الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر ظاهرة حضارية

(إنما يخشى الله من عباده العلماء)

يمثل الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) ظاهرة حضارية متميزة في عالم الفكر الإسلامي المعاصر، وفي مسيرة الحركة الإسلامية العالمية، فلقد انطوت شخصيته الفذّة على عديد من الخصائص والأبعاد التي برز فيها عنصر الإبداع، والريادة، والتجديد في مختلف حقول المعرفة الإسلامية والإنسانية.

فلقد كان الإمام الصدر مرجعاً دينياً حمل لواء التغيير والإصلاح في المؤسسة الدينية، وأعطى للمرجعية القائدة صورتها المشرقة في استيعاب مشكلات الفرد المسلم والأمة المسلمة، وحاجتها إلى الحل الإسلامي الذي يحقق الانسجام مع الشريعة السمحة، ومتطلبات الواقع المتجدد.

وكان المفكر الإسلامي الذي نقل واقع المواجهة الفكرية بين الإسلام وخصومه من الفلسفات والعقائد والأفكار الأخرى من خندق الدفاع إلى ساحة التحدي والمواجهة، فطرح الإسلام بديلاً حقيقيّاً، يشبع حاجات الإنسانية المتعطشة، وينقذها من التيه والضّلال، الذي تتخبط فيه.

وكان الداعية الرائد الذي خطط بوعي وبصيرة في حمل لواء الدعوة الإسلامية، وإيصالها إلى أوسع قطاعات الأمة، وتعبئة الجماهير حول المنهج الإسلامي القويم.

وكان القائد المجاهد الذي تصدى لأعتى نظام شهده عالمنا اليوم بشجاعة قلَّ نظيرها، ودافع عن أمّته وشعبه، وقدّم دمه الزّكيّ قرباناً في طريق كسر القيود والأغلال التي حاول الطّغاة تكبيل إرادة الأمّة بها، ومسخ شخصيتها الإسلامية، وسلب إرادتها الحرّة.

وهو الشاهد والشهيد على عصره وأمته، إذ لم تهجم عليه اللوابس، ولم تختلط عليه الأوراق، فقد كان أصيلاً في فكره، حصيفاً في رأيه، حكيماً في مواقفه، قد قدّم كل وجوده لدينه وأمّته وقضيّته.

وفوق ذلك كلّه كان الإمام الصّدر ضمير الأمة الإسلامية الحي، وقلبها النابض، وعقلها الواعي، وفكرها المبدع.

لقد أدركت قيمة الإمام الصدر القلة الواعية من أبناء أمتنا، الذين وجدوا فيه الأنموذج الأمثل، والمعين الذي لا ينضب، في معاركهم الفكرية والسياسية، مع أعداء الإسلام.. وجدوا فيه الموقف الجهادي الّذي لا يساوم، والنهج الفكري الذي لا يهزم والنّفس الكبيرة الّتي تفيض حبّاً وحناناً على أبناء أمّته..

وجدوا فيه الأب الحاني، والقائد المقدام، ففدوه بأرواحهم، ونذروا أنفسهم للسير في دربه المضمخ بالدم، وإكمال شوطه الطّويل.

لقد تحوّل الصدر إلى قضية يحملها الدعاة الإسلاميون في كل مكان، وأنشودة يردّدها الثائرون على الظّلم والطّغاة في كلّ زمان وآن.

وأدرك أعداء الإسلام قيمة الصّدر، إذ وجدوا فيه خطراً يهدّد مصالحهم، والسد المنيع أمام مخططاتهم، فقرروا القضاء عليه، وتصفيته جسديّاً، وأنى لهم ذلك إذ تحول الصدر إلى خط فكريّ، وأمة تعشق الشهادة، ولا تهاب الموت.

ومؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيرية التي هي ثمرة من ثمرات عطاءات الإمام الشهيد الصدر (قدس سره) ونفحة من روحه الطاهرة، يسرها أن تطلق جائزة التميز والإبداع باسم الإمام الشهيد محمد باقر الصدر، وبإسناد علمي من جامعة الإمام جعفر الصادق (ع)، وذلك للإسهام في إحياء فكر وتراث ومدرسة الإمام الصدر، بطريقة علمية أكاديمية حضارية، كما تسعى من خلال هذا المشروع المعرفي أن تستوعب الطّاقات العلمية، وتحفّز عناصر الإبداع والتميز الرّائد لدى الباحثين، وتفجر المواهب الواعدة، والأذهان المتفتحة بالوعي والإيمان، لدى الشباب والمثقفين.

إن هذا المشروع عنوان ثقافي رائد، يهدف إلى إحياء ذكرى الإمام الشهيد الصدر بطريقة حضارية، بعيدة عن الاجترار والتكرار، لكي تظل مدرسة الصدر في مسيرتنا، عميقة الجذور، خصبة العطاء والثمار، في مختلف مواقع الفكر، والمعرفة، والحركة، والجهاد، والصراع والمواجهة.

واليوم إذ نستعيد ذكرى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، ونستوحي من حياته وفكره وجهاده الدّروس والعبر، فإنَّ من الضروري التّأكيد على أنَّ الإمام الشهيد الصدر، ليس تأريخيّاً صامتاً، أو تراثاً نعتزّ به فحسب، بل هو مدرسة ممتدة، ومنهج علمي قائم، وهذا ما يستدعي تحريك عناصره في واقعنا الحالي، وفي مستقبلنا المنشود.

لقد وضع الإمام الشهيد أسساً راقية رصينة في معالجة قضايا الفكر والعقيدة والتأريخ والاقتصاد والفلسفة، وغيرها من المجالات المعرفية، واستطاع أن ينقل البحث العلمي فيها من الحالة التأريخية الرّاكدة إلى الحالة الحية المعاصرة، وهذا ما يستدعي أن نسلك منهجه وأن نعتمد طريقته في مواصلة فكره العملاق، وجعله ممتدّاً قائماً في مناقشة مشكلات العصر، والبحث عن حلول لها بالاستناد إلى الأصالة الإسلامية التي يمتاز بها فكره وعقله.

إن قيمة الكتابة عن الشهيد الصدر (قدس سره) تكمن في إبقاء منهجه حيّاً متواصلاً، واعتماد أسسه العلمية العميقة، فهي أكبر من مؤلفات وأبحاث، وأكثر من رسائل وأطاريح، إنها مدرسة المعرفة الحية المتجددة، وهذه مسؤولية الباحثين والأكاديميين وأهل الاختصاص في مجالات الفكر والاجتماع والسياسة.

والله ولي التوفيق
حسين بركة الشامي
رجب 1439هـ/2018م
بغداد

جائزة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر للتميز والإبداع

الفكرة والأبعاد

مع مرور أكثر من نصف قرن من الزمن على انطلاقة مدرسة الشهيد الصدر في العراق، إلا أننا نشعر أنَّها ما زالت مغلقة على شريحة النخبة المثقفة، ونعتقد أنَّها لم تنزل إلى ساحة الثقافة العامة بعد، وقد آن الأوان لأن نعرض أبعاد هذه المدرسة وعلومها المختلفة، على مستوى المناهج الدراسية في الجامعات، والثقافة العامة لأبناء هذا الجيل الذي هو أحوج ما يكون لاكتشاف أسرار وأبعاد هذه المدرسة، ومعرفة فلسفتها وأسسها ومنطلقاتها المعرفية والإنسانية والسياسية.

ومن هنا كانت فكرة جائزة الإمام الشهيد الصدر للتميز والإبداع التي تقوم على مبادرة مؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيرية ورعاية جامعة الإمام جعفر الصادق (ع) الأهلية لإحياء الذكرى.

وإن هذه الجائزة سنوية في كل عام، مع تطويرها وترصينها، وجعلها مؤسسة خاصة في موضوعها.

ومن أبعاد هذه الجائزة المباركة:

أولاً: حفظ وتوثيق فكر وتراث مدرسة الإمام الشهيد الصدر، والتواصل مع الشخصيات العلمية المهتمة بهذه المدرسة، وتكريمها وفق الأعراف العلمية.

ثانياً: إثارة الوعي ومنهج البحث العلمي، وتوسيع دائرة المهتمين بالإمام الشهيد الصدر على صعيد الجامعات الأكاديمية، والحوزات العلمية، وطبقة المثقفين، وأبناء هذا الجيل الّذي لم يكتشف بعد عمق هذه المدرسة الأصيلة، وأبعادها الممتدة.

ثالثاً: معالجة الإشكاليات الفكرية، والعلمية والسياسية في حياة الأمة، ودراستها دراسة مقارنة، من أجل أن نوحد الخطاب الفكري والسياسي في مواجهة التيارات الأخرى التي تريد أن تتمدد في ساحتنا الإسلامية على حساب فكرنا وثقافتنا ومصالح أمتنا السياسية والاجتماعية.

رابعاً: تعدّ هذه الجائزة خطوة حضارية رائدة، ولمسة وفاء لشخصية الإمام الشهيد الصدر، الذي قدم كل فكره ووجوده من أجل دينه وأمّته وقضيته.

خامساً: إن مشروع جائزة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر من شأنه أن يردم الفجوة ويقرب المسافة بين الحوزات العلمية، وما تمثله من خزين معرفي وثقافي وحضاري أصيل، وبين الجامعات الأكاديمية، وما تختص به من مناهج علمية حديثة، وآفاق معرفية في مختلف صنوف العلوم النظرية والتطبيقية، فإنّنا نعتقد أن الشهيد الصدر وفكره وروحه وتراثه هو العنصر المشترك بين هذين الكيانين المعرفيين، فقد استطاع (رحمه الله) أن يكتسب أعلى درجات الاعتراف من الحوزة العلمية، وفرض فكره ونظريّاته على مستوى مناهج البحث العلمي المعاصر في الجامعات.

ومن هنا فإن الحوزة لا تعيش العزلة والانطواء على الذات من وجهة نظر الشهيد الصدر، وإن الجامعات المعاصرة لا تفكر بعيداً عن مصادر الأصالة والتراث والهوية.

سادساً: تتضمن الجائزة درعاً متميزاً من الدرجة الأولى لإحياء الذكرى، مع مبلغ مالي تقديري للفائزين الثلاثة الأوائل، ويكرم أيضاً أصحاب المؤلفات والبحوث المتميزة حول الشهيد الصدر ومدرسته الفكرية؛ إذ تقدّم الجائزة ضمن احتفالية خاصة في أجواء ذكرى الإمام الشهيد الصدر، وتمنح هدايا رمزيّة، وشهادات تقديرية للمشاركين وبعض الحاضرين، والضيوف والعلماء وبعض المسؤولين في الدولة.

سابعاً: تتكفل مؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيرية بطباعة جميع الرسائل والأطاريح والأعمال الفكرية المتميزة التي قدمت وتقدم من المشاركين في هذه الجائزة الرائدة.

ومن الله التوفيق.

الشهيد الصدر.. الخصائص والمميزات

إن من أهم خصائص ومميزات مدرسة الشهيد الصدر (قدس سره) هو العمق والشمولية والترابط المنطقي، والذوق الفني، والنزعة الوجدانية والفهم العرفي، والأصالة والتنوع في مجالات المعرفة الإسلامية والإنسانية.

فقد بدأ الإمام الشهيد الصّدر أستاذاً في علوم الشريعة: (الفقه، والأصول، والحديث)، ومنظّراً لأسس الدعوة والحركة الإسلامية، ثم كاتباً مبدعاً فكريّاً ومكتشفاً نظريّاً في كتابيه الخالدين (فلسفتنا) و(اقتصادنا) وكتابه (البنك اللاربوي في الإسلام)، ومجدداً في الفقه والأصول؛ إذ طرح فقه المذهب والنظرية بعد أن كان الفقه حبيساً في شؤون الأفراد، ومسائل العبادات، والأحوال الشخصية، وناقش أساطين علم الأصول، وطرح نظريّاته الأصولية والعقلية برصانة وقوة لا تخلو من التحدي، ثم برز فيلسوفاً متفرداً في (الأسس المنطقية للاستقراء) فضلاً عن طروحاته العامة في العلوم الشرعية، وبناء الدولة، والمفاهيم الإسلامية في مختلف مجالات المعرفة الإسلامية والحركية كما في كتابه (الإسلام يقود الحياة).

ومن هذا المنطلق فإنَّ جائزة الإمام الشهيد الصدر التي أطلقتها مؤسسة دار الإسلام الخيرية إنما تهدف إلى إثارة الوعي، وتحفيز إرادة الباحثين، ومواهب الشباب والمثقّفين، نحو اكتشاف أبعاد ونظريات مدرسة الإمام الشهيد الصدر، وفق مناهج البحث العلمي الحديث، من أجل تنظيم الأفكار، ودراسة الأسس والمفاهيم التي تكفل بناء الفرد والمجتمع، والدولة، والنظام، والحضارة.

وإن هذه الجائزة تمنح لكل كاتب مبدعٍ كتب في واحد من مجالات علوم وآفاق مدرسة الشهيد الصدر، وقدم رؤية تضيء الطريق للباحثين والمثقفين، ليس لأبناء هذا الجيل فحسب، إنما تنير دروب البحث والدراسة لأبناء الأجيال القادمة.

المحاور والملاحظ

إن جائزة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر التي أطلقتها مؤسسة دار الإسلام الخيرية مشروع علمي، ثقافي سنوي، لا يختلف عن أمثاله من المشاريع العلمية والثقافية المتبعة في الجامعات والمؤسسات الثقافية والعالمية، إذ يتسم هذا المشروع بسمات المنهج العلمي الموضوعي البعيد عن الجوانب الشخصية والعاطفية، وإن كان للعاطفة والمشاعر حضورٌ في حياة الصّدر وفكره وشهادته الدّامية.

ومن هنا فإنَّه لا بدَّ لهذه الجائزة من شروط ومحاور وملاحظ تحفظ رصانتها، وتحدد جوانبها الموضوعيّة، وهي:

  • تستوعب الجائزة الرسائل والأطاريح والكتب ذات القيمة العلمية والموضوعية والبحوث وفق منهج البحث العلمي المعروف في مراكز البحوث والدّراسات.
  • تخضع الأبحاث المشاركة إلى تقييم لجنة علمية معتمدة لاختيار الفائز الأول والثاني والثالث، ويكرم أصحاب المؤلفات العلمية القيمة حول الشهيد الصدر.
  • يعلن الموعد المحدد والمحاور العامّة للمؤتمر في كل دورة سنوية قبل 6 أشهر من انعقاده ويحدّد الشّروط العامّة للدّورة السنويّة والمواعيد فيه.

المرتكزات المعتمدة في التّقييم

إن الأسس والمرتكزات التي تعتمدها المؤسسة في التقييم هي ما يأتي:

  • تقييم أصل موضوع الدراسة، وأهميته العلمية، وسبب اختياره من الباحث، وما حققه من أهداف علمية ذات قيمة موضوعيّة في دراسته.
  • تقييم المنهج العلمي المتبع من الباحث في دراسته، ومدى قوة هذا المنهج ورصانته وتوظيفه في البحث والاستنتاج.
  • تقييم لغة البحث والدراسة وطبيعتها، مع ملاحظة الأسلوب الأدبي والفني في التّصوير والتعبير، وطريقة الباحث في عرض الأفكار والآراء الواردة فيها.
  • تعتمد الدّقّة في استعمال المراجع والمصادر، المعتمدة في البحث والدّراسة، ومدى التزام الباحث بالأمانة العلمية، والحقوق الفكرية للآخرين.
  • ملاحظة وتقييم الجوانب الفنية للباحث في كتابة الدّراسة على مستوى الأخطاء الإملائية والمطبعية والالتزام بنظام أدوات التّرقيم بحسب النّظم المتّبعة في مراكز الأبحاث والدّراسات والجامعات الرّصينة.