مؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيريةمؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيريةمؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيريةمؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيرية
  • موسسة دارالإسلام
    • حول مؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيرية
    • أهداف المؤسسة
    • جامعة الامام جعفر الصادق
    • المدرسة الدينية
    • أخبار
  • جائزة الشهيد الصدر
    • حول الجائزة
    • تاريخ الجائزة وابرز البحوث
      • دورة الاولى
      • دورة الثانية
      • دورة الثالثة
      • الدورة الرابعة
      • الدورة الخامسة
    • الدورة السادسة
  • النشاطات الخيرية
    • المشروع السكني الخيري
    • مساعدات
  • الإصدارات الثقافية
    • مجلة الفكر الجديد
  • الامين العام
    • نبذة عن حياته
    • مؤلفاته
    • الوكالات الشرعية
✕

الحداثة الإسلامية في مقابل الحداثة الغربية/ دراسة تستهدف توضيح المعالم الأساسية للحداثة الإسلامية الخاصة بالمجتمع الإسلامي في دراسات السيد الشهيد محمد باقر الصدر

العنوان: الحداثة الإسلامية في مقابل الحداثة الغربية/ دراسة تستهدف توضيح المعالم الأساسية للحداثة الإسلامية الخاصة بالمجتمع الإسلامي في دراسات السيد الشهيد محمد باقر الصدر
الكاتب/الكتّاب:

الدكتور باسم عبد الحسين راهي الحسناوي - الكلية التربوية المفتوحة/مركز النجف الأشرف
-
-
-

تحميل PDF

الملخّص

يهدف هذا البحث الى تحقيق غاية مضادَّة لتلك الغاية التي استغرقت أقصى الجهود من الباحثين في مجال الدراسات الفلسفية والاجتماعية المعاصرة، أثناء مقاربتهم لإشكالية العلاقة بين الدين والحداثة، فترى أغلب أولئك الباحثين منحازين إلى تغليب عقلانية الحداثة المادية الغربية على عقلانية الإسلام، وبما انهم يعتقدون اعتقاداً جازماً بعدم إمكان الفكرة التي تدعو إلى تخلي المجتمعات الإسلامية المعاصرة عن الإسلام، فإنهم يقررون طريقاً آخر للوصول إلى هذه الغاية، وهو الطريق المتمثل في مشروع التأويل الحداثي للإسلام، ومن الواضح أن أهم المرتكزات التي يستند إليها هذا المشروع، هو جعل قيم الحداثة المادية الغربية معياراً لقبول ما هو إسلامي أو رفضه في نهاية المطاف، لذلك لا تكون الإشكالات الفلسفية التي يتمّ توجيه بوصلتها نحو الأخطاء الكارثية في هذه الحداثة معقولة أو منطقية،

إذ إن المنطقي والمعقول في نظر أصحاب هذا الاتجاه، هو  أن يتمّ توجيه بوصلة تلك الإشكالات الفلسفية نحو الإسلام والقيم الإسلامية على وجه التحديد، بناءً على ذلك فإن هؤلاء الباحثين يطلبون منا التصديق بأن ثمة حداثة واحدة لا تقبل النقض، هي الحداثة المادية الغربية، علينا أن نؤمن بها هي وحدها، ونعيد تأويل كلَّ ثقافة أخرى على أساسها، فما وافقها كان حقاً وصالحاً للبقاء والاستمرار، وما خالفها كان باطلاً وخليقاً بالانقراض والاندثار.

أما المشروع الحداثي المناهض لهذا المشروع الحداثي الاقصائي الاحتكاري المُعَولَم، فهو المشروع الحداثي الإسلامي القائم على أساس التأويل الإسلامي للحداثة الذي انخرط في التأسيس له علماء ومفكرون كبار من طراز العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، والشيخ الشهيد مرتضى مطهري، والسيد الشهيد محمد باقر الصدر، إذ يعكس هذا المشروع اتجاه البوصلة نحو أن تكون القيم الإسلامية هي المعيار الواقعي لتصحيح المسار الحداثي المادي الغربي، لا على أساس الغرور والادعاء كما هي السمة البارزة للمشاريع الفلسفية التي تدافع عن هذا المفهوم المشوَّه للحداثة، بل على أساس الحجة والدليل والمحاكمات العقلية والمنطقية الصارمة، ومن مهمة هذا البحث، تسليط الضوء على المعالم الأساسية لهذا المشروع الفلسفي الاجتماعي الحداثي المهمّ في دراسات أحد هؤلاء المفكرين الثلاثة الكبار، وهو الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، لما لكتاباته الفلسفية من أهمية فائقة في هذا السياق.

الكلمات المفتاحية:

Abstract:

This paper aims to achieve a goal opposite to that goal that took maximum efforts from researchers in the field of contemporary philosophical and social studies, during their approach to the problematic relationship between religion and modernity. Most of those researchers are biased toward giving priority to the rationality of Western materialistic modernity over the rationality of Islam since they firmly believe that the idea that calls for contemporary Islamic societies to abandon Islam is not possible. In the impossibility of the idea that calls for contemporary Islamic societies to abandon Islam, they decide another way to reach this end, which is the path represented in the project of modernist interpretation of Islam.

It is clear that the most important pillars on which this project is based are to make the values of Western materialistic modernity a criterion for accepting or ultimately rejecting what is Islamic. Thus, the philosophical problems directed towards this modernity’s catastrophic errors are not reasonable or logical. It is logical and reasonable in the view of those with this tendency, that the compass of these philosophical problems should be directed specifically towards Islam and Islamic values. Based on this, these researchers ask us to believe that there is one modernity that cannot be disputed, which is Western materialistic modernity.

We have to believe in it alone, and re-interpret every other culture on its basis. What agreed with it was right and right for survival and continuity, and what contradicted it was void and worthy of extinction. As for the modernist project that opposes this exclusionary, globalized, monopolistic modernist project, it is the Islamic modernist project based on the Islamic interpretation of modernity, for which great scholars and thinkers of the type of Allama Sayyid Muhammad Husayn al-Tabataba’i, Sheikh Martyr Morteza Motahari, and Sayyid Martyr Muhammad Baqir al-Sadr were involved in its founding. This project reflects the direction of the compass towards Islamic values being the realistic criterion for correcting the Western materialistic modernist path, not based on vanity and pretension, as is the prominent feature of philosophical projects that defend this distorted concept of modernity.

It is based on argument, evidence, and strict rational and logical trials, and it is the task of this research to shed light on the main features of this important modern social philosophical project in the studies of one of these three great thinkers, the martyred Imam Sayyid Muhammad Baqir al-Sadr, because of his philosophical writings of great importance in this Context.

Keywords:

البحث الكامل

المقدمة

لموضوع البحث أهميةٌ خاصةٌ من جهة انه يشير إلى ضرورة التأسيس المنهجي لمشروع الحداثة الإسلامية، انطلاقاً من المشروع الحضاري الإسلامي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر، هذا المشروع الذي يعوّل عليه في تجاوز العديد من نقاط الضعف القاتلة في الحداثة المادية الغربية، على قاعدة الحوار والنقاش العقليَّين، وقد رأينا أن نقسم البحث على:

  • تمهيد: تحدثت فيه حديثاً عاماً عن سمات التجديد في المشروع الحضاري للسيد الشهيد محمد باقر الصدر.
  • المبحث الأوَّل: جاء بعنوان:(الحداثة الغربية بصفتها امتداداً للفكر السفسطائي القديم)، تحدثت فيه السياق الثقافي العام الذي تمت صياغة الحداثة الغربية انطلاقاً منه، وعن الأسِّ السفسطائي الذي تعتمد عليه هذه الحداثة.
  • المبحث الثاني: جاء بعنوان:(المطلق والنسبي بين الحداثة الغربية والحداثة الإسلامية التي رسم معالمها السيد الشهيد الصدر)، تحدثت فيه عن السمات العامة للمشروع الحداثي الإسلامي عند السيد الشهيد الصدر، واختلافه عن المشاريع الحداثية الإسلامية التي تسير في الاتجاه ذاته.
  • المبحث الثالث: جاء بعنوان:(خصوصية مشروع الصدر في صياغة حداثة إسلامية تختلف عن الحداثة الغربية)، تحدثت فيه عن المغامرة الفكرية الخطيرة في التأسيس للحداثة الإسلامية التي خاضها السيد الشهيد محمد باقر الصدر.
  • المبحث الرابع: جاء بعنوان:( المشروع الحداثي للسيد الصدر والمشروع الحداثي للسيد فضل الله/تنوُّع أدوار ووحدة هدف)، تحدثت فيه عن المشاريع الفلسفية الحداثية الإسلامية بعد استشهاد السيد الشهيد الصدر، واخترت السيد محمد حسين الله انموذجاً لهذه الدراسة.
  • الخاتمة: ذكرت فيها باختصار النتائج التي توصلت إليها خلال البحث.
  • التوصيات: ذكرت فيها بعض التوصيات المهمة في سياق تعزيز النهوض بهذا المشروع الفلسفي الخطير.

 

التمهيد

الحديث عن تأسيس حداثةٍ إسلاميةٍ في مقابل الحداثة الغربية، هو مغامرةٌ كبيرةٌ في حدِّ ذاتها، تتطلب من المفكر أن يكون مجتهداً في مختلف الحقول المعرفية التي يمكن على أساسها أن يمارس عملية الاجتهاد، فيقدم نظرياتٍ وأطروحاتٍ جديدةً في الفلسفة والاقتصاد والاجتماع، منطلقاً من رؤيةٍ فقهيةٍ استدلاليةٍ عميقةٍ قائمةٍ على أساس الجدل العميق المفترض بين النصِّ الديني المقدَّس وواقع التحديات المعاصرة، فضلاً عن التوغُّل العميق في معرفة الأسس التي تقوم عليها الحداثة الغربية التي تمارس الفاعلية والتأثير في صياغة منظومات الفكر الحديث في العالم، بحكم ما للغرب من هيمنةٍ على جميع مقدرات العالم المادية والمعنوية في الوقت الحاضر، ولم يكن بمستوى هذه المغامرة إلا عددٌ ضئيلٌ من فقهاء العصر، منهم الشهيد مرتضى المطهري، والسيد الشهيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد حسين فضل الله، هؤلاء الثلاثة كانوا قادرين بالفعل على النهوض بهذه المهمة الخطيرة، إذ على الرغم من أن هناك مفكرين إسلاميين كتبوا في هذا المجال سابقاً ولاحقاً، إلا أن الملاحظ هو أن أغلب هؤلاء لم يكونوا حائزين إلا على شرط من الشرطين السابقين اللذين تحدثنا عنهما آنفاً، فهم في النهاية ليسوا مجتهدين في العلوم الإسلامية، وفي مقدمتها الفقه والتفسير، بل كانت تتوفر لديهم القدرة على مناقشة الحداثة الغربية ونقد الأسس التي قامت عليها، نقاشاتٍ عميقةً نافعة، من دون أن يقدموا الكثير في مجال طرح البديل الحداثي الناجح المنسجم مع الرؤية الإسلامية من جانب، ومع تحديات العصر التي لا يجد المجتمع الإسلامي محيصاً من الاستجابة إليها، والتفاعل معها، من هنا تنبثق الحاجة إلى التركيز على المشاريع الحداثية الإسلامية لهؤلاء الأقطاب الثلاثة، ولا سيما المشروع الحداثي الإسلامي للسيد الشهيد محمد باقر الصدر(رض).

 

المبحث الأوَّل

الحداثة الغربية بصفتها امتداداً للفكر السفسطائي القديم

ما زالت المجتمعات التقليدية تعيش حالة الغياب شبه المطلق عن المعرفة التفصيلية للأسس الفلسفية التي ينبثق منها مفهوم الحداثة، فكل ما تعرفه هذه المجتمعات عن الحداثة تقريباً لا يتعدى في أفضل الأحوال تلك الجوانب المتصلة بالتقنية وطرز الحياة المعاصرة، مضافاً إلى الحداثة السياسية المتمثلة باستجلاب التجربة الديمقراطية في الحكم من الأجواء والفضاءات السياسية للعالم المتحضر، وربما امتدَّ تأثير الحداثة ليشمل تلك المظاهر الخارجية للأشكال الأدبية وترديد بعض المصطلحات التي باتت معروفةً ومستهلكةً في الفضائيات والإعلام المعاصر، هذا كل ما تعرفه مجتمعاتنا عن معنى الحداثة كما أتصوَّر، ولذلك فإنَّ الانخراط في مشروعٍ نقديٍّ للحداثة الغربية يتوجَّب منا الاعتناء قدر الإمكان بالاطلاع على أركان ودعائم الحداثة، منظوراً إليها من الزاوية الفلسفية بالذات، وإلا فلن يتعدّى كلامنا عن الحداثة، انخراطاً فيها أو نقداً لمتبنياتها، أن يكون ضرباً من الرجم بالغيب الذي كثيراً ما نُصدم بأنه لا يمتُّ إلى واقع الفكر الحداثيّ بأية صلةٍ على الإطلاق.

ومما تجدر الإشارة إليه هو أنَّ الفكر الحداثيّ، مع أنه يتبنّى عدداً من المرتكزات التي عزَّزتها الفتوحات الظافرة للتقنية والتكنلوجيا والعلوم التطبيقية في المجالات المختلفة، يرتكز من الناحية الفلسفية على مجموعةٍ من المبادئ الموروثة من الفكر الفلسفيّ اليونانيّ القديم، فلا يخفى أنَّ هناك اتجاهاً وُجِد في الفلسفة اليونانية القديمة هو الاتجاه الذي مثَّلته الفلسفات السفسطائية(1)، لم يعترف بوجود الواقع الموضوعيّ للأفكار والأشياء، واعتبرت الوجود ليس إلا وهماً خالصاً ناتجاً عن انعكاساتٍ ذهنيةٍ لا واقع لها، فإذا كان الواقع على هذه الشاكلة، فلا بدَّ أن تكون فكرة أيِّ شخصٍ عنه تتمتَّع بالقيمة الاعتبارية ذاتها قياساً بالأفكار المنعكسة عن هذا الواقع في أذهان الآخرين، فمع اختفاء الواقع الموضوعيّ الذي يمكن أن يُحتكم إليه في مجال الفصل بين الأفكار الصحيحة والخاطئة، لا يبقى هناك من مسوِّغٍ أساساً لأن تعتبر فكرةٌ ما صحيحةً والفكرة الأخرى سقيمة، وربَّما وقع التفاضل بين الأفكار، لكن ليس على أساس اختلاف منسوب الحقّانية فيها، بل على أساس معايير أخرى لا علاقة لها بتقويم الواقع، وفي مقدِّمة تلك المعايير أن تكون تلك الفكرة ناجحةً في مجال توظيفها من أجل غايةٍ ما، فهي تمثِّل صوابية الحقّ بشكلٍ مؤقَّتٍ من هذه الزاوية،  ريثما يتمّ تجاوزها بعد أن تفقد قدرتها على إنجاز هذه الغاية، أو بعد أن تستنفد الغاية من وجودها فلا يعود لتلك الفكرة التي يتقوَّم وجودها بصفتها مجرَّد وسيلةٍ إلى تلك الغاية بالذات، من ضرورةٍ للبقاء.

الحقيقة أن التفكير السفسطائي القديم، يكاد يكون –بل هو كذلك- الأصل الذي نبعت منه المبادئ الأساسية لعقلانية الحداثة، وتبدو في صورةٍ أكثر وضوحاً وتركيزاً في فضاءات ما بعد الحداثة، إذ لم يعترف السفسطائيون للمعرفة العقلية بأية قيمة، إما بناءً على أن لم يكن ثمة واقعٌ للأشياء، أو بناءً على أنَّ لها واقعاً، إلا أن هذا الواقع غير متميِّز، وبالتالي لا يمكن معرفته وإدراكه، واعتبروا أن المعرفة التي تأتينا عن طريق الإحساسات هي المعرفة، ولا دخل للعقل في تكوينها، فليس الفكر بل الإحساس هو معيار الوجود، ويترتَّب على ذلك أن يكون السلوك الإنساني نابعاً من الطبيعة الإنسانية، وليس للعقل أو للفكر حق الإشراف عليها، لأن الإنسان بطبيعته ساعٍ إلى اللذة، وليس من الصحيح كبح سعي الإنسان إلى هذه اللذة التي هي من سنخ طبيعته بالأخلاق، ومن الطبيعي أن الإنسان إذا لم تعد الأخلاق عنده بعداً من أبعاد وجوده، لا يعود لأية فكرةٍ ولا لأيِّ شيءٍ على الإطلاق من قيمةٍ في نظره إلا بمقدار ما يكون سبيلاً إلى تحقيق المنفعة الشخصية،

فتكتسب جميع الأفكار والأشياء في نظر الإنسان بعداً براغماتياً نفعياً، إما أن تكون نافعةً منفعةً تتكفل بتحقيق اللذة الحسية، فتكون ذات قيمةٍ على هذا الأساس، أو أنها عاجزةٌ عن ذلك، فلا تتحدَّث عن وجود قيمةٍ لها مهما كانت مهمَّةً في نظر الآخرين من جهة أبعادها المعنوية والروحية، فإذا دقَّق القارئ الكريم النظر في جميع هذه الخصال التي اتصفت بها السفسطائية القديمة، ثمَّ قارنها بالمبادئ التي ترتكز عليها عقلانية الحداثة وما بعد الحداثة، اتضح بما لا يقبل الشكّ، أن المبادئ التي تبنَّتها السفسطائية والمبادئ التي تبنَّتها عقلانية الحداثة وما بعد الحداثة واحدة ولا تقبل التفكيك، ومن الطبيعي أن لا يهتمّ السفسطائيون بالوسائل العقلية للإثبات بعد كلِّ هذا الاستخفاف بأية قيمة يمكن أن يتمتع بها الواقع، كما لا يمكن السير معهم في طريق الاستدلال البرهاني، لأنه لا يتمتَّع بالقيمة في نظرهم، إن نقطة الانطلاق الرئيسة في أيِّ تفكيرٍ إنسانيٍّ ذي قيمةٍ يجب أن ينطلق من هذه المسلَّمة التي لا تحتاج بنفسها إلى أيِّ برهان، بل هي الأساس الذي يبتني عليه أيُّ برهان، وهذه المسلَّمة هي الاعتراف بأن هناك واقعاً، فإذا لم يتم الاعتراف بهذه الحقيقة البديهية استحالت كل عمليات التفكير إلى هباءٍ منثور، ولم يعد ممكناً للإنسان أن يتقدم ولو خطوةً واحدةً في سيره المعرفي، بل حتى العلوم التجريبية والتطبيقية لا يمكن لها أن تحقق أيَّ تطورٍ يذكر إلا بعد الاعتراف بالوجود الحقيقي لهذا الواقع كما هو واضح.

ربما كانت الحداثة الغربية بما هي عليه من الخصوصيات المستمدَّة من السيرورة التاريخية لمجتمعات الغرب في سياقاتها الثقافية والسياسية والاجتماعية، ملائمةً ضمن الكثير من مفردات هذه الحداثة للمجتمعات الغربية(2)، دون أن يؤثر على هذه النتيجة ما يمكن أن يقال عن إمكانية تأشير الكثير من مواطن الضعف والتناقض مع ما ترغب به هذه المجتمعات وتستشعره فعلياً من ضرورة تلبية حاجاتها على الصعيدين الروحيّ والمادِّيّ، بيد أنَّ النتيجة لا يمكن أن تكون واحدةً فيما إذا شئنا أن نطبِّق هذه المفردات الحداثية بذاتها على مجتمعاتٍ أخرى، وفي مقدِّمتها المجتمعات العربية والإسلامية، للاختلاف الكبير في الأصول النظرية والفلسفية العامَّة التي تندرج ضمنها السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية والسياسية الخاصَّة بهذه المجتمعات، بيد أنَّ الحداثة الغربية تصرُّ على أن يكون لها هذا البعد الشموليّ والعالميّ،

متناسيةً حقيقةَ أنها تمثِّل نمطاً خاصّاً من التفكير الحداثيّ لمجتمعاتها، وغير عابئةٍ بفكرةِ أنَّ للشعوب الأخرى حقَّها في صياغة نمطها الحداثيّ المتَّفق في بعض الجوانب، والمغاير لها في الجوانب التي تستدعي هذه المغايرة، أقول هذا مع الاعتراف بأنَّ في فكر الحداثة الكثير من المظاهر الإيجابية التي يمكن تعميمها بما لها من طابعٍ كليٍّ فعلاً على المجتمعات العالمية جميعاً، بغضِّ النظر عن اختلافها في جملةٍ من السياقات، بيد أنَّ المشكلة توجد فعلاً عندما تصرُّ الحداثة على أنَّ جميع الأسس الفلسفية لها وما ينتج عنها من بنى فوقيةٍ تخصُّ جانب العقيدة والأخلاق والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد والمجتمع، أو بين الشرائح الاجتماعية ذاتها، يتمتَّع بهذا الطابع الكليّ الصالح للتعميم على جميع سكان المعمورة، من هنا بالضبط تبدأ نقطة الافتراق مع الحداثة، وتنقلب العلاقة من إمكانية التعايش الإيجابيّ معها إلى التقاطع الذي يجلب معه الكثير من عوامل عدم الاستقرار في حياة المجتمعات.

اقترنت الدعوة إلى العقلانية في إطار الفكر الحداثيّ بالموقف المضادّ لا للاعتقادات الدينية غير القابلة للتحقُّق التجريبيّ فقط، إذ إنَّ خضوع الظواهر والأفكار للاختبار التجريبيّ هو المحكّ الذي يتبيَّن بموجبه مقدار ما تتمتَّع به كلُّ فكرةٍ من صفة العقلانية، بل تعرَّضت الأفكار والرؤى غير الدينية أيضاً للإدانة من قبل مفكِّري الحداثة بصفتها تمثِّل أفكاراً خارجةً عن حريم العقلانية التي تعتبر من المرتكزات الأساسية للحداثة، فبمجرَّد أن توجد فكرةٌ ما تمارس تأثيرها على فاعلية الإنسان وتوجِّه أفعاله وتصرُّفاته بناءً على ما تتضمَّنه من الرؤية الفلسفية الخاصَّة حول الوجود والكون والإنسان، فإنَّها تفقد أيَّة قيمةٍ لها من وجهة نظر الحداثة، ما لم تكن قابلةً للتحقُّق التجريبيّ الذي يمنحها وحده سمة العقلانية، أما تلك الأفكار والمعتقدات التي يتبناها الإنسان مما ينتمي إلى دائرة ما لا يمكن إقامة البرهان التجريبيّ عليه، كالكثير من الأفكار الميتافيزيقية والدينية،

فإنها لا يمكن أن تُعدُّ أفكاراً عقلانيةً لسببٍ بسيط، هو أنها لا يمكن إخضاعها للتحقق التجريبيّ، وبالتالي لا يمكن أن يكون لها قيمةٌ حقيقيةٌ في إطار ما تعتبره الحداثة متَّسماً بالعقلانية، هذا المبدأ الحداثيّ في رسم حدود ما هو عقلانيٌّ، قياساً إلى نقيضه غير العقلانيّ، مطابقٌ تماماً للمبدأ الرئيس الذي تأسَّست عليه التجريبية المنطقية، إذ يرى التجريبيّ المنطقيّ أنَّ المعنى الواقعيّ هو ذاته المعنى التجريبيّ، فالعبارات التي يمكن تحقيقها بالملاحظة هي وحدها التي يمكن أن تُعَدَّ واقعية، كما انه لا توجد وقائع لا تُحدَّد تجريبياً.

هذه الفكرة الرئيسية في التجريبية المنطقية هي أساس نظريتها المشهورة في المعنى من حيث هو القابلية للتحقُّق، ومن الحقّ أن يقال إن هذه العقلانية الحداثية المغلقة، هي التي كانت تمارس الزيف والدجل في نظر فلاسفة ما بعد الحداثة بحجة دفاعها عن العقل والعقلانية، حتى كشف النقد الآركيولوجي عن الجوهر اللاعقلاني إلى أبعد حدٍّ في هذه العقلانية ذاتها، ولا يظنن القارئ أننا ننحاز إلى هذه الحداثة المابعدية الجديدة، فهي في جوهرها تدَّعي ما لا تطبِّقه في أرض الواقع، هذا من جهة، ومن جهةٍ ثانية، فإنَّ ما تدَّعيه أيضاً تحجم عن أن تقيم عليه البرهان العقلي المنطقي المنظَّم، لأنها أساساً قامت على رؤيةٍ فلسفيةٍ تهدف إلى تفكيك العقل، وتشطر العقلانية الوضعية الغربية المنغلقة التي أحرجها الوضع الإنساني الجديد للإنسان الحديث، فجاءت فلسفة ما بعد الحداثة لتشطر تلك العقلانية المأزومة إلى عقلانياتٍ جديدة، لا تختلف عن العقلانية العجوز للحداثة،

من جهةِ أنها ما زالت لا تقيم وزناً واعتباراً إلا لما هو مادِّي وحسِّي، أي إنَّ الرؤية الوضعية والتجريبية ما زالت هي السمة الغالبة على ما بعد الحداثة، سوى أنها ربما منحت القضايا الدينية فضاءً أوسع، لا من باب أنها يمكن أن تكون قضايا حقيقيةً من حيث القابلية للتحقق، فما بعد الحداثة لا تختلف عن الحداثة في هذا الشأن، كلا الحداثتين تعتقدان بعدم قابلية هذه القضايا للتحقق بالوسائل البشرية، فهي غير قابلة للنفي والإثبات(3)، وما زال الدين في نظر الغالبية من فلاسفة ما بعد الحداثة ليس له أكثر من وجودٍ بروتوكوليٍّ شكليّ، أو أنه ينظر إليه بوصفه وسيلةً نافعةً للحدّ من بعض المظاهر السلبية في المجتمع كالعنف والانتحار، على أن يبقى المجال الذي يتحرَّك فيه الدين ضيقاً، بحيث لا يطغى على الحياة المدنية التي هي علمانية المظهر والجوهر، ففي ظلِّ هذه النظرة الثانية يكون تقويم القضايا الدينية على أساسٍ براغماتيٍّ نفعيٍّ محض، بحيث لا تتعدى قيمته الحقيقية القيمة التي تتمتع بها بعض الألعاب ووسائل التسلية التي من شأنها أن تؤدي هذه الوظيفة.

 

المبحث الثاني

المطلق والنسبي بين الحداثة الغربية والحداثة الإسلامية التي رسم معالمها السيد الشهيد الصدر

في الحداثة الغربية لا يوجد حيِّزٌ لما هو ثابت، كلُّ شيءٍ فيها في معرض التغيُّر، فلقد قطعت الحداثة الغربية أشواطها كلَّها في التاريخ الحديث، وهي تعتنق هذه الرؤية دون التصريح بها في الكثير من الأحيان، حتى جاء الطور الآخر من الحداثة، وهو الطور الخاص بالحداثة البعدية، فتمَّ الإعلان عن ذلك بشكلٍ صريح، لا سيما في طورها الأخير المتمثل بالمنهج التفكيكي، إذ لم يعد ثمة معنىً ثابتٌ للنصّ، بل هناك تأويلاتٌ لا نهائيةٌ للنص، متناقضةٌ ومتضاربة، وهي على الرغم من تناقضها وتضاربها تأويلاتٌ صحيحة، ليس لأنها بالفعل تمثل حقائق قبليةً موجودةً في النص، بل لأن النص لا يحمل أية حقيقةٍ مسبقة، وإنما توجد الحقائق بصورةٍ بعديةٍ بفعل العمليات التأويلية التي يقوم بها القراء(4).

النتيجة المتوقعة الوحيدة لهذا العبث الفلسفي هو أن تفقد النصوص المؤسسة للحضارة قيمتها في نظر الإنسان الغربي، وعلى هذا الأساس، فإن منظومة القيم والأخلاق فضلاً عن الإيمان، كلها قضايا في معرض الزوال بفعل عدم ثبات المعنى، بل خلوّ النص من المعنى أساساً، فيتحول كلّ المنجز الحضاري والديني للبشرية إلى ريشةٍ في مهبِّ الريح كما يقال(5).

ومن هنا فإن الحداثة الغربية، لا سيما في طورها الثاني، تنقض نفسها باستمرار، ليس لأنها تكتشف أخطاءها فتقوم بتقويمها على هذا الأساس، بل تقوم بعملية النقض من أجل أن لا تستقرّ على معنىً ما حتى لو كان هذا المعنى صحيحاً، هي حداثةٌ متمردةٌ على نفسها من أجل التمرُّد نفسه، وبناءً على ذلك فإنها فاقدةٌ لأيِّ منطقٍ عقليٍّ يمكن على أساسه محاكمة الأفكار، والتمييز بين صحيحها وسقيمها، وهي لهذا السبب، تعبر عن نفسها بلغةٍ أدبيةٍ يغيب عنها العقل والتفكير المنطقي غالباً، على النقيض تماماً من الحضارات البشرية الكبرى التي وجدت في التاريخ، ومنها الحضارة الإسلامية، التي تأسست على العقل والفلسفة.

لقد اختطَّ السيد الشهيد الصدر لنفسه منهجاً حداثياً ناقداً للرؤية المادية الغربية في شقَّيها الماركسي والرأسمالي معاً، منحازاً إلى الرؤية الإسلامية المؤطرة بفلسفته الخاصة عن الاجتهاد في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع، انطلاقاً من أن الفلسفة الماركسية والرأسمالية، وجميع ما يتفرَّع منهما من الرؤى والفلسفات، إنما هي فلسفات نسبية في معرض التغير، لا تستند إلى ركيزة المطلق، وبما أنها كذلك، فهي فلسفات في معرض الخطأ على الدوام، ولو لم تكن كذلك، لما كانت تعترف بأنها نتاج ظروف مرحلية متغيرة، أي إنها تتبدَّل أو تزول بتبدُّل تلك الظروف المرحلية المتغيرة وزوالها، أما ما يتبنّاه الشهيد الصدر، فهو تلك المنهجية التي تجري عملية توازن مستمرَّة بين ما هو مطلق وما هو نسبي، “بين الثوابت والمتغيرات، بين النص والاجتهاد، فهو فكرٌ يعي منذ البداية متغيراته وثوابته”(6)، ومع أن الفكر الحداثي للسيد الشهيد الصدر، منخرط في خضم الصراع الإيدلوجي بين الأطروحات والمشاريع الفلسفية الحداثية، إلا أنه يختلف عن غيره من المشاريع الفلسفية التي خاضت الصراع نفسه في العالم الإسلامي، بكونه:

  1. يتجه اتجاهاً تأصيلياً أكثر عمقاً منها بكثير، بمعنى أنه يتجنب ذلك الأسلوب الغوغائي في مناقشة الأطروحات الفكرية المادية بالشعارات والعبارات الحماسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع في مجال تكوين القناعات، وعلى هذا الأساس، فإنه استطاع أن يخوض سجالاً فلسفياً من الطراز الفريد مع الفلسفات المادية الماركسية والرأسمالية في مؤلفات عديدة ككتاب (فلسفتنا)(7) وكتاب (اقتصادنا)(8) وكتاب (الأسس المنطقية للاستقراء)(9) وغيرها من المؤلفات التي استطاع من خلالها أن يكوِّن إطاراً عاماً لفلسفةٍ إسلاميةٍ حداثيةٍ قادرةٍ على خوض السجال المعرفي العميق مع الفلسفات الحداثية الغربية، بل أصبح الفكر الحداثي للسيد الصدر هو الأقدر على هضم ما هو نافعٌ في هذه الحداثة الغربية المادية، وإدراجه في المنظور الإسلامي العام للحداثة التي وضع لبناتها الأساسية في مشروعه الفلسفي، لتكون هي الملهم الرئيس لمن يأتي بعده فيسير على الطريق ذاته حتى إنجاز هذا المشروع.
  2. إنه لا يخوض السجال الفلسفي مع الحداثة الغربية من موقع الدفاع، بل يتخذ لنفسه موقع الهجوم، وتلك خاصية مهمة في المشروع الفلسفي الحداثي للشهيد الصدر، فيلاحظ على عدد كبير من المشاريع الفكرية أنها تنتظر مجيء التهمة من الخصم، لتبدأ هي بالدفاع من خلال عملية سجالية تستحق الشفقة، لأنها لا تهاجم، بل تدافع فقط، فأقصى ما تحققه هو تبرير عدد من التهم التي يذكرها الخصم الإيديولوجي بحقِّ الإسلام، أما الشهيد الصدر فإنه يستلم زمام المبادرة، فيقوم بنقد المشاريع الفلسفية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ويطرح البديل الإسلامي لها، من خلال تأصيل فلسفي راق، يجبر الخصم الإيديولوجي على الاقتناع، أو يجبره على احترام هذا الطرح الفلسفي الجريء في الأقل.
  3. إنه ليس مشروعاً تلفيقياً، فهو لا يسلك طريقة أولئك المفكرين الإسلاميين الذين يشعرون بالاستلاب أمام المشاريع الفلسفية الحداثية، فيقوم بالتوفيق بين الإسلام وتلك الأفكار، وليس من الصحيح أن يقال في هذا السياق، إن بعض ما تدعو إليه الحداثة يتطابق تماماً مع ما دعا إليه الإسلام، لأن الاختلاف موجودٌ على مستوى الرؤية الكونية بين فلسفة الحداثة الغربية والإسلام، فإذا حصل الاتفاق في بعض القضايا الجزئية، فإنه سرعان ما يحصل الافتراق والاختلاف، وما السبب في هذا الاختلاف إلا الاختلاف الأعمق في الرؤية الكونية بين كلٍّ من الحداثة المادية الغربية والإسلام(10).

وهكذا قام السيد الصدر بصياغة النظرية الإسلامية في السياسة والاقتصاد والاجتماع من موقعه الاجتهاديّ الذي يتيح له تفعيل طاقة العقل في علاقته التي لا تنفصم مع النص القرآني والنص السنني، استجابةً لمتطلبات يفرضها الواقع، ولا بدَّ هنا من القول إن الواقع ليس له الحاكمية على النص، بل هو مجرد طرف آخر في المعادلة، يمارس دوره في استنطاق النص، ليجيب على أسئلته المعاصرة، كما انَّ العقل ليس له أن ينفرد بعملية التفكير واقتراح الحلول بعيداً عن الإجابات المتوقعة للنصّ، إذ العقل والواقع كلاهما يمثلان الجانب النسبي في المعادلة، أما النص فإنه يمثل الجانب المطلق، ولا بدَّ للنسبي من التحرك في الفضاء العام للمطلق، ولا يحقّ له أن يرسم له مساراتٍ للعمل والتحرك خارج هذا الفضاء(11)، تلك نقطة جوهرية تفترق فيها الحداثة الإسلامية الصدرية عن الحداثة الغربية النسبية المنفلتة من العمل بمعايير ما هو مطلق وثابت، لذا هي في معرض التغيير على الدوام، دون أن تكون هناك معايير مرسومة ثابتة يحدث على أساسها هذا التغيير.

 

المبحث الثالث

خصوصية مشروع الصدر في صياغة حداثة إسلامية تختلف عن الحداثة الغربية

أهم ما ما يطبع ذهنية السيد محمد باقر الصدر هو أنها ذهنية إشكالية، بمعنى أنها تميل بطبعها إلى أشكلة الموضوعات، بحيث تتحوَّل إلى سؤالٍ حداثيٍّ يتمّ طرحه على الواقع الإسلامي العام، فيستدعي من الجميع الانخراط في عملية الصياغة العلمية للإجابات، الواقع ان العقلية الأصولية للفقهاء الشيعة اعتادت هذه الأشكلة خلال البحوث الفقهية والأصولية، كما يشهد لذلك الاطلاع على مؤلفات علم الأصول والفقه الاستدلالي، فهي ليست بعاجزة  عن إثارة السؤال في كلِّ حين، إلا أننا نعتقد أن الخلفيات الفكرية والثقافية لها دورها الفاعل والمؤثر في توجيه ذهن الأصولي والفقيه نحو الوجهة الحداثية في إثارة السؤال، طبعاً لا يكفي الاطلاع على النظريات الفلسفية والفكرية المطروحة في الساحة العالمية لتوفير مثل هذا الفضاء في ذهن الأصولي والفقيه، وإلا فإن هناك من الفقهاء من امتلك شطراً معتداً به من هذا الاطلاع، بل هناك من ناقش الماركسية والرأسمالية والوجودية وغيرها من المدارس الفلسفية، واستطاعوا أن يكتبوا المؤلفات المهمة في الردّ عليها وتفنيد أطروحاتها التي تخالف ثوابت الرؤية الفلسفية الإسلامية من زاويتهم، لكنَّ هذه الخطوة فقط لم تكن كافيةً لأن يبلوروا الأسئلة باتجاه الإحساس بالضرورات الجديدة التي يمليها الواقع الحداثي الجديد على المجتمع الإسلامي، الإبداع في هذا الجانب بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك، هو بحاجة إلى أن يعيش الأصولي والفقيه الإشكالية لا من الزاوية التي يريد أن يوفر من خلالها التفنيدات على النظريات الفلسفية التي تختلف مع الجزئيات العقائدية والفقهية، بل من الزاوية التي تؤكد انخراط الأصولي والفقيه في همّ صياغة النظرية الإسلامية، عليه أن يفكر في صياغةٍ رؤيةٍ واضحةٍ لحداثةٍ إسلاميةٍ قادرةٍ على خوض السجال المعرفي والفلسفي مع الحداثة المادِّية التي تريد الاستحواذ على العقل الإسلامي في العصر الحاضر.

لقد استطاعت فلسفة التنوير التي هي الأساس النظري والفلسفي للحداثة الغربية، مهما قلنا عن هذه الحداثة انها مادِّيةٌ أو ناقصةٌ لكونها فاقدةً للبعد المعنويّ والروحي، أن تكوِّن للإنسان الغربي رؤيةً كونيةً عامَّة. نعم، هي رؤيةٌ ضيقةٌ في حدود ما هو ماديٌّ تجريبيٌّ محسوس، إلا انها رؤيةٌ كونيةٌ في نهاية الأمر، لكن على الرغم مما أُريقَ من المداد في سبيل ترسيخ العلوم الدينية الإسلامية فقهاً وأصولاً وتفسيراً وعلوم قرآن…إلخ، على الرغم من كلِّ ذلك، لم يواجه الإنسان المسلم الحداثة الغربية في النصف الأوَّل من القرن العشرين على وجه الخصوص برؤيةٍ كونيةٍ إسلاميةٍ تجعله يقدِّر الأمور التي تشكِّل تحدِّياتٍ بالنسبة للمجتمعات الإسلامية الحديثة بعينٍ أخرى غير العين الغربية.

إن المغامرة الكبيرة التي خاضها السيد الشهيد الصدر تتمثل في أنه عندما أراد أن يؤسس لحداثةٍ إسلاميةٍ خاصةٍ بالمجتمع الاسلامي، لم يسلك طريقاً سهلاً إلى هذه الغاية، بل سلك الطريق الأصعب المتمثل في نقد اتجاهين متناقضين، أحدهما يسحب الفكر الإسلامي باتجاه المحافظة على الأنساق الموروثة في التفكير الفقهي والكلامي والفلسفي، ويقوم الآخر بصياغةٍ تلفيقيةٍ أو توفيقيةٍ لحداثةٍ إسلاميةٍ باستخدام منهجيتين، تتمثل إحداهما في إعادة قراءة معطيات الحداثة الغربية المعاصرة، بعيداً عن الأسس والمرتكزات العميقة التي تقوم عليها، والمسار التاريخي والثقافي الذي أنتج هذه الحداثة، فيزعم أصحاب هذا الاتجاه، أن مبادئ الحداثة الغربية وما تتبناه من أفكار واتجاهات، تعبر في مضمونها النهائي عن المبادئ الدينية والمرتكزات العقائدية في الأبعاد القانونية والاجتماعية والفلسفية المختلفة ذاتها، وعلى هذا الأساس، لم تعد الأفكار الناتجة عن المنهج الوضعي في دراسة الشأن الديني تهدد متبنيات الإنسان المسلم من هذه الزاوية، بل يمكن إجراء المصالحة والاتفاق بين تلك الأفكار وما يدعو إليه الدين من قيمٍ وأخلاق، وما يتبناه من أسس ومرتكزاتٍ تخصّ الجانب العقائدي للمجتمع الاسلامي(12)، فيقومون باستخلاص تديُّنٍ من القرآن منسجمٍ مع فلسفة الحداثة الغربية، “ولا ينسجم معها إلا تديُّنٌ لا تكون فيه قسريةٌ ظاهرةٌ تحدُّ من حرية الأفراد، ولا شعائريةٌ طاغيةٌ تضيِّق على سلوكاتهم، ولا أسطوريةٌ غابرةٌ لا تطيقها عقولهم، والتديُّن الذي يكون بهذا الوصف ينبغي أن يقوم على الإيمان الشخصي، وأن يختار فيه المؤمن نمط تعبُّده في دائرة حياته الخاصَّة”(13).

وتتمثل الثانية في إعادة تأويل النصِّ الديني من قرآنٍ وسنة، تأويلاتٍ هرمنيوطيقيةً تعسفيةً اعتباطية، بحيث يصبح ممكناً طرح الفكر الديني بصيغةٍ تلفيقيةٍ تتفق تماماً مع مبادئ الحداثة وما تدعو إليه من مناهج سلوك ورؤى وتصورات، وعلى هذا الأساس تكون الكثير من الأحكام التي تبناها القرآن الكريم مجرَّد حلولٍ قدَّمها القرآن لمشكلاتٍ كانت موجودةً في عصر النزول، ولم تعد الآن محلاً للإبتلاء، يقول الدكتور حسن حنفي في هذا السياق: “إنَّ نصوص الوحي ليست كتاباً أنزل مرَّةً واحدةً مفروضاً من عقلٍ إلهيٍّ ليتقبله جميع البشر، بل مجموعة من الحلول لبعض المشكلات اليومية التي تزخر بها حياة الفرد والجماعة، وكثيرٌ من هذه الحلول قد تغيرت وتبدلت حسب التجربة على مقدار الإنسان وقدرته على التحمل، وكثيرٌ من هذه الحلول لم تكن كذلك في بادئ الأمر معطاةً من الوحي، بل كانت مقترحاتٍ من الفرد والجماعة ثمَّ أيَّدها الوحي وفرضها”(14).

ولا بدَّ من الاشارة إلى أن الفلسفة الاسلامية القديمة هي ذاتها بدأت مسيرتها من خلال نزعةٍ توفيقيةٍ رافقتها في تاريخها الطويل، إذ حاولت موضعة الفلسفة اليونانية في البيئة الاسلامية، دون أن تنتبه إلى أن الفلسفة هي نتاج عقلٍ إنسانيٍّ نسبي، وأن المعطى الوحياني مطلقٌ يتجاوز كلَّ المحددات التي تؤطر المنتج العقلي الذي يكون بسببها نسبياً بالضرورة، ولذا كان تاريخ الفلسفة الاسلامية حافلاً بالمغالطات والشطحات، وبإمكاننا أن نبرهن على هذه الحقيقة بضرب مثال بسيط من الفأرابي الذي كان يعتقد بأن الحقائق التي يتوصل إليها الفيلسوف، هي معصومةٌ وغير قابلةٍ للخطأ، كما هي الحقائق التي يتحدث عنها النبي، وإنما الاختلاف بين الفيلسوف والنبي في جهة الاتصال بالعقل الفعال، فالنبي يتصل بالعقل الفعال عن طريق المخيلة، أما الفيلسوف فإنه يحقق هذا الاتصال بالعقل المستفاد(15).

لا يوافق السيد الشهيد الصدر على هذا المسلك في التعاطي مع الشأن الفلسفي الإسلامي الحديث، فمع أنه لا يوافق على جمود حركة الفكر الإسلامي عند نقطةٍ معينةٍ في التاريخ، إلا أنه في الوقت نفسه لا يوافق على أن يفقد الإسلام هويته الحقيقية، عن طريق تفسير الوحي تفسيراتٍ وضعيةً تؤدي بالدين الإسلامي إلى أن يفقد هويته الإلهية في نهاية المطاف، كما حصل بالضبط مع تفسير الفأرابي لتجربة النبوة، إذ عدَّها من ثمرات المخيلة القوية التي يتمتع بها ذهن النبي، وأنه يمكن الاستعاضة عنها بالعقل المستفاد للفيلسوف، أو كما حصل مع التوجهات المشابهة لهذا التوجه عند مفكرين معاصرين في الوسط الإسلامي، من أمثال الدكتور محمد أرغون، والدكتور عبد الكريم سروش(16)، والشيخ محمد مجتهد شبستري، إذ اعتقد هؤلاء المفكرون وأضرابهم ببشرية الوحي، وأن المسؤول عن إنتاج النص القرآني إنما هو عقل النبي نفسه، وإن نسبةَ هذا النص إلى الله نفسه، هي نسبةٌ مجازيةٌ لا حقيقية في نهاية المطاف(17)، بل يريد الصدر أن يحافظ على النظرة الإلهية للوحي، وفي الوقت نفسه، يكون هذا الوحي قادراً على التعاطي مع مشكلات الواقع المعاصر بالكفاءة التي كان عليها في عصر النزول نفسها، ومن أجل أن يثبت أن الوحي قادرٌ بالفعل على أن يؤدي هذه المهمة، قدَّم مشروعه الأبرز في هذا السياق تحت مسمى (التفسير الموضوعي) للقرآن، عبر جدليةٍ مستمرَّةٍ شرح تفاصيلها في كتابه (المدرسة القرآنية) كما هو معلوم.

إن منهج التفسير الموضوعي الذي دعا السيد الشهيد الصدر إلى تطبيقه في حقل تفسير القرآن، هو الرد الحقيقي على تلك المشاريع التأويلية الحداثية التي تبناها بعض الباحثين في الوسط الإسلامي، إذ هي مشاريع تأويلية هرمنيوطيقية لا تستند إلى فلسفةٍ لسانيةٍ رصينة(18)، كما انها تجعل من نفسها مجرَّد أداةٍ بيد الحداثة الغربية لتسويغ مبادئها العبثية والسفسطائية عبر تفريغ النصوص الدينية المقدَّسة، وفي مقدمتها القرآن من محتواها، ومن الواضح أن السبب في سلوك هذا الطريق الالتفافي الطويل هو أنه أصبح مؤكَّداً لدى مفكري الحداثة أن تخلي الناس عن أديانهم هو مما برهن الواقع العملي على أنه محال، إذ بقي الدين مؤثَّراً وفاعلاً، بل حاول الدخول في ميادين الصراع السياسي ونجح في بعض الحالات، هنا جاء دور فلسفة ما بعد الحداثة لتحقق الغاية الحداثية ذاتها عن هذا الطريق، وهو أن يتمّ تأويل النص الديني المؤسس للإسلام طبقاً لهذه المنهجيات التي تعامل القرآن كما لو أنه نصٌّ أدبيٌّ رمزيٌّ أو سرياليّ، حتى يتمّ تفسيره طبقاً لخلفياتٍ ثقافيةٍ وقبلياتٍ تتوافق كلياً مع عقلانية الحداثة، فيقتنع الناس الذين يقدِّسون الدين ويحترمونه بأن هذا هو التأويل الحداثي الصحيح للقرآن، إذ إن النصّ ثابتٌ بحكم قداسته، لا بأس بهذا، لكنَّ تأويله متغيِّر، فلكلِّ زمانٍ تأويلٌ للقرآن منسجمٌ مع قبليات المفسرين المأخوذة من معارف العصر، واليوم نحن نطبق هذا الإجراء، نطبق منهجيات التأويل الحديثة التي هي متواءمةٌ مع ثقافة العصر وفلسفته على القرآن، ليكون الناتج من هذه العملية التأويلية الهرمنيوطيقية هو المعنى الحداثي الصحيح للإسلام، وما هو هذا الناتج التأويلي من القرآن؟ هو بلا شكٍّ ما يؤدي إلى هذه المعاني الثلاثة:

  1. إن القرآن كتابٌ تاريخي، خاصةً في قسمه المكوَّن من الآيات التي لا يؤدي تأويلها إلى معنىً متَّفقٍ كلياً مع مبادئ الحداثة.
  2. إن القرآن نصٌّ رمزيّ، أو قل إنه نصٌّ مكتوبٌ بلغةٍ شعريةٍ خياليةٍ مجنَّحةٍ وليس لما ورد فيه حقيقةٌ واقعيةٌ وراء النصّ(19).
  3. لكلِّ إنسانٍ أن يسقط على القرآن تبعاً لخلفياته المعرفية الخاصة الدلالة التي يريد، وهي لا تتفق في قليلٍ أو كثيرٍ مع الدلالات الأخرى بالضرورة، على أنها جميعاً صحيحةٌ ولا مجال لاتهام إحداها بأنها تمثل الباطل، وهو ما يصرح به سعيد بنكراد علانيةً إذ يقول:” أن يكون التأويل لا متناهياً معناه أنَّ كلَّ الأفكار صحيحةً حتى ولو تناقضت فيما بينها، وكلّ الإحالات ممكنةً حتى ولو أدَّت إلى إنتاج مدلولاتٍ عبثية”(20).
  4. بناءً على ما سبق، فإن الدين شأنٌ فرديٌّ وشخصيّ، فلا يصحّ القول إن له وظيفةً اجتماعيةً تتجاوز الفرد الذي له الحقّ أن يعبِّر عن هذا الدين بصفته عباداتٍ وشعائر وطقوساً وأخلاقاً شخصية، على أن لا تتعدّى هذه الأخلاقيات الصفة الشخصية للفرد، فتختار لنفسها سبيل المعارضة مع الأخلاقيات المضادَّة، حتى لو كان ذلك في نطاق المجتمع الإسلامي الواحد(21)، طبعاً هذه هي الصفة التي حظي بها الدين في ظلِّ الحداثة التي يصفها فلاسفة ما بعد الحداثة بأنها كانت متزمتةً ومغلقةً ومتمركزةً حول الذات، وقالوا إن فلسفة ما بعد الحداثة جاءت لتدين هذا التزمت، فلم تفعل أكثر من أنها طردت التزمت والانغلاق الحداثيّ ضدَّ الدين من الباب لنفسح له مجال الدخول من النافذة الأوسع.

مثل هذا الدور للدين لا يمكن أن يكون فاعلاً ومؤثراً في الحياة المدنية للإنسان الحديث، كما ان هذه الرؤية تتناقض كلياً مع كون الإسلام لديه عقلانيته الخاصة التي هي أتمّ وأكمل من العقلانية المادية للحداثة(22)، وطبعاً لا ينوي الإسلام أن ينفي حداثة الغرب، كلّ ما يريده هو أن تكون له كلمته المسموعة أيضاً في نقد هذه الحداثة وتصحيح بعض مساراتها الخاطئة.

شيءٌ آخر، إن هذه الرؤية الضيقة للدين من شأنها أن تحوِّل الدين إلى تجربةٍ معنويةٍ شخصيةٍ لا تختلف عن أية تجربةٍ معنويةٍ أخرى ليس لها بعدٌ إلهي، كالتجارب المعنوية للشعراء والفنانين، وهي حالةٌ معنويةٌ نابعةٌ من وجدانٍ شخصي، ومن تأمُّلٍ ذاتي، وإرثٍ روحيٍّ فرديٍّ في نهاية المطاف(23).

 

المبحث الرابع

المشروع الحداثي للسيد الصدر والمشروع الحداثي للسيد فضل الله/تنوُّع أدوار ووحدة هدف

بعد استشهاد السيد الصدر لا يوجد مشروعٌ فلسفيٌّ يؤسس للحداثة الإسلامية بأهمية المشروع الفلسفي للسيد محمد حسين فضل الله، على الرغم من وجود مشاريع فلسفية مهمة أيضاً في سياق التأسيس لهذا المشروع، كالمشروع الفلسفي للدكتور طه عبد الرحمن في المغرب، والمشروع الفلسفي للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي في إيران، إلا أن الأول نجح نجاحاً كبيراً في إبراز الأنا المعرفي الإسلامي في مواجهة عقدة الدونية التي تأسست عليها مشاريع فلسفية حداثية في الوسط الإسلامي، كالمشروع الهرمنيوطيقي للدكتور نصر حامد أبي زيد، والمشروع التفكيكي للدكتور علي حرب، والمشروع التغريبي للدكتور محمد أرغون في المجال العربي، ومشاريع شبيهة بها ظهرت في المجال الإيراني، كمشروع الدكتور عبد الكريم سروش، ومشروع الشيخ محمد مجتهد شبستري، ومشروع الدكتور مصطفى ملكيان، هذه المشاريع كلها تأسست على عقدة الشعور بالدونية أمام الفكر الحداثي الغربي، فيصلح المشروع الفلسفي للدكتور طه عبد الرحمن لمواجهتها، لكنه لا يحقق النجاح نفسه على مستوى إبراز المفاصل الرئيسة للمضمون المعرفي الإسلامي، بحيث يكون هو البديل الأنسب عن المضمون المعرفي للحداثة المادية الغربية، أما المشروع الفلسفي الحداثي للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، فهو يتكفل بتحقيق النجاح على المستويين معاً، إلا أنه لم يحقق لنفسه مساحة انتشار واسعة في الوسط الثقافي الإسلامي العام، فكان تأثيره في النخب الثقافية الإسلامية خارج نطاق المؤسسة الدينية ضيق النطاق، بالقياس إلى التأثير الواسع الذي مارسه المشروع الإسلامي الحداثي للسيد فضل الله، وعلى هذا الأساس، من المناسب اعتبار المشروع الحداثي للسيد فضل الله هو الامتداد الطبيعي للمشروع الحداثي الإسلامي للسيد الصدر، ولهذا فإننا يمكن أن نتتبع المفاصل الضرورية التي لم يعطها السيد الصدر حقها في البحث والدراسة بسبب استشهاده قبل الإنجاز الكامل للمشروع، فنقوم باستيفاء النقص عن طريق كتابات السيد محمد حسين فضل الله في هذا السياق، خذ على سبيل المثال، أن السيد الصدر عالج مسألة الرؤية الكونية الفلسفية للإسلام، وعالج أيضاً المسألة الاقتصادية، كما عالج المسألة السياسية، لكنه لم يعالج في كتابٍ مستقلٍّ مسألة الاجتماع، على الرغم من وجود الشذرات المتفرقة عن هذا الموضوع في ثنايا كتاباته، فيمكن استيفاء النقص من خلال مؤلفات السيد محمد حسين فضل الله في هذا الصدد، ثمة شيءٌ آخر، وهو أن أسلوب السيد الصدر في معالجة مختلف القضايا التي تشكل المفاصل الرئيسة لمشروع الحداثة الإسلامية، هو أسلوب أكاديمي تخصصي، فيمكن النظر إلى الكثير من كتابات السيد فضل الله في الموضوعات نفسها على أنه بسطٌ لما يريد السيد الصدر أن يقوله، لو أنه أتيح له أن يكتب بالأسلوب المفعم بالحياة، والقريب إلى نفوس الجماهير الذي هو السمة البارزة لأسلوب السيد محمد حسين الله في الكتابة.

ما أراد السيد الصدر أن يؤكد عليه من خلال مشروعه الحداثي الإسلامي هو أن الإسلام ليس فكراً تاريخياً عفا عليه الزمن، بل هو حركة فكرية متجددة قادرة على أن تكون هي المعيار لكلِّ ما هو صائب وما هو غير صائب في الفكر الإنساني كلِّه، وليس في الفكر الغربي وحده، ليس من منطلق التعلق الوجداني به كما يتخيل بعض من لم يستطيعوا الغور عميقاً في معرفة الأبعاد الفلسفية الحقيقية لهذا الدين، بل من منطلق التحليل الدقيق لهذه الأبعاد، ومقارنتها بجميع الأبعاد الفلسفية الأخرى التي كانت ثمرة التفكير الإنساني المستقلّ عن وحي السماء، يقول السيد فضل الله مؤكداً هذا المعنى: “نحن نؤكد أن الإسلام يملك من خلال مواقعه الثقافية-بكلِّ تنوعاتها- أن يواجه الفكرة المضادَّة التي ربما جاء بها العصر، أو أن يقف من المتغيرات موقف الباحث الذي يدرس كلَّ مفردةٍ من مفرداتها بطريقةٍ موضوعيةٍ يتعرف من خلالها ما ينسجم منها مع الفكر الإسلامي فيلتقي به، وما يتنافى مع هذا الفكر فيناقشه. إننا نعتقد أن الإسلام يملك حيوية ثقافية في مواجهة كلِّ التحديات الفكرية التي تناقض فكره، أو تناقش فكره، أو تنحرف بالواقع عن مسار فكره، ليست المسألة أننا ننتظر أن يأتي الآخرون لننتج فكراً جديداً، بل أن نحرك ما لدينا من فكرٍ لمواجهة كلِّ التحديات”(24).

فالمبادرة إلى طرح المنجز الحضاري الإسلامي بعد الصياغة الدقيقة له، هو الحل الأوفق لحسم الصراع مع الحداثة الغربية ذات البعد المادي الواحد، لتعلم الشعوب أن الإمكانات الحداثية المتاحة لا تمثلها هذه الحداثة الغربية العوراء فقط، بل هناك حداثة أخرى تنظر بعينين اثنتين، إذ لها بعدان، البعد المادي والبعد الروحي معاً، ولا يوجد تصادم أو تناقض بين هذين البعدين، بل يكمل أحدهما الآخر، ويتلاحمان معاً في إنجاز المشروع الحضاري المناسب للإنسان الحديث.

من الواضح أن السيد الصدر لا يريد إلغاء البعد المادي من الحداثة الغربية، بل هو راغب فقط في أن تنفتح الحداثة الغربية على البعد الروحي كذلك، فما يرفضه الصدر هو الأساس المادي للرؤية الفلسفية التي تريد الحداثة الغربية أن تؤطر بها عقل الإنسان الحديث، وهو ما يقلب معادلة القيم والأخلاق رأساً على عقب، فتتحوَّل كل المنجزات المادية التي حققتها الحداثة الغربية إلى شيءٍ ضارٍّ للإنسان، والحقيقة ان السيد الصدر ليس وحده هو الذي يعتقد ذلك، بل سبقه إلى مثل هذا الاعتقاد فلاسفة غربيون كثيرون انتقدوا اقتصار الحداثة الغربية على الأبعاد المادية، واستهجانها غير المبرر للأبعاد الروحية والمعنوية، لكن معالجاتهم لهذه القضية، لم تكن تتجه نحو التأصيل المعرفي والفلسفي العميق كما فعل السيد الصدر، وكذلك السيد محمد حسين فضل الله من بعده، يقول السيد فضل الله: “أما الحداثة فإنها تمثل منهجاً في فهم القضايا والأشياء، ولعلَّها تختلف في خطوطها، فهناك الحداثة التي تنطلق من فلسفة مادية تلغي معنى الله في حركة العالم، وفي حركة الإنسان، وهناك حداثة لا تتنكر لله، ولكنها تنفتح على المنهج باعتبار أن العقل هو الذي يمكن أن يواجه قضايا الإنسان ليؤصِّلها، وينظِّمها، ويحرِّكها في الاتجاه الصحيح. أما نحن فمن الطبيعي أننا ننكر على الحداثة أن تكون مادِّية في فلسفتها، ولكننا نلتقي مع الحداثة في المنهج العقلي وفي الأسلوب، والطريقة الموضوعية لمواجهة الأشياء”(25).

الحداثة الغربية تناقض نفسها عندما تعلن أنها تقبل الرأي الآخر، وأنها قائمة على أساس العقلانية والإنسانية، فإذا كانت الحداثة تعترف بالرأي الآخر، فلماذا يرفض الحداثيون الغربيون وجهة نظر الحداثيين الإسلاميين، لماذا لا يناقشونهم على قاعدة العقلانية التي دعوا إليها، وقالوا إنها مرتكز رئيس من مرتكزات الحداثة، هذا إن كانت العقلانية تعني العقل الفطري الذي يجمع الناس على قيمته، واتخاذه منهجاً سليماً للحوار والنقاش، أما العقلانية التي تعني تلك المنظومة الثقافية الغربية التي هي ثمرة صراع طويل بين العلم والدين في المسار الثقافي الغربي، فهي ليست عقلانيةً يجمع الناس عليها، وليس من المعقول مطالبتهم بالاتفاق حولها، لأنها ببساطة ثمرة ظروف موضوعية ليست هي ظروفهم، ولا تشكل بالنسبة إليهم منطلقاً لصياغة رؤيةٍ كونيةٍ يفسرون الدين والعلم وعلاقة الإنسان بهما من خلالها. العقل الفطري هو محلّ الإجماع، والعقل الثقافي هو محلّ الاختلاف، فليكن الحوار بين الحداثات المتعددة على أساس العقل الفطري وليس العقل الثقافي، لتقدم كلّ حداثةٍ ما عندها من نقدٍ للحداثة الأخرى، فيتمّ الإبقاء على ما هو صالحٌ بعد النقد، وطرح ما هو غير صالحٍ بعد النقد كذلك(26).

إن أغلب من يتبنون الحداثة الغربية منهجاً في التفكير، يتحدثون عن ضرورة أن يصبح الفكر عقلانياً، وأن تكون مشاريعنا الحضارية عقلانية، والواقع انهم لا يقصدون هذا المعنى الذي ذهب إليه السيد فضل الله، هم يقصدون نوعاً خاصاً من العقلانية الثقافية التي تمثل عقلانية الحداثة الغربية، فيجعلونها مقياساً يقيسون عليه العقلانيات الثقافية الأخرى، فما وافقها كان مستحقاً لصفة العقلانية عندهم، وما خالفها كان غير عقلاني بالضرورة، وعلى هذا الأساس تمَّ نقد المشروع الحضاري الإسلامي، فهو في رأي الحداثة الغربية والحداثيين مشروع غير عقلاني، لأنه لا يتطابق مع مشروع الحداثة الغربية فقط، وليس لأنه لا يستند إلى مبادئ العقل الفطري السليم الذي يجتمع عليه كل الناس، بل بالعكس، إذا صار المعيار لقبول الأفكار ورفضها هو هذا العقل الفطري، فإن النتيجة ستكون في صالح المشروع الحضاري الإسلامي وليس في صالح المشروع الحداثي الغربي، فما نراه من مشاريع حداثية تنتصر لوجهة نظر الغرب في صياغة الحداثة، إنما اصطدمت بالمبادئ التي يستند إليها الفكر الديني الإسلامي، لأنها أرادت أن تجعل من عقلانيتها الخاصة التي هي عقلانية ثقافية، معياراً إنسانياً عاماً لقياس مستوى العقلانية في الفكر الإسلامي، والحال ان هذا منهج غير سليم في محاكمة الأفكار، بل المنهج السليم هو الانطلاق من العقل الفطري إلى قياس منسوب العقلانية في كل فكر، بما في ذلك الفكر الإسلامي وفكر الحداثة الغربية(27).

من هنا لا يكون من المنطقي مطالبة المفكر الإسلامي أو الفقيه، بتبديل القواعد الإسلامية التي يعتمدها في التفكير، على الرغم من أن ما ينتجه من أفكار وآراء فقهية أو كلامية إنما هو يمثل وجهات نظر بشرية غير معصومة، لأن أساس المطالبة بهذا الإجراء ليس منطقياً أصلاً، فهو يعتمد على وجهة نظر غير منقحة، تقضي بأن قواعد التفكير التي تعتمدها الحداثة الغربية هي القواعد المنهجية الصحيحة وما عداها هو الخطأ، فلماذا لا يصار إلى أن نأتي إلى كلمة سواء تحكم بين الفريقين، وهذه الكلمة السواء هي مبادئ العقل الفطري، فننطلق منها إلى معرفة أي الفريقين يمثل الصواب، فنتبع الحق أينما وجد، فهؤلاء الذين يطالبون بتغيير القواعد الإسلامية من أصحاب المشاريع الحداثية الغربية، يناقضون أنفسهم إذ يعتقدون أن الحداثة لا تمثل فكراً ثابتاً ومستقراً وهي في معرض التغير دائماً، ويطالبون في الوقت نفسه الآخرين بأن يجعلوا قواعد التفكير لديهم مطابقة لمنهج الحداثة، عن أي فكر حداثي يتحدثون، وهو فكر ينسخ نفسه باستمرار ولا يستقر على حال أبداً(28)، فليست المسألة مسألة قداسة يضفيها الفقيه أو المتكلم على النص الديني، هذا الجانب لا مدخلية له في عملية الحوار بين الحداثة والفكر الإسلامي، بل هو جانب يخص مساحة الممارسة والتطبيق لدى كل من الفقيه والمتكلم، أما في عملية الحوار، فلا أثر لهذه القداسة في مسألة الحكم على خطأ الأفكار وحقانيتها، في هذه الدائرة لا حكم إلا لمبادئ العقل الفطري وما تؤدي إليه عملية الاستدلال انطلاقاً من هذه المبادئ، وهو ما لا تسلم به الحداثة الغربية والحداثيون بحال.

عندما قام السيد الصدر بتأليف كتاب ((الأسس المنطقية للاستقراء)) كان يريد أن يبرهن للحداثيين الغربيين أن الأساس المنهجي الذي تعتمد عليه العلوم التجريبية كلها، وهو منهج التجريب والاستقراء، ليس صالحاً للعلوم المادية فقط، بل يمكن من خلاله إثبات الحقيقة الإيمانية الكبرى المتعلقة بوجود الله(30)، فحوَّل الخلاف مع الحداثة الغربية من خلافٍ حول المنهج إلى خلافٍ حول التفاصيل، كذلك فعل السيد فضل الله في كلِّ حواراته عن الحداثة والإسلام، إذ كان يركز على أن الخلاف ليس حول المنهج، بل حول التفاصيل، بمعنى أن منهج الحداثة يعتمد على العقلانية، فالإسلام يعتمد في منهج تفكيره على العقلانية كذلك، هذه نقطة اتفاق يمكن الانطلاق منها للحوار على قاعدة العقل، أما التفاصيل المتعلقة بالموقف من نسبية الأخلاق، أو من الحرية الفردية، أو العلاقات الجنسية..إلخ، فهذه تفاصيل نحن مختلفون حولها، ويجب أن يكون الموقف منها مؤجَّلاً حتى ننتهي من الحوار على قاعدة العقل حول كل هذه الأمور، والمرتكزات العقدية التي تتأسس عليها، يقول السيد فضل الله في هذا السياق: “إن منهج الإسلام يلتقي مع كثيرٍ من مناهج الحداثة في معنى العقلانية، وإن كان قد يختلف في التفاصيل مع حداثةٍ هنا وحداثةٍ هناك”(30).

ما يركز عليه السيد محمد حسين فضل الله في كلِّ مناسبة، هو أن يتجاوز المسلمون عقدة الدونية أمام الحداثة الغربية التي لها أبعاد متشعبة في الواقع المعاصر، منها الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، من دون أن يقعوا في العزلة، أو أن يقرروا عدم التعاطي مع العناصر الإيجابية في هذا الفكر الحداثي الغربي، لأن عدم التعاطي مع هذا الفكر في دائرة الحوار والممارسة، ينبع هو أيضاً من هيمنة عقدة الدونية على الفكر الإسلامي الحديث، إذ إن المسلمين إن كانوا قادرين على تثوير ثقافتهم الإسلامية في مواجهة هذه الحداثة، فإنه لا موجب لهذه العزلة ولهذا الابتعاد عن مناسبات الحوار والتعاطي الإيجابي معها في المحاور التي يعلمون أنها لا تتقاطع مع المسار العام لهذه الثقافة، ولا يمكن لهذه الثقة أن توجد لدى المسلمين بمنظوماتهم الفكرية والثقافية إلا بعد أن يكونوا قادرين على تقديم نموذج حضاري متميز، يستطيع أن يقنع الآخرين بأنه يشكل إضافة مهمة لمشروع الحداثة، فيعدل من مساراتها الخاطئة، ويرسم لها مساراتٍ أفضل، بحيث تكون نافعة للمجتمع العالمي كله، من دون قسر وإكراه نابعَين من الشعور بالقوة، والرغبة بالهيمنة على الآخر باسم هذا النموذج الحداثي الغربي الذي لا يصمد أمام النقد في حال أن المسلمين اكتشفوا نموذجهم الحضاري تنظيراً وممارسة، ونجحوا في تقديمه للعالم، ونحن نؤكد أن الإسلام يملك من خلال قواعده الثقافية ـ بكل تنوعاتها ـ أن يواجه الفكرة المضادة التي ربما جاء بها العصر، أو أن يقف من المتغيرات موقف الباحث الذي يدرس كل مفردة من مفرداتها بطريقة موضوعية يتعرف من خلالها ما ينسجم منها مع الفكر الإسلامي فيلتقي به، وما يتنافى مع هذا الفكر فيناقشه.إننا نعتقد أن الإسلام يملك حيوية ثقافية في مواجهة كل التحديات الفكرية التي تناقض فكره، أو تناقش فكره، أو تنحرف بالواقع عن مسار فكره، ليست المسألة أننا ننتظر أن يأتي الآخرون لننتج فكراً جديداً، بل أن نحرك ما لدينا من فكر في مواجهة كل التحديات”(31).

 

الخاتمة: بعد الانتهاء من خوض غمار هذا البحث يمكن تلخيص النتائج التي توصلنا إليها في الآتي:

  • كان السيد الشهيد هو صاحب المغامرة المنهجية المنظمة في سياق التأسيس لمشروع الحداثة الإسلامية في مواجهة الحداثة المادية الغربية.
  • لا بد من الحوار مع الحداثة الغربية على قاعدة العقلانية التي هي موضع اتفاق بين الحداثة والإسلام، لترسيخ مفهوم الحداثة الإسلامية التي ربما التقت مع الحداثة الغربية في بعض التفاصيل، وربما اختلفت معها في بعضها الآخر، فإن المهم هو أن يكتشف كل فكر أخطاءه، ويعمل على تجاوزها، ليتكامل مع الفكر الآخر في سبيل صياغة جديدة للحداثة تكون أكثر نفعاً للإنسان في العصر الحديث.
  • هناك مشاريع فلسفية واصلت مسيرة السيد الصدر في التأسيس للحداثة الإسلامية، منها المشروع الفلسفي للدكتور طه عبد الرحمن، والشيخ محمد تقي مصباح اليزدي، لكن أفضلها هو المشروع الفلسفي للسيد محمد حسين فضل الله.

التوصيات:

  • تأسيس مركز للدراسات الاستراتيجية، يختصّ بمواصلة مسيرة السيد محمد باقر الصدر في التنظير لهذا المشروع الحضاري المهمّ في العراق.
  • تأسيس أقسامٍ خاصةٍ في كليات الفقه والشريعة، لدراسة الفكر الإسلامي الحديث، ومقارنته بمدارس الفكر الغربي، لتخريج كوادر تدريسية متخصصة في هذا الموضوع.
  • أن تقوم الحوزة العلمية الشريفة من خلال التعاون مع الجامعات العراقية بتأسيس مراكز بحثية في مجال علم الكلام الجديد، على أن ينضم إلى هذه المراكز مؤلفون حقيقيون قادرون على طرح النظريات الإسلامية الجديدة في مختلف المجالات، العقائدية والسياسية والاجتماعية.

 

الهوامش

  • ينظر في معنى السفسطائية وموقفها من مختلف المسائل:المعجم الفلسفي، الجزء الأول، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1982م، ص 258 و ص658.
  • عندما نقول انها منسجمة مع المسار الثقافي الغربي، فإننا نعني ما قاله الدكتور طه عبد الرحمن في هذا السياق من أن واقع الحداثة في المجتمع الغربي قام على أساس مواجهة الكنيسة، بسبب أنها مارست الوصاية على الدين والروح والثقافة والسياسة باسم الدين، كما ان هذه الكنيسة تسببت في حدوث حروب أهلية طويلة مزَّقت المجتمع الغربي كلَّ ممزَّق، ومن الطبيعي أن يدعو مثل هذا الوضع إلى تحرير الإنسان الغربي وتحرير عقله من التبعية لهذه الكنيسة التي سببت له كل تلك الكوارث، أما في السياق الإسلامي، فلا توجد كنيسة تتمتع بهذه الصلاحيات، ولا توجد تعاليم دينية تؤسس لمثل هذا الخراب، لذلك “يترتب على هاتين الحقيقتين التاريخيتين نتيجة أساسية وهي أن مقتضى الحداثة الإسلامية يضادّ مقتضى الحداثة الغربية” روح الحداثة، د.طه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، بيروت-لبنان، 2006م، ص194، ص194.
  • الحق أن فلاسفة الحداثة وما بعد الحداثة غالباً ما يناقضون أنفسهم في هذا الشأن، فيقولون إن القضايا الدينية لا يمكن نفيها ولا إثباتها، ثم يفاجئون القارئ بكتاباتٍ ينفون فيها الواقع الموضوعي لهذه القضايا الدينية، ولو أنهم انسجموا مع هذا المبدأ الذي أعلنوه، لقالوا إننا لا نثبت الواقع الموضوعي لهذه القضايا، إلا أن عدم القابلية للإثبات لا يعني عدم الوجود، فربما كان لها واقعٌ موضوعي، إلا أننا بوسائلنا البشرية المتاحة حتى الآن لا نستطيع أن نبرهن على الإثبات.
  • ينظر: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، إمبرتو إيكو، ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، 2000م، ص137 فما بعدها، ينظر أيضاً: النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة، طيب تيزيني، دار الينابيع، ط2، دمشق، 2008م، ص183 وما يليها.
  • ينظر في هذا السياق: فلسفة المعنى القرآني بين المعيارية اللغوية والهرمنيوطيقا، د.باسم الحسناوي، مطبعة الثقلين، ط1، النجف الأشرف، 2021م، ص74 وما بعدها.
  • فلسفة الصدر، دراسات في المدرسة الفكرية والفلسفية للإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، د.محمد عبد اللاوي، دار الإسلام، جامعة الإمام جعفر الصادق ع، ط2، 2016م، ص68.
  • فلسفتنا، السيد محمد باقر الصدر، دار المعارف للمطبوعات، 1982م.
  • اقتصادنا، السيد محمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات، ط20، بيروت، 1987م.
  • الأسس المنطقية للاستقراء، السيد محمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1986م.
  • ينظر: الرؤية الكونية التوحيدية، الشهيد مرتضى المطهري، ترجمة عبد الكريم الخاقاني، معاونية العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي، ط2، 1989م، ص21 فما بعدها.
  • ينظر: المدرسة القرآنية، التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي والسنن التاريخية وعناصر المجتمع في القرآن الكريم، محاضرات سماحة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، ط2، 2013م ص27.
  • هؤلاء الذين يسلكون هذا السبيل ليس أمامهم إلا اعتناق المنهجيات الهرمنيوطيقية التي تتيح لهم القول بتاريخية قسم كبير من آيات الأحكام في القرآن الكريم، وقسم كبير من السنة، وإمكانية تأويل النصوص الدينية تأويلات جزافية متعددة، بحيث يتطابق معنى النص الديني مع مقتضيات الحداثة، ومن الواضح أن هؤلاء كثيرون في الوسط الإسلامي اليوم، منهم الدكتور محمد أرغون، والدكتور نصر حامد أبو زيد، وعبد الكريم سروش، وآخرون، ينظر في ذلك: الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن الكريم/ دراسة ونقد، الدكتور أحمد محمد الفاضل، مركز الناقد الثقافي، دمشق، 2008م، ص205 وما بعدها.
  • روح الحداثة، مصدر سابق، ص188.
  • التراث والتجديد، د.حسن حنفي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط4، 1992م، ص115. وينظر أيضاً: إشكاليات القراءة وآليات التأويل، د.نصر حامد أبو زيد، الطبعة السادسة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، 2001م، ص49.
  • ينظر: السياسة المدنية، أبو نصر الفارابي، دار ومكتبة الهلال، 1996م.ص89. ينظر كذلك: إسلام الفلاسفة، منجي لسود، دار الطليعة،ط1، بيروت، 2006م، ص53 وما بعدها
  • تنظر: دلالة النص الديني في ضوء نظرية بشرية الوحي عند الدكتور عبد الكريم سروش، أطروحة دكتوراه للدكتور باسم عبد الحسين، جامعة البصرة/كلية الآداب، 2015م. ينظر كذلك: بشرية الوحي/أزمة التصورات المغلوطة، للدكتور مصطفى عزيزي، مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقدية، 2021م. ينظر أيضاً: كتاب روح الحداثة، مصدر سابق، ص178 وما بعدها، عندما تحدث عن خطط القراءات الحداثية المقلدة التي استهدفت وضع القرآن الكريم في السياق البشري بعيداً عن مصدره الإلهي.
  • المدرسة القرآنية، مصدر سابق، ص8 فما بعدها.
  • ينظر: –      الفهم الحداثي للنص القرآني، د. باسم الحسناوي، دار ابن النفيس للنشر، والتوزيع، ط1،المملكة الأردنية الهاشمية، 2020م، ص25 وما بعدها.
  • ينظر: الفن القصصي في القرآن الكريم، محمد أحمد خلف الله، مع شرح وتعليق خليل عبد الكريم، الانتشار العربي، الطبعة الرابعة، بيروت-القاهرة، 1999م، ص21 وما بعدها.
  • التأويل بين السيميائية والتفكيكية، مصدر سابق، ص14.
  • بل التجربة النبوية نفسها هي تجربة معنوية خاصة بالنبي محمد(ص)، وهي ليست ملزمة لأحد في رأي الكثير من الحداثيين، ينظر: الكتاب والسنة، محمد مجتهد شبستري، ترجمة: حيدر نجف، مراجعة: عبد الجبار الرفاعي، مركز دراسات فلسفة الدين، ط1، بغداد-شارع المتنبي، 2013م،.ص22.
  • ينظر ومضات/ مجموعة مقالات ومحاضرات ووثائق، النظام الإسلامي مقارناً بالنظام الرأسمالي والماركسي، السيد محمد باقر الصدر، المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، ط4، قم، 1428هـ، ص100.
  • الإسلام وتحديات العصر، حوار مع:العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، حاوره:صحيفة “المجد” الأسبوعية بتاريخ 29/ذي الحجة/1421ه / ٣/٤/٢٠٠.اللقاء منشور في موقع بينات الالكتروني. http://arabic.bayynat.org/DialoguePage.aspx?id=3475
  • المصدر نفسه والموقع.
  • ينظر: الفهم الحداثي للنص القرآني، مصدر سابق، 203- وما بعدها.
  • ينظر: تحديات الإسلام بين الحداثة والمعاصرة، السيد محمد حسين فضل الله، دار الملاك، بيروت-لبنان، ص19-21.
  • الإسلام وقدرته على التنافس الحضاري، السيد محمد حسين فضل الله، دار الملاك، بيروت-لبنان، 1999م، ص36 وما بعدها.
  • ينظر: الحداثة وما بعد الحداثة/(تثبيت الأصول أم كسر النماذج)، سعيد المتدين، مجلة فكر ونقد، العدد الثاني، الرباط، المغرب، 1997، ص47.
  • الأفضل بالنسبة للقارئ غير المتخصص الاطلاع على هذا الدليل في كتاب السيد الشهيد الصدر: موجز أصول الدين، فقد كتب هناك فصلاً بعنوان (الدليل العلمي لإثبات الله تعالى)، شرح فيه كيفية الاستدلال بالدليل الاستقرائي على وجود الله تعالى، وهو مطابق تماماً لما عرضه السيد الشهيد الصدر في الأسس المنطقية للاستقراء، ولكن بأسلوب مبسط. ينظر: موجز أصول الدين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت لبنان، 1992م، ص21-41.
  • تحديات الإسلام بين الحداثة والمعاصرة، مصدر سابق، ص 41.
  • الاسلام وتحديات العصر، مصدر سابق.

المصادر

  • الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن الكريم/ دراسة ونقد، الدكتور أحمد محمد الفاضل، مركز الناقد الثقافي، دمشق، 2008م.
  • الأسس المنطقية للاستقراء، السيد محمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1986م.
  • إسلام الفلاسفة، منجي لسود، دار الطليعة،ط1، بيروت، 2006م.
  • الإسلام وقدرته على التنافس الحضاري، السيد محمد حسين فضل الله، دار الملاك، بيروت-لبنان، 1999م.
  • إشكاليات القراءة وآليات التأويل، د.نصر حامد أبو زيد، الطبعة السادسة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب، 2001م.
  • اقتصادنا، السيد محمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات، ط20، بيروت، 1987م.
  • بشرية الوحي/أزمة التصورات المغلوطة، للدكتور مصطفى عزيزي، مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقدية، 2021م.
  • التأويل بين السيميائية والتفكيكية، إمبرتو إيكو، ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، 2000م.
  • تحديات الإسلام بين الحداثة والمعاصرة، السيد محمد حسين فضل الله، دار الملاك.
  • التراث والتجديد، د.حسن حنفي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط4، 1992م.
  • دلالة النص الديني في ضوء نظرية بشرية الوحي عند الدكتور عبد الكريم سروش، أطروحة دكتوراه للدكتور باسم عبد الحسين، جامعة البصرة/كلية الآداب، 2015م.
  • روح الحداثة، د.طه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، بيروت-لبنان، 2006م، ص194.
  • الرؤية الكونية التوحيدية، الشهيد مرتضى المطهري، ترجمة عبد الكريم الخاقاني، معاونية العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي، ط2، 1989م.
  • السياسة المدنية، أبو نصر الفارابي، دار ومكتبة الهلال، 1996م.
  • فلسفة الصدر، دراسات في المدرسة الفكرية والفلسفية للإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، د.محمد عبد اللاوي، دار الإسلام، جامعة الإمام جعفر الصادق ع، ط2، 2016م، ص68.
  • فلسفة المعنى القرآني بين المعيارية اللغوية والهرمنيوطيقا، د.باسم الحسناوي، مطبعة الثقلين، ط1، النجف الأشرف، 2021م.
  • فلسفتنا، السيد محمد باقر الصدر، دار المعارف للمطبوعات، 1982م.
  • الفن القصصي في القرآن الكريم، محمد أحمد خلف الله، مع شرح وتعليق خليل عبد الكريم، الانتشار العربي، الطبعة الرابعة، بيروت-القاهرة، 1999م.
  • الفهم الحداثي للنص القرآني، د. باسم الحسناوي، دار ابن النفيس للنشر، والتوزيع، ط1،المملكة الأردنية الهاشمية، 2020م.
  • الكتاب والسنة، محمد مجتهد شبستري، ترجمة: حيدر نجف، مراجعة: عبد الجبار الرفاعي، مركز دراسات فلسفة الدين، ط1، بغداد-شارع المتنبي، 2013م.
  • المدرسة القرآنية، التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي والسنن التاريخية وعناصر المجتمع في القرآن الكريم، محاضرات سماحة الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، ط2، 2013م.
  • المعجم الفلسفي، الجزء الأول، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1982م، ص258 و ص658.
  • موجز أصول الدين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت لبنان، 1992م.
  • النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة، طيب تيزيني، دار الينابيع، ط2، دمشق، 2008م.
  • ومضات/ مجموعة مقالات ومحاضرات ووثائق، النظام الإسلامي مقارناً بالنظام الرأسمالي والماركسي، السيد محمد باقر الصدر، المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، ط4، قم، 1428هـ.

المجلات والدوريات

  • الحداثة وما بعد الحداثة/(تثبيت الأصول أم كسر النماذج)، سعيد المتدين، مجلة فكر ونقد، العدد الثاني، الرباط، المغرب، 1997.

مواقع الانترنت

  • الاسلام وتحديات العصر، حوار مع:العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، حاوره:صحيفة “المجد” الأسبوعية بتاريخ 29/ذي الحجة/1421ه / ٣/٤/٢٠٠.اللقاء منشور في موقع بينات الالكتروني. arabic.bayynat.org

مؤسسة دار الإسلام الثقافية الخيرية