا سلاحاً لمقارعة هذه الهجمة الماركسية الشرسة، وفي الوقت ذاته أعدت الثقة إلى النفوس حتى نفوس بعض من يُشار إليه بالدفاع عن الإسلام، بأنّ بُنية الإسلام تختزن طاقات هائلة لمعالجة كل شؤون الحياة وهي بانتظار الذهنية الثاقبة والمبادرة الألمعية للأخذ من هذا الخزين وتقديمه غذاءً سائغاً، وامتداداً لهذا العطاء أرى من الضروري الإسراع بإخراج كتاب (مجتمعنا) حتى تكمُل الحلقة وتُهيّأ القاعدة للكتابين السابقين ضرورة أنّ الاقتصاد والفلسفة من أدوات المجتمع التي تصنعها حاجته لوعي الحقائق وتوظيف ما يمكن منها لبناء المجتمع.
فقال السيد الصدر : >يا شيخ أحمد، إنّ مواد الكتاب جاهزة, ولكن شغلتني شؤون الحوزة عن القيام بتهيئته وإخراجه<.
فقال الشيخ الوائلي: لو سمحت لي فإني أرى إخراج كتاب مجتمعنا أهمّ من هذه الشؤون التي تذهب والكتاب يبقى وثيقة تتناولها الأجيال.
فقال له السيد الصدر: >قد يكون كما تقول يبقى الكتاب وثيقة، ولكنّها وثيقة في أوراق يتصدّى لها من يعرف عنها، ولا تتصدّى الأوراق في أنفسها للناس، وأنا أريد نسخاً من مجتمعنا متحرّكة تجسّد همومنا وطموحاتنا، وبوسعها آنذاك هي أن تؤلّف كتاباّ وكتاباّ، وأنا مشغول بهذا الهمّ بأن أًهيّئ كوادر مؤهلة لتكون فكراً إسلامياً يمشي وتتناسخه أجيال بعضها عن بعض، وبذلك نعيد التجربة الرائدة التي جسّدها الإسلام في الصحابة، فما نفع إسلام يعيش بِمَعزِلٍ عن التفاعل الحيّ مع الحياة » . وقد ذكر المرحوم الدكتور أحمد الوائلي& تفاصيل هذا اللقاء في احدى محاضراته المثبتة في موقعه الالكتروني)(33).
وإتماماً للفائدة, ولمعرفة هوية وحقيقة كتاب مجتمعنا, نشيركم إلى ما ذكره السيد الخطيب في ذكريات وخواطر عن الشهيد الصدر, فقال ما نصّه:
(وبعد أن خرج الشيخ الوائلي، توجّهت إلى السيد الشهيد بالسؤال: ما أهمية هذا الكتاب الذي دار الكلام حوله؟ وماذا يتضمن؟
فأجابني قائلاً: « هو ليس كتابا مطبوعاً وإنما هي فكرة جاهزة في ذهني تحتاج إلى وقت لبلورتها وإخراجها، ولو قدّر لهذه الفكرة أن تخرج إلى حيّز التطبيق. فإنّها ستكون منهاجاً شاملاً لمبادئ الإسلام ومنطلقاته وقوانينه وتشريعاته وقيَمِهِ وأخلاقه، أي أنّه سيعالج جميع شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلاقات العامة والخاصّة في المجتمع، وبعبارة أخرى: فإنه سيعتبر دستوراً لإدارة الدولة والمجتمع الإسلامي على جميع الأصعدة<(34).
فقلت: هذا شيء عظيم يا سيدنا، لماذا لا تعمل على إخراجه؟
فأجابني: (إنّ إخراجه في هذه المرحلة قد يخلق لنا مشاكل و إحراجات نحن في غنى عنها(35).
وهكذا فقد أفصح الإمام الصدر عن هوية كتاب (مجتمعنا) وما كان يهدف إليه في تأليفه، فقد كان دستوراً للمجتمع والدولة ومنهاجاً تقويميا لعملية التغيير الاجتماعي الذي كان ينشده الإمام الصدر+، ولكنّ الطاغية المتفرعن صدام المقبور, لم يمهله فامتدت إليه يد الغدر والخيانة، فحرمت الناس من عطائه وفكره وأبوّته ومرجعيته الدينية، وبقيت كتبه وحياته وسيرته تحكي على كتاب مجتمعنا لمجتمعنا.
والحمد لله ربّ العالمين
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
خاتمة البحث
لقد تناول البحث موضوعات متعددة تستهدف بيان الأسس والمبادئ والمميزات لمنهج الإمام الصدر بما يخصّ مجتمعنا، فلقد كان المجتمع حاضراً في تفكيره ووجدانه وهو يقوده نحو سبل الهداية والسلام والأمان.
وقد حرص على أن يوقظ المجتمع بالارتباط بالمَثَل الأعلى الحقيقي, ويزيل عنه التعارض الحاصل بين مصالح الذات و مصالح المجتمع، وذلك باعتماد مبدأ النبوة والمعاد.
كما قد ركّز البحث على منهج الإمام الصدر في إعداد القادة القدوة, الذين يتحمّلون مسؤولية قيادة المجتمع نحو بـرّ الأمان ليواصلوا مشروعه الريادي الرسالي في عملية التغيير الاجتماعي.
وأخيراً فقد أفصح الإمام الصدر عن هوية كتاب مجتمعنا بمحتوياته ومواده, رغم سعيه وتأكيده على بناء وصناعة القادة والرجال الذين يتحملون مسؤولية قيادة المجتمع الرسالي و هم سيكتبون كتاب مجتمعنا بواقعية.
الهوامش
- علوم القرآن, للسيد محمد باقر الحكيم: 18, بحث كتبه السيد الشهيد الصدر.
- المدرسة القرآنية, للسيد الشهيد الصدر: 56, بتصرّف توضيحي.
- المدرسة القرآنية: 106.
- انظر: الإسلام يقود الحياة, مبحث خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء.
- انظر: المدرسة القرآنية, للسيد الشهيد محمد باقر الصدر: 185-186.
- انظر: فلسفتنا, للسيد الشهيد الصدر: 20-55.
- المدرسة القرآنية: 119-120.
- الإنشقاق: 6.
- النور: 39 {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
- المدرسة القرآنية: 141-143.
- انظر: الفتاوى الواضحة, للشهيد الصدر: 31-62, مبحث المرسِل.
- انظر: المصدر السابق: 63-65.
- المصدر السابق: 70-71.
- الزلزلة: 7-8.
- الفتاوى الواضحة, للإمام الصدر: 71, مبحث الرسول.
- آل عمران: 64.
- المدرسة القرآنية, للإمام الصدر: 362-363, مبحث الحرية في القرآن.
- الفتاوى الواضحة: 748.
- الفتاوى الواضحة: 751- 752, تفصيلات البحث في الصفحات (752-766).
- الفتاوى الواضحة: 751- 752, تفصيلات البحث في الصفحات (752-766).
- الفتاوى الواضحة: 762.
- قال الإمام الصدر: خط الشهادة يتحمل مسؤولية المرجع على أساس أنّ المرجعية امتداد للنبوة والإمامة على هذا الخط, الإسلام يقود الحياة: 159.
- انظر: ذكريات وخواطر رحلتي مع الإمام محمد باقر الصدر, للسيد محمود الخطيب: 32-33.
- قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } البقرة: 142-143.
- الفتاوى الواضحة, مبحث العبادة: 776.
- سنوات المحنة وأيام الحصار, للشيخ محمد رضا النعماني: 121.
- يس: 22, الفتاوى الواضحة: 780.
- سنوات المحنة وأيام الحصار: 102.
- مجتمعنا, للسيد منذر الحكيم: 486.
- ذكريات وخواطر: 37.
- المصدر السابق: 38.
- المصدر السابق: 179.
- المصدر السابق: 170-171.
- المصدر السابق: 171.
- المصدر السابق: 171.
المصادر
- القرآن الكريم
- علوم القرآن, للسيد محمد باقر الحكيم, مجمع الفكر الإسلامي- قم- ,ط8/ 1428هـ
- المدرسة القرآنية, للسيد الشهيد محمد باقر الصدر, مكتبة سلمان المحمدي – بغداد – ط1/ 1434هـ – 2013م
- الإسلام يقود الحياة, للسيد الشهيد محمد باقر الصدر, مركز الأبحاث والدراسات التخصصية, قم, ط5/ 1436هـ
- فلسفتنا, للسيد محمد باقر الصدر, مركز الأبحاث والدراسات التخصصية, قم, ط2/ 1427هـ
- الفتاوى الواضحة, للسيد الشهيد محمد باقر الصدر, مركز الأبحاث والدراسات التخصصية, قم, ط2/ 1430هـ
- اقتصادنا, للسيد الشهيد محمد باقر الصدر, مركز الأبحاث والدراسات التخصصية, قم, ط2/ 1431هـ
- ذكريات وخواطر رحلتي مع الإمام محمد باقر الصدر, للسيد محمود الخطيب, دار كلمة الحق, قم, ط1/ 1440هـ
- سنوات المحنة وأيام الحصار, للشيخ محمد رضا النعماني, قم
- مجتمعنا, للسيد منذر الحكيم, دار الإسلام, ط3/ 1444هـ-2022م
