مع تزايد أعداد المسلمين المهاجرين في بريطانيا خصوصاً من أبناء الشعب العراقي في بداية التسعينات من القرن العشرين خصوصاً من أبناء الشعب العراقي، واتساع الأعمال والنشاطات الإسلامية في هذه الساحة، ولأجل استقطاب هذه الطاقات الإسلاميّة اجتمع المخلصون من أبناء الأمّة إلى التّحرّك الجاد والعمل لإقامة مركز إسلاميّ يتناسب وحاجات الجالية الإسلامية المتزايدة في لندن، فتقرّر تشكيل مؤسسة خيرية باسم (دار الإسلام) بمبادرة من سماحة العلامة السيد حسين بركة الشامي وتعاون الأخوة المؤمنين ومساهمة مجموعة من أهل الخير، وبتوفيق الله وتسديده، ودعم ورعاية المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى الإمام السيد محمد رضا الكلبايكاني تم هذا الأمر وافتتح مبنى مؤسسة (دار الإسلام) في لندن في احتفال المولد النبوي الشريف، الذي أقيم يوم السبت السابع عشر من ربيع الأول 1414هـ، الموافق الرابع من أيلول 1993م، وشارك فيه جمع من العلماء والأدباء والشعراء الَّذين أحيوا الذكرى العطرة بولادة الرسول الأكرم، محمد بن عبد الله (ص) وحفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، وباركوا افتتاح هذا المركز الإسلامي في لندن، وبدأ المركز بفتح أبوابه لجميع المسلمين، وممارسة أنشطة ثقافيّة واجتماعيّة متعدّدة، والتصدّي لحل مشكلات الجالية الإسلامية في جوانبها الاجتماعية والتربوية والعائلية وغيرها.

وبعد سقوط النظام البعثي الجائر في العراق سنة 2003م بدأ العمل على فتح فرع للمؤسسة في العراق بعد أن تنادى بهذا المشروع بعض العلماء والمثقفين، وأصحاب الاهتمام بالشأن العام، والتعليم والثقافة والتربية والخدمات الإنسانية، وذلك من منطلق الشعور بالمسؤولية في الاهتمام بالوعي الثقافي والعلمي وتقديم الخدمات الإنسانية والاجتماعية لأبناء الشعب العراقي الكريم الذي تعرض إلى عمليات مسخ وتجهيل وإحباط واضطهاد تأريخي من النظام السابق، ومن أجل بناء صروح الحضارة والعلم والثقافة والأدب والتراث في العراق الجديد.

وكان لسماحة العلامة السيد حسين إبراهيم بركة الشامي دور المبادرة والتأسيس لهذا المشروع الحيوي في العراق الذي يهدف إلى إعادة العراق إلى موقعه الحضاري المتقدم كما كان في عصره الزاخر بمعاهد العلم ومراكز الأدب والعطاء والثقافة والتنمية، فضلاً عن دوره المعطاء في التكافل الاجتماعي والتضامن الإنساني وإيجاد حالة التوازن المجتمعي بين أفراد شعبه بمختلف شرائحه وفئاته.

وبعد مداولات ومشاورات في هذا الصدد تم الاتفاق على فتح مؤسسة دار الإسلام الخيرية في العراق للقيام بهذه المبادرة المباركة.

وقد أخذت المؤسسة على عاتقها تحقيق أهدافها الكبيرة مساهمة في بناء الإنسان والحياة الثقافية في العراق، وإبعاد المجتمع عن حالات القلق الأمني والإرهاب الفكري والصراعات الداخلية.

ومن هذا المنطلق تدعو المؤسسة كل الوجودات الخيرة والشخصيات العلمية ذات الاهتمام بالثقافة والتربية وبناء الإنسان العراقي الذي تعرض إلى أبشع أنواع الإرهاب الفكري والحرمات، والتصفيات الجسدية المستمرة إلى التعاون معها في هذا المجال، وكذلك المؤسسات، والمراكز الثقافية والاجتماعية ذات الاهتمام المشترك أن يمدوا يد العون والمساعدة جميعاً يداً بيد من أجل إنقاذ الإنسان والسير به نحو سلم الكمال والوعي والتقدم والازدهار، والله الموفق.

أشعار قيلت عند افتتاح المؤسسة

أرخ عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي افتتاح المؤسسة بأبيات بعثها، وهي:
كتب الله (للحسين) السلامة *** ورعى سعيه وصان مقامه
فلقد شاد في مساعيه صرحاً *** شامخاً خادماً به إسلامه
وسخت فيه أنفسٌ أجزلَ اللهُ *** لها بالعطاء يوم القيامه
يردُ الداخلون فيه بنبع *** فجرته نبوةٌ وإمامه
قلتُ للمسلمين أرختُ (هيا *** حيث دار الإسلام دار الكرامه)

قصيدة العلامة الأديب السيد حسين محمد هادي الصدر في ذكرى المولد النبوي الشريف وافتتاح دار الإسلام
إطلالة النور
بوجهك حالك الكون استنارا *** وعنك البدر من خجل توارى
ترقبك الزمان فتوحُ وحي *** وعاشت في مطامحه انتظارا
ولا عجبٌ إذا ما الرسلُ أثنت *** عليك وزفت البشرى مرارا
ألست عظيمها شأناً وقدراً *** وسيّدها وأكرمها نجارا
وأرفعها ليوم الحشر ذكراً *** وأعلاها شموخاً واقتدارا
(محمدُ) جئتنا فانهلّ فوحٌ *** من البركات وانهمرَ انهمارا
وُلدت لهذه الدنيا ربيعا *** تموج بنفح ما أعطى اخضرارا
وكنت لزاهر الأخلاق نبعاً *** يفيض فيوسع الدّنيا ازدهارا
بكَ الإنسان أدركَ ما تمنّى *** وبالإيمان قد أمنَ العثارا
وكان يلف دنيانا ظلامٌ *** وحين طلعتَ أطلعتَ النّهارا
رسولَ اللهِ، في دمنا ولاءٌ *** جرى في كل جارحةٍ وسارا
ونحن بنوك أنساباً ودينا *** وفيك نخوض إن خضنا الغمارا
نعاني فيك ما عانيتَ فينا *** ونحسبُ كلّ ما نلقى انتصارا
بكَ انطلقت مواكبنا وسارت *** مجانبة (يميناً) أو (يسارا)
تهون التضحيات وإن تسامت *** إذا ما كنتَ تحتضنُ المسارا
وعيدُك للبرية مهرجانٌ *** به حشد الفضائل قد تبارى
وأنت الصبحُ إشراقاً ولطفاً *** يطل فيملأ الدنيا انبهارا
صروحُك هاهنا تُبنى لتبني *** وتحمل نهجك الهادي شعارا
بطيبك يا أبا الزّهراء طابت *** وقد كرمت ندى وسمت فخارا
وفي هذي الحصون نصون جيلاً *** ونحمي من عقيدتنا الذمارا
(حسين) أقمتَ للإسلام داراً *** فكانت في دياجينا منارا
بأنوار النبي تشع شمساً *** وتغمر بالسنا مهج الحيارى

قال الشاعر العراقي جواد جميل أبياتاً تؤرخ الافتتاح:
دارٌ بتقوى الله قد أُسّست *** تعصمُ أهليها من النّارِ
قامت على الإيمان في لندنٍ *** ويهتدي في نورها الساري
في مولد المختار قد فُتّحت *** أبوابُها عن سلسلٍ جارِ
فهي لآل المصطفى دوحةٌ *** قدسيّة شعّت بأنوارِ
الفكرُ في أرجائها وردةٌ *** قد غرستها نفحةُ الباري
و(السيد الشامي) أرسى بها *** قواعداً ليست بأحجارِ
لكنها من كلمٍ طيب *** ثبّتها الحقُ بإصرارِ
والوحي مذ طاف بها أرختْ *** (قد أشرق القرآنُ في الدّارِ)

قصيدة السيد حسين الشامي بعنوان عبق المولدين في ذكرى المولد النبوي المبارك وافتتاح المؤسسة:
بمكّة بدرٌ للنّبوّة أشرقا *** فحطّمَ أصنام الضّلال وأحرقا
وألبسها ثوباً من الله عابقاً *** بطهر وثوبَ الجاهليّة مُزّقا
وعلّمها أنَّ الحياة بذلةٍ مماتٌ *** وموتَ المرء عزاً هو البقا
وسيّرها في موكبِ المجدِ والعُلى *** فأضحتْ تقودُ المجدَ ضمآن مُرهقا
وليد وجبرائيلُ يحضنُ مهدَهُ *** ليفتحَ كوناً كان بالإثم مغلقا
وغار حراءٍ وهو بالأمس ظلمة *** فأصبح بعد الوحيِ نوراً تدفّقا
لتمضي جموعُ المتعبين بهديه *** وتُعطيه عهداً في المسير موثّقا
وحَفّت به كلُ القلوبِ لعلّها *** تروّي الأماني الظامئات إلى اللّقا
فراح يُداوي الجرحَ بعد ضياعها *** ويمنحها جُنحَ الخلودِ المحلقا
حناناً رسول الله شكوى نبثُّها *** فأنتَ بنا قد كُنتَ بَرّاً ومُشفقا
فأمتُك الحيرى تباعد خطوهها *** وأرهقها التّطوافُ غرباً ومشرقا
فمدَّ لها كفّاً تلمُ شتاتها *** فوالله كادت أن تضيع وتَغرقا
وهذي ديار المسلمين تحطّمت *** عُراها وكانت قد أقيمت على التّقى
فجرحٌ ببغداد أطال عذابنا *** وجرح فلسطين السّليبة أرّقا
ولبنانُ ما زالت تشدُّ جراحها على *** الثأر لم تعرف سوى الرفض منطقا
وتلك سراييفو جراحٌ خضيبةٌ *** عليها صليبُ الحقد بالموت أطبقا
وفي مصرَ أو وهرانَ صوتٌ معذّبٌ *** تلوحُ لنا أشلاؤه الطّهر بيرقا
وينشد رغم الموت أنشودة المنى *** ويبقى بآفاق السّماء مُحدّقا
سلاماً أبا الزّهراء بيعة عاشقٍ *** صدقنا بها والغيرُ فيها تشدّقا
عشقناك قلباً ينثر الحبَّ والهُدى *** وليس عجيباً أن نحبَّ ونعشقا
وآلك آل البيت في القلب خفقةٌ *** وفي الرّوح إحساسٌ ونهجٌ تعمّقا
ففي جعفرٍ نبراسُ علمٍ وحكمةٍ *** ووهجُ عطاءٍ هاشمي تألّقا
فبين يديه أوقف العلمُ ركبَه *** وباتَ بأهداب الهُدى متعلّقا
لينهل منه الخيرَ والفضل والنّهى *** فقد كان فيها صادقاً ومصدقا
ويا دارة الإسلام حسبك مفخراً *** بأنّك قد أصبحت للفكر خندقا
تلمّين أشتات القلوب على الهدى *** وتبنين صرحاً للدّعاة موفقا
تُدارين جرحَ الغربة المرّ والعنا *** لنبلغ شأو المجد في الله مرتقى
وحسب نشيدي أن يظل مدويا *** فقد صار حرفي شاعريا مموسقا
ويا أيها الأحباب بورك جمعكم *** ويا دارة الإسلام بوركت ملتقى
عصرتُ بها حبّاتِ قلبٍ معذّب *** تمرّد لم يرهب من الموتِ مأزقا
ولكنّني وزعته اليومَ بينكم *** فُتات ورودٍ كي تفوحَ وتعبقا