مؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيريةمؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيريةمؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيريةمؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيرية
  • موسسة دارالإسلام
    • حول مؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيرية
    • أهداف المؤسسة
    • جامعة الامام جعفر الصادق
    • المدرسة الدينية
    • أخبار
  • جائزة الشهيد الصدر
    • حول الجائزة
    • تاريخ الجائزة وابرز البحوث
      • دورة الاولى
      • دورة الثانية
      • دورة الثالثة
      • الدورة الرابعة
      • الدورة الخامسة
    • الدورة السادسة
  • النشاطات الخيرية
    • المشروع السكني الخيري
    • مساعدات
  • الإصدارات الثقافية
    • مجلة الفكر الجديد
  • الامين العام
    • نبذة عن حياته
    • مؤلفاته
    • الوكالات الشرعية
✕

رُقيّ اقتصاد العراق بطروحات السّيّد محمّد باقر الصّدر

العنوان: رُقيّ اقتصاد العراق بطروحات السّيّد محمّد باقر الصّدر
الكاتب/الكتّاب:

عباس إسماعيل الغراويّ -
-
-
-

تحميل PDF

الملخّص

الكلمات المفتاحية:

Abstract:

Keywords:

البحث الكامل

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ــ المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين أبدَ الآبدين وصلاته الدّائمة على الغرّ الميامين ، النّبيّ وآله
الطّاهرين ..

إنّ خدمة البلدان من سمات عظماء البشريّة ، ولا سيما إذا كان البلد يتعرّض لمخاطر او مُشكلات كبيرة ، ويزداد ذلك الإحساس بتقديم الخدمة للبلد إذا عظم ذلك البلد ، واتّسم بمقوّمات مهمّة على النّحو من العراق ؛ إذ تشرّفت ذرات ترابه بالحضارات وبالعراقة وبالأمجاد ، وتسنّمت باحتضان أغصان مُباركة من شجرة النّبوّة ، فاحتوت جثمان أمير المؤمنين وابنه الحسين والكاظميين والعسكريين والإمام العباس (عليهم السّلام أجمعين) … ، والقائمة تطول بالمراقد الطاهرة والأماكن المقدسة ، وبقراءتنا للتاريخ نجد أنّ العراق ستكون له وقفة مهمة في المستقبل ؛ إذ سيكون عاصمة العالم بقيادة قائده الاعظم الامام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) ، ومن هنا فستكون الخدمة لهذا البلد وتقديم الدّعم له والإسناد ضروريّة جدًّا ، وجديرة بالتّضحية بلا تردد ، وقد شاع في بعض خطابات السيد الشهيد محمد باقر الصدر ما نصه  : (( التمجيد بالشعب العراقي والثناء عليه والدفاع عن حقوقه ومطاليبه ودفع الأمّة للدفاع عن حقوقها العادلة)) ([1]) . بيدَ أنّ هذا البلد مع ما له من فضل عاد عليه الفضل بالتّعرّض للخطوب على مرّ الأزمان ، ورُبّ مناقب قادت إلى مصائب ، ويلقانا اليوم وهو مُضمد بجراحه من الدّاخل والخارج على أكثر من مستوى ، ولا سيّما في المُستوى الاقتصاديّ ، اذ تباينَ إلى طبقات وانعدم التّوازن الاقتصاديّ وزاد فقر المواطنين ، ورافقَ ذلك ضعفٌ اجتماعيّ وصحيّ وعلميّ ، فالتّرابط بين المستويات أمرٌ وارد كون الأثر السّلبيّ في جانب ينعكس على الجوانب الأخرى بسبب التّعاضد بين المستويات الحياتيّة بصورة عامّة .

ولأجل ذلك كان هذا البحث رغبةً في محاولة التّشخيص وتقديم العلاج المناسب انطلاقًا من جهد السّيد محمد باقر الصدر إذْ شكّلت مؤلفاته ( فلسفتنا ، اقتصادنا ، الإسْلام يقود الحياة ، المدرسة القرآنية … ) صيدلية عظيمة يمكنها إذا طُبِّقت أنْ تعرف النّاس بوجه الإسْلام الحقيقيّ القادر على انتشال الأمة الإسْلاميَّة من أي تخلف أو تراجع ، لقد مضى السيد الشهيد ( أدام الله فضله ) وعينه على الإسْلام وعلى بُلدان الإسْلام ، ومن هنا فجميلٌ أنْ يُعادَ التّأمُّل بمجهودهِ وتُعقدَ النّدوات والمؤتمرات رغبةً في تصحيحِ المَسار . ونرجو أن يكون هذا البحث ( رقي اقتصاد العراق بطروحات السّيّد محمد باقر الصدر ــــ أمل ينتظر التطبيق ـ ) غصنًا من شجرة ذلك التأمل … ، والحقيقة ان الفكر الاقتصادي قد درس عند السيد محمد باقر الصدر سواء أكانَ الأمر في أبحاث أم كان في دراسات موجودة على شبكة النت ، ومثلما درس أيضًا موقفه من المذاهب الاقتصاديّة ، ولهذا تقصّد الباحث التطرق لشيء يمثل زيادة للمكتبة الإسلامية ، ومن هنا توجّه الى إتمام ما وصلوا اليه او مشاركتهم في خدمة تراث السيد الشهيد بصورة معاضدة لا أنْ يكون هذا الجهد اجترارًا لما سبق من دراسات .

والقارئ في أغلب كتابات السيد محمد باقر الصدر يجدها تسعى للربط بين الاقتصاد السّليم والإسْلام الحنيف بصورة عامّة ، ومع أنّ السيد كان يتكلم بصورة عامّة فمنهجه يقوم على التعميم ولا يميل للاقتصار على رقعة جغرافية معينة ، فهمُّهُ الكبير درَأَ به لأنْ يميل إلى الأجزاء  بيد أنّه بسبب الظرف الصّعب الذي يمرّ به العراق ارتأينا أنْ تتخصص النظرة بالعراق ، ذلك البلد الذي شغل فكر السيد الشهيد كثيرًا حتى ضحى من أجله بروحه ، لقد كان بالإمكان أن يرحل منه لأي بلد دون أنْ يعرِّضَ نفسه لخطر ، ولكن همّته بأمّته وعزيمته على خدمة ملته ، دفعت به لأنْ يبقى مؤديًا لرسالته في أرض العراق حتى الفراق ، فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .

وقد قُسِّم البحث على تمهيد ومبحثين ، أمّا التمهيد فكان تبيينًا لمفاتيح البحث ببيان شيء موجز من السيرة الذّهبية للسيد محمد باقر الصدر ، ثمَّ التّعريف بالاقتصاد ليكون هذا منطلقًا للدّخول بالبحث . على أنّ البحث قد راعى الإيجاز فليس غرضه التّعريف بما جدَّ من مفاهيم من مثل الاقتصاد الجزئيّ  او الكلي او الموجّه … او نحو ذلك من مصطلحات فهو لا يريد أن يغرق الباحث بهكذا مسائل بقدر ما يريد أنْ يُبين أنّ مشكلاتِ العراق بما فيها الاقتصاديّة يمكن أنْ تُعالج بالإفادة من التراث العظيم للسيد الشهيد شريطة أن تُراعى أقواله وتصبح تطبيقات فعّالة لا شعارات رنّانة .

ثم جاء المبحث الأوّل وكان في (الأزمة الاقتصاديّة العراقية وأسبابها) ، وقد عرض للمشكلات الاقتصادية الراهنة في العراق وانعكاس هذا على المجالات الأخرى غير الاقتصاديّة ، بعدها انتقل البحث الى المبحث الثاني ، وكان بعنوان (امكانية علاج المشكلة الاقتصاديّة واصلاحها ) ؛ إذ طرح الحلول مستنيرًا بآراء السيد الشهيد مع بعض التّحليل ، وقد تقصَّد البحث في طرحه بالتزام الإيجاز ، ومع أنه جعل من مدونات السيد الشهيد محلًّا للاستشهاد والتبيين إلا أنّه اعتمد على المصادر الاخرى التي تعزز من فكرة البحث وتقويه .

وختاما نسأل الله أنْ يمنَّ علينا برضوانه وغفرانه وأنْ يُسهِّل أمر العراق
والعراقيين ، ويكشف هذه الغمّة عن هذه الأمّة بحضوره المبارك ، إمامي الغائب عجل الله فرجه الشريف .

الباحث

5/ شعبان / 1443

ولادة الامام السجاد  (عليه السلام )

 

التمهيد : التعريف بالاقتصاد وبالسيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس سره)

التعريف بمفاتيح البحث مهم لغرض معرفة الانطلاقة في الدراسة فضلًا عن إعطاء صورة أوليّة عن البحث والسبب الدّاعي إليه ، وكذلك التّعريف ببعض القضايا التي تنفع القارئ ، ومن هنا كان التعريف بالاقتصاد وبالسيد الصدر (قدس سره ) وتأتي ضرورة التعريف بالسيد لأمرين :

ـــ الأول : انّ شخصيته مما يجدر أنْ تذاع ويُشاع الحديث عنها كونها قد بلغت مكانة يشار إليها بالبنان ، فالحديث فيها يعمل على نشر الفضائل كونه (قُدِّسَ سرُّه) قد غدا القدوة لمعظم الناس ؛ فبَسْط تميزه وفضائله مما يعمل على نشر القيم النبيلة والفضائل الزاكية .

ـــ الثاني : هو أنّ السيد يمثل الأنموذج المثاليّ للمرجعيّة التي تعرضت للضغوط العصيبة مثلما تعرض لها الاسلام ، وقد جاء أنه (( قد تعرّضَ التّشيّع والإسلام عمومًا للهجمة التبشيريّة المدعومة من المستعمر الغربيّ الكافر ، وكان نصيبها الفشل الذريع كما اعترفوا بذلك حتى قالوا : إنّ محاولة جعل المسلم مسيحيًّا غير عمليّة ، ولكن علينا أنْ نسلخَ المسلم عن الإسلام بدفعهِ للتّحلُّل والفساد والاستهوان بالدّين ، فكفانا ذلك مكسبًا ونجاحًا))([2])، ومن هنا فتعريف السيد للبشرية تتجلى فيه الخدمة الجليّة لكل البشريّة ؛ اذ بسيرته الوضّاءة نتعرّف على حقيقة الإسلام ومكانة المرجعيّة وقيادتها السامية .

ويؤسفنا أنّ هذا ممّا غابَ عن كثيرٍ من النّاس بمَن في ذلك أهل الشأن حتى وجدنا المستشرق الألماني هاينس هالم يتجاهل القيادة الحكيمة للمرجعيّة في عصر الغيبة ، فيقول : (( بدأت في سنة 941 م/ 329 هـ مرحلة الغيبة الكبرى التي لم تزل مستمرّة حتى يومنا هذا نتيجة لذلك بقيت الطوائف الشيعيّة كلِّيًّا دون قيادة روحيّة ))([3]) متجاهلًا نيابة المرجعية للإمام المعصوم ، والحقيقة أنّ ((المرجعيّة الدّينيّة تاريخها عريق … يمتدُّ إلى أكثر من اثني عشر قرن([4]) من الزّمن وعلى مرور هذه القرون كان لها دور في إدارة مُختلف الأوضاع الاجتماعيّة والعقائديّة والثقافيّة والرّوحيّة والدّينيّة والسّياسيّة ))([5]) وحتى الاقتصادية ــ مثل ما سنرى في هذا البحث([6]) ــ ، بل إنّ الغيبة الكبرى ما كانت لتبدأ لولا أنّ الأئمة (عليهم السلام) ضمنوا إمكانَ غياب الإمام وبقاء الأمّة على خطّ الإسلام الصّحيح بفضل من صنعوا من رجال العلم ، فهم الأساس في تأسيس بوادر الحوزات العلمية([7]) ، نعم لقد :
(( أمِن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) على تعاليمهم الشريفة وثقافتهم السّامية من الضياع والتحريف والتّحوير ؛ ولهذا أمكن وقوع الغيبة الكبرى بانقطاع خاتم الأئمة المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) عن الاتصال المباشر بالشيعة لاكتفاء الشيعة بما عندهم من تعاليم وثقافة دينيّة تقوم بها الحجّة عليهم ))([8]) ، واليوم نجد في تراث الشهيد الصدر منجمًا ، يستطاب به التّنقيب ، وتتجلى فيه صورة أهل البيت ( عليهم السلام ) .، ومن هنا سيكون حديثنا هنا عن الاقتصاد كونه المحور الذي سنتطرق اليه عند هذا المرجع العظيم ، مع بيان شذرات من السيرة المباركة :

 

القسم الأول : التّعريف بالاقتصاد

الاقتصاد لغة : (( هو من القصد والقصد استقامة الطّريق والاقتصاد فيما له طرفان إفراط وتفريط محمود على الإطلاق ، وعليه قوله تعالى : ) واقصد في مشيك ( [لقمان  :19] و ) إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ( [الفرقان  :67] ، وقد يُكنّى به عما تردد بين المحمود والمذموم كالواقع بين الجور والعدل وعليه قوله تعالى: )فمنهم ظالمٌ لنفسهِ ومنهم مُقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيراتِ بإذنِ اللهِ ( [فاطر  :19] ))([9]) ، فهو ينحصر بين الاستقامة والوسطيّة بين أمرين أو التّردّد بين الخير والشرّ .

أما في الاصطلاح فهو (( العلم الذي يبحث في كيفية إدارة واستغلال الموارد الاقتصاديّة النّادرة لإنتاج أمثل ما يمكن إنتاجه من السّلع والخدمات لإشباع الحاجات الإنسانيّة ــ من متطلباتها الماديّة- الّتي تتّسم بالوفرة والتّنوّع في ظلّ إطارٍ مُعينٍ من القيم والتّقاليد والتّطلعات الحضاريّة للمجتمع.. كما يبحث في الطّريقة التي يوزَّع بها هذا النّاتج الاقتصاديّ بين المشتركين في العمليّة الإنتاجيّة بصورة مباشرة “وغير المشتركين بصورة غير مباشرة” في ظلّ الإطار الحضاري نفسه”))([10]) .

إنّ استغلال الموارد الاقتصاديّة بصورة جيدة يعمد الى انتاج اقتصاد سامٍ قادر على اشباع الحاجات الانسانية ؛ ومن هنا كان (( علم الاقتصاد ليس مجرد لعبة وليس مجرد أحجية حاذقة لاختيار قوى المنطق والحساب والرياضيات لديكم ومدى براعتكم فيها فما كان علم الاقتصاد ليبقى مثيرًا لو لم يتعامل بمسائل حيوية بالنسبة إليكم كأفراد يهتمون بأنفسهم وضروريّ لكم بصفتكم بشر([11]) يأملون في قيام مجتمع أفضل )) ([12])  ، ولكن سوء الاستغلال يؤدي الى مشكلات اقتصادية وأزمات محرجة . ومن هنا شغل هذا العلم مكانة كبيرة ولا سيما في هذا العصر ، يقول العالم الاقتصادي يول : (( إن علم الاقتصاد يمكن أنْ يكون ممتعًا ، وهذا ليس رأيي فقط كعالم اقتصاد محترف ؛ فالتجربة الفعليّة في مئات الكليات تشهد بأنّ أكبر نسبة انتساب في صفوف الجامعة هي في مبادئ علم الاقتصاد وأنّ معظم هؤلاء ممن يختارونها طوعًا )) ([13]) ، ولا شكّ أنّ السبب وراء ذلك يعود الى أنّ الاقتصاد أصبح الشغل الشاغل للعالم ، وبعضهم راح به بعيدًا ورآه غاية على حساب البشريّة ، يقول العالم الاقتصاديّ آدم سميث مبينًا أنّ الناس تتحرك وفق مصالحها : (( أعطني ما أريده تحصل على هذا الذي تريده ، هذا هو المعنى الحقيقي لكل عرض من هذا النوع وعلى هذا النوع يحصل بعضنا من بعض على القسم الأكبر من هذه الخدمات التي نحتاجها ، نحن لا ننتظر غداءنا أو عشاءنا من طيبِ خاطرِ القصاب وصانع الجعة أو الخباز ، بل من اهتمامهم بمصالحهم الخاصة ، ونحن عندما نتوجه الى الآخرين لا نخاطب انسانيتهم بل أنانيتهم )) ([14]) .

والذي يراه سميث لا يخلو من صحة ، ولا سيما في أنّ قضية الناس تكون بتوقف بعضهم على بعض ، لكن لا أنْ نجعل الأنانية هي الأساس في العمل ، بل الإنسانية هي  المحور ، وهذا أمر نجده واضحًا في كتابات السيد محمد باقر الصدر ، اذ يجعل الإنسانية في كلِّ شيء وقبل كلِّ شيء من دون أنْ يهمل المصالح الذاتية للفرد ، فالتركيز في الإسْلام يكون على الدوافع لا على المنافع يقول السيد الشهيد : ((انّ الأشكال الي تتخذها عملية الإنتاج والأوضاع الاجتماعيّة التي تتجسد من خلالها يجب أن تنسجم إسلاميًّا مع كرامة الانسان وقيمه المعنوية وحقوقه الطبيعيّة التي يؤمن بها الإسْلام)) ([15]) ،  فمهما كان الانتاج مهمًّا إلا أنّه يبقى في خدمة الإنسان لا أنْ يكون الإنسان في خدمتهِ ، وهذا من شأنه يعمد الى ترقية الاقتصاد أكثر مما يتوقع الإنسان نفسه ؛ لأنه بهذه الحالة يستشعر أنّه ذو قيمة فيفجِّر ما لديه من طاقات ويجتهد في عمله ، ومثلما يرى السيد الشهيد : (( انّ الدولة الإسْلاميَّة ليست ضرورة شرعيّة فحسب ، بل هي إضافة إلى ذلك ضرورة حضاريّة ؛ لأنّها المنهج الوحيد الذي يمكنه تفجير طاقات الإنسان في العالم الإسْلامي والارتفاع به الى مركزه الطبيعي على صعيد الحضارة الإنسانيّة وانقاذه ممّا يعانيه من ألوان التشتّت والتبعية
والضياع
))([16]) ، والحقيقة أنّ المسائل الأخيرة (التشتت والتبعية والضياع) من القضايا التي أنشبت مناسرها في جسم العراق ، فعاد يعاني من الشقاق والإخفاق ، وهذا يدلّ على أنّه لم يتخذ النّهج الإسْلاميّ بصورة حقيقيّة فعليّة على أنّ هذا لا يعني الاستسلام ، بل يمكن العودة الى مركزه الطبيعيّ المرسوم له اذا أراد ذلك ، إذ سينصاع له الأمر ، وما عليه إلا أنْ يجدَّ ويجتهدّ ، وكل من سار على الدّرب وصل ، ونحن إذ نقرأ في كتب السيد الشّهيد الصدر نجده يقرر ذلك ، فالأدوات الاقتصاديّة الإسلاميّة  (( إذا طُبِّقت بمجموعها فهي كفيلة بالقضاء على سوء التّوزيع وعلى اختلال التوازن وعلى الحاجة والفقر وعلى التضخم المالي الفضيح )) ([17]).

 

على أنّ هذا المقصود به فيما سبق من تعريف للاقتصاد هو علم الاقتصاد وليس مذهب الاقتصاد ، ، ولكي (( نعرف مدلول الاقتصاد الإسْلاميّ بالضّبط ، يجب أنْ نميّز علم الاقتصاد عن المذهب الاقتصاديّ ، وندرك مدى التّفاعل بين التّفكير العلميّ والتّفكير المذهبيّ لننتهي من ذلك الى تحديد المقصود من الاقتصاد الإسْلاميّ … ، فعلم الاقتصاد هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصاديّة وأحداثها وظواهرها ، وربط تلك الأحداث والظّواهر بالأسباب والعوامل العامّة التي تتحكّم فيها ، وهذا العلم حديث الولادة فهو لم يحدث بالمعنى الدّقيق للكلمة إلّا في بداية العصر الرّأسماليّ منذ أربعة قرون تقريبًا ، وإنْ كانت جذوره البدائيّة تمتدّ الى أعماق التّاريخ ، فقد ساهمت كل حضارة في التّفكير الاقتصاديّ بمقدار ما أتيح لها من إمكانات غير أنّ الاستنتاج العلميّ الدّقيق الذي نجده لأول مرة في علم الاقتصاد السياسيّ مدين للقرون الأولى )) ([18]) ، فتفسير الحياة الاقتصاديّة لا يمكن أنْ نقصره على ما جاء في الآونة الأخيرة ؛ اذ له إشارات والتفاتات موجودة منذ بدايات الخليقة

بحكم أنّ الفرد لا يمكنه أنْ يحيى دون أنْ يكون له توجه اقتصاديّ معين وإنْ كان بدائيًّا .

أما المذهب الاقتصاديّ عند السيّد فهو : (( عبارة عن الطّريقة التي يفضل المجتمع اتباعها في حياته الاقتصاديّة وحلّ مشاكلها العمليّة وعلى هذا الأساس لا يمكن أنْ نتصور مجتمعًا دون مذهب اقتصاديّ ؛ لأنّ كل مجتمع يمارس انتاج الثروة وتوزيعها لا بدَّ له من طريقة يتّفق عليها في تنظيم هذه العمليات
الاقتصاديّة ، وهذه الطّريقة هي التي تحدّد موقفه المذهبيّ من الحياة
الاقتصاديّة
)) ([19]).

فإذا ما أجاد في مذهبه استطاع أنْ يرقى ويتطوّر ، بل هذا هو السبب في تطور بعض البلدان وهبوط أخرى ، وعلى البلد إذا أراد  أنْ لا يكون من الهابطين أنْ يعمد لتشخيص مشكلاته ثمّ حلّها لا أنْ تترك الأمور على عواهنها ؛ لأنّ هذا يتسبّب في انهيار البلد بصورة عامّة ؛ فالوضع الاقتصاديّ المُتردّي مثلًا في أكثر الأحيان يكون سببًا للجرائم مثلما يكون سببًا للتّراجع الصّحّي والتّعليميّ والاجتماعيّ …

و التفضيل الوارد في عبارة السّيد أولا (عبارة عن الطريقة التي يفضل المجتمع اتباعها)  يكون عادة بسبب الأثر الفلسفيّ او التوجه الفكري والانتماء العقائدي الذي يميل اليه ذلك البلد ،  ومن هنا لا يوجد مذهب اقتصادي واحد ، بل مذاهب بسبب تباين المرجعيات الثقافية ، ويشجع على هذا أيضًا أنّ الدّراسات بدأت تتسابق رغبةً في إيجاد اقتصاد مناسب ، فولّد نشوء أسس متناقضة فيما بينها مثلما يلقانا في الرأسماليّة والاشتراكيّة ، فضلًا عن آراء هنا وهناك لنصبح أمام أكثر من طريق ، وكلّ هذه الطرق تزعم أنّها هي التي توصل الانسان الى برّ الأمان ، وهذا كان سببًا لأنْ يتعسر إيجاد علم اقتصاد متفق عليه  ؛ إذ بات (( من المعوّقات الرّئيسة لفهم علم الاقتصاد الحديث كثرة مدارس الاقتصاد )) ([20]) ، وهذا نفسه سبب في أنْ يبقى هذا العلم علمًا خصبًا صالحًا للبحث ومجالًا رحبًا للدراسات .

 

القسم الثاني : التّعريف بالسّيد محمد باقر الصّدر

بين أمل الولادة والخوف من فقدان البنين عاشت كريمة آل ياسين ، فما أنْ يلد لها بدر وإذا به يفارق الحياة حتى قالت ابنتها بنت الهدى : ( قد ملأت منهم القبور) ، ولكن هذه الأمّ العظيمة لم تيأس بل توجّهتْ بقلب كلّه أمل ورغبة لله تعالى ونذرت بالتبرع بكل ما تملك من ذهب إذا جاءها مولود وكُتبت له الحياة ، واذا بيوم دحو الأرض من سنة 1356هــ في يوم نشر البركات في الخامس والعشرين من ذي القعدة ، يطلّ علينا بدر السيد محمد باقر الصدر ، يأتي في يوم مولد نبي الله ابراهيم ، يأتي دون أن يخسف بدره فتفي أمّه بنذرها ، ويمضي الزّمن قليلًا وإذا بهذا الوليد يفارق أباه قبل أنْ يبلغ الثالثة([21])، فيعيش يتيمًا كجدّه النبي المصطفى (صلوات الله عليه) ، ولكنّه مع هذا الظرف الصعب ينهض من المستحيل ينهض وقد رفع لواء الابداع ، ليسطّر تاريخه بأحرف من نور ، فيجود على الأمة بفكر ناصع وقلم لامع،  (( ونبوغه وقابلياته جعلته يستوعب مفاهيم الإسلام بوعي حتى بات يدرك منذ أوائل عمره ونشوئه شمولية الاسلام وسعة أهدافه كما تدلّ على ذلك كتاباته مثل كتابه( فدك في التاريخ ) الذي ألّفه وهو في سن الثانية عشرة أو أقل من
ذلك
)) ([22]) ، و (( كان هذا الحضور المبكر وملاحظات النبوغ فيه مدعاة لآية الله الشيخ عباس الرّميثي أنْ يطلبَ منه مراجعة الحاشية على رسالة الشيخ آل ياسين عند وفاته سنة 1370هــ ، حيث كان عمر الشهيد حوالي سبعة عشر عامًا ))([23])، ولم يكن المجتمع ليرى من السيد محمد باقر خلة النبوغ هذه ، حتى جاءته أخواتها فكان كريما بزكاة العلم ، ينشرها بين طلبة العلم ، يقول السيد محمد باقر الحكيم في (( مراجعاته لكتابات طلابه وبعض مريديه بلا كلل ، وبهذا الصدد لا زلتُ أذكر ما نقله لي العلامة الفقيد السيد عزّالدين بحر العلوم الذي كان محبًّا له وإنْ لم يكن من طلابه حيث قال لي : بأنّي كنتُ أعرض بعض كتاباتي على بعض الفُضَلاء الجيدين من أصدقائي ، فتبقى لديهم مدة من الزمن وجرّبت الشهيد الصدر (قدس سره)  مرة في عرض الكتابة عليه ، فأرجعها فورًا مع الملاحظات فأصبت بالدهشة وعرفت الفارق )) ([24]) ، فلقد كان ( قدِّس سره ) حريصًا على مساعدة الآخرين ، الى درجة أنّه يبادر لمساندتهم دون تمهل ، فخير البر عاجلٌ ، ولم تشغله مشاغله الكثيرة عن مد يد العون إليهم ، والعجيب أنه بالرغم من مشاغل تعيق المُجِدّ عن مجده  استطاع أن يؤلف ويبدع ليسجل بمؤلفاته فرادة متميزة في الرّوعة من سرعة تأليف مع قوة طرح وإجادة تحليل وأصالة فكرة ، فتجده مثلا يكتب مؤلفًا بعنوان : (بحث حول المهدي) ، مؤلفًا يعدّ من أفضل المؤلفات في هذا المجال يصل إلى 97 صفحة ، ولكن الأشد عجبًا أنّه لم يكلفه أكثر من أربعة أيام ، يقول (قُدِّس سره) في آخره :
(( وقد وقع الابتداء في كتابة هذه الوريقات في اليوم الثالث عشر من جمادى الثانية سنة 1397هــ ، ووقع الفراغ منها عصر اليوم السّابع عشر من الشهر نفسه ، والله ولي التّوفيق )) ([25]) .

ألا يكون هذا الفضل العظيم قد جاء من توفيق من الموفق العظيم ، يقول السيد محمد باقر الحكيم عن استاذه السيد الشهيد انه مع كل هذا الفضل والتميز إلا أنه قد عرف بـ(( عدم التباهي بالدّرجة العلميّة والنبوغ العلميّ ، إذ لم أسمعه مرة واحدة طيلة هذه المدة أن صدر شيء من ذلك )) ([26]) ، وهذه الخلّة السامية تجعله محل رضوان الله وتسديداته .

وكم أعجبَ به القاصي والداني ؟ حتى قال فيه الكاتب الجزائريّ الدكتور محمد عبداللاوي : ((إنّ الشهيد السّيد محمد باقر الصّدر لم يكتفِ بتنظير الرُّؤية الإسْلاميَّة إلى التاريخ ، بل عاش هذه الرُّؤية وتحرّر من ثقل الواقع الفاسد ومن حركة التّاريخ المفروضة من طرف السّلطة في العراق ومن طرف الفكر الغربيّ ، وقدّم البديل الإسْلاميّ نظريًّا بكتاباته وعمليًّا باستشهاده رحمه الله)) ([27]) ، فهو لم يكتف بالانتقاد بل حدّد وحلّل ، وشخّص ومحّص ، الى أنْ جاء بما يربو على الدّليل .

ويقول الدكتور الأردنيّ فضل حسن عباس :(( وللعلامة الشيخ([28]) محمد باقر الصدر -رحمه الله- كتاب (اقتصادنا)، وهو من خير ما كتب في هذا
الموضوع
)) ([29]).

ويقول فيه العالم المصري الدكتور سليمان دنيا  : ((وفي هذا المقام يحلو لي أنْ أشير إلى مفخرة من مفاخر المسلمين، بحقّ أن نعتز بها ونفاخر، تلكم هي: كتب السيد ” محمد باقر الصدر ” التي ما أظن أنّ الزمن قد جاء بمثلها في مثل الظروف التي وجدت فيها.  لقد أنتجت عبقريته الفذة الكتب الآتية.”فلسفتنا” و “اقتصادنا” تلكم الكتب التي تعرض عقيدة الإسلام، ونظم معاملاته، عرضًا تبدو إلى جانبها الآراء التي تشمخ بها أنوف الكفرة والملاحدة من الغربيين وأذنابهم ممن ينتسبون إلى الإسلام وهو منهم براء، وكأنها فقاقيع قد طفت على سطح الماء ، ثم لم تلبث أن اختفت وكأنها لم توجد . ألا فليقرأ هذه الكتب أولئكم الذين حشوا رؤوسهم بهراء من القول، وزيف من الخيال، ليتطهّروا بطهور الحقّ من رجس الباطل، وليبصروا نور الوجود، بعد ما ضلوا في بيداء العدم، وليجدوا أنفسهم بعد أن فقدوها))([30]) ، ها هو الدّكتور يصرخ بالشّباب الّذين راحوا ضحية الافتنان بالغرب ، يصرخ بهم لقراءة كتب السّيد الشّهيد ؛ ففيها ما لا يوجد في غيرها من تلك المؤلفات التي جذبت بهم .

وهناك خُلة جليلة تميز بها السيد الشهيد وهي مع انه خاض في دراسات  صعبة معقّدة إلا أنّه حين كان يكتب كان يميل الى التسهيل والتوضيح والتبسيط ، حتى اسمى رسالته العملية بـ”الفتاوى الواضحة” ، وكان يريد إشاعة منهج التّسهيل بين
العلماء ، وهذا واضح حينما نرى كيف أنّه رجّحَ اسلوب شريعتي لوضوحه وسلاسته على الرغم من الهجمات الكثيرة التي تعرض لها شريعتي في وقته ، إذ يقول :
(( إنّ الدكتور شريعتي يمتلك قدرة بيانيّة عالية ، ويستعمل مفردات وأمثلة حديثة ومن واقع المجتمع ، يفهمها النّاس ويتفاعلون معها وخاصّة الشباب ، بينما الفريق الذي تصدى لشريعتي من العلماء يستعملون مفردات قديمة وزمانها غير هذا الزمان وأمثلتهم بعيدة عن الواقع المعاش لهذا يكون التّجاوب معهم ضعيفا حتى لو كانوا على حقّ )) ([31]) ، وهذا كافٍ للدّلالة على أنّه كان رافضًا لمنهج أولئك العلماء بسبب صعوبة طرحهم مقارنة بالدكتور شريعتي ، فالسّيد الشّهيد قرّر وآمنَ بما جاء في الدراسات اللسانيات الحديثة  ، بأنْ يؤخذ (( بالحُسبان أنّ للمُشاركينَ في الخِطاب حقًّا في وَثاقةِ الصِّلةِ كأنْ تكونَ عَونًا لهم في تقليصِ حالاتِ سُوءِ الفَهمِ واللّايقينِ المُمكنةِ الوُقُوعِ ))([32]) ، والمؤلف اذا انتبه الى ذلك تمكن من تحقيق ((التَّفاعلُ وكسْبُ ﭐستمالةِ المُتَلَقِّي ونيلُ رضاهُ ))([33]) ، وهذا هو الذي اعرب عنه السيد الشهيد حين قال : (( يفهمها النّاس ويتفاعلون معها وخاصة الشباب)) .

 

إنّ هذا البدر المنير الذي تميّز بخلاله العظيمة كان ضحية لتخوف السلطة الظالمة منه ، حتى تم قتله على يد اسوأ شخصية في العصر ــ صدام الطاغي ــ بتاريخ 8 / 4 أو 9 / 4 ؛ ليكون هذا التاريخ هو نفسه تاريخ سقوط نظام ذلك الطاغية  9/4/2003 ([34]) ، لقد تنافست ولادته مع شهادته ؛ فتلك كانت مع يوم نشر البركات وهذه كذلك إذ اسقط فيها صدام طاغ الطغاة . بل إن الامر كما  (( يذكر خضر الدوري ــ عضو في القيادة القطرية بعد 1991 م أنّ أغلب الذين تولوا اعتقال وتعذيب وقتل السيد الصدر رحمه الله) لاقوا حتفهم بطرق غير طبيعية)) ([35]) ، فمثلا الملعون دحام العبد ابن خالة صدام الّذي رمى السيد بطلقة مسدس ، هذا الملعون فارق الحياة بعد أسبوعين من مقتل السّيد الشهيد ، وكان قتله على يد ابن إحدى زوجاته ، وكان عمر قاتله إحدى عشرة سنة([36]) ، ألا لعنة الله على الظالمين .

 

المبحث الأول : الأزمة الاقتصاديّة العراقيّة وأسبابها

صار الاقتصاد الشّغل الشّاغل في هذا الوقت بصورة عامّة ، فبعد أنْ ضعُف الجانب الدّيني في أوربا بسبب استغلال أرباب الديانة النصرانية ورجالات الدولة، وهو أمر أكده السيد الشهيد (قدس سره)؛ فقد (( كانت الحالة الاقتصاديّة في أوربا في أتعس وضع وأبأس حال , بسبب الوضع الاجتماعي المتخلِّف الذي أنتجته الديانة النصرانية وحكامها, ممثَّلة في البابوات وأصحاب الجاه والسلطان, الذين كانوا لا يهمهم إلّا ضمان استرقاق الشعوب النّصرانيّة وإذلالها لطواغيت رجال الدّين وأباطرة الدّولة، ولتكن حالتهم بعد ذلك إلى النّار، فالدولة ليست مسؤولة عن الفقراء والبائسين. فنشط النظام الإقطاعيّ واستبداد الطبقة العليا بمن دونها حسب النظام الجاهليّ، وكان النّظام الاقتصاديّ مكبَّلًا بتعاليم الكنيسة تحليلًا وتحريمًا، وكان قائمًا على ظلم الكادحين, وشَرِهَ رجال الكنيسة الذين احتووا جُلَّ مصادر الاقتصاد مضافًا إلى ذلك صنوف الضرائب المفروضة على الفلاحين وغيرهم, الذين كانوا يُسَخَّرون كلهم كما يُسَخَّر العبيد ))([37])، لكن بعد تلك الثورة الاوربيّة تغيّرت عجلة الاقتصاد وتحسّن الوضع ومع أنّ المسيحيّة ليست الإسْلام ، إلّا أنّه حُمِل
عليها ؛ فكان الهجوم عليه بسبب الفعل الخاطئ لأرباب المسيحيّة ، حتى أنّهم رأوا أنّ الضّعف الاقتصاديّ عند المسلمين مدعاة عند النشء الجديد بإثارة علامات الاستفهام حول الدين ؛ إذ (( إن الناس رأوا أنّ أوربا لم تتقدم وتمتلك القوى الماديّة وتكتشف أسرار الحياة إلّا بعد أنْ تركت أفكار الكنيسة وعقائدها ، وأنّ دولة كروسيا لم تصبح دولة عُظمى إلّا بعد أنْ أعلنت أنّها دولة إلحاديّة ، ورأوا مع ذلك أنّ الدول التي ما زالت تتمسك بالدين دولًا متخلفة في القوة والصّناعات ، فظنّ النّاس لذلك أنّ الإلحاد سبب للقوة والعلم  ))([38]) .

وهذه شبهة ساعدت الظّروف على الإيمان بها ، وعزّزت هذه النّظرة لترجيح الجانب الاقتصاديّ على ما سواه ، وشُنّ الهجوم على الإسْلام بجُرم غيرهِ ، فـ ((بدأت الموجة الشيوعيّة في العراق بشعار ( الدين أفيون الشعوب ) ، ونشطوا في نشر هذا المفهوم القنبلة بكل ما استطاعوا من وسائل !))([39]) ، ويبين السّيد محمد باقر الصدر أنّ تأخّر المسلمين لم يكنْ لضعف الإسْلام حقيقة ، وليس هو السّبب في تخلّف صناعتهم ، وإنّما لقيادته من قبل أشخاص غير مؤهّلين ، فالتّاريخ يشهد أنّ (( النّظام الإسْلاميّ مرَّ بتجربة من أروع النّظم الاجتماعيّة وأنجحها ، عصفت به العواصف بعد أنْ خلا الميدان من القادة المبدئيين أو كاد ، فبقيت التّجربة في رحمة أناسٍ لم ينضج الإسْلام في نفوسهم ، ولم يملأ أرواحهم بروحه وجوهره ، فعجزت عن الصمود والبقاء ، فتقوّض الكيان الإسْلاميّ ، وبقيَ نظام الإسْلام فكرةً في ذهن الأمة الإسْلاميَّة ، وعقيدة في قلوب المسلمين ، وأملًا يسعى إلى تحقيقه أبناؤه المجاهدون))([40]) .

وهذا الأمل إذا تحقّق تغيرت الموازين واستقام عود الحياة السعيدة  لكن لا بد من عزيمة قوية تكتب الحياة للتّطبيق الفعال ، وما قاله السيد الشهيد في أصل مضمونه موجود في نهج البلاغة حين يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( انْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ، وَجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ، كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا، وَأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا، وَالْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ  بَرَكَتِهَا، فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ، وَفِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ ، قَدْ تَرَبَّعَت الاْمُورُ بِهِمْ، فِي ظِلِّ سُلْطَان قَاهِر، وَآوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزّ غَالِب، وَتَعَطَّفَتِ الاْمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْك ثَابِت ))([41]).

ومن المؤسف أنّ هذا لم يُلتفت اليه ، ويؤسفنا أكثر حين ينقلب مثقفونا على الإسْلام ، يقول مالك بن نبي : (( فإذا ما عُدنا لموقف نخبتنا المُثقفة في المجال الاقتصاديّ، نرى هذه النخبة تقف مجرد موقف اختيار بين ليبرالية (آدم سميث) ومادية (ماركس)، كأنما ليس للمشكلات الاقتصادية سوى الحلول التي يقدمها هذا أو ذاك)) ([42]) .

وثَمّة دعوة لا بدّ منها وهي العودة الى العلم والمعرفة من أجل غد مشرق ، فالجهل عدو أثّر كثيرًا بأمتنا الإسْلاميَّة ، لقد تأخّر بنا الركب ومضى قطار الآخرين بعيدًا حتى أصبحت النّتيجة متبلورة بـ (( سوء حال المسلمين في هذه القرون الأخيرة ، فقد فسدت حكوماتهم وشعوبهم ، واستحوذَ عليهم الجهل بحقيقة دينهم ومصالح دنياهم حتى صاروا حجّة لأعدائهم … على أنّه لا خير فيهم ولا في
دينهم
))([43]) ،  ويرى المبعوث آيدن : (( أنّ جهل المسلمين اليوم هو السّبب الوحيد في تأخرهم وأنّ تقدمهم لا يكون إلا بنشر العلوم والمعارف بينهم ))([44]) ،  ومن هنا فالجهل هو العدوّ الأول ، وأنّ الخلاص منه يكون سببًا للولوج الى عالم التّطور والتقدم . يضاف إلى ذلك ضعف التّطبيق لمعطيات الدين الحنيف بصورة صحيحة ووافية .

ومن هنا وجدنا ــ على سبيل التمثيل ــ ضعف الصّناعة بسبب ضعف العلم ؛ فالصناعة متوقفة عليه ولا سيما بعد أنْ تطورت وتقدمت ، ونجد ضعف الزّراعة كذلك ؛ فالزراعة تحتاج إلى إيجاد مصانع لتصريف الفائض من المنتوج الزراعيّ في الصّناعات من مثل التعليب ، فالطماطم بانتاجها الموسمي تزيد على المستهلك منها في موسم انتاجها ، مما يعني وجود فائض ، وهذا الفائض يكون بين أمرين : إما أنْ يتلف أو أن يتم تحويله الى معجون ، فيمكن في هذه الحالة أنْ نتجنب خسارة متوقعة ،  لكن غياب الصّناعة أثر بشكل كبير في ذلك  ، وتلكؤ هذين الجانبين (الزراعة والصناعة) كلّف الأمة وجود كثير من العطالة في المجتمع ، فصار المجتمع مُتباينا في طبقاته ، وهذا بحد ذاته مشكلة كبيرة تتناقض مع الهدف الإسْلامي الذي يدعو الى التوازن الاقتصاديّ .

وضياع الصّناعة فضلًا عن الزراعة كلّف العراق أنْ يعتمد على النفط  اعتمادا كبيرًا جدًّا ، وهو بهذا الاعتماد يعرض مستقبله لخطر ، والسبب أنّ (( هيمنة القطاع النفطي على الاقتصاد العراقي سيخلف وسيساهم في إيجاد تشوهات اقتصاديّة وسوقيّة مستقبليّة ؛ لذا نرى ضرورة الاستفادة القصوى من عائدات النفط في توليد نحو متوازن لباقي القطاعات الاقتصاديّة الأخرى )) ([45]) ، فهذا من باب : رُبّ نافعة
ضارة ، وهو ما نراه اليوم من عجز اقتصادي وانتشار للعطالة ، وهذا لا يعني تكوين جيوش من الشباب العاطلة ، بل يعني ضياع مجتمع بأكمله ، فالفراغ وعدم جعلهم يتولون المسؤوليات يقود الى جعلهم يفرغون عما بداخلهم في أمور لا تُحمد عُقباها ، (( ولذلك يقف العراق على مفترق طرق بوجود إطار اقتصاديّ معطَّل الى حد كبير من شأنه تعطيل الاستثمار الضروري ممّا يؤدي إلى عجز واختلالات في التّوازن بصورة كبيرة ؛ إنّ توجيه عائدات النّفط والغاز لقيادة مهمة توليد النمو غير النّفطيّ هو أمر بالغ الاهمية ، وهذا يعني أنّ الاستثمارات التي تدعم التنويع الاقتصاديّ كمحرك رئيسيّ للسياسات الاقتصاديّة من خلال بيئة مواتية واستثمارات تعمل على إزالة القيود ملزمة للنّمو ))([46]) ، ولكن الحقيقة ما يزال العراق ماضيًا على هذه السياسة الاقتصادية السيئة حتى (( انّ القيمة المقدرة للغاز المحروق ( 5) مليون دولار يوميا أو حوالي ( 1.8 ) مليار دولار سنويًّا على الرّغم من ذلك فإنّ هذا الرقم لا يأخذ بالحسبان كلفة فرصة استخدام هذا الغاز لإنتاج الاسمدة والبتروكمياويات الأخرى))([47])، فهذه كسب لكلتا السوأتين ، لثروة محروقة ولتضييع فرصة كبيرة لتدعيم الجانب الزراعيّ والصّناعيّ ، بل زاد الأمر خطورة ؛ إذ بسبب هذا الغاز المهدور حرقًا (( يعاني السّاكنون بالقرب من منشآت الانتاج من مشاكل صحية نظرًا لتعرضهم للهواء الملوث )) ([48]).

فكم هو غريب أنْ تصبح النّعمة نقمة بل نقمات ، فأموال تهدر وبيئة تلوث وفُرص عمل تُوأد ، وشباب تعيش الأمل للبحث عن أدنى فرصة للعمل , كل هذا ينبئ بأنّ العراق يعاني ومستقبله بخطر ، بل إنّ (( معضلة الأفراد في وضع تسود فيه البطالة لا تكمن في صعوبة الحصول على فرصة للعمل ، بل في فقدانهم نهجهم العاطفيّ ، حيث يجد الفرد أنّ اهدافه الثانوية التي خصّص لها كلّ مجهوده قد اختفت وأنّه لا يفتقد فرصة للعمل فحسب ، بل انّ رغباته وغرائزه ظلّت دون أن تمسّ كما أنّ نظام حياته وطموح عائلته قد تبدد )) ([49]) .

بعد هذا ! ألا  يتوجّب على الجميع ولا سيما على أهل الشأن أنْ يعملوا ما بوسعهم من استثمارات وانجازات تسدُّ العجز الحاصل في اقتصاده ، ومن هنا علينا أولا الافادة من تجارب الآخرين ؛ فــ(( ان تجنب ما يعرف بـ (نقمة الموارد) أو تناقض الكثرة والتي تشير الى التناقض في البلدان والأقاليم التي لديها فائض في الموارد الطبيعية وبخاصّة الموارد التي يكون مصدرها غير قابل للتجديد مثل المعادن والوقود التي تميل الى أنْ يكون لديها نمو اقتصاديّ أقل ينبغي أنْ تظلّ مسؤوليّة أساسيّة بالنسبة للحكومة العراقيّة ، إذا رغبت في التعلم من نجاحات واخفاقات الدول الاخرى التي شهدت انتعاشًا كبيرًا في صادرات الموارد القابلة لتجديد))([50])، والغريب أنْ تجد العراق يعاني من تحديث صناعاته ؛ ليجعلها مواكبة لما يطرأ على الساحة ممّا جعله يفقد كثيرًا من ثروته الغازيّة حرقًا بالهواء ، ومن المعلوم أنّ
(( الغاز الطبيعي الذي ينتج كمنتوج ثانوي عند استخدام النفط ( الغاز المرتبط) غير المستغل بصورة كبيرة حيث إن ما نسبته (60%) أو أكثر من هذا المصدر يتم إحراقه والقسم الكبير من المتبقي يتم إعادة حقنه في باطن الأرض لتحسين معدلات إنتاج آبار النفط ، إن الممارسات الحالية هي حرق الغاز الطبيعي تمثل خسارة فادحة للعوائد وتدمير([51]) للبيئة ، وأغلب إنتاج النفط يتم تصديره على هيئة نفط خام ، ولا يتم تحويله الى منتجات متكررة عالية القيمة ، المعالجة الحالية للنفط الخام لتحويله الى كازولين والنفط الابيض ووقود الديزل لا تلبي الحاجة
الداخلية
)) ([52]). فالصناعة لم تؤثر في الزراعة فحسب بل حتى على الثروة النفطية والغازية بل حتى على البيئة ومن ثَمَّ تأثير واضح في صحة المواطنين وقد جر هذا الى وقوع جماعات كثيرة بالفقر . وها نحن اليوم نجد تباينًا ملحوظًا بين أناس يحيون في أحياء من الطين أو المواد المعدنية أو البنايات غير الآهلة للسكن ، وأناس يحيون بكل رفاه وكل نعيم ، ويتفننون بالعمران ووسائل التّرفيه .

وماذا بعد ؟ اليوم نجد الأزمة المائيّة بسبب عدم توفير السُّدود والخزانات
الكافية ، نجدها تعمل على المستويين ؛ ففي الشتاء يعمل العراق جاهدًا للتخلص من المياه خوفًا من السيول على النحو مما نلحظه في بحيرة الشويجة الموجودة في جنوب واسط ، اذ يُسرَّب الماء منها عبر منفذ النشامى الى أنْ يصل الى شط العرب ومن ثمّ الى الخليج العربي ـ وهذا التبذير لا يقل عن تبذير الغاز حرقًا في الهواء وكان بالإمكان تطويرها اكثر للإفادة منها في الثروة الحيوانية والزراعية والترفيهية والسياحية … ، أما في الصيف فتجده يمنع زراعة الأراضي بنسب معينة ، وها هي الأخبار في التلفاز والصحف في مسألة رفض زراعة الشلب . وها هي الاعداد تتزايد بالرحيل من الأرياف الى المدن ، وهذا التغير الديموغرافي يسبب الغلاء في السكن وينتج ضياعًا لكثير من الثروات الزراعيّة والحيوانيّة …

إنّ مهمة توفير التّوازن في العمل مهمة جدًّا ، ولا بد من تنويع القطاعات الانتاجية فاليوم العراق يستورد كثيرًا من الأمور ، وبعض هذه الأمور يمكن تصنيعها على المدى القريب ، أما تلك المصنوعات ذات التقنية العالية فيمكنه أنْ يجعل الآن خطة لإنتاجها في المستقبل ؛ فعسى أنْ يعيش في مرحلة الاكتفاء الذاتيّ ولو بنسبة مقاربة مستقبلًا ، وهو مؤهل لهذا السبب كونه يمتك موارد بشريّة واسعة موارد راغبة في أنْ تقدم خدماتها إذا أتيحت لها أدنى فرصة ، اما أنْ يبقى العراق على ما هو عليه فهو أمر خطير جدًّا([53])، ومن البديهي أنّه يترتب على عدم وجود فرص مناسبة للموارد البشريّة ، خروج هذه الموارد عن التصرُّف السليم لما يتشكل عليهم من ضغوطٍ نفسية ؛ إذ ((يتعرض الافراد في المجتمع الذي لا تتوافر فيه سياسات توزيعيّة عادلة إلى حالة من التوتر، يشعر فيها كل منهم بحرمانه من الامتيازات والمكافآت التي يتمتع بها الاشخاص الآخرون ))([54]) ، بل يمضون لمقارنة أنفسهم بالخارج مما يجعلهم يرون أنّهم لا يحيون مثل البلدان الغربية التي تنعم بالخيرات ، والفرص متاحة أمام شبابهم بامتيازات كبيرة وخيارات متنوعة ، وإنْ كانت تلك البلدان هي بالأصل قليلة بالموارد البشرية حتى عرفت أوربا بالقارة العجوز كون الأنام فيها لا تميل الى الانجاب مثلما هو موجود لدى بلداننا ، ومع ذلك فشبابنا لا يلتفتون للمسألة الاخيرة ، ويُعولون على ما يرون ، فيرمون اللوم على معتقداتهم ، مما يتسبّب بالضعف العقائديّ لديهم شيئًا فشيئًا ، ويؤكّد السيد الشّهيد خطورة ذلك الأمر بـ(( انّ الفقر كما يشكّل خطرًا على الوجود الاجتماعيّ للأمّة كذلك يهدد بالخطر كيانها الروحيّ وقيمها الدينيّة ، فقد قال أحد رجال الاسلام من الصحابة ” إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك” ))([55]) ، وهذا ليس سهلًا كونه لا يعني نشوء مجتمع منحرف إيمانيًّا فحسب ، بل نشوء مجتمع عبثيّ لا يقرّ بإنسانيّة ولا يميل إلى تراحم او توادّ ، ويتسبّب بضعف الأواصر الاجتماعيّة على مستويات متعدّدة .

ألا يحتمل هذا أنْ تجرَّ بهم تلك الضغوط الى الجرائم أو حتى الانتحار أو في أضعف الإيمان الى  الرغبة في السفر من البلد وهذا لا يخلو من مشكلات ، او ربما قاد بهم ذلك الى التنمر على الآخر ؛ إذ (( يعد الفقر بما يشمل من فاقة وسوء تغذية وأميّة من أهم مصادر السلوك العدوانيّ )) ([56]) .

أو إلى الركون الى البطالة والعيش بحالة الفقر ، أو يبقى الفرد على أمل الحصول على تعيين ، ويصبح التعيين شغله الشاغل ، وإنْ كان التعيين بدوائر الدّولة أصبح اليوم متوقفًا أو شبه متوقف ، أقول : أليس هذا من شأنه أنْ يوقف الحياة السليمة ؟ فهل يمكن للشاب أنْ يتزوج اذا كان صفر اليدين ؟ وإذا لم يتمكن فما هي نسبة العوانس التي ستكون ؟ هب أنّه تزوج ، هل يستطيع مواصلة العيش مع صعوبة الحياة وعدم توافر السكن المستقل ؟ كم هي نسبة الطلاق المتولدة بسبب هذه المشكلات ؟

هل يستطيع أنْ يعالج نفسه إذا تعرّض لمرض ما دام معظم الأطباء ينظرون إلى كل النّاس على أنّهم بقرة حلوب . الحقيقة أنّ المشكلة الاقتصاديّة أصبحت مشكلات وأزمات ، كونها تؤثر في غيرها ، يقول السيد الشهيد : (( لا يجوز أنْ ندرس مجموع الاقتصاد الاسلاميّ بوصفه شيئًا منفصلًا وكيانًا مذهبيًّا مستقلا عن سائر كيانات المذهب : الاجتماعية والسياسية )) ([57]) ، فالحقيقة أنّ التّرابط موجود بنسبة قويّة والاواصر متماسكة ، وواجب علينا تعزيز تماسك هذه الأواصر لما له من فائدة كبيرة في إنجاح ذلك .

إننا في الماضي لم نكن لنلحظ هناك مشكلات كبيرة مثل التي نجدها الآن ، لهذا كان يمكن أنْ تقلّ الدراسات للبحث عن حلول في الجانب الاقتصادي ، أمّا اليوم فقد أصبحت المسألة مهمة للغاية ولا سبيل للسكوت أو التغاضي .

إنّ المشكلة لا تتوقف على الشباب المتخرجين او المؤهَّلين للعمل ، بل حتى على اليافعين او الذين هم في طور الدّراسة الثانوية أو التي قبلها  ، إذ إن هؤلاء يعانون من فوبيا عدم التعيين ، فها هم ينظرون بقلق إلى سابقيهم الذين يتظاهرون في الشوارع ينتظرون بصيص أمل يكحل عيونهم .

بعد هذا نصل الى انّ المشكلات الاقتصادية كثيرة وأثرها كبير و لا يقتصر على القضايا الاقتصادية فحسب بل يمتد للإطاحة بالبلد .كل البلد .

 

المبحث الثاني :امكانية علاج المشكلة الاقتصادية واصلاحها.

صحيح فيما سبق أنه كانت المشكلات كثيرة وتبعث على القلق والاستياء ، والتخوف من مستقبل مجهول ، ولكنْ لكلِّ مشكلة حلول ومع كل عسرٍ يسر ، بيد أنّ هذا لا يكون مع الركون والتكاسل ، بل بالعمل والجدّ والسعي الدائم ، ويلقانا السيد الشهيد (قدس سره) بمؤلفاته العظيمة محملًا بالعلاجات ، فقد شخّص الأوضاع بصورة وافية وأعطى العلاج المناسب وما على المريض إلا أنْ يأخذ ذلك العلاج ، فإذا ما امتنع المريض من العلاج أو أحيل دونه ودون العلاج فالمرض باق وفي طريقه لزيادة الحرج ، نسأل الله أنْ يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأبرز الجواهر التي التقطت من تراثه الفكري والتي يمكنها أنْ ترقِّي الاقتصاد العراقي في الحال وفي المستقبل ما يأتي :

 

ــ تطبيق المنهج الإسْلامي تطبيقًا سليمًا :

تعرّض الاسلام لهجوم عنيف على جميع الوسائل من الخارج أولًا ثم انجر الى عداء من الداخل ثانيا ، وكان للإعلام وما يزال أثر كبير في تضليل الوجه الحقيقي للإسلام ، فـ (( لقد سلطوا الاضواء على أنّ سبب تأخر لمسلمين عن الغرب أنهم لم يأخذوا بأساليب الحياة الغربيّة وبالنظام الغربيّ وأنّ المرأة المسلمة لا تتمتع بحقوقها وحريتها ــ أي في اصطلاحهم ونظرهم ــ لم تنفجر أنوثتها وهي متخلفة ؛ لأنّها لا تصادق الرجال ولا تختلي بهم في النوادي والحفلات المختلطة … )) ([58]) ، والحقيقة لا نريد الخوض في الرد على مزاعمهم فليس هذا مكانه ، لكن ألم تصبح  معاهدهم النفسية مشلولة أمام ذلك الكم الهائل من التدنّي في الأخلاق ؟! فهذه الباحثة المتمرسة مارتا هاريس([59]) تصرخ بأعلى صوتها (( انظرْ إلى الزيادة المُنذرة بالخطر في الأمراض الزهريّة المنتشرة لدى المراهقين نتيجة الانغماس في الجنس والتزايد في الحمل غير الشرعي ))([60]) ، إلا أن هذا لم يمنعهم من التهجم على الاسلام .

تلك التهجمات تصدى لها السيد الشهيد لإيمانه المطلق بروح الاسلام ، الناتج عن تعمق بالفكر وقناعة بعظمة المعطيات ؛ فعمد السّيد الشهيد في كتاباته لبيان الحيوية الموجودة في الإسْلام ، فكان يعرض الآراء الغربية المُتجلّية بالفلسفة الرأسماليّة والاشتراكيّة ، ويبين المناشئ والمبادئ ويعرض آراء علماء الغرب ، ويكتشف الوهن فيها بما لا يترك لقارئ شبهة في وجود النّقص بهذه الفلسفات ، ثم يعمد الى بيان القيم الأصيلة في الإسْلام بحجج منطقيّة ومقنعة تمام الإقناع ، بل رأى أن ((اخضاع العقل لمتطلبات الدين يفتح أمام العقل امكانيات لا نهاية لها ))([61]) .

ومن أقواله المهمة : (( نجد أيضًا الاختلاف البارز بين الاقتصاد الإسْلاميّ والاقتصادين الرأسماليّ والاشتراكيّ ؛ فبينما يمارس الأفراد حرّيات غير محدودة في ظلّ الاقتصاد الرأسماليّ وبينما يصادر الاقتصاد الاشتراكيّ حريات الجميع يقف الإسْلام موقفه الذي يتفق مع طبيعته العامّة ، فيسمح للأفراد بممارسة حرّياتهم ضمن نطاق القيم والمُثُل التي تهذب الحريّة وتصقلها وتجعل منها أداة خير للإنسانيّة كلها ))([62]) ، وهذه الحرية المنضبطة التي يتمتع بها الفرد المسلم تجعله أكثر حيويّة في تقديم الأفضل .

ومن هنا يبين السيد كيف أنّ الإسْلام امتاز بنظرته الإنسانيّة العامة وعدم الاقتصار على جانب دون آخر ، اذ نجد تدخل الفلسفات ظاهرًا في الجانب الاقتصاديّ ممّا عزّز قوقعة تلك المذاهب على قضايا خاصّة على حساب أمور عامّة ،
(( فالتجاريّون مثلا ــ وهم طلائع التّفكير الاقتصاديّ الحديث ــ حين زعموا أنّهم فسّروا من ناحية علميّة كمية الثّروة لدى كلّ أمّة : بالمقدار الّذي تملكه من النّقد ، استخدموا هذه الفكرة في وضع مذهبهم التّجاريّ ، فدعوا الى تنشيط التجارة الخارجية بوصفها الاداة الوحيدة لجلب النقد من الخارج ووضعوا معالم سياسية اقتصادية ، تؤدي الى زيادة قيمة البضائع المصدّرة على قيمة البضائع
المستوردة
))([63])  .

أما الطّبيعيون فيرون (( بأنّ الانتاج الزراعيّ وحده هو الإنتاج الكفيل بتنمية الثروة وخلق القيم الجديدة دون التّجارة والصّناعة ، وضعوا في التفسير العلميّ المزعوم سياسة مذهبية جديدة تهدف الى العمل على ازدهار الزراعة وتقدمها بوصفها قوام الحياة الاقتصادية كلها .

   وماتس حين قرر في نظريته الشهيرة على ضوء احصاءات علميّة : أنّ نمو البشر اسرع نسبيًّا من نمو الإنتاج الزّراعيّ ممّا يؤدّي حتمًا الى مجاعة هائلة في مستقبل الإنسانيّة لزيادة النّاس على المواد الغذائيّة .. تبنى الدعوة الى تحديد النسل ووضع لهذه الدعوة أساليبها السياسيّة والاقتصاديّة والأخلاقيّة ))([64]) ، والذي يتبناه ماتس مرفوض بدليل أنّ القران الكريم لم يوجد خلقًا إلا وقد تكفّل بتوفير الرّزق له ، قال تعالى : )وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (( هود: 6) .

ولا شكّ في أنّ هذه التجزيئيّة تقطع السّبيل أمام التّطور العامّ و لا تُنمِّي متطلبات البلد الذي يحتاج الى التنوع في رفده بالموارد الاقتصاديّة . ومهما كان تبقى هي أفكارًا غير واقعية ؛ لأنها لا تلبي الطّموح ولا تنسجم مع احتياجات الشعب على العكس من الفكر الإسْلامي ؛ فـ(( للمذهب الاقتصاديّ في الإسْلام صفتان
أساسيتان ، تشعّان في مختلف خطوطه وتفاصيله وهما الواقعيّة والأخلاقية ، فالاقتصاد الإسْلاميّ اقتصاد واقعيّ وأخلاقيّ معًا في غاياته التي يرمي الى تحقيقها وفي الطريقة التي يتخذها لذلك ، فهو اقتصاد واقعيّ في غايته ؛ لأنّه يستهدف في أنظمته وقوانينه الغايات التي تنسجم مع واقع الإنسانيّة بطبيعتها ونوازعها وخصائصها العامّة ، ويحاول أنْ لا يُرهق الانسانيّة في حسابه التّشريعي ولا يحلق بها في اجواء خيالية عالية فوق طاقاتها وامكاناتها وانّما يقيم مخططه الاقتصاديّ دائمًا على أساس النّظرة الواقعيّة للإنسان ويتوخّى الغايات الواقعيّة التي تتفق مع تلك النّظرة
))([65])، والواقعيّة تعني الانطلاق من الحقيقة البشريّة ورسم ما يحتاج إليه لا أنْ تعرض أو تفرض عليها القوانين من الأعلى ، فهذا يجعل القوانين هذه قوانين نسبية لا يمكن أنْ تقدّم العلاج الشّافي .

على أنّ التكاملية هذه في الاقتصاد الإسْلاميّ لا تكمن في كونه واقعيًّا ، بل حتى في ضرورة تعاونه مع المستويات الأخرى ؛ إذ يرى السيد (قدس سره) : (( إننا في وعينا للاقتصاد الإسْلاميّ لا يجوز أن ندرسه مجزَّءًا بعضه عن بعض نظير أنْ ندرس حكم الإسْلام بتحريم الرّبا أو سماحه بالملكية الخاصّة بصورة منفصلة عن سائر أجزاء المخطط العامّ كما لا يجوز أيضًا أنْ ندرس مجموع الاقتصاد الإسْلاميّ بوصفه شيئًا منفصلًا وكيانًا مذهبيًّا مستقلًّا عن سائر كيانات المذهب : الاجتماعيّة والسّياسيّة الأخرى وعن طبيعة العلاقات القائمة بين تلك الكيانات ، وانّما يجب أنْ نعي الاقتصاد الإسْلاميّ ضمن الصّيغة الإسْلاميَّة العامّة التي تنظم شتى نواحي الحياة في المجتمع … ، فمن الخطأ أنْ لا نعير الصّيغة الإسْلاميَّة العامّة أهميتها وأن لا ندخل في الحساب طبيعة العلاقة بين الاقتصاد وسائر أجزاء المذهب والتأثير المتبادل بينها في كيانه العضوي العام )) ([66]).

على أنّ المتأمل في تلك المذاهب الناشئة يجد الوهن فيها ، وانّها مهما كان لم ولن تعالج مشكلات الاقتصاد الحقيقية على النحو من الفقر([67])، فقد جعل الاتجاهُ الرأسمالي من المادةَ هي المرتكز الذي يدور عليه الفكر ([68]) ، ونزع كلّ فضل للأخلاق الطّيبة والتّعاون والمودة ، فكان نشوء الفرد ممّن هو من غير الطبقة المتسلطة في ظل هذا الاتجاه مضطربًا قلقًا .

وحين نأتي الى الشيوعية نجد ولعها بإلغاء الفوراق (منتج ــ أجير) ، فقد أكّد الاتجاه الشيوعيّ ((ايمانه بضرورة فناء المجتمع الرأسماليّ ، وإقامة المجتمع الشّيوعيّ والمجتمع الاشتراكيّ ، الذي اعتبره خطوة للإنسانيّة إلى تطبيق الشيوعيّة تطبيقًا كاملًا ))([69]) ، وهذا الفكر كسابقه في تنحية الآخر، بل في تنحية الملكيّة الفرديّة ـ وعزو الجهد الفرديّ للدولة بحجة تحقيق المساواة الفرديّة ؛ لأنّه ممّا يصعب تطبيقه حتى أنّ القائمين على هذا الاتجاه حين وصلوا إلى دفّة الحكم لم يستطيعوا المُضيّ بأدائه ، فـ ((اعتقدوا أنّه لا بُدّ لتطبيقهِ من تطوير الإنسانيّة في أفكارها ودوافعها ونزعاتها ، زاعمين أنّ الإنسان سوف يجيء عليه اليوم الذي تموتُ في نفسهِ الدّوافع الشخصيّة والعقليّة الفرديّة ، وتحيا فيه العقليّة الجماعيّة والنوازع الجماعيّة ، فلا يفكر إلّا في المصلحة الاجتماعيّة ولا يندفع إلّا في سبيلها . ولأجل ذلك كان من الضروري – في عرف هذا المذهب الاجتماعيّ – إقامة نظام اشتراكي قبل ذلك ، ليتخلّص فيه الإنسان من طبيعته الحاضرة ، ويكتسب الطّبيعة المستعدة للنّظام الشّيوعيّ ))([70]).

ولم يخبرونا متى يأتي هذا اليوم الذي يزعمونه ؟ لكن يبقى هذا التّطرف في إذابة الفرديّة والمبالغ فيه قد أوقعهم بمشكلة تقاعس الفرد لما فيه من ضياع الواقعيّة ، فالفرد إذا عمِلَ بجدّ أو كسل كلّ الكسل فالنّتيجة عنده سواء ، ولا يمكنه التّطوير من مكانته ، فزيادة عمله ونقصانه لا تخرجانه من الخانة التي هو فيها ، ومن هنا فقد اصطدم النّظام الشّيوعيّ (( بواقع الطّبيعة الإنسانيّة الذي أشرنا إليه ، حيث أخذ الافراد يتقاعسون عن القيام بوظائفهم والنّشاط في عملهم ، ويتهرّبون من واجباتهم الاجتماعيّة ؛ لأنّ المفروض تأمين النّظام لمعيشتهم وسدّ حاجاتهم كما انّ المفروض فيه عدم تحقيق العمل والجهد مهما كان شديدًا لأكثر من ذلك . فعلامَ اذن يجهد الفرد ويكدح ويجدُّ ، ما دامت النّتيجة في حسابه ، هي النّتيجة في حالي الخمول والنشاط ؟! ولماذا يندفع إلى توفير السّعادة لغيره وشراء راحة الآخرين بعرقه ودموعه وعصارة حياته وطاقاته ، ما دامَ لا يُؤمن بقيمة من قيم الحياة إلّا القيمة المادية الخالصة ؟! )) ([71]) .

وهنا أدرك أقطاب الشيوعية عقم تلك الكارثة بتقاعس الفرد فاضطروا الى تغيير أفكارهم ، فقالوا (( بجعل فوارق بين الأجور . لدفع العمال إلى النشاط والتّكامل في العمل ، معتذرين بأنها فوارق مؤقتة ، سوف تزول حينما يُقضى على العقليّة الرأسماليّة ، وينشأ الإنسان انشاءً جديدًا . وهم لأجل ذلك يُجرون التغيُّرات المُستمرة على طرائقهم الاقتصاديّة وأساليبهم الاشتراكيّة ، لتدارك فشل كلِّ طريقة بطريقة جديدة ))([72]) .

انّ التّطبيق الفعليّ كان هو السّبب وراء الاصطدام بالواقع ؛ إذ إنّ عدم اكتمال النّظرة يولِّد كثيرًا من العجز والاضطراب ، ويجرُّ إلى مجانبة الحقيقة في المعتقد، فقد كان الالتجاء إلى : (( فلسفة ماديّة معينة ، تتبنى فهمًا خاصًّا للحياة ، لا يعترف لها بجميع المثل والقيم المعنويّة ، ويعللها تعليلًا لا موضع فيه لخالق فوق حدود الطّبيعة ، ولا لجزاء مرتقب وراء حدود الحياة المادية المحدودة ))([73]) .

والحقيقة أنّ الصّلاح يكمن بالوسطيّة التي جاء بها الإسلام بالتوفيق (( بين المقياسين وتوحيد الميزانين ، فيربط بين الدوافع الذاتية وسبل الخير في الحياة ، ويطوِّر من مصلحة الفرد تطويرًا يجعله يؤمن بأنّ مصالحه الخاصّة والمصالح الحقيقيّة العامّة للإنسانيّة – التي يحدِّدها الإسلام – مترابطتان ))([74])، وهذا لا يخرج عن التنسيق بين الدافع الذاتي من جهة والمصالح الاجتماعية من جهة أخرى ، ليُقاد الإنسان بذلك إلى وظيفتين : الأولى تتمثل بـ((  تربية الإنسان على القاعدة الفكريّة . وطبعه في اتجاهه وأحاسيسه بطابعها . والأخرى مراقبته من خارج ، وإرجاعه إلى القاعدة إذا انحرف عنها عمليًّا . ولذلك فليس الوعي السياسيّ للإسلام وعيًا للناحية الشّكليّة من الحياة الاجتماعية فحسب ، بل هو وعي سياسيّ عميق ، مردّه إلى نظرة كليّة كاملة نحو الحياة والكون والاجتماع والسّياسية والاقتصاد والأخلاق فهذه النّظرة الشّاملة هي الوعي الاسلاميّ الكامل ))([75]) .

وفائدة مهمة لا يمكن أنْ نلقاها في غير اعتماد المنهج الاسلاميّ ، وهو أنه يروِّض الدوافع الذاتية في ضوء المجتمع او لنقل في ضوء فريق العمل الواحد ؛ اذ يبين السيد (( أنّ الدوافع الذاتيّة لا تستطيع أنْ تضمن مصالح المجتمع وسعادته ؛ لأنّها تنبع من المصالح الخاصّة التي تختل في أكثر الأحايين مع المصالح الاجتماعيّةّ العامّة ؟ إنّ هذه ليست مشكلة وإنّما هي حقيقة المجتمعات البشريّة منذ فجر التّاريخ فقد كان كلّ شيء يسير طبقًا للدّافع الذاتي الذي ينعكس في المجتمع بشكل طبقيّ، فيثور الصّراع بين الدوافع الذاتيّة للطبقات المختلفة والغلبة دائما تكون من حظ الدافع الذاتي للطّبقة التي تسيطر على وسائل الإنتاج ، وهكذا يتحكّم الدّافع الذاتيّ بشكل محتوم حتى تضع قوانين التّاريخ حلّها الجذريّ للمشكلة بإنشاء المجتمع اللاطبقيّ ، تزول فيه الدوافع الذاتيّة وتنشأ بدلا عنها الدوافع الجماعية وفقا للملكية الجماعيّة ))([76])، ومن هنا يبان أنّ الايمان بالإسلام ضرورة قصوى كونه يحلّ ما لا يمكن أنْ يحل إلّا به بسبب التّسليم لله والايمان بالمعاد والحساب ، كل هذه تجعل الفرد يتجرّد من الأنانية الذّاتية ويذوب بالجماعة وهذا يحقق التّعاون والتّسامح وعدم التنافر والتشاحن مما يهيِّئ جوًّا للنّمو الاقتصادي المثاليّ .

ــ الثقة بالنفس والاعتماد على الذّات

إنّ غياب الهوية الإسْلاميَّة سبّبَ كثيرًا من التراجع في جميع المستويات بما فيها الاقتصادية ، ويرى السيد محمد باقر الصدر أنّ  (( من الخطأ ما يرتكبه كثير من الاقتصاديين الذين يدرسون اقتصاد البلاد المتخلّفة ، وينقلون إليها المناهج الاوربيّة للتّنمية دون أنْ يأخذوا بعين الاعتبار درجة إمكان تفاعل شعوب تلك البلاد مع هذه المناهج ومدى قدرة هذه المناهج المنقولة على الالتحام مع الأمة ))([77])، ولا يعني السيد عدم الافادة من الاخر وانما يقصد ليس من الصّحيح التّخلي عن الارث العظيم والتسليم لكل ما جاء عن الغرب ، وإنْ كان في هذا الوافد ما لا يتلاءم معنا وفيه تناقض فيما بينه ؛ فالرأسمالية تقف على النقيض من الاشتراكية ، واعتماد اي مذهب من هذين لا يمكنه في حال من الأحوال أنْ ينسجم مع واقع المسلمين بسبب تباين المعطيات واختلاف الرؤى والاتجاهات . فضلا عن (( أنّ شعور الامة بأن الإسْلام هو تعبيرها الذاتيّ وعنوان شخصيتها التّاريخيّة ومفتاح امجادها السابقة يعتبر عاملًا ضخمًا جدًّا لإنجاح المعركة ضد التخلف وفي سبيل التنمية اذا استمد لها المنهج من الإسْلام واتخذ من النظام الإسْلاميّ إطارًا للانطلاق ))([78]) .

وها هو السيد يشن حربًا على التخلف بسلاح الإسلام بثقة وعزيمة ، يكفي أنه مفتاح المجد في السابق وقادر على اعادة الامجاد في الوقت الراهن .

 

ــ الانطلاق من الواقع

إنّ (( علم الاقتصاد الإسْلامي لا يمكن أنْ يولد ولادة حقيقية إلا إذا جسّد هذا الاقتصاد في كيان المجتمع بجذوره ومعالمه وتفاصيله ودرست الأحداث والتجارب الاقتصادية التي يمر بها دراسة منظمة )) ([79]) . وهذه الفكرة للسيد الشهيد وهي تعد مهمة جدًّا للانطلاق في إصلاح الواقع الاقتصاديّ ، فاليوم نحن بحاجة الى تشخيص اقتصاديات العراق ؟ وهل الوضع المعيشيّ ملائم للجميع ام لمجموعة دون أخرى ؟ وما السبب الذي قاد الى ذلك ؟ وأين يكمن الحلّ ؟

الحق أنّ الحلّ لا يكون إلا بـ :

1 ــ الدراسة المستفيضة للمجتمع بـ (بجذوره ومعالمه وتفاصيله ) ، وهذه الاستفاضة لا تنحصر بالجانب الاقتصاديّ ، بل حتى في المستوى الجغرافيّ والاجتماعيّ والتاريخيّ … ، وكلّ ما له صلة بالمجتمع ، فهذه المسائل مهمة لأجل طرح الحلول الناجعة .

2 ــ الدراسة المنظمة : وهذا يحتاج الى تكليف أناس كفوئين قادرين على التشخيص والتمييز ورسم سياسة اقتصادية على المَدَيَيْنِ : القريب والبعيد ، تجنبًا من اجراءات فوضويّة ، وحرصًا على بناء نظام متكامل متسق فيما بين مكوناته بلا اضطراب ولا تناقض .

ــ العدالة

لا يستقيم أمر الأمّة ما لم يكن العدل هو محورها الذي عليه تدور وإليه تؤول ، فالأمر كل الأمر يكون عند السيد الشهيد مثلما كان عند أمير المؤمنين إذ أدار البلاد بــ (( حكومة الحق والعدل والتطبيق النزيه لأحكام الله على العباد فإذا فقد ذلك كان صفرًا في حساب علي الإسلام … ذلك لأن حكومة الاسلام هي حكومة العدل والحق والقسط فإذا قامت على أساس من الجور فقدت معناها الاسلامي الذي هو كل قيمتها في نظر علي العظيم ))([80]) ؛ فبه تنحصر سعادتها ؛ يرى السيد الشهيد  (( أنّ العدل في المسيرة وقيامها على أساس القسط هو الشرط الأساسيّ لنمو كل القيم الخيرة الأخرى وبدون العدل والقسط يفقد المجتمع المناخ الضروري لتحرك تلك القيم وبروز الامكانات الخيرة )) ([81]) .

إنّ كلّ المجالات لا تقوم ما لم تكن عملة العدل هي المتداولة ؛ فالمدارس والمستشفيات والدوائر والاسواق والملاعب والمؤسسات … كل هذه وغيرها تحتاج إلى العدل ولا يمكن الاستغناء عنه في حال من الاحوال ؛ اذ سيعم الجور وتسود الفوضى ويتحكم الباطل ، والمجتمع لا يجد السبيل (لنمو كل القيم الخيرة الأخرى) الا بالعدل ، فهو المناح الملائم لإحياء مواطن العدل والنّجاح ، بل لكل القيم الخيرة مثلما ذكر السيد (قُدِّس سرُّه) .

ومن أهم نتائج تطبيق العدل أنّه يحرّر الإنسان من كل استغلال ، فيحيى كريمًا مستقلًّا بسبب إيمانه (( بالقيم الموضوعيّة للعدل والحقّ والقسط والإيمان بعبودية الإنسان لله التي تحرّره من كل عبوديّة وبالكرامة الإنسانية ، وهذه المشاعر تخلق القاعدة الي تتبنى قاعدة الاستغلال لا لأنّه يمس مصالحها الشخصية فحسب ؛ بل لأنه يمس المصالح الحقيقية للظالمين والمظلومين على السواء ، وتنتزع وسائل السيطرة من المستغلين لا طمعا فيها وحرصًا على احتكارها ، بل ايمانا بأنها من حق الجماعة كلها ، وتلغي العلاقات الاجتماعية التي نشأت على أساس الاستغلال لا لتنشئ علاقات مماثلة لفئة أخرى من المجتمع ، بل لتعيد الى الجماعة البشرية الشروط الضرورية لممارسة الخلافة العامة على الارض وتحقيق اهدافها
الرشيدة )) ([82]) .

وهذا الكلام المبارك ضرَبَ كلّ أنواع الاستغلال والمحسوبيّة والتسلط على الآخر ولو عرضناه على واقعنا المأساويّ لرأيناه ينأى عن هذا الواقع للأسف ، وهذا سبب لما نمرّ به من مشكلات اقتصادية وغير اقتصاديّة ؛ ولا شك في أنّ تحويل كلام السيد الشهيد الى تطبيق فعليّ بمحاسبة الظالمين ونشر العدالة وقمع فساد المُتنفذين وقطع حبل الباطل ، كل هذا ينشر الخير الوفير ، ويبسط المعاش المناسب لأبناء المجتمع ويحقّق الطّمأنينة للطبقات الكادحة ؛ إذ ستجد أنّ لها كلمة مسموعة ورأيا مقدَّرا ،
(( ومن هنا كان الإسْلام الذي كافح من أجله الانبياء ثورة اجتماعية على الظلم والطغيان وعلى ألوان الاستغلال والاستبداد
)) ([83]) .

والسيد كان مؤمنًا دومًا بوجود  الحلّ  جاعلًا العدل عاملًا أساسيًّا في تحقيق النّجاح ؛ فاذا ما ترك المجتمع العدل ولجأ للظلم يكون التخلف والتراجع  والضّياع  ، والسّبب (( أنّ  الله قد حشّد للإنسان في هذا الكون الفسيح كل مصالحه ومنافعه ووفّر له الموارد الكافية لإمداده بحياته وحاجاته الماديّة ولكن الانسان هو الذي ضيّعَ على نفسه هذه الفرصة التي منحها الله له بظلمه وكفرانه ) إنّ الانسانَ لظلومٌ كفّار ( ، فظلم الانسان في حياته العملية وكفرانه بالنّعمة الإلهيّة هما السببان الأساسيّان للمشكلة الاقتصاديّة في حياة الإنسان . ويتجسّد ظلم الإنسان على الصّعيد الاقتصاديّ في سوء التّوزيع ويتجسّد كفرانه للنعمة في إهماله لاستثمار الطّبيعة وموقفه السّلبي منها )) ([84]). والحقيقة أنّ السيد لخّص المشكلة الاقتصاديّة إلى درجة كبيرة بأنها تتمركز بظلم الإنسان وكفران النّعمة ، فالفساد الذي نراه اليوم والرشوة والربا وعدم أداء العمل على ما يرام ومراعاة المحسوبية وإهمال الامتيازات العلميّة والعمليّة والسلوك القويم ؛ كل هذا عائد الى ظلم الانسان لنفسه ، وما نراه من تبذير بالموارد الطبيعية من مثل الغاز واهدار المال العام ، وعدم الاهتمام الملائم بالواقع الزراعيّ المحتاج الى تعزيز الواقع الصناعيّ ، كل هذا يعود الى الإهمال في استثمار الطبيعة ، وكلّ هذا وذاك سبب لمشكلات أخرى مُترتبة على ضمور المستوى الاقتصاديّ .

لقد مضى السّيد الشّهيد من أجل نصر الحق وقمع الظلم من أجل بناء عراق قوي حُرٍّ سعيد ، ألا تكون هذه التضحية دافعًا لرد الجميل من أجل نشر كل ما هو جميل في هذا العراق الذي به حاجة ماسة الى كلّ أبنائه الغيارى ، لنطبق ما جاء في كلام السيد من نصائح وارشادات مجتمعية ؛ لنرى كيف يرقى اقتصادنا بسرعة كبيرة ؟ حقا انه أمل ينتظر التطبيق .

ــ ضرورة التصدي من قبل اهل الكفاءة

إنّ الحقوق تُؤخذ ولا تُعطى ، هذه الجملة سمعناها مرارًا وتكرارًا ، ولكنها جملة قد توظّف خطأ ؛ إذ تجد بعض النّاس ينتفض ويُنادي ويُداعي لأجل حقوقه الخاصّة ؛ فإذا ما توافرت وجدته قد نزعَ رداء الوطنيّة وجلس مع القاعدين . والسّيد الشّهيد يمقت ذلك ويرفضه ؛ لأنّه يُريد من الفرد أنْ يخدم البلد حتى إذا كان متمكنًا ، يريده أنْ يتحرّك وفق حقوق البلد العامّة لا وفق متطلّباته الخاصّة ، يقول (قدس سره) في بعض كتاباته : (( فالمسلم حينما يقاوم الظّلم في قريته أو في بلده أو في بني
قومه ، مثلًا لا يعزل هذا الظّلم عن أيِّ ظلم آخر يمارسه الجبّارون على الأرض ولا يجعل إزالة هذا الظلم خاصّة هدفًا نهائيًّا ومطلقًا له ؛ لأنّ في ذلك إقرارًا ضمنيًّا فيما يُمارس من ظلم في أرجاء العالم ، وإنما يقاوم الظلم الذي يواجهه في محيطه بوصفه ظلما من الانسان لأخيه الانسان
))([85]) ، وهذه النّظرة العامّة تبعث على الوحدة والتّكاتف والقوّة ، وهذه أمور تجنّب الفاسد من تسنّم الحكم ، وإذا تسنّم منصبًا لم يستطع أنْ يُشبع أطماعه لكون المُطالبات سوف تطاله ، إنْ آجلًا وإنْ عاجلًا .

هذا وقد حرص السيد على ضرورة التصدي ممن هو أهل لتسنم إدارة المناصب الحساسة بشرط أنْ يحسن في ادارته ؛ فاذا لم يتمكن فلا حاجة لبقائه بأيّ منصب ، ويستدلّ على ذلك مُحتجًّا بما جاء من سيرة جدِّهِ أمير المؤمنين (عليه السّلام) : ((حينما طرح عليه ذلك الرّجل أنْ يُبايعه على شروط تخالف كتاب الله وسنّة رسوله بعد مقتل الخليفة الثّاني ، ماذا صنع هذا الرّجل العظيم ؟ هذا الرّجل العظيم الذي كان يحترق لأنّ الخلافة ذهبت من يده ، يحترق من أجل الله !! لا من أجل نفسه ، يقول « ولقد تقمّصها ابن ابي قحافة وهو يعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى » ، هذا الرّجل الذي كان يحترق ؛ لأنّ الخلافة خرجتْ من يدهِ ، لو أنّ إنسانًا يقرأ هذه العبارة وحدها لقال : ما أكثر شهوة هذا الرّجل إلى السلطان وإلى الخلافة ! لكن هذا الرّجل نفسه ، هذا الرّجل بذاته عُرِضت عليه الخلافة ، عُرِضت عليه رئاسة الدّنيا فرفضها ! لا لشيء إلا لأنّها شُرِطت بشرطٍ ، يخالف كتاب الله وسُنة رسوله ، من هنا نعرف أنّ ذلك الاحتراق لم يكن من أجل ذاته ، وانّما كان من أجل الله سبحانه وتعالى))([86]) .

فمن أجل الله تكون التّضحية باختيار المنصب لأجل تقديم الخدمة التي بها رضوان الله ، فإذا لم تتحقق غاية رضا الله فلا خير بالخلافة ولا بأيّ منصب .

ومن هنا ندرك الضّرورة الواجبة في اختيار الأمثل في تولِّي القيادة ، إذ يجب أنْ تتوفّر فيه النّزاهة والعدالة والقدرة وزكاة النّفس … ، وهذه كلّها تنطوي في هدفه الذي  هو طلبه لرضا ربِّه ؛ لأنّ من لم يكن هذا هدفه فلا يمكن أنْ نتوقّع منه خيرًا ، وإنْ وجد منه الخير فإنّما هو مسألة نسبيّة يمكنها أنْ تتلاشى في مواقف أخرى على العكس ممن تعلّق بالله ، فهذا لا يمكن أنْ يظلم أو يقصِّرَ في عمله متعمدًا أو يستكين الى باطلٍ او رشوة أو إخلالٍ بواجب ما ، ولأهمية هذا الأمر نجد أنّ السيد يكرّر ذلك حتى في كتبه الفقهيّة يقول في كتابه ( الفتاوى الواضحة ) : (( الايمان بالله هو العلاج ، وهذا العلاج يتمثل فيما قدمته شريعة السماء إلى الإنسان على الأرض من عقيدة : ( الايمان بالله ) ، بوصفه المطلق الذي يمكن أنْ يربط الإنسان المحدود مسيرته به ، دون أن يسبب له أي تناقض على الطريق الطويل . فالإيمان بالله يعالج الجانب السلبيّ من المشكلة ، ويرفض الضّياع … ، إذ يضع الإنسان في موضع المسؤوليّة وينيط بحركته وتدبيره الكون ، ويجعله خليفة الله في الأرض . والخلافة تستبطن المسؤوليّة والمسؤوليّة تضع الإنسان بين قطبين : بين مُستخلف يكون الإنسان مسؤولًا أمامه ، وجزاء يتلقاه تبعًا لتصرفه ، بين الله والمعاد ، بين الأزل والأبد ، وهو يتحرّك في هذا المسار تحركًا مسؤولًا هادفًا ))([87]).  فالله هو المُوفق والمتمّم للنعمة ، والعبد إذا أذعن لذلك تمام الإذعان وجدته أمينًا نصوحًا لا يخادع ولا يؤارب ولا يُداهن .

وهنا نقطة مهمّة وهي على الكفوء أنْ تكون له المبادرة بيده لا أنْ ينتظرها عسى أنْ تأتي أو يقعد عنها تكاسلًا وتخوفًا من المسؤوليّة ، لكن هذا الكفوء عليه أنْ يعي ضرورة استمرار استقامته بعد تسنّمه للمنصب ، السبب أنّ الدنيا هناك مُغرية ولا يعصم من سوئها إلّا ذو حظ عظيم ، يقول السيد الشهيد : (( نحن نقول : بأننا أفضل من هارون الرشيد ، أورع من هارون الرشيد ، أنقى من هارون الرشيد ! عجبا نحن عرضت علينا دنيا هارون الرشيد فرفضناها حتى نكون أورع من هارون الرشيد )) ([88])  ، إنّ النزاهة الفعليّة للفرد يجدر أنْ تبقى بالرّغم من كل المغريات لا أنْ تكون نسبيّة متغيرة بحسب الأوضاع ، وهذا ما حرص عليه أمير المؤمنين ، فقد
(( أفهم الامام ( عليه السلام ) الأمة أنّه آخر من ينبغي أنْ يشبع في رعيته ، وليس أول من يشبع هو الحاكم كما كان يريد المتأولون والمنحرفون من خصومه السّياسيين ))([89])، وبهذا يضمن الشّعب ثقة المسؤول ويزداد احترامهم له ويستقيم البلد وتتحسن الأحوال وتنمو البركات ، لقد عكس السّيد الشّهيد في كتاباته الصّورة الحقيقية للإسلام الفعّال ، ومن هنا فلا مجال لذاك الإسلام المُدّعى بالكلمات
والشّعارات ، فلا للفساد الإداريّ ولا للتّخلف الحضاريّ ولا لامتيازات كبيرة للمسؤولين انطلاقًا من نهج امير المؤمنين (عليه السلام) الذي نطق بأفعاله قبل
أقواله .

ــ قوة الدولة وعظمة الهدف

مثلما آمن السيد الشهيد بكفاءة الفرد وعدالته آمن بأن تكون الدولة ذات إرادة صالحة تعمل على إصلاح شعبها  ، و(( امتلاك الدولة للمواد الأوليّة للصناعة (المعادن ) وللجزء الاكبر من الارض يجعل بإمكانها الاشراف وقيادة جميع قطاعات الانتاج الزّراعيّ والصّناعيّ ))([90])، ومن هنا لا بدّ أنّ (( تتدخل الدّولة وفقًا لصلاحياتها باتخاذ الاجراءات المناسبة لإيجاد التّوازن الاجتماعيّ والحفاظ
عليه ))([91])،
فالدّولة التي تكتفي بالتفرج لما يحدث من تباين بين طبقاتها هي دولة مُهددة  بالخطر ؛ لأنّ  (( من المبادئ المهمّة في الاقتصاد الاسلاميّ مبدأ تدخل الدّولة في الحياة الاقتصاديّة ، الأمر الذي يمنح الاقتصاد الإسلاميّ القوّة والمرونة والقدرة على الاستيعاب والشمول ))([92])، فالدّولة الضّعيفة لا تستطيع حماية
شعبها ، ويضيع فيها الكثير من أطياف الشّعب ؛ إذ يتعرّضون للإهمال والتهميش .

والتدخل يكون بمحاسبة المقصر وأنّى كان ، وهو ما ورد في مسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) ؛  إذ (( دشّن سياسته الاقتصادية بتطبيق المساواة الصارمة التي فرضها الإسلام بين المسلمين في الأموال العامّة ، وضرب بيد من الحديد على الثروات المنهوبة من الامة)) ([93]) .

ولا بدّ لكل دولة من هدف عظيم يجعلها تواصل الرّقيّ دون تعثر ، (( خذ إليك أي فرد يسعى بجدٍّ في سبيل الحصول على درجة علميّة وشهادة معينة فإنّك تلاحظ أنّ الجذوة تظلّ متقدة في نفسه تدفعه باستمرار نحو تحقيق الهدف الّذي يسعى للحصول عليه حتى إذا أنجز ذلك انطفأت الجذوة وانتهى التحرّك وفقد أيّ مبرر للبقاء ما لم يبرز هدف جديد . والشيء نفسه يصدق على المجتمعات فإنّها كلما تبنّت في تحركها الحضاريّ هدفًا أكبر استطاعت أنْ تواصل السير وتعيش جذوة الهدف شوطًا أطول وكلما كان الهدف محدودًا كانت الحركة محدودة واستنفذ التطور والابداع قدرته على الاستمرار بعد تحقق الهدف المحدود )) ([94]) .

فالدولة لكي تكون دولة بالمعنى الصّحيح لا بدّ لها من قوة إرادة ، تفرض لها هيبتها ، ولا بُدَّ لها أيضًا من وضع هدف عظيم ، يعزز لها تطورها ورقيها .

ــ التضامن الاجتماعيّ والتوازن الاقتصاديّ

يتباين النّاس بحسب امتيازاتهم وبحسب الفرص المتوافرة لهم، وهذا يتسبب في علو كعب جماعة ماديًّا ونزول أخرى الى مستويات متدنية وتأرجح جماعة ثالثة بين هاتين المجموعتين، والمجموعة الثانية تحديدًا تعاني كثيرًا في غير الإسْلام ، أما في الاسلام فقد بين السيد ضرورة مراعاة المجموعة المتدنية على مستويين :

المستوى الاول : مساعدة الفرد لأخيه : اذ يقوم الانسان المتمكن بمد يد العون لأخيه المحتاج : (( فالفقر والحرمان ليس نابعًا من الطّبيعة نفسها وإنّما هو نتيجة سوء التّوزيع والانحراف عن العلاقات الصّالحة التي يجب أنْ تربط الأغنياء بالفقراء … جاء في الحديث : ( ما جاع فقير إلا بما مُتِّع به غني) )) ([95]) .

المستوى الثاني : مساعدة الدولة للفرد المحتاج : فالأمر لا يقتصر على مساعدة الفرد للفرد ، فهذا مهم لكنه لا يغطي الفقراء ، ويؤكد السيد  (( أنّ ضمان الإسلام لحياة المعوّزين من أفراد الأمة ليس مرتكزًا على أساس إحسان الاغنياء وأريحيتهم ومدى تأثير النصائح والمواعظ فيهم كما يتوهم بعض الناس ، بل هو يرتكز على حقوق ثابتة في صميم النّظام الاسلاميّ فإنّ الاسلام يجعل من الدّولة وسيلة لتهيئة فرص العمل ومجال الحياة المنتجة لكل فرد من الأمة)) ([96]) ، ويقول أيضًا (قدس سره) : (( أما مسؤوليّة الضّمان الاجتماعيّ فهي في الاساس ترتكز على ايمان الإسْلام بحق الجماعة كلها في الانتفاع بثروات الطّبيعة وتنشأ من هذا الحقّ المسؤوليّة المباشرة للدّولة في ضمان مستوى الكفاية من العيش الكريم لجميع أفراد المجتمع ، وذلك بتوفير العمل لمن كان قادرًا على العمل منهم وبإعانة الأفراد العاجزين عن العمل أو الذين لم يمكن توفير فرص العمل لهم ))([97]) .

وهذا الكلام مهم جدًّا ، فتوفير فرص العمل يعني أنْ تتولى الدولة كل ما بإمكانها لأجل إيجاد سبل للمعيشة، والحقيقة أنّها لا تستطيع ذلك إلا بعد إيجاد قطاعات اقتصاديّة متنوعة ، بفتح المصانع بشتى أنواعها وتشجيع الزّراعة بجميع صنوفها وضرورة إنجاز ما يحتاج إليه هذان القطاعان من طاقة كهربائية ومائية ومواد ساندة من مثل الأسمدة ، وهذا لن ينفع الطبقات الكادحة فحسب بل ينفع المجتمع بصورة عامّة ، يكفي ان هذا سببًا لمعالجة كثير من الاشكالات التي ذكرناها فيما سبق .

أما في حالة عجز ذلك الفرد عن العمل فانّ الدّولة على وفق الضّمان الاجتماعي الإسْلامي لن تترك الفرد سدى ، بل ستخصص له ما يكفي لإعالته ، وعندها سيكون المجتمع بخير ، فليس فيه ما يخاف منه عليه .

ولأهمية هذا الطرح يكرره السيد بالمضمون في غير موضع بصورة أكثر تفصيلًا  بأنّه قد ((فرض الإسْلام على الدولة ضمان معيشة أفراد المجتمع الإسْلاميّ ضمانًا كاملًا ، وهي عادة تقوم بهذه المهمة على مرحلتين : ففي المرحلة الاولى تهيئ الدّولة للفرد وسائل العمل وفرصة المساهمة الكريمة في النشاط الاقتصاديّ المثمر ليعيش على أساس عمله وجهده ، فإذا كان الفرد عاجزًا عن العمل وكسب معيشته بنفسه كسبًا كاملًا أو كانت الدّولة في ظرف استثنائيّ لا يمكنها منحه فرصة العمل جاء دور المرحلة الثانية التي تمارس فيها الدولة تطبيق مبدأ الضّمان عن طريقة تهيئة المال الكافي لسدّ حاجات الفرد وتوفير حدّ خاصٍّ من المعيشة له ومبدأ الضّمان الاجتماعيّ هذا يرتكز في المذهب الاقتصادي للإسْلام على أساسين ، ويستمد مبرراته المذهبية منهما : أحدهما : التكافل العام ، والآخر : حقّ الجماعة في موارد الدولة العامّة ، ولكلّ من الأساسين حدوده ومقتضياته في تحديد نوع الحاجات التي يجب أنْ يضمنَ إشباعها وتعيين الحدّ الادنى من المعيشة التي يجب أنْ يضمن إشباعها وتعيين الحد الادنى من المعيشة التي يوفرها مبدأ الضمان الاجتماعي للأفراد)) ([98]) ، وهذا الأمر يجعل الدولة تتدخل ((وفقا لصلاحياتها باتخاذ الاجراءات المناسبة لإيجاد التوازن الاجتماعي والحفاظ عليه )) ([99]).

وهذا التوازن كان حلمًا مهمًّا يرجو السيد تحقيقه (( فليس التوازن في مفهومه الإسلاميّ إلا التوازن بين افراد المجتمع في مستوى المعيشة لا في مستوى
الدّخل
)) ([100]) ؛ اذ لم يكن ليستكن الى سماع تضور بعض الناس جوعًا من العيش مع ترفه آخرين بما لا يطاق ، ومن هنا ذهب الى ((  تحريم التبذير فهو يمثل تحديدا كيفيًّا للتصرف إذ لا يسمح لأيّ فرد بأن يصرف المال في نزوات غير مقبولة واندفاعًا مع خواطر غير متزنة في العرف الإسْلاميّ العام من قبيل أنْ ينفق جزءًا من أمواله على إعالة مجموعة من الكلاب أو على ألعاب رخيصة ونحو ذلك من الأغراض غير الرشيدة )) ([101]) .

ويقول أيضًا : (( مسؤولية الضّمان الاجتماعيّ ومسؤوليّة التّوازن الاجتماعيّ ومسؤولية رعاية القطاع العامّ واستثماره بأقصى درجة ممكنة ومسؤولية الأشراف على مجمل حركة الانتاج في المجتمع واعطاء التّوجيهات اللازمة بهذا الصّدد تفاديًا لمشاكل الفوضى في الإنتاج ووضع سياسة اقتصاديّة لتنمية الدّخل الكليّ للمجتمع )) ([102]) . ألا ترى أنّه لو طبق هذا الكلام أو طبّق نصفه لكنّا بأفضل حال أو بأفضل من هذا الحال الذي نحن فيه ، (( ويمكننا لإيضاح الدور المشترك الذي تساهم فيه الحاجة أنْ نقسم أفراد المجتمع الى ثلاث فئات : فإنّ المجتمع يحتوي عادة على فئة قادرة بما تتمتع به من مواهب وطاقات فكريّة وعمليّة على توفير معيشتها في مستوى مرفّه غنيّ وفئة أخرى تستطيع أنْ تعمل ولكنّها لا تنتج في عملها إلّا ما يشبه ضروراتها ويوفّر لها حاجاتها الأساسيّة وفئة ثالثة لا يمكنها أنْ تعمل لضعف بدنيّ أو عاهة عقليّة وما إلى ذلك من الأسباب التي تشلّ نشاط الإنسان وتقذف به خارج نطاق العمل والانتاج ، فعلى أساس الاقتصاد الإسْلاميّ تعتمد الفئة الاولى في كسب نصيبها من التّوزيع على العمل بوصفه أساسًا للملكيّة وأداة رئيسة للتوزيع ))([103])، وسنجد أنّ شغله الشّاغل يقع على المجموعة الثالثة
(( واما الإسْلام فهو لا يحدد عملية التوزيع على أساس الصّراع الطّبقي في المجتمع وانّما يحددها في ضوء المثل الأعلى للمجتمع السعيد … ، وعملية التوزيع التي ترتكز على هذه المفاهيم تتسع بطبيعة الحال للفئة الثالثة بوصفها جزءا من المجتمع الانساني الذي يجب ان توزع فيه الثروة بشكل يقلص آلام الحرمان الى أبعد حدّ ممكن تحقيقًا للمثل الاعلى للمجتمع السعيد … ، ويصبح من الطبيعيّ عندئذٍ أنْ تعتبر حاجة هذه الفئة المحرومة سببًا كافيًا لحقّها في الحياة وأداة من أدوات التوزيع : ) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ( )) ([104]) ( الذاريات : 19)

 

يلحظ أنّ السيد قد وثّق هذا وقرره إيمانًا منه بخلق اقتصاد سامٍ ومتميز ، اقتصاد يسعى للقضاء على الاستغلال ومحاربة الطبقية بكل ما أوتي من قوة .

 

بعد هذا نقول ان تلك العوامل المهمة التي قررها السيد تحتاج الى تكاتف لأجل اقامتها وتحتاج الى تضحية وايمان تام بالقيم النّبيلة ، من أجل الرقي بالاقتصاد العراقيّ الى مرحلة طيبة ، والعراق قادر تمام القدرة على ذلك اذا امتثلت جماهيره لأجل اصلاحه .

هذا ونختم كما ختم سيدنا محمد باقر الصدر في بعض مؤلفاته : ((ولنختم هذه الحلقة بفقرات في دعاء الافتتاح تجسد تلك الصورة العظيمة للمجتمع في ظل الإسْلام على أسلوب دعاء وتوسل إلى الله تعالى بإظهار وليه (عليه السّلام) لتحقيق تلك الصورة وإنزال الإسْلام الى مستوى التطبيق في واقع الحياة : اللهم الممْ به شعثنا واشعب به صدعنا وارتق به فتقنا وكثر به قلتنا واعززْ به ذلّتنا واغن به عائلنا واقضِ به عن مغرمِنا واجبرْ به فقرَنا وسدّ به خلّتنا ويسِّر به عسرنا وفُكَّ به أسرَنا وأنجزْ به مواعيدنا وأعطِنا به سؤلنا وبلغْنا به الدنيا والآخرة آمالنا يا خير المسؤولين وأوسع المعطين))([105]) .

آمين رب العالمين .

 

الخاتمة

أبان البحث أنّ ذلك الوليد الذي جاء بعد لأي من الانتظار جاء في أجواء روحيّة رافقتها اجواء حزن ؛ اذ فارق اباه وهو صغير جدا ثم رافق ذلك اجواء صعبة تمثلت بصعوبة الحياة ، وهذه الصعوبات لم تمنع السيد من الولوج في عالم الابداع فقد كان مؤمنًا أنّ الطُّرُق لا تكون معبدة لكل سالك ، ولكن الوصول يكون لمن لم يتوقف او يستسلم ، وفعلًا كان كما أراد إذ استطاع إغناء المكتبة الفكرية بكتب فائقة في الرّقيّ والأصالة ، أعجبت الجميع ، وفي تطبيقها يكون الرقيّ منعكسًا على المجتمع في إسعاده اقتصادًا واجتماعًا وسياسة وصحة وسياحة وكل ما له أثر في ترقية المجتمع ، وقد كشف البحث عن أثر تلك المؤلفات في إنجاح اقتصاديات العراق  ، فالعراق اليوم به حاجة كبيرة الى التنقيب في طروحات السيد من اجل بناء عراق يمتاز بتنظيم عال وتفوق بارز . وبالرغم من كثرة الاشكالات الاقتصادية والمعرقلات التي تواجه النهوض الا ان مسألة استعادة العراق لعافيته وتصحيح مساره أمر ليس بالمستحيل شريطة أن يكون هذا النهوض  نابعا من روح الاسلام السليم ومتسما بالتطبيق الفعال .

وحينما نقول لا نترك الامور على عواهنها يحتم علينا القيام بأمور كثيرة وواحدة من هذه الامور الإفادة من كتب السيد محمد باقر الصدر ، التي تحدثت عن الاقتصاد بصورة عامة وعرضت للاقتصاد الإسْلامي وغيره ، وبينت القوة من الضعف وحللت وناقشت واستنبطت لتصل الى فكرة أنّ المذهب الاقتصاديّ الإسْلاميّ قادر على النّجاح تمام النّجاح .

وقد أوضح البحث أهمية دراسة علم الاقتصاد ليس ببلد معين بل بأرجاء المعمورة لما فيه من أهمية في تطوير البلاد وتعزيز حظوظهم في الحياة الجيدة .

وقد اختلفت الرؤى في قراءة حقيقة الاقتصاد ؛ فعند آدم سميث رأيناه يراه ان الذي يحرّك الاقتصاد هو الأنانية على العكس من السيد الصّدر الذي اوضح في طروحاته مصرحًا ومشيرا الى أنّ الاقتصاد الاسلاميّ هدفه الانسانية والقيم النبيلة .

وبالرغم من التهجمات التي تعرض لها الإسلام إلا أن السيد الشهيد أوضح معالم الصورة الحقيقية للإسلام وأعرب عن حضاريته وانه المنهج الوحيد القادر على الاخذ بالإنسان الى برّ الامان ، ليس في الجانب الدينيّ فحسب ، بل حتى في الجانب الاقتصاديّ وكذلك الاجتماعي والسياسيّ .

ولقد فرّق السيد بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصاديّ بأنّ الأول هو : العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصاديّة وأحداثها وظواهرها ، وربط تلك الأحداث والظّواهر بالأسباب والعوامل العامّة التي تتحكّم فيها ، أما المذهب الاقتصاديّ فهو الطّريقة التي يفضل المجتمع اتباعها في حياته الاقتصاديّة وحلّ مشاكلها العمليّة، وبذلك يختلف عن الأول في أنه يتأثر كثيرًا بالمرجعيات الثقافية والتوجهات الفكرية ومن هنا تنوع وتباين وغدا هذا التنوع من المعرقلات في دراسته إلا أنّ السيد الشهيد قرّر ضرورة ربط المذهب الاقتصادي بالإسلام الحنيف ، وعزز ذلك بحجج قوية تدعم بناء اقتصاد قوي وراقٍ .

وأوضح البحث مستندًا الى طروحات السيد الشهيد خطأ الفكرة التي تعزو الرقي المجتمعي الى ترك الدين ، وما حدث بسبب الكنيسة لا يمكن أنْ نعكسه على إسلامنا الحنيف ، فمشكلتنا تكمن في عدم التّطبيق السليم لمبادئ الدين الاسلاميّ .

وقد أعرب البحث عن وجود سياسات اقتصاديّة في العراق متمثلة بإهدار كثير من الموارد الطبيعية بسبب التخلف الصّناعي ، وهذا التخلف انعكس على ضعف القطاع الزراعي وتسبب أيضًا في كثرة العطالة وفي وقوع مشكلات كثيرة ، راح ضحيتها معظم الشباب .

إنّ عدم تنويع الروافد الاقتصاديّة قاد الى خلق معرقلات كثيرة ، أدّت إلى صعوبة الحياة لطبقات مجتمعيّة في المجتمع ، وكان بالإمكان الإفادة منها في ترقية البلاد .

واعرب أنّ سياسة العراق المائية غريبة جدًّا ، فهي تعاني من الماء طيلة مدار السنة فبالشتاء تبذر به وبالصيف تبحث عنه ، ولو انها بنت السدود والخزانات لما كان هذا وذاك .

وقد عرض البحث لطائفة من العلاجات الموجودة في كتب السيد الشهيد ، والتي بها يمكن انتشال العراق من بئر المشكلات الاقتصادية وتتمثل في اعتماد الواقعية والانتهال من نهر الاسلام الصافي وتطبيق العدالة وضرورة التصدي من اهل الكفاءة ولا بد من أن تكون دولة قوية وذات هدف عظيم من اجل استمرار المسيرة الابداعيّة وضرورة تطبيق التّضامن الاجتماعيّ بصورة صحيحة ، وقد فصّل البحث في هذه المسائل وصولًا الى اكتشاف اهميتها الضّروريّة، وتطبيقها كفيل في خلق اقتصاد راقٍ بل بلد راقٍ .

لقد كان السّيد مؤمنًا تمام الإيمان بتكاملية المنهج الاقتصاديّ الاسلاميّ وتنبأ بانهيار ما عداه من مذاهب بسبب نسبيتها وعدم امكانيتها من العلاج الصّحيح لكل المشكلات الاقتصاديّة ، فهي تقف عاجزة عن  معالجة الدّوافع الذاتية التي استطاع الاسلام أنْ يدعمها ويرفع من مكانتها بإذابتها في روح الجماعة .

هذا ويوصي البحث بعدم الانتظار أكثر ، بل لا بدّ من إجراء الاصلاحات العامّة في العراق وواحدة من هذه الاصلاحات تتمثل في ترقية الاقتصاد العراقي ، وهي مهمة جدًّا كونها تؤثر تأثيرًا فاعلًا في سائر المجالات مما يتسبب الابقاء على ضموره بضمور كل المجتمع وانحدار مستقبله للأسوأ ، أعاذنا الله من ذلك  .

ويقترح البحث تضمين المناهج المدرسية بالاقتصاد الإسلامي ولا سيما بطروحات السيد الشهيد ؛ لأنّه يبثّ العلم في النشء القادم ، ويعلمه تفاصيل الحقيقة بدلًا من أنْ يبقى الجهل حليفه ، ويذهب ضحية لهذا الجهل :، فالنظام الإسلامي افضل نظام امتاز بالتوازن ، (( ومن آيات هذا التوازن نظامه الاقتصادي الرّائع الذي لا يزال أكثر المسلمين يجهلونه ولا يعلمون أن لدينهم العظيم نظامًا اقتصاديًّا فذّا يتكفل بحل مشاكل الانسانية ، ويفهرس لها الحياة المعيشية بشكل متوازن الخطوط . ومن الطبيعي أن يجهل كثير من الناس اقتصاد الاسلام ونظامه فإنّ التعليم الذي مر بالطلاب في أدوار دراستهم لا يعطيهم كلمة عن هذا النظام الاقتصاديّ ولا يفهمهم أنه نظام مستقل بنفسه قائم بذاته حافل بمحاسن الانظمة الاقتصاديّة كلها وسالم عن مساوئها ونقاط الضعف فيها )) ([106]) .

ختامًا نسأل الله أنْ يوفقنا لمرضاته وجناته وأنْ يُرينا العراق قريبًا منعمًا بنجاحاته وخيراته ، إنّه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على النّبي وآله الطّاهرين .

([1])  الامام محمد باقر الصدر ــ معايشة من قريب ــ : 150 .

([2])  المرجعية الدينية : 2 / 53 .

([3]) الشيعة : 48 ، مستشرق الماني مواليد 1942 درس العلوم السامية والإسلاميّة والعصور الوسطى ، يدرس العلوم الإسلاميّة في جامعة توبنغن الألمانية ، وله مؤلفات في الاسلام منها : كونيات وعلم الخلاص لدى الإسماعيليين 1978 ، وكتاب الأظلّة ، وإمبراطويّة المهدي والاسلام ماضي وحاضر ، والقارئ في كتابه الشيعة يجد أنه خلط الغث بالسمين ، ولعل هذا منهج أغلب المستشرقين في كتاباتهم .

([4]) كذا والصواب : قرنًا .

([5]) بين مقاومتين : 157 ـــ 158 .

([6])لكن الامر متوقف على الاخذ بما جاء عن السيد الشهيد أخذا حيويًّا بغرض التطبيق والامتثال .

([7]) وتعد (( حوزة النجف الأشرف من أقدم الحوزات العلمية في عالمنا الإسلامي خصوصًا في عالم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ذلك لأن هذه الحوزة الشريفة تعتبر امتدادا لمدرسة الكوفة التي وضع أسسها الإمام أمير المؤمنين علي (u) )) موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية : 1 / 375 .

([8]) فاجعة الطف : 515 .

([9])كتاب الكليات ــ معجم في المصطلحات والفروق اللغوية ــ: 224 .

([10])المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها: 2 / 1227   .

([11]) كذا ورد ، والصواب : بصفتكم بشرًا  .

([12])الاقتصاد ، بول أ.سامو يلسون  و ويليام د. نورد هاوس :   15 ــ 16  .

([13])  الاقتصاد ، بول أ.سامو يلسون  و ويليام د. نورد هاوس :   15.

([14])  ثروة الأمم  :  25 .

([15])  الإسْلام يقود الحياة :  88  .

([16])  الإسْلام يقود الحياة :  165  .

([17]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 297  .

([18])  اقتصادنا : 26.

([19])اقتصادنا : 27  .

([20])الاقتصاد ، بول أ.سامو يلسون  و ويليام د. نورد هاوس :   19  .

([21])ينظر : موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ـ الشهيد الصدر ــ : 4 / 21  .

([22])  الامام محمد باقر الصدر ــ معايشة من قريب ــ : 34  .

([23])موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ـ الشهيد الصدر ــ : 4 / 34  .

([24])موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ـ الشهيد الصدر ــ : 4 / 42 . .

([25])بحث حول المهدي: 91   .

([26])موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ـ الشهيد الصدر ــ : 4 / 63  .

([27])فلسفة الصدر ــ دراسات في المدرسة الفكريّة والفلسفيّة للامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ : 537   .

([28])كذا والصواب السيد . .

([29])التفسير والمفسرون أساسياته واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث: 1/532  .

([30])مع رجال الفكر في القاهرة : 1 / 366 .

([31]) الامام محمد باقر الصدر ــ معايشة من قريب ــ : 21  .

([32]) مدخل إلى علم لغة النَّصّ : 163.

([33])ديناميّة النَّصّ: 50 ـ 51.

([34]) ينظر : محمد باقر الصدر ــ السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ــ : 4 / 280 ، 282.

([35])محمد باقر الصدر ــ السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ــ : 4 / 281 .

([36]) ينظر : محمد باقر الصدر ــ السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ــ : 4 / 281 .

([37])المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها: 2 / 725   .

([38])الواقع الالحادي المعاصر (بحث الكتروني) ، ايمان بنت ابراهيم الرشيد ، شبكة الألوكة ، الرابط : https://www.alukah.net/sharia/0/103101/ : 4   .

([39])الحق المبين في معرفة المعصومين ( ع ): 25   .

([40])فلسفتنا: 13 .

([41]) نهج البلاغة : 298 .

([42])المسلم في عالم الاقتصاد: 112 .   .

([43])الجواهر الروحية : 20 ، وينظر : السبيل إلى إنهاض المسلمين : 10 .

([44])الجواهر الروحية : 41 .

([45])استشراف مستقبل الاقتصاد العراقي: 57 . .

([46])  استشراف مستقبل الاقتصاد العراقي : 66 ..

([47])استشراف مستقبل الاقتصاد العراقي : 68 . .

([48])استشراف مستقبل الاقتصاد العراقي : 68 . .

([49])الأمن الاجتماعي في تحصين وتماسك المجتمع العراقيّ (رسالة دكتوراه) : 79 .

([50])استشراف مستقبل الاقتصاد العراقي  : 67 . .

([51]) كذا ورد والصواب : تدميرًا .

([52])استشراف مستقبل الاقتصاد العراقي : 67  .

([53]) فاليوم كثير من الشبان قد يلجأ لبعض الصور الاتية :

1 ــ قد يعمل بأن يستأجر محلًّا أو يتملكه ؛ ليبيع به بعض المواد الغذائيّة او الحاجيات ، بسبب عدم توافر فرصة عمل ، وهذا يولد تكدسًا بكثرة المِحال ؛ إذ سيتوجه الشباب الى ذلك أملًا بتوفير فرصة العيش ، مما يولد كثرة المعروض من المواد الاستهلاكية وعدم السحب الكافي ؛ اذ بسبب كثرة المستورد قادَ هذا الى أنّ بعض تلك المواد الانتاجيّة ، تفسد بسبب عدم تصريفها قبل انتهاء المدة المقررة (الايكسباير) ، وهذا خسارة لتلك المواد ولمجهود كثير من الشبان ، يذهب سدى بل يذهب بخسارة على خسارة بعطالة مقنعة بوهم الالتحاق بعمل ، لا يبعد انْ يكون الراتب المُجنى منه هو الخسارة .

2 ــ قد يستأجر محلًّا أو نحو ذلك لأجل ممارسة مهنة به ، من مثل الحلاقة او الحدادة أو الخياطة او النّجارة … ، ولكن هذه المهن ربّما تعرضه للخسارة ، إما بسبب كثرتها لإقبال الشباب عليها  بسبب عدم توافر خيارات متعددة لهم فهذا هو المتاح ، او بسبب كثرة المستورد مع انه يمكن ان يتوافر في الداخل ولو بصورة مقاربة ، والمفروض أنْ يكون الاستيراد للأمور الي يتعسر تصنيعها داخل العراق مع البقاء على همة تصنيعها في المستقبل وبذل الجهد لذلك …

3 ــ قد يلجأ للعمل سائقا بسيارة أجرة (التكسي) وهذه مثلما يظهر الان ؛ إذ أصبحت كثيرة الى حد اختناق الشوارع ، وقليلًا ما يستطيع السائق الحصول على أجرة من زبون معين ، وربما لا يحصل ، فتجده يخسر الوقود وعطلات السيارة دون جدوى ، وهذا أيضًا حرق للبنزين بصورة مقاربة لحرق ذلك الغاز …

4 ــ ممارسة اعمال قاسية دون أن تكون متوافرة على النحو من ممارسة العمالة ، وهذه الاخرى اصبحت غير متاحة بسبب كثرة الأيدي العاملة ….

([54]) العنف الاجتماعيّ وبعض مظاهره في المجتمع العراقيّ ـ مدينة بغداد أنموذجا  ـ : 105   .

([55]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 298  .

([56])العنف الاجتماعيّ وبعض مظاهره في المجتمع العراقيّ ـ مدينة بغداد أنموذجا  ـ : 107 .

([57]) اقتصادنا : 291   .

([58])الاسلام والتحديات الكبرى في القرن الحادي والعشرين : 175 ــ 176  .

([59])أستاذة متخصصة بعلم النفس بلندن تدربت باحثة نفسية في كيز وعملت مرشدة ومعالجة نفسية في معهد التحليل البريطاني ونشرت بحوثا كثيرة عن العلاج النفسي ، ينظر : ابنك المراهق كيف تفهمه وترعاه ( مقدمة الناشر ) : 10 ـــ 11 .

([60])ابنك المراهق كيف تفهمه وترعاه : 142 .

([61])فلسفة الصدر ــ دراسات في المدرسة الفكريّة والفلسفيّة للامام الشهيد السيد محمد باقرالصدر  ــ : 24 .  .

([62])اقتصادنا : 282   .

([63])اقتصادنا : 28 .

([64])اقتصادنا : 28 .

([65])اقتصادنا : 288 .

([66])اقتصادنا : 291  .

([67]) فتشير الدراسات إلى أن : (( الفقر آخذٌ في التزايد من سنة إلى أخرى رغم نداءاتِ التّحذير التي تطلقها المنظمات الدوليّة ، فلأول مرة وصل عدد الفقراء إلى 1,02 مليار نسمة من أصل 6,788 مليار نسمة هم سكان العالم في 01 أكتوبر 2009 يتوزعون على مختلف مناطقِ الكرةِ الأرضيّة بطريقةٍ غير متساوية ، تدلُّ على جهود البعض وكسل الآخرين ، فقارة آسيا الّتي يقطن بها أكبر عدد من السُّكّان ( 4,03 مليار ) ، وتمثل نسبة 60,5 % من سكان العالم تتواجد [الصواب : توجد ] بها أكبر نسبة من الفقراء وهي 64,07% تليها قارة إفريقيا التي تمثل نسبة 14% من سكان العالم بنسبة 28,62% من فقرائه ثم قارة أمريكا ، ثم قارة أمريكا الجنوبية بنسبة 6,24 وأخيرا الدول المتقدمة مجتمعة في أوربا وأمريكا الشمالية واستراليا بنسبة 1,06 %  . لقد أضحى الفقر مشكلة اقتصاديّة وقضية إنسانيّة انعكست آثارها السّلبيّة على حياة المجتمعات … ، فالفقر كان ولا يزال يهدد الازدهار حيثما كان ، ويشكل تحديًا حقيقيًّا وصارخًا للإنسانيّة وأصبح ظاهرة عالميّة ، الأمر الذي أدّى إلى البحث باتّجاه إيجاد الحلول المناسبة للتخفيف من آثاره على المجتمعات ))
[ الفقر ــ التعريف ومحاولات القياس ــ ، د. الطيب لحيلح ، و محمد جصاص ، بحث منشور في ضمن : أبحاث اقتصاديّة وإداريّة ، العدد السابع ، 2010 م: 166] ، والحقيقة ألّا حلول إلا بالتماس نهج أهل البيت .

([68]) ينظر : فلسفتنا : 14 ، 18  .

([69]) فلسفتنا : 24 .

([70]) فلسفتنا : 26 .

([71])فلسفتنا : 26 .

([72])فلسفتنا : 27 .

([73])فلسفتنا : 27 .

([74])فلسفتنا : 42 .

([75])قلسفتنا : 45 .  .

([76])اقتصادنا : 305  .

([77])اقتصادنا : 13 . .

([78])اقتصادنا : 15 .

([79])اقتصادنا : 315 .   .

([80]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 225 .

([81])  الإسْلام يقود الحياة :  133  .

([82])  الإسْلام يقود الحياة :  146  .

([83])الإسْلام يقود الحياة : 30  .

([84])اقتصادنا : 330 . .

([85])  الإسْلام يقود الحياة :  168 ـــ 169   .

([86]) المدرسة القرآنية : 198 .

([87])الفتاوى الواضحة : 585 .

([88]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 42 .

([89]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 225 ـــ 226  .

([90]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 160 .

([91])  الإسْلام يقود الحياة : 98    .

([92]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 145 .

([93]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 226  .

([94])  الإسْلام يقود الحياة :  166  .

([95])اقتصادنا : 323 .

([96]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 297 ـــ 298   .

([97])الإسْلام يقود الحياة : 111 ـــ 112  .

([98])اقتصادنا : 659 . .

([99])الإسْلام يقود الحياة: 98 .  .

([100]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 151 .

([101])الإسْلام يقود الحياة : 106 .

([102])الإسْلام يقود الحياة : 111  .

([103])اقتصادنا : 335 .

([104])  اقتصادنا : 339 .

([105])الإسْلام يقود الحياة 117 ، والدعاء موجود في : إقبال الاعمال : 323 . .

([106]) ومضات (مجموعة من مقالات  ومحاضرات ووثائق ) : 296  ــ 297  .

المصادر

ــ الكتب المطبوعة

  • ابنك المراهق كيف تفهمه وترعاه ، مارتا هاريس وأخريات ، تر: د. ضياء الدين أبو الحب ، و د. عدنان محمد حسن ، مكتبة النهضة، بغداد ، ط2 ، 1986م .
  • استشراف مستقبل الاقتصاد العراقي ، أديب قاسم شندي ، ط1 ، واسط ، 1436هــ ـــ 2015م .
  • الاسلام والتحديات الكبرى في القرن الحادي والعشرين ، د. فؤاد محسن الراوي ، أنوار دجلة ، بغداد ، ط1 ، 1425هــ ــ 2004م .
  • الإسْلام يقود الحياة ، السيد محمد باقر الصدر ، مكتبة الكلمة الطيبة ، بغداد ــ العراق ، ط1 ، 1433هــ ــ 2012م .
  • إقبال الاعمال ، رضي الدين أبوالقاسم علي بن موسى ابن طاووس (ت 664هــ )، منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ، بيروت ــ لبنان ، ط1 ، 1996 م .
  • الاقتصاد ، بول أ.سامو يلسون و ويليام د. نورد هاوس ، تر : هشام عبدالله ، الدار الاهلية للنشر والتوزيع ، الدار الأهليّة للنّشر والتوزيع ، عَمَّان ــ الأردن ، ط2 ، 2006م .
  • اقتصادنا ، السيد محمد باقر الصدر ، دار التعار للمطبوعات ، بيروت ــ لبنان ، ط20 ، 1408هــ ـــ 1987م .
  • الامام محمد باقر الصدر ــ معايشة من قريب ــ ، محمد الحيدري ، دار الهادي ، ط1، 1424هــ ــ 2003م .
  • بحث حول المهدي ، محمد باقر الصدر ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ـــ لبنان ، 1397 هـــ ـــ 1977م .
  • بين مقاومتين ، السيد محمد باقر الحكيم ، مؤسسة تراث الشهيدالحكيم ــ النجف الأشرف، 1425هـ ــ 1426هــ .
  • التفسير والمفسرون أساسياته واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث ، الأستاذ الدكتور فضل حسن عبَّاس ، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن ، ط1 ، 1437 هـ – 2016 م .
  • ثروة الأمم ، آدم سميث ، تر : حسني زينة ، معهد الدراسات الاستراتيجي  ، بغداد ، ط1، 2007 .
  • الجواهر الروحيّة ، العلامة الشهيد السيد حسن القبانجي ، المؤسسة الإسلامية ــ قم ، ط1 ، (د.ت) .
  • الحق المبين في معرفة المعصومين ( ع ) ،  الشيخ علي الكوراني العاملي ، دار الهادي – للطباعة والنشر ط2 ، : 1423 – 2003 م  .
  • ديناميّة النّصّ ــ تنظير وإنْجاز ــ ، د. مُحَمَّد مفتاح ، المَركز الثّقافيّ العَرَبِيّ ، الدّار البيضاء ــ المغرب ، ط4 ، 2010م .
  • السبيل إلى إنهاض المسلمين ، السيد محمد الحسينيّ الشيرازيّ ، دار صادق ، كربلاء المقدسة ، العراق ، ط1 ، 1425ه ــ 2004م .
  • الشيعة ، هاينس هالم ، تر : محمود كبيبو ، بيت الوراق للطباعة والنشر ، ط1، 2011م.
  • العنف الاجتماعيّ وبعض مظاهره في المجتمع العراقيّ ـ مدينة بغداد أنموذجا ـ ، أسماء جميل ، من اصدارات مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربيّة 2013 ، ط2 ، 2012م .
  • فاجعة الطف ــ أبعادها ، ثمراتها ، توقيتها ــ ، السيد محمد سعيد الحكيم ، مؤسسة الحكمة للثقافة الإسلاميّة ،النجف الأشرف ، ط3 ، 1431هــ ــ 2010 .
  • الفتاوى الواضحة ، السيد محمد باقر الصدر ( ت 1400 هـ ) ،  مطبعة الآداب – النجف الأشرف ، 1396 هــ .
  • فلسفة الصدر ــ دراسات في المدرسة الفكريّة والفلسفيّة للامام الشهيد السيد محمد باقرالصدر ، د. محمد عبداللاوي ، دار الإسْلام ، بغداد ، ط2 ، 1437هــ ـــ 2016 م : 537 .
  • فلسفتنا ، السيد محمد باقر الصدر ( 1400 هـ ) ، دار الكتاب الإسْلامي ، ط4  : 1425 – 2004م : 13 .
  • كتاب الكليات ــ معجم في المصطلحات والفروق اللغوية ــ ، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي ، تح: عدنان درويش – محمد المصري ،: مؤسسة الرسالة – بيروت – 1419هـ – 1998م .
  • محمد باقر الصدر ــ السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ــ ، أحمد عبدالله أبوزيد العامليّ، العارف للمطبوعات ، بيروت ــ لبنان  ، 1427هــ ـــ 2006م .
  • مدخل إلى عِلْمِ لُغةِ النّصّ ــ تَطْبيقاتٌ لنَظريّةِ روبرت ديبوجراند وولفانج دريسلر ـــ ، د. إلهام أبو غزالة ، وعليّ خليل ، الهيئة المِصْريّة العامّة للكتاب ، 1999م .
  • المدرسة القرآنية ، السيد الشهيد محمد باقر الصدر ، مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، قم ، 1434هــ .
  • المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها ، د. غالب بن علي عواجي ، المكتبة العصرية الذهبية-جدة ،  1427هـ-2006م   .
  • المرجعية الدينية ، محمد سعيد الحكيم ، اعداد : عبدالهادي محمد تقي الحكيم ، مؤسسة المرشد ، بيروت ــ لبنان، ط5 ، 1424هــ ـــ 2003 م.
  • المسلم في عالم الاقتصاد ، مالك بن الحاج عمر بن الخضر بن نبي (المتوفى: 1393هـ) ، دار الفكر-دمشق سورية ، 1420هـ – 2000م : 112 .   .
  • مع رجال الفكر في القاهرة، السيد مرتضى الرضوي ، مركز الأبحاث العقائدية ، الارشاد للطباعة والنشر ، بيروت ، ط4 ، 1418هــ ـــ 1998 م .
  • موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية ـ الشهيد الصدر ــ ، السيد محمد باقر الحكيم ، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم ، النجف الاشرف ، ط1 ، 2005م .
  • نهج البلاغة ، تح : د. صبحي الصالح ، مركز البحوث الاسلامية ، ايران ، 1395 هــ .
  • ومضات (مجموعة من مقالات ومحاضرات ووثائق ) ، السيد الشهيد محمد باقر الصدر ، مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر ، ط2، 1434هــ .

ــ الرسائل والاطاريح

  • الأمن الاجتماعي في تحصين وتماسك المجتمع العراقيّ (اطروحة دكتوراه) ، جامعة بغداد ، 1995م .

ــ البحوث المنشورة في الدوريات

  • الفقر ــ التعريف ومحاولات القياس ــ ، د. الطيب لحيلح ، و محمد جصاص ، بحث منشور في ضمن: أبحاث اقتصاديّة وإداريّة ، العدد السابع ، 2010 م.

ــ البحوث الالكترونية والمواقع الالكترونية

الواقع الالحادي المعاصر (بحث الكتروني) ، ايمان بنت ابراهيم الرشيد ، شبكة

مؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيرية