ظاهرة الانتحار للشباب العراقي
العنوان: ظاهرة الانتحار للشباب العراقي
الكاتب/الكتّاب:
احمد زايد عبد علي -
-
-
-
الملخّص
(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً*ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً) (1)
المقدمة الانتحار كلاسيكياً هو اغتيال الذات , وفي عام 1897عرف الانتحار على أنه كل حالة موت تنتج عن فعل تقوم به الضحية نفسها وهي تعلم بأنه يؤدي الى هذه النتيجة(2) الانتحار هو رسالة يائسة تعبر عن ضروب اللوم الموجه نحو الاخرين كما يعبر عن العجز عن الاضطلاع بوضع صعب ويعاني كثير من المنتحرين من العزلة والنبذ(الباحث) لا توجد صورة نفسانية للمنتحر , فان كل اصابة عقلية هي من قريب او بعيد مسببة للانتحار وفي حالات الكأبة الشديدة يكون الخطر اكبر ليس هناك معنى وحيد للتصرفات الانتحارية , قد تكون ارادة تدميرية فيها العدوانية الذاتية كاملة الحضور , المحللون النفسيون يفسرونها أما بالانكفاء على الذات للعدوانية التي كانت في البد موجهة ضد الاخر , وأما بكونها تعبيرا مميزاً عن غريزة الموت التي تتجلى في الموقف الانتحاري.
أن مسألة الانتقال الى الفعل الانتحاري هي دائما موضع نقاش وذلك لان الخطر المميت لا يقوم في المنتحر بصورة موضوعية حاليا بعض الابحاث العصبية البيولوجية تقيم فرضية على أن هناك ارتباط بين امكانية الانتقال الى الفعل من اي نوع كان والخلل في إفرازات هرمون السير وتونين.
أذ نجد العلاقات بين الانتحار والاضطرابات النفسية موضع مناقشات جادة , اذ للمرضى العقليين نزوعاً الى التدمير الذاتي أقوى من نزوع الافراد الاسوياء.
فالمشكلة هنا هل أن قرار الفرد في المجتمع بالانتحار هو هروب من حالة يعيشها بعض الافراد أم أن هناك فكر وراء هذا الفعل. كان اسلوب الدراسة هو دراسة وصفية للظاهرة مبنية على المسببات والوقائع وهنا نستعرض تقرير منظمة الصحة العالمية الذي تنشره بمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار أذ توجد هنالك 800 الف حالة انتحار كل عام اي حالة واحدة كل (40ثانية ) والشباب بين الاعمار (15-34)سنة أكثر عرضه لمخاطر الانتحار في العالم كان نصيب العراق من حالات الانتحار للأعوام من2016 لغاية 2021 هو 3432حالة انتحار وهو رقم رهيب يستدعي التشخيص والدراسة ووضع الامور بنصابها الصحيح وبالنسبة للمسجل من الفئات العمرية أقل من 20 سنة كانت نسبتهم 36.6 في المئة، ومن سن الـ 20 عاما الى 30 عاما كانت نسبتهم 32.2 في المئة، أما نسبة الذكور فتشكل 55.9 في المئة، في حين بلغت نسبة الإناث 44.8 في المئة”، مبينا أن “حالات الانتحار بين المتزوجين تشكل 40 في المئة وبين العزاب 55 في المئة. ونسبة المنتحرين من الذين تحصيلهم الدراسي ما تحت الابتدائية بلغت 62.2 في المئة ودون المتوسطة 16.9 في المئة والعاطلين عن العمل 35 في المئة، وربات البيوت 29.9 في المئة (3)
الكلمات المفتاحية:
Abstract:
Keywords:
البحث الكامل
الأسباب والدوافع
وفيما يتعلق بأسباب الانتحار هناك أسباب عديدة منها نفسية تتعلق بالضغط النفسي وشكل عدد المنتحرين فيها نسبة 36.22 في المئة، أما الاضطرابات النفسية فبلغت 34.64 في المئة وهناك أيضا أسباب تتعلق بالتفكك الأسري والعنف الأسري والوضع الاقتصادي إذ يشكل الفقر من حالات الانتحار 13 في المئة، والبطالة 9.5 في المئة، والأسباب الدراسية وعدم تحقيق الطموح الذي أخذ نسبة 13.38 في المئة، والفشل الدراسي نسبته 5.5 في المئة. ان محاولة الانتحار غالباً لدى المراهقين بينما حالات الانتحار الناجحة هي أكبر عند المسنين وهناك فرق بين محاولة الانتحار، والممارسة الفعلية للانتحار ومحاولات الانتحار عند النساء أكبر مما هي عليه عند” الرجال ” خمس نساء مقابل رجلين ” ولكن بالنسبة تنعكس في الانتحار الحقيقي هناك عوامل مختلفة للانتحار ويذكر دور الظروف المناخية على أنها عوامل مشجعة للانتحار فضلا عن عدم الانخراط الاجتماعي، والانقطاع المهني، الاحباط لدى الطلاب والعسكريين والمجندين في الخدمة الاجتماعية، والمساجين، والعمر.
خلصت الدراسة لوجود علاقة وشيكة لفكر داعش الارهابي بالعمليات الارهابية للذين تم غسل أذهانهم وكيف أن (اغتيال الذات) قتل الانسان نفسه بنفسه متعمداً لتحقيق منافع وأهداف ذات أفكار تطرفية بالإضافة الى عدة مسببات ومنها:
- العزلة (امراض)
- ضعف الضمير (انعدام)
- عدم الثقة بالنفس
- ضغوط الحياة
- عدم القدرة على حل المشاكل
توصي الدراسة بالآتي:
- على الاسر العراقية التوعية والارشاد في تربية الابناء.
- استحداث مراكز اجتماعية في المناطق السكنية بمثابة عيادات استشارية للمرضى النفسيين ومعالجة حالات الإدمان.
- وضع قانون في الدولة العراقية يمنع انتشار الانترنت او تحديد الاعمار للذين يستعملون التصفح في الانترنت ووضع غرامة مالية.
- تفعيل خطب الجمعة للإرشاد حول حالات الادمان والخمر والمخدرات والانتحار للتوعية وتفعيل الدور الديني والارشادي
- تفعيل دور وزارة الداخلية والدفاع حول الحدود العراقية وما يدخل من مختلف انواع المخدرات، اذ اجمعت البحوث ان المخدرات السبب الرئيسي الذي يؤدي بالفرد للانتحار فضلاً عن الامور الاجتماعية والمشكلات التي تواجه الفرد
- على المؤسسات التربوية (رياض الاطفال) والمدارس والجامعات انتهاج اسلوب في التربية متطورة يتماشى مع مشاكل العصر وامراضه.
المقدمة
الانتحار كلاسيكياً هو اغتيال الذات , وفي عام 1897عرف الانتحار على أنه كل حالة موت تنتج عن فعل تقوم به الضحية نفسها وهي تعلم بأنه يؤدي الى هذه النتيجة(2) الانتحار هو رسالة يائسة تعبر عن ضروب اللوم الموجه نحو الاخرين كما يعبر عن العجز عن الاضطلاع بوضع صعب ويعاني كثير من المنتحرين من العزلة والنبذ(الباحث) لا توجد صورة نفسانية للمنتحر , فان كل اصابة عقلية هي من قريب او بعيد مسببة للانتحار وفي حالات الكأبة الشديدة يكون الخطر اكبر ليس هناك معنى وحيد للتصرفات الانتحارية , قد تكون ارادة تدميرية فيها العدوانية الذاتية كاملة الحضور , المحللون النفسيون يفسرونها أما بالانكفاء على الذات للعدوانية التي كانت في البد موجهة ضد الاخر , وأما بكونها تعبيرا مميزاً عن غريزة الموت التي تتجلى في الموقف الانتحاري .أن مسألة الانتقال الى الفعل الانتحاري هي دائما موضع نقاش وذلك لان الخطر المميت لا يقوم في المنتحر بصورة موضوعية حاليا بعض الابحاث العصبية البيولوجية تقيم فرضية على أن هناك ارتباط بين امكانية الانتقال الى الفعل من اي نوع كان والخلل في إفرازات هرمون السير وتونين .أذ نجد العلاقات بين الانتحار والاضطرابات النفسية موضع مناقشات جادة ,
تعد ظاهرة الانتحار من الظواهر الاجتماعية التي رافقت كل المجتمعات ومنها المجتمع العراقي, وقد اثرت تلك الظاهرة على المجتمع بشكل عام نظراً لما يتصف به من عادات وتقاليد تمنع حدوث هذه الافعال, حيث يوصم اجتماعياً من يرتكب مثل هذا العمل, ولكونها ظاهرة خطيرة تهدد الكيان الاجتماعي فقد دعا الكثير من العلماء الاجتماعيين والنفسيين الى دراستها والوقوف على اسبابها ومحاولة علاجها والحد منها؛ لذا فقد هدفت دراستنا الحالية الى التعرف على الخصائص الشخصية والاجتماعية والاقتصادية المؤدية للانتحار, كذلك تحديد أهم العوامل المؤثرة في حدوث الانتحار عند كلا الجنسين, فضلاً عن معرفة مدى تأثير التغيرات التي أحدثتها العولمة ودخول وسائل الاتصال والتكنولوجيا والتطورات السريعة التي خيمت على المجتمع العراقي في زيادة حالات الانتحار, ,والوصول الى توصيات ومقترحات تكون بمثابة خطوات اجرائية وقائية للحد من ظاهرة الانتحار والعوامل الدافعة اليه نعيش اليوم تغيرات مفاجئة و سريعة, في شتى ميادين الحياة مما يجعل الفرد عاجزا عن التكيف معها, وبالتالي يكون عرضة, للآفات النفسية و الاجتماعية الخطيرة ومنها” الانتحار”
“. إن الانتحار سلوك ذاتي بتدمير الذات و إزهاق الروح، أحيانا يعود إلى ثقل وقع العوامل الاجتماعية و قسوتها، وأحيانا أخرى يعود إلى هشاشة التكوين النفسي و عجز الذات عن تحمل تلك المتغيرات الخارجية أو التفاعل معها. ونظرا لتعقد الظاهرة و خطورتها، حاول مؤسس علم الاجتماع, صاحب النظرية الاجتماعية الفرنسية- إميل دور كايم – أن يفسر الظاهرة حيث نجح في تحليل المجتمع و عرف كيف يتغلغل في أعماقه و يجول في امتداداته مستشهدا في ذلك بالعوامل الاجتماعية التي يمكن أن تدفع بالفرد إلى إنهاء حياته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. كما حاول من جهته مؤسس مدرسة التحليل النفسي- سيغموند فرويد – أن يفسر السلوك الانتحاري استنادا إلى طيات الحياة النفسية إذ يعتبر الانتحار نتيجة لدوافع داخلية ذاتية فشلت في التعبير عن نفسها فوجهت نحو الذات فدمرتها وقضت عليها ان الوقوف على البواعث الكاملة وراء ظاهرة معينة والتغلغل في حقيقتها، يقودنا إلى تشخيص المعضلة ورفع الستار عن خطورتها، كما تكمن أهمية التفسير من حيث النتيجة، إذ يهدف إلى البحث عن أنجع الاستراتيجيات للتصدي للمشكلة لا سيما وأن الانتحار هو شكل من أشكال الإجرام الذي يزعزع البناء الاجتماعي و يهدد الوجود الإنساني.
لذلك اتجه العقل البشري للبحث فيما وراء ظاهرة الانتحار، إلا أن جل التفسيرات في البداية كانت خرافية، بعيدة كل البعد عن النظريات العلمية، بل كانت تفاسير خيالية يعتريها الغموض والسطحية مصحوبة بقصص الجن والعفاريت مدعمة بدلائل مشبعة بقوة الشعائر والطقوس الدينية وظلت هذه النزعة الدينية والخرافية التي تنص على أن السلوك الانتحاري هو سلوك منحرف وشاذ، يتنافى مع الشعائر والطقوس الدينية – سائدة إلى أن حلت مجموعة من النظريات العلمية وكان من الطبيعي أن تجد العديد من المداخل النظرية التي اهتمت بتفسير ظاهرة الانتحار وكل مدخل حاول أن يفسر جزئيا السلوك الانتحاري، وأغلبها ركز على جانب واحد أو عامل واحد فقط ونحن ندرك جليا أن السلوك الانتحاري جزء من السلوك الإنساني المعقد وبالتالي فإن التوصل إلى صياغة نظرية عامة وشاملة لتفسير الانتحار كسلوك إنساني ومشكلة خطيرة مازال بعيدا لم يحققه بعد الباحثون المختصون نظرا لتعقد النفس البشرية من ناحية وتعدد المتغيرات من ناحية اخرى(2)
مشكلة الدراسة:
نعيش اليوم تغيرات سريعة ومفاجئة في مختلف ميادين الحياة وهذا جعل الفرد عاجزا عن التكيف معها, وبالتالي يكون عرضة لآفات النفسية والاجتماعية الخطيرة منها الانتحار(4) والانتحار مشكلة ذات ابعاد خطيرة تهدد المجتمع الإنساني بأهم مقوماته والمتمثلة بطاقته البشرية وعليه فان انتشار هذه الظاهرة فيه ينعكس على مفاصل الحياة المختلفة(5) ويحدث الانتحار نتيجة لما تعانيه المجتمعات القديمة والحديثة من مشكلات اجتماعية معقدة ومتداخلة مع عوامل اقتصادية وسلوكية, وبتفاعل هذه العوامل مع بعضها البعض أدت في بعض الاحيان الى اقدام ابنائها على الانتحار, ووضع حد لحياتهم وللمعاناة التي عاشوا معها, وتدفعهم الى اتخاذ قرار الانتحار بشتى الوسائل والطرق(6) ومعظم الذين يقدمون على ً الانتحار هم ممن يكونوا في اوج سن الانتاج إذ تتراوح اعمارهم ما بين 20-40سنه مما يترتب عليه خسارة روح
عاملة, وتصدع في الدائرة الاجتماعية التي تحيط بالمنتحر بصو رة خاصة وكفاءة المجتمع الاقتصادية, والنفسية, والاجتماعية بصورة عامة(5) وهذا ما نجده بالمجتمع العراقي من إن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حدثت في المجتمع ، وتعرض العراقيين عامة والشباب خاصة لعدد من العوامل التي تدفع للكآبة والأمراض النفسية، فإن الاشخاص هؤلاء يقومون بهذا الفعل نظرا لرؤيتهم لوضعهم الاجتماعي، باعتبارهم أفرادا لا حول لهم ولا قوة، وهذا قد يؤدي إلى حالة من اليأس والقنوط مما قد يؤدي إلى ظهور ظاهرة الانتحار وزيادة عددها وتتمثل مشكلة الدراسة الحالية بدراسة مستوى مؤشرات الانتحار بين الشباب(الباحث)
اهمية دراسة :
ان الانتحار ظاهرة انسانية عامة، صاحبت المجتمعات البشرية منذ البدايات الأولى الى يومنا هذا على الرغم من تغاير حضاراتها, وترتيبها الزمني, وموقعها الجغرافي آلا ان احصائيات معظم دول العالم تشير الى الاقبال على الانتحار يكثر, وترتفع نسبته مع تقدم الزمن, وتطور الحياة وتعقدها, وما يعقب ذلك من تفكك في كثير من المجتمعات (5)والانتحار ظاهرة اجتماعية وشخصية في آن واحد، اجتماعية من حيث كثرة اقبال الشباب على الانتحار, وارتفاع نسبة الافراد الممتازين من المنتحرين مما يحرم المجتمع من بعض افرادها في اوج قدراتهم على العمل والانتاج, ويمثل دلاله اختلال طارئ عنيف في العلاقات الاجتماعية, والجوانب الثقافية من شدة وطأة التغير الحاد الذي يتعرض له المجتمع بوجه خاص، وظاهرة شخصية بكونها دالة تكامل شخصية الانتحار وقد ازدادت هذه الظاهرة في المجتمع العراقي بشكل ملحوظ(الباحث).
هدف البحث:
يستهدف البحث الحالي التعرف على اسباب الانتحار من وجه نظر المهتمين من كافة اطياف المجتمع والمتخصصين بعلم الاجتماع والجهات ذات العلاقة والمؤسسة المجتمعية كاملة
منهج البحث:
سوف نعتمد المنهج الوصفي التحليلي، والرصد، والدراسات السابقة التي بحثت في موضوع الانتحار من اجل التعرف على مفهوم الانتحار وماهيته وتحديد اسبابه وتوضيح دور الاسرة، والمجتمع العراقي في مواجهته.
حدود البحث
حالات الانتحار في المجتمع العراقي للأعوام من2016 لغاية 2021 حسب المصادر المحلية والدولية.
مصطلحات البحث
- الانتحار
- الانا والانا الأعلى
- اغتيال الذات
- عقدة اوديب
تساؤلات البحث
- – ماهي أسباب الانتحار
- – من هم المعرضون للانتحار
- – طرق الانتحار
- – الوقاية من الانتحار ومكافحته
مجتمع الدراسة وعينة البحث
احصائيات ظاهرة الانتحار وفق مصادر الامم المتحدة في العالم وتحديدا فئة الشباب بين الاعمار (15-34) سنه كعينة للدراسة والتحليل.
الجانب النظري
هنالك اعتبارات عدة يجب الإشارة إليها والتنبه لها عند محاولة تفسير الانتحار ومنها:
- ان وجود علاقة بين بعض العوامل لا يعني بالضرورة أن تكون هذه العلاقة سببية أي علاقة علة بمعلول.
- لا توجد في وقتنا الراهن نظرية عامة، شاملة وكافية لتفسير ظاهرة الانتحار والإلمام بكل العوامل المرتبطة بها.
- من الضروري التمييز بين الأسباب الأولية والأسباب الثانوية ولا يجب الخلط بينها
إن قضية السببية في الجريمة بوجه عام والانتحار بوجه خاص قضية معقدة وليست بسيطة. وهناك عبر التاريخ تفسيرات مختلفة للانتحار فيها التأويلات الفلسفية، السيكولوجية، الاجتماعية.
العضوية وغير ذلك (2)
وفيما يلي نعرض بعض الاتجاهات العلمية والتفاسير النظرية التي حاولت تفسير ظاهرة الانتحار:
- التفسير الاجتماعي:
أن الانتحار جريمة، والجريمة هي شكل من أشكال الخروج عن قواعد السلوك التي يضعها المجتمع لتنظيم حياة أفراده، فالمجتمع الذي هو يحدد ماهية السلوك العادي والسلوك المتحرف أو الإجرامي، وفقا تقيمه ومعاييره التي ارتضاها لضبط سلوك أفراده وحمايتها (7) أن من الحقائق الاجتماعية أن لكل مجتمع أنظمته الاجتماعية وأعرافه وأدابه السلوكية وطرقه الشعبية التي تضبط سلوك أفراده (8)،
ومن هذا المنطلق انطلق مؤسس علم الاجتماع وواضع أصوله العلمية صاحب المدرسة الاجتماعية الفرنسية أميل دور كايم (1858-1917) في تفسير ظاهرة الانتحار.
حيث بين في كتابه “الانتحار” وكان أول من تعرض لتحديد مفهوم الانتحار وأعراض السلوك الانتحاري واعتبر الانتحار ظاهرة اجتماعية بل دلالة عن طبيعة الأخلاق السائدة في مجتمع معين(9)، وبذلك عارض ورفض بشدة التغيرات السائدة في القرن التاسع عشر والمتمثلة في دور الوراثة والجنون وتقليد الآخر في انتحاره، وأكد دور كايم من خلال الإحصاءات عن التبدلات التي تطرأ على نسبة الانتحار في الزمان والمكان محاولا كشف العوامل المفسرة لتلك الظاهرة من المنظور الاجتماعي إذ توصل إلى أن الانتحار يشير إلى سلطة المجتمع على الفرد فالانتحار يتغير ويتأثر بطريقة معاكسة لتكامل المجموعات الاجتماعية في ما بينها بناءا على أن الفرد جزء لا يتجزأ من تكوين هذه المجموعات الاجتماعية، فعندما تكون الجماعة متماسكة يتماسك فيها الأفراد وتتبلور قيم وقواعد السلوك لتنظيم العلاقات بين الأفراد، بمعنى آخر فالجماعة تعمل على مساعدة الأفراد في إيجاد السبل الناجعة لتحقيق ما يصبون إليه وبالتالي تقل نسب الانتحار في مثل هذه المجتمعات (10) وقد اعتبر دور كايم أن معدل حوادث الانتحار يعكس سيطرة المجتمع على الفرد، ولهذه السيطرة وظيفة معقدة يدعوها بوظيفة الاندماج الاجتماعي (محمد عاطف غيث,1989)، كما يقر دوركايم أن الانتحار ظاهرة اجتماعية تتباين تبعا لمجموعة من المتغيرات وهي:
- طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه (البعد المكاني).
- طبيعة المنطقة التي يحدث فيها (عمق المجتمع).
- مراحل المجتمع الواحد (البعد الزماني).
- الجماعات المختلفة (متزوج أعزب.. الخ).
- وفق الاطار الديني ( 8)
الإيثاري) الاناني، الفوضوي، (وقد قدم دور كايم وصفآ دقيقآ لثلاثة اشكال لظاهرة الانتحار وهي:
1.الانتحار الاناني:
ينطوي هذا النوع من الانتحار عن مبالغة الفرد لنفسه فتغيب لديه صورة الآخر (المجتمع) (8)، مما يؤدي إلى انعزال الفرد عن مجتمعه وتمركزه حول نفسه، مع غياب القدرة على إيجاد مبررات مقنعة وأسباب قوية لوجوده واستمراره في الوجود (10) ان انتشار ظاهرة الانتحار في المجتمعات الصناعية يعكس هشاشة النسيج الاجتماعي وضعف علاقات الأفراد بعضهم البعض وغياب الشعور بالانتماء إلى المجتمع (2)
فيعيش معزولا عن الإطار الاجتماعي للمجتمع، إذ يفعل ما يشاء ويسعى فقط لتلبية وإشباع حاجياته الخاصة وتحقيق مصالحه الذاتية، وفي ظل هذه الوضعية، فعندما يصاب الفرد بصدمة عاطفية مالية أو اجتماعية فإنه مباشرة يفكر في الانسحاب من الوجود لأنه لا يشعر بالارتباط الية بما أن علاقته بالمجتمع كانت مبنية على المصلحة الخاصة والنزعة الفردية والأنانية المطلقة (11).
إن التأكيد المتزايد على عامل الفردية هو من سمات التطور الاجتماعي وازدهار الحضارة يجعل الفرد يميل إلى أن يصير في مكانة مرموقة وعالية، وعندما تحتد الفردية عند الفرد ويحس أنه في عزلة عن الكيان الاجتماعي، فإنه يعجز حينئذ أن يدرك أو يحس بقوة أية سلطة أخرى خارج نطاقه الفردي، فيصير فريسة لعزلة حتمية تؤثر في حياته وتطبعها، مما يجعلها غير محتملة، فتكون حياته متوترة كما يشعر بالقلق والخوف من المستقبل ولا يجد أمامه الدعم الاجتماعي ومن ثم تكون النهاية حتما ستكون التفكير في وضع حد لأيامه (12).
ويدعم دور كايم هذا التحليل بإحصاءات مبنية على البعد السياسي، الديني والأسري، إذ يؤكد أن محل الانتحار له علاقة ذات دلالة قوية بمكانة الأسرة، فالأشخاص المتزوجين تقل لديهم ظاهرة الانتحار مقارنة بالأشخاص العزاب، كما أن الإباء والأمهات أقل ميلا إلى الانتحار مقارنة بأولئك الذين لا أولاد لهم من المتزوجين ومن جهة أخرى قد ذهب دور كايم إلى التأكيد على أن الأباء والأمهات الذين لديهم أسر كثيرة تقل لديهم نسبة الانتحار بشدة، وقد فسر تلك الإحصائيات في ضوء فاعلية القوة الحافظة للارتباطات الجمعية القوية.
أما في المجال الديني فقد أكد دوركايم على أن المفكرين غير الملتزمين تشيع لديهم أعلى نسبة للانتحار، إذ أن معدل الانتحار يقل عند المجتمعات الدينية التي تشتد فيها السلطة الدينية على أتباعها ، أو بتخفيف الإتباع من الخضوع للسلطة الدينية، وفي هذه النقطة يلجأ دور كايم إلى تناول ما يسمى بضغط الحرية فيقول أن البروتسنتي الذي يعتقد أنه أكثر حرية من الكاثوليكي إنما يقع تحت ضغط الحرية، فهو عاجز عن الاختيار من أن يكون متحررا أو العكس (غير متحرر)، بل يجب عليه أن يمارس حريته، فالفردية إذن من منظور دور كايم هي إنتاج الشعور الجمعي وليست نتاجا لضعف النزعة الجمعية كما سبق وأشار إلى ذلك في كتابه “تقسيم العمل” ويعقد بارسونز أن (اتجاه دور كايم نحو فكرة ضغط الحرية تقدما على نفسه، فيما يذهب إليه في كتاب “توزيع العمل” وبعد نشر كتاب الانتحار” فإنه أهمل فكرة ضغط الحرية التي كانت المفهوم المحوري الجميع أبحاثه )(2)
2.الانتحار الإيثاري:
ويعرف أيضا بالانتحار الغيري هذا النوع من الانتحار الذي يتنافى ويتناقض تماما مع النوع
الأول “الانتحار الأناني” من حيث الأسباب والطبيعة، حيث ينبثق من تكامل اجتماعي قوي
وروابط اجتماعية صلبة صلابة الاسمنت إلى درجة ذوبان النزعة الفردية في التكامل والتضامن الاجتماعي (13)
إن فكرة الغيرية يعكس بشدة عامل التكامل الآلي الشديد أين تكون الارتباطات الجمعية
والضغوط الاجتماعية قوية جدا، فنظرا للقيمة القليلة التي بها الفرد في مثل هذه المجتمعات اتجاه نفسه واتجاه الآخرين، فإنه لا يعد مقاومة من جانبه تحول بينه ومن فكر الانتحار (12)
ومن هذا فإن الانتحار الإيثاري هو شكل من أشكال التكامل الاجتماعي القوي الذي يمتص النزعة الفردية، يدعو إليه الفكر الاجتماعي وتشجعه الجماعة حيث يرى الفرد أن بقاء الجماعة أولى من
بقائه وحتى وجوده. وينتشر هذا النوع من الانتحار في المجتمعات لا تعترف بوجود الفرد ومكانته، وتراجع القيم والمعايير الفردية، وبالتالي يكون الانتحار نتيجة أسباب خاصة بالمعطيات الثقافية والاجتماعية.
3.الانتحار الفوضوي:
أيضا هذا النوع من الانتحار هو الانتحار اللاقياسي أو اللامعياري الذي ينتج من الخلل الذي يعم النظم الاجتماعية السائدة نتيجة التغيرات الاجتماعية المفاجئة والسريعة التي تهتز لها الأعراف والقيم والمعايير الاجتماعية السائدة (2) وهو يعكس التفكك على مستوى الروابط الاجتماعية، إذ يفكر الفرد في الانتحار عندما تتزعزع أو تتحطم علاقاته بالمجتمع كفقدان حبيب او زوج أو وظيفة…الخ. فعندما يضعف تأثير القيم والمعايير والنظم الاجتماعية على الفرد، فلا يدرك الخطأ من الصواب، ولا الخير من الشر ولا الممنوع من المسموح يصبح الفرد تحت هيمنة وسيطرة قوة الجماعة، ويفقد الضوابط والتحكم في سلوكه، مما يجعله لا يشعر بالأمان والاطمئنان والاستقرار. إن هذا النوع من الانتحار ينتشر في المجتمعات التي يحدث فيها التقلب السريع والمفاجئ فعندما يسود الرخاء أو الفقر المدقع مثلآ فإن معدل الانتحار يرتفع وفي كلتا الحالتين فإن العلاقة بين الوسائل والغايات تضطرب، ففي حالة الفقر المفاجئ فإن الوسائل التي يتذرع بها الناس لبلوغ الغايات قد ألفوها تصير بدون مفعول، أما في حالة الرخاء المفاجئ فإن الأهداف تتحقق دون أن يلجأ الناس إلى الوسائل المألوفة، ففي الحالة الأولى (أي الفقر الشديد) يحدث هناك إحباطا شديدا ، بينما في الحالة الثانية( الرخاء الشديد)، فقد يكون هناك رغبة جامحة تنتهي بالضرورة إلى الإحساس بالإحباط واللاقياسية في نظر دور كايم هي تحطيم “الشعور الجمعي” بمعنى ذلك النظام المتعلق بالمعايير والقواعد الاجتماعية التي تعكس مجموعة من المعتقدات والقيم أنها حرية من الضوابط والقيود الاجتماعية ومن أجل التصدي لما سماه دوركايم واللاقياسية، فإنه يقترح ضرورة وجود سلطة أخلاقية جديدة تساير التغيرات المختلفة التي تحدث في المجتمع ولكنه (دوركايم) يعترف أن ذلك ليس بالأمر الهين، بل هو غاية صعبة إن لم نقل مستحيلة المنال (12)
يرى دوركايم أن التيار الغيري في الانتحار لم يتزايد، بل أنه في الواقع قد ضعف وتراجع، أما التياران الآخران وهما الأناني والفوضوي فإنهما قد حظيا بزيادة وانتشار كبيرين، وقد اشتد خطرها أكثر. وفي كلتا الحالتين فإن السبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف التكافل الاجتماعي الذي يعزى إلى الانتشار السريع لنظام اقتصادي ثوري ومتنوع، ويرى دوركايم أن المؤسسات القديمة التي كانت تضمن التكافل الاجتماعي لم تعد كافية لمواجهة حاجات الأفراد. تلك المؤسسات المتمثلة في الأسرة ، المدرسة والدولة، وحسب دوركايم فإن الدولة الحديثة قد بعدت إلى حد كبير عن أفاق الفرد وطموحاته التي صارت معقدة كثيرا بحيث عجزت عن الاستجابة للمطالب الفردية اليومية واستيعاب أمال ورغبات الأفراد كما أن الأسرة الحديثة أيضا قد فقدت سيطرتها على أبنائها بمقتضى طبيعة الحياة السائدة فطفل اليوم لم يعد يدور فقط في فلك أسرته، بل أصبح معرضا لأنواع متباينة من التأثير وهي غالبا انواع متعارضة(2)
اعتبر دوركايم أن الانتحار ظاهرة اجتماعية محضة يشير إلى طبيعة الأخلاق السائدة التي ينفرد بها كل مجتمع عن الآخر، إن قدس دوركايم مكانة المجتمع وأهمل دور الفرد ووزنه في استمرارية المجتمع (14) لدرجة أنه قال: “أن الفرد يعيش في المجتمع وبالمجتمع ومن أجل المجتمع” كما أشار أيضا إلى أن الانتحار يفضح سلطة المجتمع على الفرد ، يتأثر ويتغير بطريقة معاكسة لتكامل المجموعات الاجتماعية فيما بينها، بحيث يعتبر الفرد جزءا هاما منها (10)
إن الحل الوحيد للتصدي لظاهرة الانتحار كما يرى دوركايم يكمن في الارتباط والتضامن الاجتماعي بين الأفراد والجماعات، إذ كلما اشتد ارتباط الفرد بمجتمعه، وتلاحم معه قل احتمال انتحاره (8) إذ أشار إلى مفهوم التكامل الاجتماعي من منظور. Henry et Short ولقد شاطره الرأي هنري وشورت دوركايم الذي يعنى قوة نظام العلاقات الاجتماعية وصلابتها بين الأفراد وشدة عوامل الضبط والكفاءة الخارجية (15) ونظرا لنجاح نظرية دوركايم في تفسير ظاهرة الانتحار إلى حد كبير فقد قام جيمس مارتن بتطوير النظرية الاجتماعية حيث يشير إلى وجود علاقة عكسية بين التضامن الاجتماعي والانتحار(16) ويمكن تلخيص هذه النظرية في النقاط التالية:
- ان معدلات الانتحار في مجتمع ما تتباين عكسيا مع استقرار العلاقات وقوتها داخل المجتمع.
- أن استقرار وقوة العلاقات الاجتماعية تتباين مع مقدار امتثال أفراد المجتمع لأنماط العقوبات الاجتماعية ومتطلباتها والتوقعات التي يضعها الآخرون عليهم.
- إن درجة امتلاك الأفراد إمكانات غير متوافقة مع المجتمع متباينة عكسيا مع درجة تكامل الإمكانات في ذلك المجتمع (8)
يعود إذن “الانتحار إلى هشاشة العلاقات الاجتماعية” او اختفاءها مما يدفع بالفرد إلى الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية الذي يكون دافعا قويا إلى نمو الميول الانتحارية كما يشير (دوربات )Dorpat وربلاي(1960Replay
ان الانتحار غالبا ما يتم تنفيذه في كيان منعزل كما وجدا في دراساتهما أن من بين المنتحرين نسبة كبيرة من الذين فقدوا علاقات شخصية هامة مع آخرين فضلاً من ظهور استجابات حزن وحداد شديدين لمدة طويلة.
( 17 ( 2. التفسير النفسي: يعود الانتحار حسب النظرية النفسية إلى طيات التكوين النفسي
ومن رواد هذه المقاربة صاحب مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد، حيث شرح النفس وكذا العوام والدوافع المسيرة لها وعرف كيف يسبر أغوارها ويغوص في أعماقها ويدقق في تحليلها (10) ويشير فرويد إلى أن الانتحار هو نتيجة إخفاق دوافع الفرد العدائية نحو التعبير عن نفسها فوجهت، نحو الفرد نفسه (أي اتجاه الذات) فدمرتها (القتل)( فرويد,1923)، أما محرك او وقود تلك الدوافع العدائية فيتمثل :Storrستور في حالات نفسية كثيرة كالاكتتاب، حيث عرفه أنه مفهوم حالة انفعالية يعاني منها الفرد من الحزن وتأخر الاستجابة والميول إلى التشاؤمية وأحيانا يصل إلى درجة الميل إلى الانتحار، وكذلك قد تعلو درجة الشعور بالذنب عند الفرد إلى حد أنه لا يتذكر إلا أخطاءه وذنوبه، وقد يصل إلى البكاء الحاد (18)
وأوضحت الأبحاث والدراسات حول الاكتئاب خلال السنوات الماضية، أن هناك اهتماما كبيرا بكل من أسبابه ومدى انتشاره، ففي نشرة إحصائية صادرة عن المعهد القومي الأمريكي للصحة النفسية عام1981 تبين منها أن الاكتئاب بأنواعه يعتبر في مقدمة كافة الاضطرابات النفسية من حيث الانتشار (19)
ويعتبر الاكتئاب من أهم العوامل المرتبطة بالانتحار، حيث يعد من أكثر التشخيصات النفسية التي لها علاقة قوية بالانتحار، لأن الفرد المكتئب شخص يهجر الحياة ويرفضها ولا يجد أية لذة بها وبالتالي يرفض وجوده وينبذه مما يدفع به إلى الانتحار، وقد ينتحر 15% ممن يعانون من الاكتتاب الشديد (محمد حمودة ,1990)
أن محاولة الانتحار مرتبطة إلى حد بعيد بمتغيرات سلوكية ونفسية معينة، أهمها الاكتتاب الشعور بالوحدة النفسية وضغوط الحياة الشديدة والألم أو فقدان شيء أو شخص عزيز وإن كان الاكتتاب يعتبر أكبر منبه ودافع لتصور الانتحار إلا أن هذه العلاقة بين الكتاب والانتحار قد أثارت جدلا عميقآ ونقاشا كبيرا بين الباحثين، إذ الح بعضهم على ضرورة اقتران الاكتئاب باليأس حتى تزداد احتمالية وقوع الانتحار(ويرزبيكي,1998)، وهذا ما سيوضحه الشكل التالي:
الشكل رقم 1 يبين أثر التفاعل بين الاكتئاب والياس في ازدياد درجة تصور الانتحار
[for full version refer to PDF version]
يوضح الشكل أعلاه العلاقة التفاعلية بين الاكتئاب والياس، وتأثير ذلك على تقوية وشدة درجة تصور الانتحار، إذ أنه كلما اقترن الاكتئاب باليأس، فإن ذلك يزيد من درجة الانتحار ويجعله أكثر احتمالا وهذا معناه أن الشعور بالاكتئاب قد لا يمكن أن يدفع بالفرد إلى الانتحار، ما لم يلازمه الشعور باليأس (20) ويشير التراث النفسي في موضوع الانتحار أن الياس له تأثير بالنسبة للعلاقة بين الاكتتاب ونية الانتحار وأن الياس أقوى تأثيرا في نية الانتحار اذا ما قورن بالاكتئاب (21)
فاليأس الذي يتعرض له الفرد المكتئب يشير إلى خلل في جهازه النفسي بل يعكس حالة الانفصال بين كيانه الداخلي وعالمه الخارجي، ويمكن تقسيم أسباب اليأس إلى صنفين هما:
- صنف يتعلق بالفرد في حد ذاته (أي أسباب نفسية عقلية.. الخ).
- صنف يتعلق بالأمور الموضوعية التي تهمه (أسباب اجتماعية، أخلاقية، دينية …الخ)) 20)
وإلى جانب القوى العدائية التي تحرك سلوك الفرد وتدفعه إلى الانتحار، فإن فرويد يفسر تلك أيضآ بغرائز الحياة والموت، فالأولى تتغذى الطاقة الشهوية، التي تشكل الدعائم الإيجابية التي تساعد الإنسان بالتثبت وحب الحياة وطبيعي أن يتآزر سلاح دفاعي ضد أشكال الأخطار التي تهدد تلك الطاقة الإيجابية، يتمثل في الطاقة العدوانية أو الدفاعية التي يستعين بها المرء بالاستحواذ على الموضوعات الأكثر إشباعا وأيضا للحفاظ على ما في جعبته من موضوعات يتعلق بها، وفي ضوء تلك الطاقة الدفاعية الهجومية، يمكن تفسير السادية التي يعني بها “فرويد” ايقاع الأذى على الآخرين سواء لأهداف جنسية آم لأهداف أخرى كالأهداف الاقتصادية أو الاجتماعية،
ورغم أن فرويد لم يحلل كثيرا غرائز الموت ولم يدقق في تحديد الطاقة اللازمة لها، ولكن الكون بأسره يسير وفق مبدأ الثنائية: الوجود/ العدم، الحب /الكراهية، وفي فلك هذه الثنائيات تدور ثنائية الموت والحياة، ويرى فرويد أن غزائر الموت تنشط في إطار نفسي حيث يوجه المنتحر إرادته الكاملة في القضاء على نفسه بمعنى أن الأنا يكون مكتمل الوجود في عملية الانتحار الذي يكون بمثابة تأكيد لوجود الذات التي تصدر الحكم على الذات المحكوم ضدها، وهذا التصور”الفيرودي” في حد ذاته يحتمل ثنائية أيضا تتمثل في الأنا وألانا الأعلى هذا الأخير الذي يعتبر كالقاضي الذي يحكم على المتهم وهو الأنا، فالملمح الأول في غرائز الموت هو ملمح الإيجابية الذاتية حيث يحكم القاضي النفسي أو الأنا الأعلى بالموت على الشخص نفسه، ويقوم في ذات الوقت بتنفيذ الحكم عليه، بينما نجد أن الذات أو الأنا في السيطرة على غرائز الحياة،
فمن جهة أخرى نجد أن الأنا الأعلى في السيطرة على غرائز الموت أما الملمح الثاني في غرائز الموت فهو ملمح الموضوعية، أينما يتأثر المنتحر بحادث خارجي عجز عن مواجهته. بينما الملمح الثالث من غرائز الموت هو أنها غرائز عرضيه، فهي ترمي إلى تحقيق أهداف معينة سواء كانت أهدافا نفسية لدى الفرد في حد ذاته أم لدى الآخرين أم تستهدف أهدافا اقتصادية أم اجتماعية.. الخ،
فقد يعتقد الفرد أن سلوكه الانتحاري هو عقاب له أو لمن يحيطون به. إن الصراع الدائم بين الأنا وألانا الأعلى في نظر فرويد بترجمة بمعركة قوية بين غرائز الموت وغرائز الحياة، حيث تستعين غرائز الحياة بالانا وتستعين غرائز الموت بالأنا الأعلى، وهذا ينشأ الصراع الذي قد ينتهي بحكم يصدر من الأنا الأعلى بالانتحار، وبالتالي يؤمر الفرد إلى تجسيد رغبة الأنا الأعلى فيحاول قتل نفسه (12)
إضافة إلى أن فرويد صنف دوافع الانتحار إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي:
- دوافع ناتجة من تراكم مجموعة من الرغبات مثل الرغبة في القتل.
- دوافع ناتجة من مجموعة من العدوانيات القديمة لدى الفرد، مثل الرغبة في أن يقتل.
- دوافع صادرة عن نزعة عدوانية مقترنة مع حوافر مثيرة ومثبتة، بسبب قدمها مثل التمني أو الرغبة في الموت ( 11).
وقد ذهب في نفس الاتجاه كارل منجر وهو من أتباع الاتجاه الفرويدي) الذي يرجع السلوك الانتحاري إلى مجموعة من الرغبات هي:
- الرغبة في القتل
- رغبة الفرد في أن يقتل
- الرغبة في أن ينقد (17)
وبناءا على ما سبق فإن نظرية التحليل النفسي للانتحار تقر أن الفرد لم تتبلور عنده مشاعر ومحاولة الانتحار مرة واحدة، بل بدأت بالحب والكره معا مشبعة بدوافع عدوانية تبحث عن القتل أو الموت معبرة عن الاضطراب المزاجي الذي يعكس سوء توافق الفرد مع النشاط الجنسي الذي يتحول إلى عقدة أوديب وبصيغة أخرى فإن شخصية المنتحر تعبر عن تناقض صارخ وشديد يتراوح بين مشاعر الحب والكراهية مما يولد نزعة عدائية تراكمية تنتهي برغبة ملحة وجامحة بالقتل والموت.
ويمكن إيجاز ذلك في الشكل التالي:
الشكل رقم 2 طبيعة غريزتي الموت والحياة من وجهة نظر التيار التحليلي
[for full version refer to PDF version]
يشير الشكل أعلاه إلى طبيعة الصراع القائم بين غريزتي الموت والحياة حسب النظرية التحليلية حيث ترتكز نظرية سيغموند فرويد على اعتقاده بوجود دافعين في حالة صراع دائم فالدافع الأول يشير إلى الحياة الذي يتجلى في الحب والجنس “حيث يوجهها الفرد خلال السنوات الأولى من حياته نحو الذات (الحالة النرجسية) ويمكن أن يستمر الوضع في الحالات المرضية أما في المرحلة الأوديبية فقد يوجهها الفرد نحو موضوعات خارجية، بينما الدافع الثاني فيتجلى في الموت أو العدوان التي تتجلى في القتل والانتحار أي تكون موجهة نحو الذات أو الأخرين وكلا من غريزتي الموت والحياة ذو منشأ بيولوجي.
يعتبر دور کایم وسيغموند فرويد من أكبر المهتمين بظاهرة الانتحار و رغم قدم النظريتين إلا أنها مازالت تشكل الإطار النظري العام للكثير من الدراسات المعاصرة بل تجد في نظرياتهما تفسيرات كثيرة لحالات انتحارية عديدة حيث حاولا الوقوف على أسبابها من أجل فهم الظاهرة وايجاد استراتيجيات الوقاية منها لاسيما وأنها تهدد الوجود الإنساني وتفترس كل المجتمعات وجميع الشرائح العمرية.
الانتحار قرار ذاتي لمغادرة الوجود وهو عنف موجه نحو الذات، أحيانا يكون رسالة إنذار نحو من يحيطون بالشخص المنتحر أو من حاول الانتحار وأحيانا أخرى هروبا من وضعية معينة، عجز الفرد من مواجهتها أو التكيف معها لكن بين هذا وذاك فالنتيجة واحدة وهي الموت فهو سلوك معقد قد تكون من وراءه عوامل عديدة إما بيولوجية اجتماعية أو نفسية أو مجموع تلك العوامل كلها لان التوجه الحديث في تفسير وتحليل ظاهرة الانتحار يهتم بدراسة العوامل لا الأسباب.
انموذجآ ظاهرة الانتحار للشباب العراقي
الانتحار هو السبب الرئيسي الرابع للوفاة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15و29 عاماً من حالات الانتحار في العالم تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل 77% يعتبر ابتلاع المبيدات، والشنق والأسلحة النارية من بين الأساليب الأكثر شيوعا للانتحار على مستوى العالم (22) لازالت وسائل الاعلام العراقية تختلف في أطلاق كلمة حالة وظاهرة ومشكلة على الانتحار في العراق(الباحث)
فيما بين تقرير منظمة الصحة العالمية الذي تنشره بمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار أذ توجد هنالك 800 الف حالة انتحار كل عام اي حالة واحدة كل (40ثانية ) والشباب بين الاعمار (15-34)سنة هم أكثر فئة اقدمت على فكرة الانتحار في العالم كان نصيب العراق من حالات الانتحار للأعوام من2016 لغاية 2021 هو 3432حالة انتحار وهو رقم رهيب يستدعي التشخيص والدراسة ووضع الامور بنصابها الصحيح وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية إنه “نتيجة لزيادة نسب حالات الانتحار في عموم البلاد اتخذت وزارة الداخلية جملة من التدابير منها تشكيل لجان متخصصة لدراسة هذه الظاهرة والخروج بمعطيات تبين أسبابها ونسبتها مقارنة بدول الجوار
وأوضح أن “حالات الانتحار المسجلة في عام 2021 بلغ 772 حالة وهي أكثر بنحو 100 حالة عن العام الماضي التي بلغت فيه نسبة الانتحار 663 حالة”، مشيرا الى أن “حالات الانتحار بدأت منذ العام 2016 تتجه نحو الازدياد، ففي العام 2016 بلغت حالات الانتحار 393 حالة، وفي العام 2017 بلغت 462 حالة وفي العام 2018 بلغت حالات الانتحار 530 حالة، أما في العام 2019 فقد بلغت 605 حالات وبالنسبة للمسجل من الفئات العمرية أقل من 20 سنة كانت نسبتهم 36.6 في المئة، ومن سن الـ 20 عاما الى 30 عاما كانت نسبتهم 32.2 في المئة، أما نسبة الذكور فتشكل 55.9 في المئة، في حين بلغت نسبة الإناث 44.8 في المئة”، مبينا أن “حالات الانتحار بين المتزوجين تشكل 40 في المئة وبين العزاب 55 في المئة. ونسبة المنتحرين من الذين تحصيلهم الدراسي ما تحت الابتدائية بلغت 62.2 في المئة ودون المتوسطة 16.9 في المئة والعاطلين عن العمل 35 في المئة، وربات البيوت 29.9 في المئة.
وفيما يتعلق بأسباب الانتحار هناك أسباب عديدة منها نفسية تتعلق بالضغط النفسي وشكل عدد المنتحرين فيها نسبة 36.22 في المئة، أما الاضطرابات النفسية فبلغت 34.64 في المئة وهناك أيضا أسباب تتعلق بالتفكك الأسري والعنف الأسري والوضع الاقتصادي إذ يشكل الفقر من حالات الانتحار 13 في المئة، والبطالة 9.5 في المئة، والأسباب الدراسية وعدم تحقيق الطموح الذي أخذ نسبة 13.38 في المئة، والفشل الدراسي نسبته 5.5 في المئة. وتابع بقولة ان محاولة الانتحار غالباً لدى المراهقين بينما حالات الانتحار الناجحة هي أكبر عند المسنين وهناك فرق بين محاولة الانتحار، والممارسة الفعلية للانتحار ومحاولات الانتحار عند النساء أكبر مما هي عليه عند” الرجال ” خمس نساء مقابل رجلين ” ولكن بالنسبة تنعكس في الانتحار الحقيقي ( 3)
أن فكر ما يسمى ب(داعش) وتركيزه على إيجاد أطفال وشباب انتحاريين أبان تمدده في المنطقة وبالعراق تحديدآ قد دفع وغرر الكثير من الشباب لفكرة الانتحار للدفاع عن الدين فقد قام باستحداث فصول تعليمية يتلقى الأطفال فيها دروساً حول أنواع الأسلحة، وأصناف الفقه والفكر المتشدد التي يتبناها التنظيم. ويتم تجميعهم ليروا مشاهد قطع رؤوس وإعدامات ينفذها جلادون لا تزيد أعمارهم على 12 عاماً. في هذه المدارس يُعزل الأطفال عن ذويهم، وتُطلق عليهم كُنى معينة يحملها الكبار عادة على غرار (أبوبكر البغدادي، أبو حمزة المصري، وأبو محمد المقدسي)، ثم يتم توزيعهم على ثلاثة مستويات من التعليم والتدريب: ديني ينصب بالأساس على عملية الطاعة والجهاد، وعملي وهو بدني قاسي، وفيه يتعرفون على أنواع مختلفة من الأسلحة ويتدربون عليها، ثم نفسي، سواء برفقة “المحتسبين” في الأسواق والشوارع والأماكن العامة، أو من يقيمون الحدود في الساحات.
ويترتب على هذا خلق جيل يحمل أفكار الإرهاب وتدابيره وأفكاره الانتحارية، بما يجعله يشكل خطراً محتملاً على مختلف الدول، لاسيما إن عادوا إلى بلدانهم الأصلية، مثلما سبق أن جرى مع “الأفغان العرب” قبل ربع قرن. فوفق تقرير صادر عن مركز مكافحة الإرهاب التابع للجيش الأمريكي في ويست بوينت، في فبراير 2016، فإن 89 صبياً تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاماً لقوا حتفهم في مواقع قتالية لتنظيم “داعش” بين يناير 2015 ويناير 2016. وأكثر من نصف القتلى سقطوا على أرض العراق، ولكن أغلبهم من السوريين، أما الآخرون فمن اليمن وتونس وليبيا، وهناك عدد قليل من بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيجيريا. وبينما تضاعف عدد أطفال “داعش” الذي شاركوا في معارك عام 2015 ثلاث مرات مقارنةً بعددهم عام 2014، فإنه بين يناير 2015 ويناير 2016، لقي39 % منهم حتفهم في تفجيرات انتحارية بسيارات ملغومة، و33% في معارك. وكان 60% منهم تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاماً، بينما 6% تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً. ونحو 18% من الصبية لقوا حتفهم في هجمات كان موتهم فيها محققاً. (23)
ومن خلال استعراض الأدب النظري والدراسات السابقة التي تناولت مستوى مؤشرات الانتحار وعلاقتها ببعض المتغيرات لدى الشباب العراقي. تبين في بعض الدراسات السابقة وجود عوامل نفسية تؤدي إلى الانتحار وخاصة الاكتئاب، كالدراسة مثال على ذلك وأن هذه العوامل تتباين بين الذكور والإناث وأن اليأس عند الإناث يلعب دوراً كبيراً بين الاكتئاب وتصور الانتحار ولم تتناول هذه الدراسات موضوع مستوى مؤشرات الانتحار وعلاقتها ببعض المتغيرات وبينت تشابه عوامل المخاطرة للسلوك الانتحاري بين الذكور والإناث مع أن العلاقة بين الاكتئاب وتصور الانتحار علاقة مباشرة،
وأن هنالك مجموعة من العوامل المرضية التي تؤثر في مستوى الضغوط وانعدام المساندة الاجتماعية(الباحث) ويمكن للمتتبع ان يرى انه لا يكاد يمر يوم في العراق إلا ويتم فيه الإعلان عن تسجيل حالات انتحار لشبان وشابات وبمختلف مناطق البلاد، في مؤشر مقلق للسلطات ويستوجب اهتماما أكبر بالصحة النفسية في البلاد اذ يعاني واحد من كل اربعة عراقيين من هشاشة نفسية وذلك حسب تقارير منظمة الصحة العالمية وتقول الخبيرة في مجال علم النفس، هبة الكروي، إن “مستوى الثقافة النفسية في المجتمع العراقي متدنية جدا، وهناك دائما سخرية من المريض النفسي وحتى الطبيب النفسي”.
وتضيف الكروي لموقع “الحرة” أن “كثيرين في العراق يعتبرون المريض نفسي ‘مجنونا’ أو ‘مختلا عقليا’ وغيرها من الأوصاف التي تجعل منهم يترددون في الحصول على استشارة نفسية.”
وتشير إلى أن “وصمة العار” المرتبطة بالمرض العقلي تترك الكثير من العراقيين بلا حيلة، حيث تعيش أسرهم في حالة من الإنكار وينقلونهم إلى غرف الطوارئ ويعرضونهم على الأطباء العاديين بدلا من الأطباء النفسيين.
وتضيف الكروي أن العراق يعاني من قلة الأطباء النفسيين، لأن الناس تلجأ في كثير من الأحيان لأطباء من اختصاصات أخرى أو للمشعوذين والدجالين، مما يجعل الإقبال على دراسة الطب النفسي ضعيف جدا لقلة مردوده المالي.
تقول منظمة الصحة العالمية إن إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز نسبة اثنين في المئة من ميزانيته للصحة، وذلك رغم حقيقة أنه في مقابل كل دولار أميركي يستثمر في تعزيز علاج الاضطرابات الشائعة مثل الاكتئاب والقلق، يتحقق عائد قدره خمسة دولارات أميركية في مجال تحسين الصحة والإنتاجية. وكذلك تشير المنظمة إلى أن جائحة كوفيد19 أبرزت العديد من القضايا ومن أهمها الصحة النفسية وعلاقتها بالرفاه العام. وتضيف أن القيود المفروضة على الحركة والتجمعات وفقدان الوظائف ووفاة الأقارب والأحباء والانتشار الواسع للإصابات بكوفيد-19 أثرت على الصحة النفسية للناس في كل مكان، وانتشرت تقارير عن زيادة في عنف الأزواج والشركاء، وارتفاع معدلات الانتحار (24)
ويعتبر الشباب من بين المجموعة الديموغرافية الأكثر انتحاراً، حيث يعتبر الانتحار في اليابان الآن هو أكبر قاتل للرجال الذين تراوح أعمارهم بين 20 و44 عاماً وتشير الأدلة إلى أن هؤلاء الشباب يقتلون أنفسهم لأنهم فقدوا الأمل وغير قادرين على طلب المساعدة وبدأت الأرقام في الارتفاع لأول مرة بعد الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998 وارتفعت مرة أخرى بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 وبعد وباء كورونا (25)
كما شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الانتحار بين المراهقين والشباب، إذ يعد الانتحار في التسعينات في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال السبب الثاني الأكثر تواترآ للوفاة بين طلاب الجامعات. وفي ذلك تكشف نتائج بعض الدراسات أن ٢٦% من الطلاب الجامعيين راودتهم أفكار للانتحار في غضون الاثني عشر شهراً الأخيرة، وأن منهم حاولوا الانتحار خلال السنة الاخيرة (26)
ومن الجدير بالذكر الاشارة الى اهم التحديات والعقبات التي من شأنها الوقاية من ظاهرة الانتحار عالميآ:
وصمة العار والمحرمات
إن وصمة العار التي تحيط بالاضطرابات النفسية والانتحار تعني أن كثيرا ممن يفكرون في وضع نهاية لحياتهم أو حاولوا الانتحار لن يسعوا إلى طلب المساعدة، وبالتالي لن يحصلوا على المساعدة التي يحتاجونها. ولم تعالج مسألة الوقاية من الانتحار بشكل كاف بسبب ضعف التوعية بالانتحار بوصفه واحدا من أبرز مشاكل الصحة العامة واعتبار الحديث عنه صراحةً من المحرمات في كثير من المجتمعات. فحتى الآن، لم تقم سوى قلة من البلدان بإدراج الوقاية من الانتحار ضمن أولوياتها الصحية، ولم يذكر سوى 38 بلدا فقط وجود استراتيجية وطنية للوقاية من الانتحار. ومن المهم للبلدان إذكاء الوعي المجتمعي وإخراج موضوع الانتحار من دائرة المحرمات لإحراز التقدم في الوقاية منه.
جودة البيانات
على الصعيد العالمي، هنالك ضعف في البيانات المتاحة عن الانتحار ومحاولات الانتحار وفي نوعية هذه البيانات. فهناك نحو 80 دولة عضوا فقط لديها بيانات جيدة عن تسجيل الأحوال المدنية يمكن استخدامها مباشرة لتقدير معدلات الانتحار. ولا تقتصر مشكلة ضعف البيانات حول الوفيات على الانتحار، ولكن نظرا لحساسية الانتحار – وعدم شرعية السلوك الانتحاري في بعض البلدان – من المرجح أن تكون مشكلة ضعف الإبلاغ وسوء التصنيف مطروحة بحدة أكبر فيما يتعلق بالانتحار مقارنة مع سائر أسباب الوفيات الأخرى. وينبغي الارتقاء بمستوى ترصد ورصد الانتحار ومحاولات الانتحار لوضع استراتيجيات فعالة للوقاية من الانتحار. فالفروق بين البلدان في أنماط الانتحار، والتغيرات في معدلات وخصائص وأساليب الانتحار تبرز حاجة كل بلد إلى تحسين شمولية وجودة وتوقيت البيانات المتعلقة بالانتحار. ويشمل ذلك تسجيل الأحوال المدنية المتعلقة بالانتحار، وسجلات المستشفيات الخاصة بمحاولات الانتحار الدراسات الاستقصائية الوطنية التي تقوم بجمع المعلومات حول محاولات الانتحار المبلغ عنها ذاتيا.
استجابة المنظمة
تصنف منظمة الصحة العالمية الانتحار في عداد أولويات الصحة العامة. ويهدف أول تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية في عام 2014 عن الانتحار بعنوان “الوقاية من الانتحار: ضرورة عالمية” إلى زيادة الوعي بأهمية الانتحار ومحاولات الإقدام عليه من منظور الصحة العامة، وإلى جعل الوقاية من الانتحار أولوية قصوى على جدول أعمال الصحة العامة العالمي. ويهدف التقرير أيضا إلى تشجيع البلدان ومساعدتها على تطوير أو تعزيز استراتيجيات شاملة للوقاية من الانتحار في سياق نهج متعدد القطاعات للصحة العامة. ويعد الانتحار من المشكلات التي تحظى بالأولوية في برنامج عمل المنظمة الخاص بسد الفجوات في مجال الصحة النفسية، الذي تم إطلاقه في عام 2008، والذي يتيح إرشادات تقنية مسندة بالبينات من أجل الارتقاء بمستوى الخدمات والرعاية المقدمة في البلدان فيما يتعلق بالاضطرابات النفسية والعصبية والاضطرابات الناجمة عن تعاطي المخدرات. وقد التزمت الدول الأعضاء في المنظمة بموجب خطة عمل منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية 2013-2030 بالعمل من أجل تحقيق الهدف العالمي المتعلق بخفض معدل الانتحار في البلدان بمقدار الثلث بحلول عام 2030(22)
الاستنتاجات:
- من المؤشرات التحذيرية لحالات انتحار المراهقين:
- الحديث عن الانتحار أو الكتابة عنه، مثل التفوه بعبارات على غرار “سأقتل نفسي” أو “لن أسبب لكم مشكلات بعد اليوم”
- الانسحاب من التواصل الاجتماعي
- التقلبات المزاجية
- زيادة تعاطي الكحوليات أو المخدرات
- الشعور بالحصار النفسي أو فقدان الأمل أو انعدام الحيلة تجاه موقف ما
- تغير الروتين المعتاد، بما في ذلك أنماط الأكل أو النوم
- فعل أشياء خطيرة أو مؤذية للنفس
- التخلص من المتعلقات مع عدم وجود تفسير منطقي آخر يبرر سبب ذلك
حدوث تغيرات في الشخصية أو فرط الإحساس بالقلق أو الهياج عند التعرض لبعض المؤشرات التحذيرية
- عوامل الخطر التي تساهم في السلوك الانتحاري لدى الشباب تعرض الشباب للخطر ما يلي
- التعرض للتنمر
- الضغوط الأكاديمية
- مشاكل العلاقات
- التعرض للاعتداء الجسدي أو العاطفي أو الجنسي (أو تاريخ من أي صدمة)).
- الفجيعة، فقدان أحد الأحباء
- مرض موهن أو مؤلم
- الاضطرابات النفسية، وخاصة اضطرابات المزاج مثل الاكتئاب
- العزلة الاجتماعية، أو عدم وجود علاقات ذات معنى في الحياة
- تعاطي المخدرات أو الكحول
- عدم وجود هدف
التوصيات:
1. هنالك توصيات للأسرة يقع على عاتق الاسر العراقية التوعية والارشاد في تربية الابناء ومنها:
- تحدث معه عن الصحة العقلية والانتحار. لا تنتظر حتى يأتي ابنك المراهق إليك. فإذا كان يسيطر على ابنك شعور بالحزن أو الاكتئاب أو الصراع النفسي، فاسأله عن أسباب هذا الشعور واعرض عليه المساعدة.
- انتبه جيدًا. إذا كان ابنك المراهق يفكر في الانتحار، فمن المحتمل أن تظهر عليه بعض العلامات التحذيرية. استمع إلى ما يقوله ابنك وراقب سلوكياته وتصرفاته. لا تتجاهل أبدًا تهديداته بالانتحار ولا تظنها تمثيلية عاطفية من تمثيليات المراهقين.
- حاول أن تثنيه عن العزلة. شجع طفلك المراهق على قضاء الوقت مع كل من يقدم له الدعم والمساندة من الأصدقاء وأفراد العائلة.
- تابع نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي وتحدث معه بشأن استخدامه. تابع حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بابنك المراهق. رغم ما يمكن أن تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي من دعم إيجابي للمراهقين، ففي الوقت نفسه، قد تجعلهم عرضة للتنمر ونشر الشائعات ووجهات النظر غير الواقعية عن حياة الآخرين، فضلاً عن ضغط الأقران. فإن تعرض ابنك المراهق للأذى النفسي أو الإحباط بسبب منشورات أو رسائل التواصل الاجتماعي، فشجعه على التحدث معك أو مع أحد المعلمين الذين يثق بهم. إذ أن الشعور بالتواصل والدعم في المدرسة قد يكون له تأثير وقائي فعال.
- شجع ابنك على اتباع نمط حياة صحي. ساعد طفلك المراهق على تناوُل الطعام جيدًا، وعلى ممارسة التمارين الرياضية وعلى الحصول على قسط كافٍ من النوم بصورة منتظمة.
- دعم خطة العلاج. إذا كان ابنك المراهق يخضع للعلاج من السلوك الانتحاري، فذكّره بأن الأمر قد يستغرق وقتًا حتى يشعر بتحسن. ساعد ابنك المراهق على الالتزام بتوصيات الطبيب المعالج له. وكذلك شجعه على المشاركة في الأنشطة التي تساعده في إعادة اكتساب الثقة.
- راقب الأدوية. رغم عدم شيوع هذه الآثار الجانبية، فقد تزداد الأفكار أو السلوكيات الانتحارية لدى بعض المراهقين عند تناول مضادات الاكتئاب، خاصة خلال الأسابيع القليلة الأولى بعد بدء تناولها أو عند تغيير الجرعة. إلا أن مضادات الاكتئاب ستحد على الأرجح من التفكير في الانتحار على المدى الطويل عن طريق تحسين الحالة المزاجية. وإذا كان تراود ابنك المراهق أفكار انتحارية أثناء تناول مضادات الاكتئاب، فاتصل بالطبيب على الفور أو احصل على مساعدة طارئة.
- احتفظ بالأسلحة النارية والمواد الكحولية والأدوية في مكان آمن. تزداد احتمالية ارتكاب المراهق للانتحار مع توفر الوسائل المساعدة على ذلك، إذا كانت لديه ميول انتحارية بالفعل.
2. وهنا الشق الاخر من التوصيات العامة:
- استحداث مراكز اجتماعية في المناطق السكنية بمثابة عيادات استشارية للمرضى النفسيين ومعالجة حالات الادمان
- وضع قانون في الدولة العراقية يحد من انتشار الانترنت او تحديد الاعمار للذين يستعملون التصفح في الانترنت ووضع غرامة مالية
- تفعيل خطب الجمعة للإرشاد حول حالات الادمان والخمر والمخدرات والانتحار للتوعية وتفعيل الدور الديني والارشادي
- تفعيل دور وزارة الداخلية والدفاع حول الحدود العراقية وما يدخل من مختلف انواع المخدرات، اذ اجمعت البحوث ان المخدرات السبب الرئيسي الذي يؤدي بالفرد للانتحار فضلاً عن الامور الاجتماعية والمشكلات التي تواجه الفرد
- على المؤسسات التربوية (رياض الاطفال) والمدارس والجامعات انتهاج اسلوب في التربية متطورة يتماشى مع مشاكل العصر وامراضه.
المصادر
- القران الكريم, سورة(النساء) الآية 30
- Emile Durkheim (1897): Suicide
- Freud Sigmund (1923): Le moi et le ça
- alwatannews.net ظاهرة الانتحار… في المجتمع العراقي المسببات والمعالجات
- وازي، طاووس (2012): ظاهرة الانتحار بين التفسير الاجتماعي والتشخيص النفسي ,مجلة دراسات نفسية وتربوية مخبر تطوير الممارسات النفسية والتربوية، العدد 8،جامعة مرباح، ورقلة الجزائر.
- الابراهيمي، اريج طعمه (2000): جريمة التحريض او المساعدة على الانتحار-دراسة مقارنة-اطروحة دكتوراه (غير منشورة) مقدمة الى كلية القانون، جامعة بغداد.
- العجيلي، محمد صالح ربيع)2013:)مثلث الرعب العلمي “الجهل”، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان.
- الساعاتي سامية حسن (1983) الجريمة والمجتمع دار النهضة العربية، ط2، القاهرة مصر.
- الرشود عبد الله بن مسعد (2006): ظاهرة الانتحار، التشخيص والعلاج، جامعة نايف العربية الأمنية مركز الدراسات والبحوث، الرياض، السعودي.
- Beachler; J (1975): Les suicides, vol 01, Calmann-Lévy edition, France.
- احمد عياش (2003): الانتحار (نماذج حية لمسائل لم تحسم بعد ط 1 دار الفارابي بيروت لبنان.
- العمر معن خليل (2006): التفكك الاجتماعي، دار الشروق للنشر والتوزيع عمان الأردن.
- اسعد يوسف ميخائيل (1988) المشكلات النفسية حقيقتها وطرق علاجها دار النهضة الطبع والنشر، القاهرة مصر.
- Quido; M (1970): Le suicide, perspective et prevention, vol 01 E.S.F. France.
- Dietrich Bonhoeffer (1965): Ethics, Lafon Geneva. – Émile Durkheim, 1897, reed. Puff, coll. “Quadriga”, 2002. Martine Fournier.
- سمعان مكرم (1964) مشكلة الانتحار دراسة نفسية اجتماعية السلوك الانتحاري دار المعارف القاهرة، مصر.
- -المداينة ذياب (1995): جريمة قتل النفس في المجتمع الأردني دراسة من وجهة نظر علم
- الاجتماع -مجلة الملك سعود المجلة 2 كلية الآداب الرياض المملكة العربية السعودية.
- Fuse Toyomasa (2004): Suicide Theory from an Interdisciplinary Perspective, Psychology Bulletin, Number 401. – Quido; M (1970): Suicide, perspective and prevention, vol 01,
- رشاد عبد العزيز مرسى 1993الممارسات الوالدية وعلاقتها بالاكتئاب النفسي علم النفسي المرضي دراسات في علم النفس.
- غريب عبد الفتاح (1988) دراسة مستعرضة للفروق بين الجنسين في الاكتتاب لدى عينة من
- مصر مجلة الصحة النفسية مجلد 29
- فايد حسين علي (2005) المشكلات النفسية الاجتماعية رؤية تفسيرية، مؤسسة صلبة للنشر والتوزيع ما القاهرة مصر.
- Salter: D et Platt ; s (1993): Suicide intent hopelessness and depression in a par suicide population, the influence of social desirability and elpred time- British journal of clinical psychology 29,361-371
- who.int
- futureuae.com
- alhurra.com
- emaratalyoum.com
- Rudestam, K.E. Stockholm and Angeles Los, (1997) A cross-cultural study of the communication of suicidal intent. Journal of Consulting and Clinical Psychology, 1997, V.36, P. 82-90.
