وسائل ديوان الرقابة المالية الاتحادي في مكافحة الفساد المالي والاداري
العنوان: وسائل ديوان الرقابة المالية الاتحادي في مكافحة الفساد المالي والاداري
الكاتب/الكتّاب:
قتادة صالح الصالح - كلية القانون – جامعة ذي قار
-
-
-
الملخّص
الغاية من إيجاد هيئات متخصصة لمكافحة الفساد المالي والاداري هو المحافظة على المال العام من سوء التصرف او الانحراف , والتأكد من سلامة اوجه الإنفاق وصحة الإجراءات المتبعة , وكذلك الكشف عن التبذير في النفقات. لذا لا بد من التعرف على الإجراءات والوسائل المتبعة في العمل الرقابي في هذه الهيئات , مع الاشارة الى اهم المعوقات التي تواجه العمل الرقابي هي غاية بحثنا واخترنا في دراستنا هذه احدى هذه الهيئات المتخصصة وهو , ديوان الرقابة المالية الاتحادي من حيث بيان أهم الاختصاصات المنوطة به , والإجراءات التي يتبعها ومدى نجاعتها في مكافحة الفساد الاداري والمالي في العراق في ظل ق القانون رقم (31) لسنة 2011 المعدل .
الكلمات المفتاحية: تجارة الخدمات,تحريرتجارة الخدمات,معايير التصنيف,الاستثمار الأجنبي
Abstract:
The purpose of creating specialized bodies to combat financial financial corruption in Iraq in light of Law and administrative corruption is to preserve public funds from misconduct or deviation, and to ensure the integrity of the spending aspects and the correctness of the procedures followed, as well as the detection of wasteful expenditures. Therefore, it is necessary to identify the procedures and means used in the supervisory work in these bodies, with Referring to the most important obstacles facing the supervisory work is the goal of our research In our study, we chose one of these specialized bodies, which is the Federal Financial Supervision Bureau in terms of stating the most important competencies entrusted to it, the procedures it follows and the extent of their effectiveness in combating administrative and financial corruption in Iraq in light of Law No. 31 of 2011 as amended.
Keywords: trade in services, liberalization of trade in services, classification criteria, foreign investment
البحث الكامل
المقدمة
يتولى التشريع المالي في الدولة بيان النشاط المالي الذي يتمثل في كيفية حصول
الدولة على إيراداتها وأوجه إنفاقها والموازنة بين الإيرادات والنفقات , وهذا الأمر
ينطبق على الدولة البسيطة والمركبة , ولكن الأمر يختلف بين الدول في اعتماد النظم الرقابية التي تضمن استخدام هذه الأموال وفقا لما تقرره القوانين والأنظمة وبما ينسجم مع تحقيق المنفعة العامة. وقد تباينت الدول في ذلك فالبعض منها يعتمد على ايجاد جهاز رقابي متخصص لضمان عدم هدر وضياع المال العام , والبعض الآخر يعتمد على ايجاد اجهزة رقابية متعددة في سبيل مواجهة ظاهرة الفساد الاداري والمالي .
أولا :- أهمية الدراسة ودوافع اختيارها
تأتي أهمية هذه الدراسة في الحد من ظاهرة الفساد الداري والمالي يعد من ابرز
المشاكل والتحديات التي تواجه الدول على اختلافها ، وتؤثر في نجاح هذه الدول
واستمرارها , ومما يزيد أهمية هذه الدراسة تبني العراق لنظام الاتحاد المركزي
الفيدرالي, بعد التطورات السياسية التي حصلت بعد احتلال العراق في9/4/2003
فقد صدر قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004( الملغى) الذي تبنى هذا النظام كنظام دستوري في العراق لاول مرة في تاريخه السياسي ، ثم صدور دستور جمهورية العراق لعام 2005 الذي نص في مادته الاولى : ” جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة …” وهكذا فقد تم تبني نظام الاتحادي في العراق دستوريا . ولكل ما تقدم فقد تم اختيار البحث في هذا الموضوع الشائك المهم ، وتحمل المصاعب في سبيل انجازه ، ومحاولة التعرف على الجوانب المختلفة لمظاهر الفساد الإداري والمالي ومدى امكانية الأجهزة الرقابية في التصدي له والحد من انتشاره ,
والإمكانيات لتطبيقها في العراق مع الأخذ بنظر الاعتبار ظروف العراق الخاصة
وتقديم مساهمة متواضعة في إيجاد حل دستوري وقانوني وسياسي لمعالجة ظاهرة
الفساد الإداري والمالي في جميع مفاصل الدولة ومدى قدرة الأجهزة الرقابية في تحقيق ذلك .
ثانياً:- هدف الدراسة
إن الغاية التي نرمي الوصول إليها من خال إعداد هذا الدراسة ، تتجسد في إبراز
قدر التشريعات المنظمة لديوان الرقاة المالية الاتحادي في الحد من ظاهرة الفساد
الإداري والمالي ، عن طريق اعتماد المعايير الدستورية والقانونية للوصول الى الإجراء السليم والعادل وفق قواعد وأسس محددة ، ومعقولة تنسجم مع الواقع العملي للدولة
ثالثاً:- إشكالية الدراسة
-: :لقد تجاذب هذا الموضوع بوصفه إشكالية للبحث في اتجاهين الأول
يتمثل في مصادر الإيرادات والنفقات لكل من المؤسسات الاتحادية والمؤسسات التي هي ادنى منها وكذلك المؤسسات العاملة في الاقليم. مع بيان تأثير العوامل والظروف الداخلية والخارجية في السياسة المالية ومدى الالتزام العام بالاختصاصات المالية المحددة بنصوص دستورية وما هي الإصلاحات المالية والاقتصادية في الدولة وهل تعد ضرورية .
إما الاتجاه الثاني فيدور موضوع بحثنا فيه حول إشكاليات الوسائل التي يعتمدها ديوان الرقابة المالية الاتحادي في العراق لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والحد من اثارها في العراق بعد تبنيه نظام الاتحاد المركزي (الفيدرالي) المتمثلة بـ :
.طبيعة الفيدرالية المالية التي تبناها العراق بعد عام 2003–
- التحديات الاقتصادية والسياسية والقانونية والاجتماعية التي تواجه توزيع–
الاختصاصات المالية بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقاليم والمحافظات غير
. المنتظمة في إقليم ومدى تأثيرها عليه ؟
رابعاً:- صعوبات الدراسة
إن هذا البحث هو ثمرة جهد متواضع إلا إنه قد صادفني الكثير من المشاكل
والمعوقات , إلى جانب صعوبة الحصول على المصادر الأجنبية مما اضطرنا الأمر إلى الاعتماد على المصادر المعَّربة والمصادر العربية والعراقية على الرغم من عدم تطرقها إلى موضوع البحث إلا بإشارات بسيطة كونها تتناول الجوانب الدستورية والسياسية كما كانت هناك مجموعة من الكتب والأبحاث والمقالات التي تتناول الوضع المالي والاقتصادي في العراق إلا أنها لم تتناول الاختصاصات الرقابية من جميع جوانبها فكانت دراسات اقتصادية محاسبية أكثر من كونها دراسات قانونية
خامساً:- منهجية الدراسة
اعتمد الباحث على الأسلوب التحليلي المقارن وذلك من خال تحليل النصوص
الدستورية والقانونية سواء أكانت تتعلق بالدستور والقوانين العراقية أم بالدساتير
والقوانين الأخرى للدول ل, وعلى الأسلوب الاستقرائي المتمثل بملاحظة
النصوص والممارسات الدستورية والسياسية .واستقراء أراء الفقه في كل مسألة من
مسائل البحث لمعرفة مدى انسجام هذه النصوص ، والممارسات مع واقع وظروف هذه الدول .فضلا عن الأسلوب المقارن من خلال دراسة الهيئات الرقابي المتخصصة في نماذج متنوعة من الدول للاستفادة منها في تبني أنموذج ناجح لجهاز رقابي متخصص. في العراق منسجم مع ظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
سادساً:- هيكلية الدراسة
تناولنا هذا الموضوع من خلال تقسيمه على مبحثين :
الاول تكلمنا فيه عن المفهوم العام لديوان الرقابة المالية الاتحادي .وخصصنا المبحث الثاني لدراسة علاقة ديوان الرقابة المالية الاتحادي بسلطات الدولة واختصاصاته ثم لنختم ذلك كله بخاتمة نبين فيها أبرز ما توصل إليه الباحث من نتائج وتوصيات , ولا نزعم في هذا البحث إننا قد أحطنا بالموضوع من جميع جوانبه أو إنهُ قد عصم من أخطاء البحث العلمي , فالكمال صفة من صفات الخالق وحده ولكن حسب الباحث هنا أنه قد توخى الجدية والموضوعية والدقة بالقدر الذي وفق فيه إلى ذلك ونأمل َأن يكون حلقة في سلسلة البحوث والدراسات المختصة في هذا الموضوع , وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
تمهيد
الخلفية التاريخية لديوان الرقابة المالية
ننطلق في بحثنا هذا بالشارة الى الخلفية التاريخية لبدء الرقابة المالية على المال العام
- والذي يمثل العمود الفقري في نشأة الدول وقيام الجماعات, ونشير الى التطور الذي شهدته هذه الرقابة في العراق وعلى المستوى الدولي والإقليمي .
فقد عرفت الحضارات القديمة الرقابة على الأموال العائدة للدولة والتي تسهم في خدمة المجتمع عامة , فنرى ان الحضارة الإغريقية كانت من اقدم الحضارات التي مارست الرقابة لحماية الأموال العامة وذلك عن طريق لجان تقوم بتدقيق الحسابات ,وتبلورت ملامح هذه الرقابة ايضا لدى الرومان وتحديدا في العصر الجمهوري .(1)
كذلك ظهرت فكرة الرقابة في مصر الفرعونية حيث كانت الدارة تتولى هذه الرقابة عن طريق احصاء الإيرادات والأموال والأراضي المزروعة . وعرفت الرقابة لدى السومريون في جنوب العراق , حيث ظهرت وظيفة الكاتب الذي يتولى كتابة الرسائل والوثائق القانونية وعمليات البيع والشراء وتدوين الغنائم (2)
وقد عرفت الحضارة الاسلامية هذه الرقابة حيث ارست الشريعة الاسلامية الغراء القواعد الأساسية للرقابة المالية في الاسلام فتطورت بتطور الدولة الاسلامية . وظهرت عدة صور للرقابة في ذات الوقت على المال العام , مثل نظام الحسبة الذي يعتبر من اول الأنظمة التي ظهرت في العصر الاسلامي وهو نظام رقابي متكامل في المجتمع الاسلامي , وظهر بعد ذلك نظام ولاية المظالم , الذي جاء ليكمل عمل جهاز الحسبة ويقوم هذا النظام بان يقوم الوالي بالنظر في شكاوى الرعية ضد المسؤولين في الدولة . وهي بذلك وظيفة تجمع بين سطوة السلطة وانصاف القضاء . وظهر بعد ذلك عددا من الأنظمة مثل ديوان الآزمة وديوان المكاتبات والمراجعات وديوان بيت المال(3).
وفي بريطانيا عرف نظام الرقابة عن طريق تشكيل لجان من قبل البرلمان تتولى عملية الأشراف والاستقصاء على اوجه الأنفاق . وفي فرنسا لم يختلف واقع الرقابة فيها عن بريطانيا فالظروف التي مرت بها جعلها تهتم بمسالة الرقابة المالية , وفي عهد نابليون الأول نشأ ت هيأة مستقلة سميت بمحكمة المحاسبات . اما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ظلت معتمدة على المراقب العام للخزانة في عام 1921 وذلك في رقابتها على الأجهزة الإدارية حتى انشاء ما يسمى بجهاز المحاسبات العامة وبموجب قانون الموازنة اضطلع هذا الجهاز بمسؤوليات واختصاصات تخوله ممارسة الرقابة المالية على الجهات الخاضعة للرقابة باستقلالية تامة ودون تدخل من السلطة التنفيذية .(4)
وعند قيام الدولة العراقية عام 1921 وبعد صدور القانون الأساسي العراقي عام 1925 الذي نص على تشكيل السلطات في الدولة , صدر اول قانون ينظم عمل الرقابة المالية وُيعد هذا القانون هو النواة الأولى لديوان الرقابة المالية , وهو القانون رقم (16) لسنة 1927 الذي نص على تأسيس دائرة تدقيق الحسابات العامة التي عرفت باسم (ديوان مراقب الحسابات العام), غير انه يؤخذ على هذا القانون انه حد من عمل الديوان آنذاك فضال عن خضوعه للسلطة التنفيذية , متمثلا بوزارة المالية مع عدم تمتع الديوان بأية اختصاصات قضائية . أضف الى ذلك ان تعيين المراقب العام يتم من قبل رئيس الوزراء وهو مالم يعط الاستقلالية للديوان ومن ثم جعله خاضعا لتأثير السلطة التنفيذية (5)
الا انه لايمكن ان ننكر ان هذا القانون هو الخطوة الأولى في وجود ديوان الرقابة المالية ,واستمر العمل بهذا القانون لحين صدور القانون رقم )42) لسنة 1968الذي صدر بعد تغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق وتوسع نشاط الدولة واستحداث الكثير من الوزارات والدوائر , وقد تم تسمية الديوان ب) ديوان الرقابة المالية ( الذي ارتبط بمجلس قيادة الثورة آنذاك وينوب عنه الديوان في الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية , وقد وسع هذا القانون من نشاط الديوان فضلا عن منحه
للديوان اختصاصات قضائية .واستمر العمل بهذا القانون حتى صدور القانون رقم (194) لسنة 1980(5) . وقد تميز هذا القانون بعدة سمات اهمها : وضوح اهدافه ,عزز من استقلال الديوان ووسع من نشاطه , واستمر العمل في هذا القانون لغاية صدور القانون رقم (6) لسنة 1996 الذي اشار الى رقابة الأداء التي يمارسها الديوان اضافة الى رقابته للحسابات , وقد اعطى هذا القانون الحق للديوان في اجراء تحقيق عن اكتشافه مخالفات في استعمال الأموال العامة .(6)
بعد ذلك صدر الآمر ( 77) من سلطة الائتلاف المؤقتة سنة 2004 الذي اجرى عدة تعديلات على القانون رقم (6) لسنة 1996 (7).واستمر العمل بهذا القانون لغاية صدور القانون رقم )31) لسنة 2011.(8)
وقد اخذ موضوع الرقابة المالية اهتماما كبيرا على المستوى الدولي , فقد تأسست العديد من المنظمات المعنية بالرقابة نذكرها على سبيل الإيجاز وهي :
ا- المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (انتوساي) وهي مؤسسة مستقلة غير حكومية ذاتية السيادة وغير سياسية ذات مركز استشاري خاص في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة , مركزها في العاصمة النمساوية فينا تأسست عام 1954 , تهتم هذه المنظمة بتبادل الخبرات والآراء والمعلومات بين اجهزة الرقابة العليا للرقابة المالية للدول الأعضاء , وقد صدر عن هذه المنظمة عدة إعلانات دولية من اهمها :
- اعلان ليما المنعقد عام 1977وعرف هذا الاعلان بالمبادئ الأساسية للرقابة
- اعلان برلين ونظم هذا الاعلان قواعد الرقابة المالية للمنظمة الدولية للهيئات العليا للرقابة
- بيان سيدني بشان رقابة الأداء والرقابة المالية على المشروعات العامة وصدر هذا البيان عام 1986).9)
- ب- المنظمة الأوربية للهيئات العليا للرقابة المالية (الاوروساي) وتختص هذه المنظمة بالتنسيق بين الدول الأوربية لمعالجة ومناقشة سبل الرقابة وتطويرها على مستوى القارة الأوربية. (10)
- ج- المنظمة الآسيوية للأجهزة العليا (اسوساي) وتهدف هذه المنظمة الى تعزيز التفاهم بين الأجهزة الأعضاء عن طريق تبادل الأفكار والخبرات في مجال المحاسبة القانونية (11).
د- المنظمة الأفريقية للأجهزة العليا (افروساي)وهي عبارة عن منظمة اقليمية تضم في عضويتها جميع الأجهزة العليا للرقابة المالية للدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية (12)
ه- المجموعة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة وتهدف هذه المجموعة الى تنظيم وتنمية التعاون على اختلاف اشكالها بين الأجهزة الأعضاء لتبادل وجهات النظر والخبرات والدراسات والبحوث في مجال الرقابة المالية(13)
المبحث الأول
المفهوم العام لديوان الرقابة المالية الاتحادي
سنبين في هذا المبحث تعريف ديوان الرقابة المالية بوصفة احد الأجهزة الرقابية التي نص القانون على تشكيلها , مع الإشارة الى اهم الأهداف التي يسعى الديوان تحقيقها وذلك في المطلبين الآتيين:
المطلب الاول : تعريف ديوان الرقابة المالية وبيان اهدافه
المطلب الثاني : التنظيم الاداري لديوان الرقابة المالية الاتحادي
المطلب الأول
تعريف ديوان الرقابة المالية وبيان اهدافه
نبحث في هذا المطلب اهم التعريفات لديوان الرقابة المالية , مع ذكر الأهداف التي يسعى الى تحقيقها الديوان.
الفرع الأول
تعريف ديوان الرقابة المالية
يعرف ديوان الرقابة المالية بانه : “سلطة رقابية تمارس حقها الدستوري في الرقابة على اموال الدولة بأكملها , والتي تتصل بعمل الديوان والتأكد من ان هذه الأموال انفقت لتحقق مردودا ماليا واقتصاديا وذلك عن طريق تنفيذ الخطط وتحقيق الأهداف العامة المحددة وفقا للقوانين , بما يحقق الهدف من استخدام الأموال العامة وعدم اساءة استعمالها , والتقصير والإهمال بها“(14) وبذلك فان الديوان يتمتع بسلطة دستورية في حقه بممارسة الرقابة وذلك بان اشار الدستور صراحة في المادة )61) الى أن والرقابة التي يتوخاها الديوان هي من اجل رفع مستوى الدولة التشريعي والمالي والاقتصادي وانه في سبيل ذلك فان الديوان يراقب الخطط والأهداف واستخدام الأموال لتحقيقها دون اساءة او نقص او اهمال. ويعرف كذلك بانه : “جهاز متخصص في الدولة يقوم بالرقابة على المال العام عن طريق حسابات الدولة وحسابات الهيئات والمؤسسات العامة وعملياتها المالية” (15)
اما قانون ديوان الرقابة المالية رقم (31) لسنة 2011 فقد عرف الديوان بانه : “هيئة مستقلة ماليا واداريا له شخصية معنوية ويعد اعلى هيئة رقابية مالية ترتبط بمجلس النواب“(16) ونرى ان التعريف المناسب لديوان الرقابة المالية بانه: “المؤسسة المسؤولة عن التدقيق المالي في العراق , تعمل على تزويد مجلس النواب والجهات ذات العلاقة بالمعلومات الدقيقة الموضوعية حول العمليات الحكومية والأوضاع المالية وتعزيز الاقتصاد عن طريق القيام بمهام التدقيق المالي والأدائي وتقييم البرامج كما تعمل كحارس عام للتعرف على حالات الاحتيال واساءة الاستعمال من خلال تعزيز مكافحة الفساد الاداري والمالي .(17)
الفرع الثاني
اهداف ديوان الرقابة المالية الاتحادي
حدد قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم (31) لسنة (2011) الأهداف التي يرمي القانون الى تحقيقها وهي :
- الحفاظ على المال العام من الهدر او التبذير او سوء التصرف وضمان كفاءة استخدامه .
اولا : تطوير كفاءة واداء الجهات الخاضعة للرقابة كي يكونوا قادرين على تحمل المسؤولية
ثانيا : المساهمة في استقلالية الاقتصاد ودعم نموه واستقراره
ثالثا: نشر انظمة المحاسبة والتدقيق المستندة على المعايير المحلية والدولية وتحسين القواعد والمعايير الفاعلة للتطبيق على الإدارة والمحاسبة بشكل مستمر ورفع مستوى الإداء الحسابي والرقابي للجهات الخاضعة للرقابة (18)
المطلب الثاني
التنظيم الإداري لديوان الرقابة المالية الاتحادي
يتألف ديوان الرقابة المالية الاتحادي من عدة اجهزة ادارية تمارس العمل الإداري في الديوان بوصفة مؤسسة عامة تؤدي العمل فيه , ويضم الديوان اجهزة اخرى تمارس
العمل الرقابي على نشاط السلطة التنفيذية المتمثل بالوزارات والدوائر التابعة لها وهو ما نوضحه في الفرعين الآتيين :
الفرع الاول : الدوائر الادارية في الديوان
الفرع الثاني : الدوائر الرقابية في الديوان
الفرع الأول
الدوائر الإدارية في الديوان
يتكون التنظيم الإداري لديوان الرقابة المالية من مجلس الديوان , ورئيس الديوان ونواب الرئيس ودوائر الديوان .
اولا : مجلس الديوان. ويتألف المجلس من رئيس الديوان رئيسا له ونواب رئيس الديوان والمدراء العامين لدوائر الديوان الأعضاء , وينعقد المجلس مرة واحدة في الشهر على الأقل بدعوة من رئيسه او ثلث اعضائه ويكتمل نصاب المجلس بحضور مالا يقل عن ثلثي اعضائه. والقرارات التي يتخذها المجلس تكون بأغلبية عدد الأعضاء الحاضرين وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي صوت معه الرئيس وتدون الأقلية مخالفتها(19)
ثانيا : رئيس الديوان .هو المسؤول الأعلى في الديوان وهو بدرجة وزير ويعين لمدة اربع سنوات , وله صلاحيات وزير المالية فيما يتعلق بشؤون الديوان ومالكه وموازنته
- وقد اشار قانون ديوان الرقابة المالية رقم )31) لسنة 2011الى الشروط التي يجب ان تتوفر لمن يرشح لتولي منصب رئيس الديوان وهي :
- ان يكون عراقيا وغير محكوم عليه بجناية غير سياسية او جنحة مخلة بالشرف
- ان لا يكون مشمال بإجراءات المسالة والعدالة
- حاصلا على شهادة عليا في الاختصاصات ذات الصلة بمباشرة مهام الديوان وله ممارسة فعلية في ميدان اختصاصه ضمن الحكومة او القطاع العام مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة
- ان يتسم بأعلى معايير السلوك الأخلاقي والنزاهة والأمانة
- ان يكون مستقلا ولاينتمي لاي حزب سياسي اوجهة سياسية
- ان لا يكون قد ترأس الديوان لفترتين متتاليتين او غير متتاليتين(20)
ثالثا: نواب رئيس الديوان . لرئيس الديوان نائبان بدرجة وكيل وزير يعينون لمدة اربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة وعلى ان تكون لهم خدمة فعلية لا تقل عن عشر سنوات في الديوان ويعينان شروط وطريقة تعيين رئيس الديوان نفسها(21)
رابعا : دوائر الديوان. للديوان ست عشرة دائرة , ثمان دوائر منها مركزية في الديوان والثمان الأخرى تكون في المحافظات . يراس كل دائرة منها موظف بدرجة مدير عام وتختص هذه الدوائر بالرقابة والتدقيق على الجهات الخاضعة للرقابة الموزعة ضمن تلك الدوائر حسبما يقرره المجلس وفق متطلبات العمل(22) .
الفرع الثاني
الدوائر الرقابية في الديوان
لم يشر قانون ديوان الرقابة المالية للدوائر التي تتولى العمل الرقابي , غير ان النظام الداخلي لديوان الرقابة المالية رقم (1) لسنة 2012 قد بين عمل هذه الدوائر , حيث اشار الى التشكيلة التي تتولى العمل الرقابي وتشمل الدوائر الأتية :
ا- دائرة تدقيق النشاط الاجتماعي
ب- دائرة تدقيق نشاط التمويل والتوزيع
ج- دائرة تدقيق الحكم المركزي
د- دائرة تدقيق نشاط الخدمات العامة
ه- دائرة تدقيق نشاط الزراعة والتعمير
و- دائرة تدقيق نشاط الشركات
ز- دائرة تدقيق النشاط الصناعي
ع- دائرة التدقيق والمتابعة.(23) واشار النظام الداخلي الى تشكيل دوائر التدقيق في المحافظات وكالاتي:
ا- دائرة تدقيق المنطقة الأولى ومقرها مدينة الموصل
ب- دائرة تدقيق المنطقة الثانية ومقرها مدينة البصرة
ج- دائرة تدقيق المنطقة الثالثة ومقرها مدينة الحلة
د- دائرة تدقيق المنطقة الرابعة ومقرها مدينة كركوك
ه- دائرة تدقيق المنطقة الخامسة ومقرها مدينة الرمادي
و- دائرة تدقيق المنطقة السادسة ومقرها مدينة الديوانية
ز- دائرة تدقيق المنطقة السابعة ومقرها مدينة الناصرية
ع- دائرة تدقيق المنطقة الثامنة ومقرها مدينة الكوت (23) ويراس كل دائرة من دوائر التدقيق في المحافظات موظف بعنوان مدير عام حاصل على شهادة عليا في المحاسبة القانونية تتولى ممارسة وتنفيذ العمل الرقابي على الجهات الخاضعة للرقابة , بها ويحدد نطاق عملها وارتباطها بقرار من مجلس الرقابة المالية.
اما مديريات الرقابة المالية في المحافظات التي لا يوجد فيها مقر للديوان فيرأسها مدير حاصل على شهادة جامعية اولية على الأقل يتمتع بالاختصاص والخبرة وتتولى مهامها وواجباتها في جميع دوائر الدولة الواقعة ضمن نطاق عملها بواسطة هيئات الرقابة المالية . واشار النظام الداخلي كذلك الى رقابة تقييم الإداء للجهات الخاضعة لرقابة الديوان عن طريق اعداد خطة سنوية تبين اداء هذه الجهات (24)
وقد استحدث النظام الداخلي الرقابة الإلكترونية , حيث يقوم الديوان برقابة وتدقيق الأنظمة الإلكترونية وقواعد البيانات في الجهات الخاضعة للرقابة التي تستخدم اجهزة الحاسوب في تنظيم حساباتها ونشاطاتها(25)
المبحث الثاني
علاقة ديوان الرقابة المالية الاتحادي بسلطات الدولة واختصاصاته
اعتمد دستور جمهورية العراق لسنة 2005 الحالي نظام فصل السلطات وهي : السلطة التشريعية , والسلطة التنفيذية , والسلطة القضائية وذلك في المادة (47) منه. وديوان الرقابة المالية بوصفة اعلى جهاز رقابي لابد ان يرتبط مع هذه السلطات برابطة معينة وفقا لطبيعة عمله , وعليه سنتعرض الى العلاقة بين ديوان الرقابة المالية وهذه السلطات في المطلب الأول , ونشير الى اهم الاختصاصات التي ينهض بها ديوان الرقابة المالية وذلك في المطلب الثاني.
المطلب الأول
علاقة ديوان الرقابة المالية بسلطات الدولة
نتطرق في هذا المطلب الى علاقة الديوان بسلطات الدولة الثلاثة المشار اليها انفا , وهي علاقته بمجلس النواب , وعلاقته بمجلس الوزراء , وعلاقته بمجلس القضاء الأعلى وذلك في الفروع الأتية :
الفرع الأول
علاقة ديوان الرقابة المالية بمجلس النواب
مجلس النواب , هو السلطة التشريعية التي ينتخبها الشعب ووظيفته سن القوانين ومراقبة تنفيذها , ومساءلة الحكومة واستجواب الوزراء والى غيره من الوظائف التي اشار اليها الدستور ويرتبط ديوان الرقابة المالية بعلاقة تبعية مع مجلس النواب حيث يخضع الديوان الى رقابة واشراف مجلس النواب بوصفة وكيلا عنه في ممارسة الرقابة
المالية نظرا لصعوبة ممارستها من قبله – مجلس النواب- لأسباب فنية , وهو ما أشار اليه القانون الحالي بنصه على ان : “الديوان هيئة مستقلة ماليا واداريا وله شخصية معنوية ويعد اعلى هيئة رقابية يرتبط بمجلس النواب..”.(27) الواقع ان ارتباط ديوان الرقابة المالية بمجلس النواب هو ضمانة لعمله بعدم التأثير عليه من بقية السلطات الأخرى لاسيما السلطة التنفيذية . وعند التدقيق بطبيعة هذه العلاقة نجدها اقرب للعلاقة التنظيمية حيث انها قاصرة على عرض التقرير العام السنوي على مجلس النواب , مع امكانية تقديم تقارير خاصة الى مجلس النواب للفت نظره في امور يرى انها تشكل خطرا , فالديوان ملزم بتقديم تقرير سنوي الى مجلس النواب خلال )120) يوم من نهاية كل سنة يتضمن الجوانب الأساسية التي افرزتها نتائج تنفيذ الخطة السنوية للديوان.
وقد انشا مجلس النواب قسما يسمى بقسم شؤون مجلس النواب يتولى الأعمال الأتية :
- تنظيم العلاقة بين الديوان واللجان المتخصصة ومجلس النواب وعقد اللقاءات والاجتماعات بين اعضاء مجلس النواب والمسؤولين في الديوان
- متابعة الإجراءات المتخذة من تشكيلات ديوان الرقابة المالية بشان الطلبات او الاستفسارات المقدمة من مجلس النواب او احد الأعضاء فيه والمتعلقة بأعمال الرقابة والتدقيق على الجهات الخاضعة لرقابة ديوان الرقابة المالية
- تقديم ملاحظات او مقترحات الى ديوان الرقابة المالية في شأن مشروع الموازنة العامة للدولة ومشاريع القوانين الأخرى التي لها عالقة بعمل الديوان ومتابعة تشريعها.
- التنسيق في شان عرض ومناقشة التقرير السنوي والتقارير الدورية الأخرى للديوان في مجلس النواب ومتابعة الإجراءات المتخذة بشأن الملاحظات الرقابية الواردة فيه .
- الاستعانة بالخبراء من العاملين في الديوان في القضايا الفنية المتخصصة والمعروضة امام مجلس النواب (28)
الفرع الثاني
علاقة ديوان الرقابة المالية الاتحادي بمجلس الوزراء
مجلس الوزراء , هو السلطة المختصة بتنفيذ القوانين ووضع الأنظمة والتعليمات الخاصة بها بتيسير شؤون الحكومة في قطاعات الدولة المختلفة كافة , فهو الذي يرسم السياسة العامة للدولة ويضع الخطط المناسبة , ويحدد الأهداف ويسعى الى اشباع الحاجات العامة ويرسم النظام الاقتصادي وفقا للدستور . ومن المهمات الأساسية التي تقع على مجلس الوزراء , توجيه المال العام لخدمة الاقتصاد الوطني باقتصاد وفعالية وكفاءة . فهو المسؤول عن ادارة هذا المال والحفاظ عليه , والالتزام اثناء التصرف به بالقوانين والأنظمة وعدم التجاوز عليه. ان ديوان الرقابة المالية وجد ليراقب تصرفات الحكومة ومدى التزامها بالقوانين والأنظمة وطريقة ادائها وحسن استخدامها للمال العام ومدى تحقيق الأهداف العامة .
وتتمثل العلاقة بين ديوان الرقابة المالية ومجلس الوزراء من خلال النواحي الأتية:
- اشعار مجلس الوزراء في حالة امتناع احدى الدوائر العامة عن تقديم السجلات والبيانات الخاصة بها والطلب من مجلس الوزراء اجراء التحقيق مع هذه الدائرة وكذلك يجوز لرئيس ديوان الرقابة المالية ان يطلب من الوزير او رئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة احالة الموظف المسؤول عن المخالفة للتحقيق وله ان يطلب سحب يده , مع تضمين الموظف الأضرار التي تكبدتها الوزارة او الدائرة التي ينتسب اليها (29)
- وتبدو العلاقة كذلك في حالة حدوث خلاف بين ديوان الرقابة المالية والجهات الخاضعة للرقابة لاتخاذ قرار بشأنه وفي حالة عدم اصدار مجلس الوزراء قرار يحسم الخالف يقوم الديوان بإشعار مجلس النواب بذلك.
مما تقدم يتبين لنا ان ديوان الرقابة المالية يمارس رقابته تجاه السلطة التنفيذية على كافة مستوياتها كافة , فالعلاقة بين الديوان وبين هذه السلطة هي علاقة تنسيقية عن طريق تعاون الأجهزة الإدارية التابعة لها مع ديوان الرقابة المالية لإنجاح العمل الرقابي للديوان(30).
الفرع الثالث
علاقة ديوان الرقابة المالية الاتحادي بمجلس القضاء الأعلى
تعد السلطة القضائية السلطة الحكم بين بقية السلطات عند حدوث خالف بينهم , تأسس مجلس القضاء الأعلى بموجب القانون رقم (160) لسنة 1977 ومن ثم الغي بعد ذلك وارتبط بوزارة العدل , ومن ثم اعيد تأسيسه بموجب الآمر (35) في 18/9/2003 ويمارس مجلس القضاء الأعلى الإشراف على المحاكم في العراق كافة , وتتضح العلاقة بين ديوان الرقابة المالية الاتحادي ومجلس القضاء الأعلى بواسطة القضايا التي يحيلها الديوان والمتعلقة بقضايا هدر المال العام والاختلاس والتزوير والتلاعب بالمال العام والإهمال والتقصير بالوظيفة ويتبع قانون ديوان الرقابة المالية الإجراءات المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ عند تحريكه للدعاوى . ويقوم ديوان الرقابة المالية بأخبار رئاسة الادعاء العام او هيئة النزاهة او محاكم التحقيق لاتخاذا لإجراءات القانونية بخصوص المخالفات المالية التي تشكل جريمة يعاقب عليها القانون . ولابد من الإشارة الى نقطة هامة بان السلطة القضائية – كباقي السلطات – تخضع لرقابة ديوان الرقابة المالية فيما يتعلق بالأعمال الحسابية والإدارية ولا تمتد رقابة الديوان الى الاختصاصات القضائية . وذلك تطبيقا لمبدأ استقلال القضاء . وتتضح العلاقة بين الديوان والسلطة القضائية من خلال ما أشار اليه القانون الحالي للديوان بان يقوم ديوان الرقابة المالية بإشعار الادعاء العام او الجهات التحقيقية المختصة كل حسب اختصاصه بكل مخالفة مالية يكتشفها اذا ما شكلت جريمة (31).
المطلب الثاني
اختصاصات ديوان الرقابة المالية الاتحادي
يمارس ديوان الرقابة المالية نوعين من الاختصاصات , هما اختصاصات ادارية وهي تتعلق بأمور الديوان . واختصاصات رقابية يمارسها الديوان تجاه الوزارات والدوائر التابعة لها وهو ما نوضحه تباعا:
الفرع الأول
الاختصاصات الإدارية لديوان الرقابة المالية
يمارس ديوان الرقابة المالية اختصاصاته بموجب القانون رقم (31) لسنة 2011 الذي اشار الى هذه الاختصاصات وهي :
- اقرار خطط عمل الديوان
- وضع اسس وضوابط العمل في الديوان
- تحديد نطاق عمل الديوان
- اعداد واقرار مشروع الموازنة السنوية للديوان وفق التوجيهات العامة للدولة وارسالها الى الموازنة المالية
- اقرار الإطار العام للديوان
- مناقشة تنظيم دورات دراسية تطبيقية لموظفي الديوان(32)
الفرع الثاني
الاختصاص الرقابي لديوان الرقابة المالية
يتمثل الاختصاص الرقابي لديوان الرقابة المالية برقابته على نشاطات وحسابات الجهات الخاضعة للرقابة , والتحقق من سلامة التصرف في الأموال العامة عن طريق فحص وتدقيق معاملات الإنفاق العام للتأكد من سلامتها. وعدم تجاوزها و الاعتمادات المقررة لها في الموازنة واستخدام الأموال العامة وفقا للأغراض المخصصة لها ,كذلك يمارس الديوان رقابة تقويم الإداء على الجهات الخاضعة لرقابته. والجهات
الخاضعة لرقابة وتدقيق الديوان هي مؤسسات ودوائر الدولة والقطاع العام واي جهة تتصرف في الآمور العامة من حيث جبايتها وانفاقها , باستثناء السلطة القضائية فيما يتعلق بعملها القضائي فقط(33).
المبحث الثالث
العمل الرقابي للديوان
ان العمل الرقابي الذي يمارسه الديوان هو جوهر موضوع بحثنا, فغاية بحثنا هو معرفة العمل الرقابي والوسائل التي يعتمدها ديوان الرقابة المالية لممارسة هذا العمل
. تتعدد انواع الرقابة التي يمارسها الديوان , فقد تكون رقابته رقابة زمنية او موضوعية وهوما نبحثه تباعا في المطلبين الآتيين :
المطلب الأول
الرقابة من حيث الزمن
يمارس ديوان الرقابة المالية رقابته على المال العام معتمدا في ذلك على عنصر الزمن اي الوقت الذي تمارس فيه الرقابة , وقد تكون هذه الرقابة سابقة او متزامنة او اللاحقة وهوما نوضحه في الفروع الأتية :
الفرع الاول : الرقابة السابقة
الفرع الثاني: الرقابة المتزامنة
الفرع الثالث: الرقابة اللاحقة
الفرع الأول
الرقابة السابقة للديوان
الرقابة السابقة للديوان, “هي نوع من انواع الرقابة على الأعمال الإدارية والمالية قبل حدوث المخالفة , وتعتبر الرقابة السابقة امر ضروري من اجل ادارة الأموال العامة ادارة سليمة , كونها قادرة على منع المخالفة او الضرر قبل حدوثه. وتعد هذه الرقابة المرحلة الأهم في الرقابة المالية , وتعني هذه الرقابة , “قيام هيئات الرقابة بمراقبة الأعمال والتصرفات المالية قبل وقوعها , حيث تواكب هذه الرقابة عملية التنفيذ وتكون قبل اعطاء الآذن بالقيام في العمل او التصرف المالي , لذلك تعد هذه الرقابة وقائية تهدف الى منع وقوع اي تجاوز غير مشروع ” (34) ويفترض في الرقابة السابقة ان يكون لدى الهيئات الرقابية سلطة الموافقة المسبقة على الأعمال والتصرفات المالية . وعلى الرغم من فاعلية هذه الرقابة غير انها يعاب عليها بانها تؤدي الى الشلل في نشاط الإدارة وتعطل عمل المرافق العامة لما تتسم به من بطء في الإجراءات , كما يعاب عليها انها تؤدي الى تأخير تنفيذ اعمال الإدارة بسبب عدم مرونة من يقوم بهذه الرقابة , كما انها تقيد الرقابة اللاحقة بالنتائج التي تم التوصل اليها (35) نخلص من ذلك ان الرقابة السابقة هي رقابة مانعة او وقائية تهدف الى ضمان حسن الإداء او التأكد من الالتزام بنصوص القوانين والتعليمات في اصدار القرارات وتنفيذ الإجراءات كما تهدف الى ترشيد القرارات وتنفيذها بصورة سليمة وفعالة . ويتجه بعض الفقه القانوني الى قصر الرقابة السابقة على مراقبة اعداد الخطط قبل البدء في تنفيذها , وحتى اثناء التنفيذ يظل مجال الرقابة السابقة واردا بل مرغوبا فيه مثل ما يتطلب النقل من بند الى اخر داخل الباب في الموازنة العامة نفسها وبموافقة الوزير المختص (36) ويمارس ديوان الرقابة المالية رقابة سابقة , اذ يقوم بتدقيق عقود التجهيز والإنشاء كافة قبل الإحالة وتنفيذ العمل اذا كانت كلفتها تفوق (150)الف دينار(37)
الفرع الثاني
الرقابة المتزامنة
وهي الرقابة التي تمارس في مختلف مراحل العمل الإداري , اي انها تمارس اثناء تنفيذ العمل الإداري ومتزامنة معه , وهذا النوع من الرقابة يتم بمتابعة الأداء اثناء تنفيذ العمل او التصرف المطلوب للتعرف على الأخطاء او الانحراف اول بأول مما يؤدي الى تصحيحها قبل ان تتراكم او تتفاقم وتسمى هذه الرقابة ايضا بالرقابة التوجيهية لكونها تسمح بالتدخل الإرشادي قبل ان يتم انجاز العمل او الانتهاء منه(38) .فهدف هذه الرقابة هو اكتشاف اي انحرافات اثناء تنفيذ الأعمال واتخاذ القرارات الفورية لمعالجتها , وتجنب استفحالها قبل اتمام العمل , وتسمى ايضا الرقابة المرافقة للعمل . حيث تتزامن هذه الرقابة مع العمل .
ومن ابرز مظاهر هذه الرقابة , الرقابة في مجال متابعة تنفيذ العقود التي تبرمها المؤسسات الحكومية على اختلاف تشكيلاتها وقد تكون متابعة قانونية , من حيث كون العقد قد استوفى الشروط التي يتطلبها القانون , وعلى مدى تنفيذ المتعاقدين للشروط الواردة فيه . وقد تكون في صورة متابعة مادية اي متابعة البرنامج الزمني للمشروع ونسب انجازه , وكذلك قد تأخذ صورة المتابعة المالية عن طريق التأكد من دفع التأمينات التي يتطلبها تنفيذ العقد والكفالة المصرفية(39)
الفرع الثالث
الرقابة اللاحقة
وهي الرقابة التي تتم بعد الانتهاء من الفترة المالية المطلوبة لفحص ومراجعة التسويات الحسابية ومراجعة الحسابات الختامية , اي بعد تنفيذ التصرفات المالية واتخاذ القرار بالقيام في التصرف المالي, وبواسطة هذه الرقابة يقوم الديوان بالمقارنة بين المصروفات والتكاليف في السندات المختلفة للكشف عن الأخطاء , ويعاب على هذه الرقابة انها لا تكشف الأخطاء الا بعد وقوعها ,كما قد تطول الفترة الزمنية التي يتم فيها تنفيذ هذه الرقابة وتحديد نطاق الرقابة اللاحقة على العمليات المالية السابقة , وتسمى هذه الرقابة بالرقابة البعدية لكونها لا تتم بتقويم تصرفات وقرارات الإدارة الا بعد حدوث هذه التصرفات فعال , فالرقابة اللاحقة هي رقابة ذات طابع تقويمي . وفي ظل هذه الرقابة تمارس الإدارة صلاحياتها وسلطاتها في التصرف وتلجأ هيئات الرقابة الى الرقابة اللاحقة للتأكد من ان طريق التنفيذ او التصرف متفق مع القوانين والتعليمات . يؤخذ على هذه الرقابة عدم ممارستها احيانا في الوقت المناسب نظرا ألنها تحدث بعد وقوع الخطأ او الانحراف , كما يلاحظ احيانا انعدام الجدوى من هذا النوع من الرقابة اذ تتحول اجراءات المتابعة اللاحقة الى مجرد عمليات روتينية متكررة(50)
المطلب الثاني
الرقابة من حيث الموضوع
يمارس ديوان الرقابة المالية رقابة موضوعية , حيث يراقب مشروعية الأعمال الإدارية والمالية , ويراقب مراقبة محاسبية , وكذلك يقوم برقابة الإداء وهوما نبحثه تباعا في الفروع الآتية :
الفرع الاول : رقابة المشروعية
الفرع الثاني : رقابة المحاسبة
الفرع الثالث: رقابة الاداء
الفرع الأول
رقابة المشروعية
يقصد برقابة المشروعية ان تكون تصرفات الإدارة موافقة للقانون النافذ في الدولة , اي ان تصدر قرارات الإدارة وفقا للقواعد القانونية النافذة (51) . ونقصد هنا مطابقة الأعمال المالية المتعلقة بإنفاق وايراد المال العام للقواعد القانونية بمعناها الواسع, بمعنى اخر ان يكون العمل المالي مطابقا للتصرف القانوني الذي يصدر من الهيئة التي لها الحق في القيام بهذا التصرف. اي ان تكون تصرفات الإدارة مطابقة للقانون النافذ في الدولة .
وتتمثل رقابة المشروعية للديوان بالتدقيق على مشروعية العمليات المالية ومستنداتها وذلك عن طريقدراسة النصوص القانونية والتنظيمية كافة التي تحكم عمليات الصرف ضمن او خارج الموازنة.
الفرع الثاني
رقابة المحاسبة
تهتم هذه الرقابة في التدقيق بالقيود الخاصة لجميع العمليات المالية والبيانات المحاسبية المتعلقة بالجهات الخاضعة للرقابة , بالشكل الذي يضمن فيه التدقيق والتحقق من سلامة توجيه تلك القيود ومتابعة ترحيلها في مختلف السجلات والدفاتر ومطابقتها للمستندات المؤيدة لها وللقواعد المنصوص عليها في النظم المحاسبية .والتحقق من سلامة الأرقام الواردة في الحساب الختامي للدولة والموازنة العامة والحسابات الختامية لمختلف الوزارات والجهات الخاضعة لرقابة الديوان.
ويقوم ديوان الرقابة المالية بعمله عن طريق فحص الحسابات الختامية للجهات الخاضعة للرقابة وذلك للتحقق من سلامة مركزها المالي وسلامة عوائدها وتحديد حقوق الأشخاص المعنوية العامة والتزاماتها ويعاب على هذه الرقابة انها تولي جل اهتمامها على صحة وسلامة الإنفاق , ومدى صحة المستندات المقدمة بغض النظر عن ما اذا كان هذا الإنفاق قد حقق الأهداف التي وضعت من اجله ام لا. ورقابة المحاسبة هي الرقابة الأوسع التي يقوم بها ديوان الرقابة المالية , اذ يقوم برقابة وتدقيق حسابات ونشاطات الجهات الخاضعة للرقابة للتحقق من سالمة التصرف في الأموال العامة(52)
الفرع الثالث
رقابة الإداء
حظي موضوع الإداء الوظيفي باهتمام بالغ وشهد بحوثا مستمرة عن حلول المشاكل المتعلقة بالإداء الوظيفي , ويرتبط مفهوم الإداء بكل سلوك الفرد والمنظمة , وقد تعددت تعريفات الإداء حيث عرف بانه : “تفاعل لسلوك الموظف وان هذا السلوك يتحدد بتفاعل جهده وقدراته , وعرف كذلك بانه الناتج الذي يحققه الموظف عند قيامه باي عمل من الأعمال او هو قدرة الفرد على تحقيق اهداف الوظيفة التي يشغلها” (53)
- يقصد برقابة الإداء , “التأكد من فعالية الأجهزة الحكومية من ناحية تصرفها في المال العام , وحسن ادارتها “, وهذا النوع من الرقابة هو امتداد طبيعي لتطور الفقه الرقابي , اذ ان رقابة المشروعية ورقابة المحاسبة لم تعد كافيتان بالقدر الذي يلبي اهداف الرقابة . فرقابة الإداء هي عملية ادارية تتم لغرض القياس للتأكد من ان الإداء الفعلي للعمل يوافق معايير الإداء المحددة وان تقييم اداء الموظفين هو عبارة عن مراجعة لما أنجزوه بالاعتماد على وصفهم الوظيفي ومعايير عملهم , كما يوفر تقييم الإداء معلومات عن المهارات التي يحتاجونها للقيام بمهامهم على اكمل وجه , كذلك يقدم بيانات ومعلومات صادقة عن الأنشطة القائمة يوضح عوامل فشلها او نجاحها . فالغاية
من تقييم الإداء هو الكشف عن الجهود التي بذلت واثرها في الوصول الى الهدف المطلوب (54) وعرف كذلك : بانه نشاط من انشطة الموارد البشرية يهدف الى التأكد من مدى كون الفرد العامل في المنظمة يؤدي عمله بشكل فاعل(55) اما منظمة النتوساي فقد عرفته بانه : “فحص مستقل وموضوعي لأعمال الحكومة او انظمتها او برامجها او مؤسساتها التي تتعلق بأحد الجوانب الثلاثة او اكثر وهي : الاقتصادية والكفاءة والفاعلية وذلك بهدف تطويره (56) من التعريفات المتقدمة يتبين لنا ان تقييم الإداء يرتكز على الجوانب الآتية :
- مقارنة الإداء الفعلي بالخطط مع تحديد نطاق القوة والضعف وسبل عالجها في الحاضر والمستقبل
- وجود معايير ومؤشرات محددة مسبقا لتحقيق الهدف من عملية تقييم الإداء
- شمولية عملية تقييم الإداء واقتصارها على نشاط دون اخر او مرحلة دون اخرى.
- انها عملية مستمرة تهدف الى استخلاص النتائج التي تستند على تصحيح الإداء وتحسين مستوى الإداء في التشغيل .
فرقابة الإداء تبين مدى كفاءة الوزارة او المؤسسة الحكومية بصورة عامة في القيام باختصاصاتها وتحقيق الأهداف المرسومة لها. ورقابة الإداء تهدف الى التأكد من كفاءة الأجهزة الإدارية عن طريق تقويم عملها وفقا للقواعد القانونية والتنظيمية , ومدى التزامها بالعمل دون اسراف او تبذير في الأموال العامة , وطريقة استخدامها للموارد المالية والبشرية .
المطلب الثالث
الوسائل الرقابية لديوان الرقابة المالية
يعتمد ديوان الرقابة المالية على عدة وسائل لتحقيق هدفه الرقابي , وتتمثل هذه الوسائل بالتدقيق والتفتيش , والمتابعة , وتحريك الدعوى الجزائية اذا وجدت مخالفة تشكيل جريمة في القوانين العقابية النافذة , وهوما نبحثه تباعا:
الفرع الأول
التدقيق والتفتيش
يقصد بالتدقيق فحص المستندات والسجلات والحسابات الخاصة بالجهات الخاضعة للرقابة , فحصا دقيقا ,اذ يعمل ديوان الرقابة على تدقيق مختلف انواع الحسابات والعمليات المالية والتدقيق في البيانات والقيود والسجلات الحسابية . وقد نص قانون ديوان الرقابة المالية على هذه الوسيلة بقوله : “يقوم الديوان بالمهام الأتية : 3 – فحص وتدقيق معاملات تخمين وتحقق جباية الموارد العامة للتأكد من مدى ملائمة الإجراءات المعتمدة وسلامة تطبيقها (57) واشار هذا القانون كذلك بان الديوان يقوم بأعمال التدقيق وفقا للقواعد والأصول والمعايير المحلية والدولية المعتمدة بالطرق والوسائل المتعارف عليها . وقد حدد القانون موقع عمل الديوان وذلك بان يكون اما في ديوان الرقابة المالية او في الدوائر الخاضعة للرقابة , ونرى في ذلك توجها محمودا يسهل العمل الرقابي(58) والملاحظ على قانون ديوان الرقابة المالية النافذ لم يعط للديوان سلطة مباشرة تجاه الجهات الخاضعة للرقابة في حالة امتناعها عن تقديم السجلات والبيانات اللازمة لأعمال التدقيق , وانما اكتفى بان يقوم الديوان بإشعار مكتب المفتش العام فيها لتقديمها بيان اسباب الامتناع وذلك خلال عشرين يوما , او يقوم الديوان بمفاتحة مجلس الوزراء او هيأة النزاهة إجراء التحقيق (59) نرى ان اتباع هذه الإجراءات قد تؤدي الى التقليل من عمل الديوان الرقابي , فكان الأجدر بالمشرع لن يمنح الديوان صلاحيات تتلاءم مع دوره الرقابي بوصفه هيأة مستقلة عن السلطة التنفيذية . فكان من الأفضل لو نص المشرع على حق الديوان بتحريك شكوى ضد الجهة الممتنعة عن تزويده بالبيانات المطلوب تدقيقها , او ان يقوم الديوان بإشعار الادعاء العام والطلب منه بتحريك شكوى ضد الوزارة او الدائرة التي تمتنع عن تقديم البيانات المطلوبة منها للديوان.
ومما يؤخذ على قانون ديوان الرقابة المالية الحالي انه لم يمنح الديوان اي سلطات تحقيقية , فنجده انه اشار في نصوصه على رئيس الديوان ان يطلب من الوزير او من رئيس الجهة الخاضعة للرقابة , بإحالة الموظف المسؤول عن المخالفة الى التحقيق وطلب سحب يده , وتحميله التضمين اذا تسبب خطئه بخسائر في الأموال العائدة للدولة.
و راينا انه كان من الأفضل لو تم منح هذه الإجراءات الى الديوان بصورة مباشرة , باعتباره اعلى سلطة رقابية اتحادية في الدولة , وان يمنح صلاحيات تحقيقية مباشرة تجاه الجهات الخاضعة للرقابة وموظفيها .ان سبب عدم اعطاء العمل الرقابي النتيجة المطلوبة في البلد هي تعدد الجهات الرقابية -حسب اعتقادنا- فهناك اكثر من جهة تمارس العمل الرقابي فضلا عن ديوان الرقابة المالية , وهي هيئة النزاهة وفي الواقع ان هذه الجهة الرقابية تخضع في الأساس الى رقابة ديوان الرقابة المالية .
لذلك نرى انه كان من الأفضل لو تم اعتماد جهة رقابية واحدة توحد العمل الرقابي وتعطي ثمارها بصورة اسرع وانجح , ونرى ان الجهة الأنسب لتولي العمل الرقابي هي ديوان الرقابة المالية , وذلك بان يمنح سلطات رقابية وتحقيقية , وذلك بان يقسم العمل فيه الى دائرتين هما:
الدائرة الأولى , هي دائرة الرقابة او قسم الرقابة , وتعني هذه الدائرة بشؤون الرقابة حيث تتولى العمل الرقابي والتدقيق وفحص العمليات الحسابية كافة , وكذلك تتولى هذه الدائرة رقابة الإداء على الجهات الخاضعة للرقابة . وفي حالة اكتشافها لمخالفة ادارية
او جزائية تقوم بإحالة المخالف الى الدائرة الثانية التي يتكون منها ديوان الرقابة المالية وهي دائرة التحقيق.
الدائرة الثانية , دائرة التحقيق , او قسم التحقيق , وتتولى هذه الدائرة اجراء التحقيق الإداري والجزائي مع الجهة المخالفة سواء كانت مؤسسة عامة او موظف , وتتولى اجراء التحقيق معه وفقا للقوانين النافذة , وبعد اكمالها التحقيق تقرر فرض عقوبة انضباطية تجاه الموظف المخالف , مع اعطائه حق الطعن بالعقوبة امام محكمة قضاء الموظفين . اما اذا رأت ان المخالفة تشكل جريمة جنائية فتقرر احالة الموظف الى المحاكم المختصة لاجراء التحقيق معه . ونقصد بالجريمة الجنائية , الجرائم المتعلقة بالوظيفة او بسببها , كالتزوير والاختلاس وهدر المال العام , والانتفاع من الوظيفة وبقية الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات النافذ والتي تكون ماسة بأموال الدولة .
ومما تقدم نكرر مطالبتنا بتوحيد الجهود الرقابية بهيأة رقابية واحدة ,لأنه سيعود بفاعلية كبيرة في العمل الرقابي عن طريق توحيد الجهود وعدم تشتتها على عدة هيئات مما يجعل اعتماد كل جهة على اخرى وبذلك يتعرقل العمل الرقابي ولايعطي نتائج سليمة .
وبالعودة الى قانون ديوان الرقابة المالية رقم (31) لسنة 2011 النافذ نجده قد اعطى للديوان سلطة اجراء التحقيق الإداري في المخالفة المالية التي يكتشفها , وبصورة مباشرة في الجهات التي لا يوجد فيها مكتب المفتش العام , او اذا لم يقم فيها مكتب المفتش العام بإجراء التحقيق خلال (21) يوما (60) . الواقع ان هذا النص مدعاة للإرباك وكان من الأفضل لو نص القانون على اجراء التحقيق من قبل ديوان الرقابة المالية في المؤسسات العامة كافة سواء وجد فيها مكتب المفتش العام او لم يوجد . فالمعلوم لدينا ان مكتب المفتش العام قد انتهى العمل به ولم يعد موجودا في مؤسسات الدولة . لذلك نرى من الأفضل ان يكون اجراء التحقيق من قبل ديوان الرقابة المالية ومع الوزارات والمؤسسات العامة كافة , وهوما يدعم اقتراحنا الذي اشرنا اليه انفا . ولو تمعنا في العمل الرقابي لديوان الرقابة المالية من ناحية الواقع , نرى ان عمله عبارة عن عمل روتيني او تقليدي ال يتعدى مراجعة الأوراق والبيانات المتعلقة بالحسابات المالية من انفاق وايراد , مما يجعل منها رقابة شكلية اكثر من كونها رقابة فعلية , لعدم اعتمادها وسائل رقابية قوية تجاه الجهات الخاضعة لرقابته .
ويقوم ديوان الرقابة المالية بنوعين من التدقيق , التدقيق الإلزامي ويقوم به الديوان في كل سنة مالية , وتدقيق غير الزامي وذلك عندما يطلب منه مجلس النواب ذلك . فضلا عن ذلك يقوم ديوان الرقابة المالية بإجراء التفتيش كرقابة لاحقة بما يتعلق العمليات المالية في مراحلها كافة , والتفتيش هو فحص وسلامة الأعمال الإدارية سواء من الناحية الشكلية او من الناحية الموضوعية , فهو اسلوب رقابي يهتم بفحص الجوانب الشكلية والإجرائية لنشاطات محددة وفقا لخطة عمل تقود بالنتيجة الى نتائج ومؤشرات يتم افراغها في تقارير معينة يشار فيها الى تقييم اداء ذلك النشاط ومعرفة الجوانب السلبية والإيجابية لمفرداته(61)
ويتم التفتيش بالانتفال الى مواقع العمل لمعرفة مدى تحقيق الإداء والإنجاز واوجه سلامتها من مواطن الخلل والكشف عن اسبابه وتحديد المسؤول عنه كذلك يقوم بالتحقق من سلامة اجراءات المناقصات والمزايدات ومطابقتها وفقا لتعليمات العقود الحكومية ام لا . فالهدف من التفتيش هو معرفة ان الإجراءات مطابقة لمبدا المشروعية , وتقييم مستوى الإداء ومستوى الكفاءة التي تتمتع بها الأجهزة الإدارية
الفرع الثاني
المتابعة
من الوسائل الرقابية التي يمارسها ديوان الرقابة المالية , متابعة تنفيذ العمليات المالية المختلفة للجهات الخاضعة للرقابة , وذلك عن طريق التحقق ان تنفيذ العمليات المالية قد تمت وفق الفترة المحددة لها , ومن خلال متابعة مراحل انجاز الأعمال التي تنهض بها المؤسسات العامة , والتي يجب ان تكون متفقة مع الخطط المرسومة لها مسبقا . ويقوم ديوان الرقابة المالية كذلك بمتابعة الأعمال الحسابية بواسطة التقارير التي ترفع الى الديوان , وقد تكون هذه التقارير اولية وهي التي ترفع اثناء القيام بالعمل الرقابي على الأعمال المالية للجهات الخاضعة للرقابة , وقد تكون عن طريق التقارير النهائية التي يتم اعدادها سنويا , وتتضمن هذه التقارير السنوية عرضا موجزا لاهم اوجه نشاطات ديوان الرقابة المالية خلال السنة المالية المنصرمة , مع الإشارة الى المخالفات العامة للجهات الخاضعة للرقابة . وتحظى هذه التقارير باهتمام خاص لكونها تتضمن وقائع ومعلومات لها اهمية من حيث سرعة عرضها على الجهات المسؤولة . فديوان الرقابة المالية يقدم تقريرا سنويا الى مجلس النواب يتضمن الجوانب الأساسية التي افرزتها نتائج تنفيذ الخطة السنوية للديوان بماقي ذلك الآراء والملاحظات والمقترحات المتعلقة بالوضاع المالية والإدارية والاقتصادية والقانونية , وتقييم فاعلية وكفاية اجراءات الحكومة اللازمة لضمان الفعالية والشفافية في جباية ايرادات وانفاق الأموال العامة . وفضلا عن ذلك لديوان الرقابة المالية ان يقدم تقريرا بكل امر هام في مجال الرقابة وتقويم الإداء المالي والإداري والاقتصادي (62) الواقع ان ديوان الرقابة المالية يمارس رقابة شاملة بحيث تغطي المستندات والعمليات المالية كافة للجهات الخاضعة للرقابة وعلى جميع المستويات الإدارية .
الخاتمة
بعد ان انهينا بحثنا لابد لنا من وقفة نشير فيها الى اهم الاستنتاجات التي تمخض عنها البحث , مع الإشارة الى اهم المقترحات , نأمل ان ُتسهم في تفعيل العمل الرقابي لديوان الرقابة المالية وان تفيد الدارسين في هذا الاختصاص.
اولا : الاستنتاجات
- ان الرقابة المالية هي نتاج لتطور المجتمعات وظهور الدولة وانها وجدت لحماية الأموال العائدة للدولة كونها الأساس الذي تقوم عليه الدولة
- تتولى عملية الرقابة على الأموال العامة اجهزة رقابية متخصصة ومستقلة عن السلطات الموجودة في الدولة ضمانا لحيادها واستقلالها.
- يعد ديوان الرقابة المالية الاتحادي في العراق من اقدم الهيئات الرقابية فيه التي وجدت لحماية المال العام
- القت الرقابة المالية اهتماما اقليميا ودوليا حيث تأسست العديد من المنظمات الدولية في سبيل تعزيز هذه الرقابة والعمل على تطويرها
- على الرغم من صدور قانون جديد ينظم عمل ديوان الرقابة المالية الاتحادي الا انه لم يأت بوسائل رقابية فاعلة , بل جاء مسايرا للقوانين التي سبقته مع استحداث في الجانب الإداري للديوان فقط.
ثانيا : المقترحات.
- ندعو المشرع العراقي بان يعيد النظر في القانون الحالي بان يعطي صلاحية الإحالة المباشرة للموظف المخالف الى ديوان الرقابة المالية دون حاجة الرجوع الى الوزير او رئيس الدائرة غير المرتبطة بوزارة.
- نوصي المشرع بان يكون اجراء التحقيق في حالة اكتشاف مخالفة من قبل ديوان الرقابة المالية في المؤسسات العامة كافة دون استثناء . بعد الغاء مكاتب المفتشين العموميين
- اعتماد وتطوير العمل بالرقابة الإلكترونية كونها تعطي معلومات ادق وبصورة اسرع واكثر شفافية وحيادية.
- نرى ضرورة اعتماد الرقابة اللاحقة والمتزامنة كونها تساير العمل الإداري ولاتؤدي الى التأثير على عمل المرافق العامة كالرقابة السابقة , مع قصر الأخيرة على خطط المشاريع المراد تنفيذها والعقود التي تبرمها المؤسسات العامة.
- نؤكد اقتراحنا باعتماد جهة رقابية واحدة ذات صلاحيات رقابية وتحقيقية , ونرى ان تكون هذه الجهة الرقابية هي ديوان الرقابة المالية الاتحادي كونه الجهازالرقابي الأقدم والكفؤ حيث يضم كوادر متخصصة وتتمتع بخبرة عالية في العمل الرقابي
- توسيع نطاق رقابة ديوان الرقابة المالية الاتحادي , ان تمتد رقابته الى جميع المؤسسات العامة في العراق سواء كانت في المحافظات او الاقاليم
وفي الأخير لا يسعنا الاان نقول ((ربنا اللا تؤاخذنا ان نسينا او اخطاءنا ))
الهوامش:
- د. طارق الساهي , رقابة ديوان الحسابات على مشروعية تنفيذ النفقات , دار الفكر العربي , القاهرة ,1965, 36.
- المصدر نفسه , ص37.
- د. محمد احمد المنهج السالمي في الرقابة على المال العام , االصيل للطباعة والنشر , بيروت , ص.2
- د. عبد الرؤوف جابر , قوانين هيئات الرقابة العليا , منشورات الحلبي الحقوقية , بيروت , 2004,ص29
- المصدر نفسه , ص32
- د. حسين احمد الطراونة , الرقابة الإدارية , دار الحامد للنشر والتوزيع , عمان ,2012, ص.296
- قانون دوان الرقابة المالية المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 1561 في 1968.
- احسان عبد الحسين , دور الأجهزة الرقابية في مكافحة الفساد في العراق , اصدار قسم البحوث والدراسات في هيئة النزاهة , 2010 ص.51
- امر سلطة الائتلاف المؤقت المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 3983 في 10/6/2004.
- قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4217 في 14/11/2011
10-د. محمد رسول العموري , هيئات الرقابة المالية العليا, دراسة مقارنة , منشورات الحلبي الحقوقية , 2005, ص55.
11- المصدر نفسه ,ص.56
12- Asosai. Guidelines for dealing with frand and corruption, the Asian organization of supreme audit institutionد
.13- محمد رسول المعموري , مصدر سابق , ص67
14- المصدر نفسه ,ص67.
15- د. عبد الرؤوف جابر , مصدر سابق , ص.36
16- المادة (5) من قانون ديوان رقابة المالية الاتحادي رقم 31 لسنة 2011
17- د. هاشم الشمري , الفساد االداري والمالي واثاره االقتصادية واالجتماعية , مطبعة البازوري , عمان ,2011,ص175.
18- المادة (4) من القانون
19- المادة (20/ثالثا) من القانون
20- المادة (23) من القانون
21- المادة (26) من قانون ديوان الرقابة المالية
22- المادة (27/ اولا ) من القانون
23- المادة (1) من النظام الداخلي لديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم (1) لسنة 2012 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4265 في 18/1/2012
24- المادة (1/ رابعا) من النظام الداخلي للديوان
25- المادة (6) من القانون
26- المادة (7) من قانون ديوان الرقابة المالية
27- المادة (5)من قانون ديوان الرقابة المالية
28- المادة )1( من قانون ديوان الرقابة المالية
29- المادة (2( من النظام الداخلي لديوان الرقابة المالية
30- د. عثمان سلمان العبودي , التنظيم القانوني لمجلس الوزراء في الدستور العراقي والمقارن , بغداد , ,2010ص3
31- المادة /12( ثالثا( من قانون ديوان الرقابة المالية
32- المادة (15/اولا وثانيا/) من قانون ديوان الرقابة المالية
33- المادة(17 ( من قانون ديوان الرقابة المالية
34- مدحت المحمود , القضاء في العراق , بغداد ,2010, ص.41
35- المادة 21( من قانون ديوان الرقابة المالية
36- المادة (9 ( من قانون ديوان الرقابة المالية
37- د. عبد الرؤوف جابر , دراسات قانونية مقارنة في قوانين هيئات الرقابة العليا , منشورات الحلبي الحقوقية , بيروت , , 2004 ص.36
38- شيخ عبد الصديق , رقابة االجهزة والهيئات المالية على النفقات العمومية , جامعة المدية , ص.12
39- عبدالله بد الرحمن , الرقابة الإدارية وعلاقتها بالأداء الوظيفي في الأجهزة الأمنية ,اكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية , الرياض,2003, ص37
40- المصدر نفسه , ص28
41- انصاف محمود رشيد , .فاعلية نظام الرقابة المالية واثره على الفساد المالي في العراق , دراسة تطبيقية , بحث منشور في مجلة جامعة الأنبار للعلوم الاقتصادية والإدارية , العدد1 المجلد الرابع , ,2012 ص.321
42- د. صباح سعد الدين العلمي , دور الرقابة المالية والإدارية كمدخل للتنمية والاصلاح الإداري في الدولة ,2006, ص21
43- د. عبد العزيز محمد المخلافي ,الرقابة الإدارية , جامعة صنعاء , ص.26
44- عبدالله عبد الرحمن , مصدر سابق , ص27
45- د. محمد علي جواد , القضاء الإداري , المكتبة القانونية , بغداد , ,2010 ص.35
46- المادة(6 ( من قانون ديوان الرقابة المالية
47- عبد الله عبد الرحمن , مصدر سابق , ص.36
48- د. رعد يوسف كريم , انعكاسات عملية تقويم الإداء العاملين على استراتيجية تطوير المهنة , دراسة استطلاعية في ديوان الرقابة المالية , بحث مقدم الى مؤتمر ديوان الرقابة المالية الاتحادي المنعقد في حزيران ,2014 ص.5
49- د. طارق كاظم نصار , أتمته تقييم الإداء كمدخل لتحسين تقويم الإداء للإدارات التنفيذية , بحث مشارك في مؤتمر ديوان الرقابة المالية الاتحادي المنعقد في حزيران , 2014 ص.8
50- المصدر نفسه , ص12.
51- د. صبيحة قاسم هاشم , اثر جودة العمل الرقابي في تقويم الإداء , دراسة استطلاعية في ديوان الرقابة المالية , بحث مشارك في مؤتمر ديوان الرقابة المالية المنعقد في حزيران , 2014 ص.11
52- المصدر نفسه , ص.12
53- المادة ) 9) من قانون ديوان الرقابة المالية
54- المادة 11 من القانون اعلاه
55- المادة 12( من قانون ديوان الرقابة المالية
56- المادة 11( من قانون ديوان الرقابة المالية
57- قتادة صالح الصالح , التنظيم القانوني للرقابة على اعمال الهيئات المحلية في العراق , دراسة مقارنة , رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية القانون , جامعة كربلاء , 2013 ص.14
58- د. ابراهيم عبد العزيز شيحا , اصول الإدارة العامة , منشاة المعارف , الإسكندرية , ص.422
59- المصدر نفسه , ص428
60- المادة 21من القانون
61- المادة 22 من القانون اعلاه
المصادر
أولا: الكتب.
- د. احسان خضر، الاستثمار الأجنبي المباشر وواقع الدول العربية، الكويت، المعهد العربي للتخطيط، 2005.
- توتالیتي، اتفاقیة الجات وماھیة الخدمات المالیة، القسم الأول، شركة مصر للتأمین، بدون سنة نشر.
- عبد المطلب عبد الحمید، الجات وآلیات منظمة التجارة العالمیة: من أروجواي لسیاتل وحتى الدوحة، الدار الجامعیة، الإسكندرية، 2002.
- عبد الواحد العفوري، العولمة والجات: التحدیات والفرص، الطبعة الأولى، مكتبة مدبولي، القاھرة، 2000
- زینب حسین عوض االله، العلاقات الاقتصادیة الدولیة، الفتح للطباعة والنشر، الإسكندریة، 2003.
- زكي خليل المساعد، تسويق الخدمات وتطبيقاته، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، الطبعة الأولى 2006.
- عثمان أبو حرب، الاقتصاد الدولي، الطبعة الأولى، دار أسامة للنشر، عمان، الأردن، 2008.
- السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1981.
- مصطفى رشدي شیحة، اتفاقات التجارة العالمیة في عصر العولمة، دار الجامعة الجدیدة الإسكندریة، مصر، 2004.
- مصطفى سلامة، منظمة التجارة العالمیة، الطبعة الأولى، دار الجامعة الجدیدة، الإسكندریة، مصر، 2006.
- محمد صفوت قابل ، منظمة التجارة العالمیة وتحریر التجارة الدولیة ، الدار الجامعیة ، الإسكندریةمصر،2008 .
- معتصم رشید سلیمان، أثر الاتفاقیة العامة لتجارة الخدمات على الأسواق المالیة العربیة، مجلة الاقتصاد والمحاسبة، العدد 538، مصر ،1996.
- محمد صفوت قابل، منظمة التجارة العالمیة وتحریر التجارة الدولیة، الدار الجامعیة، الإسكندریة مصر،2009.
ثانيا: البحوث.
- د. حسين الفحل، الجاتس وآفاق التجارة العربية في الخدمات، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية– المجلد 23 -العدد الثاني.
- عبد الله عبد الرؤوف محمد، “اتفاقية الجاتس وتحرير التجارة الدولية في الخدمات المصرفية”، المجلة القانونية والاقتصادية، جامعة المنصورة، 2010، مصر.
- زایري بلقاسم، بلحسن ھواري، أثر تحریر الخدمات المالیة على النظام المصرفي الجزائري، بحث مقدم الى الملتقى الوطني حول المنظومة البنكیة الجزائریة في ظل التحولات الاقتصادیة العالمیة، جامعة بشار، أبریل 2006.
- د. محمد علي ابراهيم العامري، نغم حسين نعمة، امكانيه استضافة الاستثمار الاجنبي المباشر في اقتصاد العراق بين الواقع والطموح، المجلة العراقية للعلوم الادارية، جامعة كربلاء، كلية الاداره والاقتصاد، المجلد 4، العدد15، 2007.
- أ.د. نوري عبد الرسول الخاقاني، م. علي خضیر كریم، حرية التجارة الخارجية في العراق (الواقع، الآثار، الآفاق)، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة الكوفة.
